|
رواية (حساء الوطواط) ح12
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 13:11
المحور:
الادب والفن
لا يبدو أن هناك تجاوب كبير مع حظر التجول في الشوارع القريبة من سكن السيدة ميمي ولا حتى في عموم المدينة، وقد لا يدرك البعض أهميته أصلا ولكن كبداية يمكن أن تشعر السيدة أن الأيام المقبلة قد تشهد تجاوب أكثر، أعداد الإصابات المسجلة والفزع الأجتماعي من الإصابة بالوباء يساهمان بشكل أو بأخر في تطبيقه ربما بشكل أكثر أنضباطا، ما يلفت الأنتباه حقا أن هناك شعور عام بأن الوقت الذي مضى كان هناك تقصيرا متعمدا من جانب الدولة في مواجهة المرض، حتى وسائل الإعلام لم تكن على القدر المؤثر في حسم موقف الناس نحو التجاوب مع دعوة الحجر الطوعي وإلتزام المنازل حماية لهم من أثار الكورونا. قد يكون وضعها المؤمن نسبيا وعدم حاجتها للخروج سببا في هذه الرؤية فالناس ليست كلها مثل ميمي، لديها الكثير مما يجب عمله ولديها الكثير من الوقت المتاح لتفهم ما كان يدور من حولها دون أن تفهم أصلا ما يدور، بعض الملفات أستطاعت أن تفتحها بمساعدة صلاح الذ أرسل الكثير من البرامج التي لا تعرفها ولم تكن بحاجة لها من قبل، كميات ضخمة من الوثائق والصور والمعلومات التي تحتاج إلى ترتيب ودراسة لتخرج منها بصورة يقينية عما هو مكنون عنها سابقا، وأيضا هناك ملفات أخرى لم تنجح في فك شفرتها وبقيت مغلقة تحتاج إلى خبرة ماهرة لذلك. تتابع أيضا ما يدور في عالم السياسة وما يشغل بال السلطة الآن من إعادة ترتيب الأمور، فقد ساهمت حركة الوباء في تخفيف وهج التظاهرات وأبطأت بشكل لافت من مد القتل والأختطاف الذي يتعرض له المتظاهرون، هناك مرشح جديد كلف بتشكيل الوزارة بحثت عنه في كل المواقع والإخباريات وعن كل ما يتعلق به، هالها ما قرأت من أراء متناقضة بشكل يوحي أن العراق لن ينجو من المهلكة السياسة في يوم ما، أيقظت هذه الحقيقة في داخلها الرغبة في فهم كل ما يجري حتى لو كان ذلك لا يسعدها بل يبعد الأمل في الخلاص ممن جاء نتيجة لهذا الوضع، تشعر الآن أنها كانت مجرد رقم في عدد يبلغ الملايين من العراقيين الذين لا حس لهم ولا خبر ولا رأي فيما يدور. أيقنت ميمي من وقائع ما صنعته الكورونا في العالم اليوم ربما حقيقة لم يدركها الإنسان جيدا بالرغم من أنها تكررت عليه مئات بل ألاف المرات... حقيقة (الخوف أول درجاته الجبن.... ونهايته الأكيدة الموت بكل تدرجاته وألوانه)... كما وهي لم تدرك أنها ربما عاشت واقع الخوف والحذر الذي لازمها طويلا من كل شيء وأي شيء فغابت بوعيها خلف جدران اللا مبالاة لتتجاوزه، تقول في منشور لها على صفحة الفيس بوك خاصتها... أنها عرفت بأن الخوف يقتل في الإنسان قدرته على الرؤيا الصحيحة بشكل ما.. بالتأكيد ودوما ما ضاع بسببها، أستنتجت من ذلك لماذا تلجأ الحكومات المأزومة والسلطة التي لا تنبع من ضمير المجتمع لنشر ثقافته وقوانينه... هل لتدجين الناس وإخراسهم أم أن ذلك من طبيعة السلطة حينما لا تكون مشروعة تتصرف هي الأخرى بخوف معاكس، ختمت منشورها وبالمناسبة هذا هول أول ما تكتب منذ أن فتحت صفحتها قبل أسابيع.. (أن من كان يقتل المتظاهرين ويروعهم ليس أكثر من أدوات السلطة ولسانها المسلح وعقلها المهزوز حتى لا ترى الناس الحقيقة كما هي، فتقاوم)... الموت البطيء يقتل الرغبة في الكلام والصمت أيضا ولا مجال أبدا حتى أشتهاء الحركة.. النتيجة المرة تصل لنا معلبة كالهدايا (إلتزام الصمت المطبق) حتى تصلوا إلى الصمت المطلق... فنعود إلى حفر القبور، هنا قررت ميمي أن تستبدل لعبة الموت المباشر التي أبرمته مع نفسها إلى لعبة جديدة هي تحدي الخوف بالكلام ومهما كان الثمن. في شريط ذكرياتها المسترجع مشاهد قاتمة في سوداويتها ولا حصر لها من دالات الخوف والرعب، في الصف الأول الابتدائي تقريبا تتذكر بألم كيف كان العم (أبو حسن) حينما يحضر إلى غرفتهم في بيت السيدة أم ماريا كل شهر وأحيانا أكثر أول أقل، ذلك الذعر المصاحب لوجوده أو حتى في حالات ما حين تتذكره أو يذكر أسمه... تخاف من تلك اللحظات التي تصيبها بالدوار وهي لا تعرف ماذا يدور، كان يغتصب والدتها بقوة بعد أن يجبرها أن تلتصق بالجدار وهي مغمضة العينين، لا يسمح لها أن تتكلم أو حتى تبكي... وإلا أعادهما إلى المكان الذي لا يرحمهما أبدا، مرت سنين طويلة على هذا الوضع كانت أمها مستسلمة تماما ولم تقاوم كأن قدرها أن تغرق في بحر الأحزان والخوف. في المدرسة أيضا تتذكر حينما كانت تنتظر أمها أن تأخذها للبيت بعد أنتهاء عملها في أيام ما يكون دوامها مسائي، كان الحارس يجلسها في حضنه لتقص له ما يدور في غرفتها، يسألها عن أدق التفاصيل، ببراءتها كانت تسرد كل شيء وهو يمسد لها شعرها ويشتري لها حلوى ونسائل، كان لطيفا معها.. يلعب معها... يقص لها قصص قصيرة حتى تأت والدتها... عرفت الأم أن أبنتها في أمان مع هذا الرجل.. لم تقلق أو تخاف منه يبدو أنه حريص على الطفلة جدا... حينما كانت تقص له ما يجري بين أمها والعم أبو حسن.... في مرة من المرات طلب منها أن تشير إلى أمكان في جسدها ليعرف كما قال لها ما يدور مثلما نشاهد التلفزيون.. ترددت في أول الأمر وخافت... أخبرها أن سيخاصمها ويتركها في الشارع ليعبث بها الناس... طلب منها أن تخرج الآن وسيغلق أبواب المدرسة.. وافقت وبدأت تحكي القصة كالمعتاد وهي أشبه ما تمثل الحالة كما تظن. هكذا دجن الحارس الفتاة الصغيرة ليمارس معها الأغتصاب الجسدي والروحي مرات ومرات، والعنوان الدائم كان الخوف من أن يتركها خارج المدرسة كل مساء لحين عودة أمها، ما أنتهى العام الدراسي والذي شهد لأول مرة في حياتها تراجعا في مستواها الدراسي الذي كانت عليه، لتبقى مع (بيبي أم مريانا) طول النهار في مأمن من الخوف والرهبة من تذكر تلك الأوقات التي يفترسها فيها الحارس بعيدا عن أعين القانون والضمير، لقد جرب معها كل ما يمكن أن تتحمله طفله بعمرها من ممارسات جسدية، حتى أنها تفزع كثيرا حينما تنام وكأن كلبا كبيرا يأكل جسدها فتصحو على ألام جسدية وبكاء هستيري لا ينتهي حتى تتعب من البكاء. إم مريانا لم تنجو من متلازمة الخوف هذه، فكلما يصل خبر أو تتلقى مكالمة أو رسالة من أولادها، لا بد أن تطرق الأبواب لا بد في كل مرة، طلب معلومات... مختار وأستمارة...الرفيق يسلم عليكم صارت هذه الكلمات جزء من لغة المكان المريضة بداء الصمت والاهتزاز، لو تشكل جيشا من مليون امرأة من أمثال أم مريانا وأم ميمي لا يمكنهم أن يتغلبوا على شرطي أمن يجوب الحارة كل يوم يتشمشم الأخبار كالقطط الجائعة، تعرفون لماذا.... هذا ما كتبته ميمي كمنشور ثاني في صفحتها على الفيس بعد أن شهدت تجاوبا كبيرا مع منشورها الأول.... كانت أدق العبارات التي وردت قول أحدهم (لأن الرجال قوامون على النساء).... ردت إحدى المعلقات ولكن في العراق الرجال أنقرضوا تقريبا إلا بقية ... أما مدعي القوامة هو من ذكور الحيوانات التي تلتهمن الإناث بعد المزاوجة. لم تنتهي قهريات الخوف من حياة ميمي حتى بعدما صارت زوجة ولديها من يحميها من ذئاب المجتمع، حاولت مرة أن تبحث عن حقوقها التي لا تعرف أين ذهبت وهي وريثة شهيد ولديها أموال كانت مودعة في دائرة رعاية القاصرين، هيأت كل أوراقها ومستنداتها وذهبت لمدينتها لتعرف كيف تسترجعها بعد أن زال القصر القانوني عنها، لم تجد غير بقايا راتب كان يصرف لها ويودع جزء منه في صندوق رعاية القاصرين، كل ما أمكن جمعه لا يساوي في حينها ثمن عريضة تكتبها ورسم مستقطع وتصوير الأوراق والوثائق وبالتالي تبقى مدينة أيضا، حتى نصف الأرض المسجلة باسمها لم يعد بإمكانها التصرف بها فقد شيد متجاوز غريب عليها دارا ويدعي أنه أشتراه من العم أبو حسن، هددها لو عادت سيكون مصيرها القتل، ذهبت لأستشارة محامي فكان الجواب محبطا لا بد من سلسلة من الدعاوى والمشاكل وقد لا تنجح بالحصول على أي شيء، من الأفضل التفاهم مع الرجل والتراضي بمبلغ بسيط أو أنتظار الكثير من المفاجآت الغير مسرة، تركت كل شيء وعادت أدراجها إلى بغداد دون حل. أحيانا كثيرة يبقى القانون عاجز عن حماية الإنسان حينما يكون من يحمي القانون أضعف منه، أو ربما لا يستطيع أن يجسد روح العدالة بشكل مرضي، لو صرحت ميمي عن كل الأنتهاكات التي لاقتها في حياتها والتخلص من تراكم الخوف الكامن في النفس حتما ستكون ضحية مرة أخرى وبوحشية أشد، ربما لأن مجتمعنا لا يضع نفسه موضع الضحية وشعورها بالظلم لأنه أستمرأ المرارة ولم يعد يتذوق نقيضها، ستتحول ميمي حينها إلى دمية تمثل الشيطان والكل يرجمها بحجارة الطهارة المقدسة والمزعومة، ستتحول إلى لعنة على ذاتها فهي المخطئة وهي الفاسقة وهي سليلة خيانة وووو وبالتالي عليها أن تبتلع كل ذلك التاريخ المؤلم وتكتفي بالحسرة، هذا خوف أكبر من أن تواجه به مجتمع لم يتذكر أخر مرة تطهر بها من ذنوبه. ليست سادية أن تخضع في كل مرة للخوف والعذاب حتى وإن أصبحت سيدة لها وجودها المستقل، بعد موت زوجها سلام وما رافق ذلك من أحداث وديون وناس تطالب بأموالها التي أقترضها زوجها منهم، جاء الشيطان بلباس ملاك وتبرع أمام الجميع بأنه سيسدد ما تبقى من ديون بدلا عن المرحوم، لم يك يفعل ذلك دون أن يوقع ميمي على أوراق تثبت حقه في ذمتها، فهي خضعت تماما لنزواته وعملت كل هذه السنين بالمجان فما زالت تلك الأوراق مخفية ولم تستنفذ ما فيها من قوة، لذا فهي مجبرة أيضا أن تعود لسقيفة الخوف من الحبس والخوف من المجهول إن تركت الكنغ أو حاولت طلب حريتها منه. الخوف في كل مكان الشارع مخيف .... البيت مخيف... الإنسان بحد ذاته كائن مخيف حتى لو أراد أن يكون طبيعيا فهو في الأخر نتاج مجتمع مخيف، كتبت هذا في منشور جديد تطلب فيه من أصدقائها الأفتراضيين على الفيس بوك التعليق، الكل تقريبا أجمع على أن الأمر قد يكون شخصيا أو لربما ممكن أن نتجاوزه بواقعية، فقط هناك تعليق شدها بقوة (الخوف من الخوف هو مرض يمكن معالجته حتما من خلال قتل الخوف ومواجهة الواقع حتى لو ذهبنا لأخر الحد.... الموت في النهاية هو نهاية الخوف... لا بأس أن نحاول .... بل الواجب أن نحاول)، قتل الخوف هو الحل... ولكن عندما يملك الإنسان أداة حقيقية لقتله وإلا لا يمكن أن تنزل إلى حلبة القتال وأنت لا تعرف من تقاتل وبدون سلاح متناسب، النصر إذا يكمن في معرفة الخصم والأستعداد له.... يمكنني الآن أن أفعل ذلك ولكن بحاجة إلى مزيد من الوقت لأتدرب على مهارات المنازلة ولبس قفازات الملاكمة كأي لاعب محترف.... أين أنت يا صلاح.. بعثت برسالة على الهاتف تسأله أن يرد على رسائلها السابقة فهي بحاجة لمدرب محترف لم يعد هناك من وقت قد تبدأ المباراة في أي وقت.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخاريف عراقية في زمن الكورونا
-
رواية (حساء الوطواط) ح11
-
رواية (حساء الوطواط) ح10
-
رواية (حساء الوطواط) ح9
-
هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
-
رواية (حساء الوطواط) ح8
-
رواية (حساء الوطواط) ح7
-
رواية (حساء الوطواط) ح6
-
رواية (حساء الوطواط) ح5
-
رواية (حساء الوطواط) ح4
-
رواية (حساء الوطواط) ح3
-
رواية (حساء الوطواط) ح2
-
رواية (حساء الوطواط) ح1
-
عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.
-
العراق .... بعين العاصفة.ح2
-
العراق .... بعين العاصفة.ح1
-
حسابات الوهم وحسابات الدم
-
من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح11
-
كتابات يتيمة قبل الرحيل
-
من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح10
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|