|
الفساد في اليمن
محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)
الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 05:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
" التغيير" ـ خاص: حصل " الحوار المتمدن " على النسخة الكاملة للدراسة الميدانية التي أجراها الدكتور يحي صالح محسن ، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ، والتي تتناول الفساد في اليمن بصورة علمية مميزة.وهي الدراسة التي سبق ونشرتها أسبوعية " الثوري " على حلقات. إن الفساد ، بحسب المركز البرلماني الكندي والبنك الدولي و الوكالة الكندية للتنمية الدولية ، هو إساءة استخدام المنصب العام من أجل تحقيق المكاسب الشخصية أو لمصلحة شخص أو جماعة ما ، ويحدث الفساد عندما يقبل المسؤول أو الموظف العام المال أو يلتمسه أو يغتصبه ، أو عندما يعرض الوكيل الخاص المال بغرض التحايل على القانون تحقيقاً للمنفعة التنافسية أو الشخصية ... كما أن الفساد هو شكل من أشكال السرقة ، الذي تتحول فيه الأموال العامة عن خزينة الدولة ، وكثيراً ما تنقل إلى خارج الدولة بدلاً من إستثمارها لجلب المنفعة العامة .
أصبح الفساد آفة خطيرة ومدمرة تبتلع مقدرات وموارد التنمية ، وتجهض الجهود الرسمية والشعبية وأية محاولات تجاه الإصلاح الاقتصادي – الاجتماعي.
إن الفساد وهو أحد التهديدات الكامنة لجميع الأنظمة السياسية والاقتصادية يستنزف موارد البلاد الشحيحة ويحرم خزينة الدولة منها ، ويعطل القدرات الحكومية والمجتمعية نحو الإصلاح والتقدم ، ويقف حجر عثرة – إلى جانب عوامل أخرى – أمام قدوم وتفعيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية والاستفادة منها ... ويفاقم من أزمات الفقر والبطالة .
يلعب الفساد دوراً خطيراً في تشويه المنظومة الاخلاقية والقيمية – الثقافية داخل المجتمع ... مايزيد من عمق الأزمة وتداعياتها على كافة الصُعد والمستويات ، أهمها تعثر عمليات الإصلاح والتنمية الاقتصادية .
وفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2005م ، الصادر تحت مسمى " مؤشرات رصد الفساد " صُنفت اليمن بعيداً عن الشفافية ، واحتلت المرتبة 106 في ذيل قائمة دول العالم ، كأحد البلدان الأكثر فساداً .
الفساد وإن كان يمثل ظاهرة عامة في الكثير من بلدان العالم المتقدمة والمتخلفة ، وبنسب متفاوتة ، إلا أن ظاهرة الفساد في اليمن يُنظر إلى تبعاتها ونتائجها الخطيرة على أنها أشدَّ وطأة وضرراً مما هو في بلدان أخرى بسبب شحة الموارد والإنتاج الاقتصادي المتواضع ، وأعباء التنمية الملقاة على عاتق الحكومة تجاه عدد سكاني كبير مُثقل بالفقر والبطالة ومتطلبات لا تحصى ، اقتصادية خدمية واجتماعية ، صحية وتعليمية وثقافية ... الخ .
* أجريت الدراسة الميدانية خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2005م . * تحدد مجال الدراسة في مدينة صنعاء ، كونها عاصمة البلاد ، والمركز الإداري والمالي والاقتصادي الرئيس ، الذي تتركز فيه سياسات وقرارات السلطات المركزية بما فيها الحكومية والرئاسية ، كما أن صنعاء هي العاصمة التي تعقد فيها معظم الاتفاقيات وصفقات المال والتجارة والمقاولات المحلية والدولية. *استهدف الاستبيان ثلاث شرائح اجتماعية هي : موظفين / مثقفين : وهي الشريحة الأوسع انتشاراً والأكثر تفاعلاً مع محاور واتجاهات الدراسة كما أثبتت ذلك نتائج الاستبيان ، الذي وزع عليهم في مرافق العمل الحكومية ، وفي المنتديات والتجمعات الثقافية.
رجال الأعمال : باعتبارهم أحد شركاء الحياة الاقتصادية وأحد الأطراف الهامة ذات العلاقة المباشرة بالفساد وبتعاملات المال والصفقات ، وباعتبارهم هدف سهل ومتكرر لأطراف الفساد المتنفذة … حيث تم التواصل معهم فرادى بصورة شخصية أو عبر مؤسساتهم المعروفة كالغرفة التجارية للعاصمة صنعاء والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية والمجلس اليمني لرجال الأعمال والمستثمرين .
موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة : وهي شريحة ، وإن كانت صغيرة ، إلا أنها في غاية الأهمية ، كون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هو الجهة الأولى المسؤولة عن عمليات الرقابة المالية والمحاسبية ، وبالتالي عن ضبط عمليات الفساد في كافة المرافق الحكومية وحتى في الجهات الأعلى ، أو هكذا يفترض … ، حيث تم توزيع الاستبيان على هذه الشريحة بصورة فردية مباشرة في مقر عملهم (الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة).
* بالنسبة لمحتوى الاستبيان فهو إجمالاً مكون من 42 سؤال وينقسم إلى جزئين : الجزء الأول : يحتوي على 31 سؤالاً وهو الجزء العام الذي تشترك في الإجابة عليه الثلاث الشرائح المستهدفة مجتمعة (موظفين ومثقفين / رجال أعمال / موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) حيث تضمن الاتجاهات الأساسية التالية :- التقييمات العامة لمستوى الفساد والآراء المختلفة عن الظاهرة. احتمالات التعامل أو الإسهام المباشر في ممارسة الفساد. الآراء حول نمط المركزية الشديدة في النظام المالي الذي تعتمده وزارة المالية. وجهات النظر في مدى حضور العمل المؤسسي من عدمه ، وفي أساليب الإدارة الرسمية التي تنتهجها سلطات الدولة. أهم مرافق وهيئات الدولة التي يتفشى فيها بصورة أكبر وباء الفساد. أسباب تفشي الفساد ، والأطراف التي تتحمل مسئوليته. دور الأجهزة الرقابية والقضائية في هذا الصدد ، وأسباب تعذر قيامها بالمهام الموكلة إليها. الانطباعات المختلفة حول عمليات تسييس أرقام ومؤشرات قاعدة البيانات والإحصاءات الرسمية. القطاع النفطي ومدى استشراء الفساد في مفاصله. علاقة الفساد المالي والاقتصادي بالفساد السياسي. علاقة القوى التقليدية المتنفذة بإفساد المناخ الاستثماري والاقتصادي. ازدواجية العمل في المناصب العليا لرجالات الدولة ، والاشتغال بالأعمال الحرة في وقت واحد. مدى إسهام القطاع الخاص ومدى مسئوليته في تفشي ظاهرة الفساد. التقييمات العامة لنجاح أو فشل السلطة في الإصلاحات المالية والإدارية وفي محاربة الفساد ، بل مدى جديتها ونواياها في مواجهة هذه الظاهرة. الجهات والأطراف المعيقة لسياسات مكافحة الفساد ، والاتجاهات المفترض فيها أن تشكل نقطة الانطلاق لمحاربة ظاهرة الفساد. أما الجزء الثاني : من الاستبيان فهو مخصص فقط لشريحة رجال الأعمال اليمنيين ويحتوي على 11 سؤال (32-42) ، توزعت على المحاور التالية : مفاصل وبؤر الفساد المعيقة لعمليات الاستثمار ولنشاطات رجال الأعمال. مدى استشراء الظاهرة في جهازي الجمارك والضرائب ، والنسبة التقديرية لما تفقده خزينة الدولة جراء فساد الأجهزة الضريبية. التلاعب الحكومي بالعروض والمناقصات في اللجنة العليا للمناقصات. كيفية تعامل وزارة المالية مع مستحقات المستثمرين. تقييم مستوى إنصاف الأحكام القضائية ونزاهة القضاء في حسم النزاعات التجارية. تقييم هامش المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص في السوق. تقييم البيئة الاستثمارية للبلاد ، هل هي جاذبة أم طاردة ، وهل يرغب رجال الأعمال في البقاء والاستثمار داخل البلاد ، أم نقل استثماراتهم إلى خارج الحدود.
بحسب بيانات الجدول رقم ( ) فقد تم توزيع 650 استمارة استبيان ، غطت الثلاث الشرائح المستهدفة ، وبواقع 500 استمارة لشريحة الموظفين / المثقفين ، و110 استمارة لرجال الأعمال ، ثم 40 استمارة لموظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. وعن الكيفية التي تعاملت بها الشرائح الثلاث المستهدفة مع استمارات الاستبيان، نورد الملاحظات التالية: أن فئة الموظفين / المثقفين كانت أكثر الفئات تجاوباً وتفاعلاً مع أسئلة الاستبيان، فمن إجمالي 500 استمارة تم توزيعها ، إعيدت412 استمارة أي ما نسبته 82%.
بالمقابل كانت شريحة رجال الأعمال هي الأقل تجاوباً مع الاستبيان ، إذ لم تعد من الاستمارات الـ110 الموزعة عليهم سوى 44 استمارة ، وبما نسبته 40% فقط ، أي اقل من نصف الاستمارات الموزعة ، ( فقط بمايزيد قليلاً عن ثلثها ).
ثم تأتي فيما بين الشريحتين السابقتين فئة موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، لتسجل حضوراً وتفاعلاً نسبياً أفضل من حضور رجال الأعمال وأقل من الموظفين / المثقفين ، حيث بلغت نسبة الاستمارات المعادة بعد الإجابة عليها نحو 58%. من ناحية أخرى تجدر الإشارة بأن مجرد إعادة استمارة الاستبيان لا يعني بالضرورة تجاوباً أو تفاعلاً كاملاً مع الاستبيان وموضوعه ، إذ أتضح بأن هناك الكثير من تساؤلات الاستبيان تم إهمالها ، أو أن صاحب الاستمارة قد أحجم عن الرد عليها وتجاهلها ، وبالطبع أن الأمر لم يكن سهواً أو مصادفةً ، بل مقصوداً، بالنظر إلى طبيعة وحساسية بعض محاور الاستبيان ، وإن كان الأمر يختلف من شريحة إلى أخرى.
فمن بيانات الجدول ( ) يتضح بأن رجال الأعمال وحدهم قد امتنعوا عن الإجابة على 151 سؤال في 44 استمارة ، في حين اقتصرت تحفظات شريحة الموظفين / المثقفين على 84 سؤال فقط من مجموع الأسئلة الواردة في 412 استمارة. جدول رقم ( ) توزيع استمارات الاستبيان على الشرائح الثلاث المستهدفة ، ومدى تجاوبها معها عدد الأسئلة التي لم يجاب عليها في مجمل الاستمارات المعادة نسبة الاستمارات المعادة من إجمالي الاستمارات الموزعة عدد الاستمارات المعادة بعد الإجابة عليها عدد الاستمارات الموزعة الشريحة الاجتماعية الموزع عليها الاستبيان 84 سؤال 82% 412 500 موظفين ومثقفين 151 سؤال 40% 44 110 رجال أعمال 8 أسئلة 58% 23 40 موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة 74% 479 650 إجمالي
* إن أهم المحاور والأسئلة التي امتنعت فئة رجال الأعمال عن الإجابة عليها تتركز في الجوانب التالية: عمليات الرشوة والعمولات والأطراف التي تدفع لها. الموقف من تبعية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لرأس السلطة التنفيذية. الموقف من فساد السلطة العليا وتكريسها الفعلي لعمليات الفساد والإفساد. الموقف من اعتبار الفساد مدعوم من أعلى مستويات السلطة التنفيذية وأنه يشكل مع رموز القوى العسكرية والأمنية والقبلية النافذة " لوبي " منظم ومعيق لأي تحرك باتجاه مكافحة الفساد. حول التعديلات الدستورية الأخيرة والصلاحيات الرقابية لمجلس النواب. دور الأغلبية الكاسحة لممثلي الحزب الحاكم في البرلمان وما إذا كانت محبطة لعمليات الرقابة والإصلاح من عدمه . الموقف من السياسات الرسمية لتوريث الحكم ، وتعيين أنجال وأقارب كبار المسؤولين على رأس مفاصل الدولة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية. الرأي عن فساد جهازي الجمارك والضرائب ، وتقديرات نسبة الضرائب التي يذهب بها الفساد ولا تدخل خزينة الدولة. الرأي حول إجراءات التحايل والفساد في اللجنة العليا للمناقصات .. وأشكال المخالفات المرتكبة. مدى الرغبة في نقل استثماراتهم إلى خارج البلاد حيث النظام والقانون والضمانات.
يتضح مما تقدم أن الاستمارات التي لم تعاد ، أو الأسئلة التي أمتنع عن الإجابة عليها رجال الأعمال ، وهي في مجملها تلك المحاور المتعلقة بتعاملاتهم المباشرة ، إضافة إلى ما يمس الجوانب السياسية ومراكز النفوذ والفساد الفوقي في السلطة … هي عموماً تعكس حالة التخوف والحذر الشديد المسيطر على ذهنيات رجال الأعمال عند تعاملهم مع محتوى الاستبيان ، وتحوطهم من اقتحام المحذور تجنباً لعمليات الأذى والابتزاز التي تمارسها الأطراف المتنفذة – وما أكثرها - ، بالرغم من أن الاستمارات لا تحمل أسماء أصحابها ، ولا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى من تعامل معها .
* تحليل نتائج الاستبيان - الجزء العام(*) : أجمعت الشرائح الثلاث المستهدفة ، وبنسب عالية ، على استفحال ظاهرة ومستوى الفساد في اليمن ، إذ بلغت نسبته لدى شريحة الموظفين / المثقفين 96% ، ثم 91% لدى فئة رجال الأعمال . وحتى موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذين أعتبر 83% منهم أن الفساد قد أصبح ظاهرة مستفحلة.
كما اعتبرته الثلاث الشرائح (في السؤال 2) ظاهرة خطيرة ومضرة بالاقتصاد الوطني وبنسب تتراوح بين (75% - 86%) ، وبأنه إفساد وتعطيل لأخلاقيات العمل والمجتمع بنسب متفاوتة ما بين (50% - 63%).
فيما يتعلق بدفع الرشاوي ، (س 3) ، أتضح بان الموظفين / المثقفين الذين لا يدفعونها إطلاقاً لا تزيد نسبتهم عن 17% ، أي أن 83% منهم يدفعونها إما دائماً أو أحياناً ، ونفس النسبة تقريباً لموظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، كذلك رجال الأعمال الذين بلغت نسبة من يدفعها منهم إلى 87%.
معظم تلك الرشاوي والعمولات تدفع أساساً لمسئولي الحسابات والشئون المالية في الأجهزة والمرافق الحكومية إضافة إلى الوسطاء والأطراف النافذة ذات العلاقة، وخاصة في وزارة المالية ، بلغت نسبة المؤيدين لهذا الخيار في السؤال 4 ، ( 64% ، 77% ، 75% - بحسب ترتيب الشرائح ) .
وهو الأمر الذي يعزز من صحة الآراء التي تعتبر المركزية الشديدة التي تتبعها وزارة المالية ، بإجراءاتها البيروقراطية وبمركزة معظم عمليات الصرف عن طريقها ، وانتداب مدراء الشؤون المالية والحسابات والمشتريات من قبلها إلى كافة المرافق الحكومية … سياسة تسهم في زيادة حدة الفساد . حيث أكدت ذلك الشرائح الثلاث المستهدفة وبنسب عالية جداً كشريحة الموظفين / المثقفين بنسبة 98% ، ثم شريحتي رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة ، وهما الأهم في هذه الحالة ، بنسبتي 86% ، 92% على التوالي. (س 5).
وفي هذا الصدد أيضاً نجد في إجابات (س 6) أن نسبة 73% من الفئة الأولى ، الموظفين / المثقفين ، تعتبر قيادات ورؤساء المرافق والأجهزة الحكومية شركاء في الفساد ومساهمون فيه ، إضافة إلى أن 20% من نفس الفئة اعتبرتهم شركاء في الفساد بحكم مسئولياتهم القانونية والإدارية وإن كانوا لا يسهمون فيه. في حين أن فئتي رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة حمَّلتا رؤساء المرافق المسئولية المباشرة في الفساد كشركاء ومساهمون فيه بنسبتي 68% و51% ، على التوالي ، والمسئولية غير المباشرة بحكم مسئولياتهم القانونية والإدارية بنسبة 18% و 49% ، بالترتيب .
من جهة أخرى ، يرى معظم المستهدفين ، (س 7) ، بأن الإدارة في أجهزة الدولة والمرافق الحكومية لا تنتهج أسلوب العمل المؤسسي ، حيث أيد هذا الخيار 93% من الموظفين / المثقفين ، و82% من رجال الأعمال ، إضافة إلى 83% من موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة. واعتبروا في (س 8) أن استمرار الأوضاع الحالية في توجهات وأساليب إدارة الدولة سيكون مشجعاً لاستمرار عمليات الفساد ، (94%، 95%، 83%، بالترتيب).
لقد تفشى الفساد في اليمن خلال السنوات العشر الأخيرة بصورة كبيرة وبوتيرة متسارعة ، خاصة بعد الحرب الأهلية عام 1994م التي أخلَّت بالتوازن السياسي القائم آنذاك وأدت إلى إنفراد طرف واحد بالحكم ، بهزيمة المشروع التحديثي وتراجع إمكانيات بناء دولة المؤسسات ، وبالتالي الاستحواذ على السلطة والثروة ... وهذا ماأكدته نتائج الاستبيان (س 9) ، وبإجماع شبه كامل بأن الفساد الآن أكبر مما كان عليه قبل عشر سنوات (موظفين / مثقفين 98% ، رجال أعمال 96% ، موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة 100%).
أما بالنسبة للسؤال (10) المتعلق بوحدات الجهاز الحكومي الأكثر فساداً فقد أظهرت نتائج الاستبيان تأييد مختلف الشرائح المستهدفة للخيار (ك) ، المتضمن نصه انتشار الفساد في كل الوحدات الحكومية وفي كل مستويات وسلطات الدولة، (وإن كان بصورة تتفاوت من مرفق لآخر ومن مستوى لآخر) ، حيث بلغت النسبة لدى فئة الموظفين / المثقفين 71% ، ولدى رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة بنسبة 72% و58% بالترتيب. بينما نجد أن وزارة المالية بأجهزتها الايرادية المختلفة تعتلي هرم الفساد وتحتل أعلى مستوى له ، مقارنة بالجهات ووحدات الجهاز الحكومي الأخرى وبنسبة 87% ، 73% ، 98% (بحسب الترتيب السابق للشرائح المستهدفة). الملفت للنظر هو النسبة العالية الأخيرة (98%) التي أكدتها فئة موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، باعتباره الجهة الرسمية الأولى المسؤولة عن مراقبة وكشف عمليات الفساد ، ورأت أن ديوان وزارة المالية ووحداتها التابعة لها كالجمارك والضرائب والواجبات هي أكثر الجهات فساداً على الإطلاق. تأتي في المرتبة التالية – بحسب الشرائح المستهدفة - ، وزارة العدل والجهاز القضائي (73% ، 71% ، 83% بالترتيب) ، ثم وزارة النفط والمعادن بما فيها مؤسساتها وشركاتها المختلفة (71% ، 65% ، 92% بالتسلسل) … تليها وبنسبة عامة أقل كل من المؤسسات التعليمية ووزارتي الداخلية والدفاع ، (راجع نتائج الاستبيان)، وإن كانت هاتان الأخيرتان بسبب ارتباطها المباشر بالسلطة العليا قلّ من يعرف عنهما أية تفاصيل ، بما في ذلك الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يصعب ، بل يتعذر عليه غالباً الاقتراب من وحدات وزارتي الدفاع والداخلية ، ربما باستثناء إدارات المرور والأحوال الشخصية والجوازات … الخ. وبالمقابل أشارت نتائج الاستبيان – حسب ترتيب الشرائح – إلى أن كل من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (43% ، 41% ،25%) ووزارة الزراعة (42%، 39%، 33%) كانتا من أقل الجهات فساداً ، وإن بصورة نسبية. الجدير بالذكر أن العديد من استمارات الاستبيان قد أوردت إجابات إضافية بجهات ومؤسسات أخرى لم يرد ذكرها في الاستمارة ويتفشى فيها الفساد ، مثل وزارة الأشغال ومصلحة الطرقات والإدارة المحلية ومؤسسات الإعلام والمياه والكهرباء والمؤسسة الاقتصادية اليمنية … ، والبعض أورد كل من مكتب رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء ، إضافة إلى القروض التي يجري التعامل معها بأشكال فساد متعددة. أن تفشي الفساد في اليمن تتركز أهم أسبابه حسب ما أوردته الشرائح الثلاث المستهدفة في (س 11) وبالترتيب (موظفين / مثقفين ، رجال أعمال ، موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة) فيما يلي :- الانفلات والتسيب المالي والإداري : (67% ، 91% ، 83% بالترتيب). توجهات وثقافة وأسلوب إدارة الحكم ، باعتبار الفساد أحد مرتكزاته : (73% ، 69% ، 61% بالترتيب). فساد القضاء وعدم اضطلاعه بدوره : (60% ، 59% ، 75% بالترتيب). غياب الإرادة السياسية العليا في مكافحة الفساد : (75% ، 73% ، 83% بالترتيب).
وتؤكد النقطة الأخيرة إجابات السؤال 12 بأن السلطة العليا تتحمل مسئولية تفشي وتكريس الفساد أكثر من الحكومة ، إذ لم تتجاوز إجابات الشرائح المستهدفة التي تحمل الحكومة أكثر مسئولية الفساد سوى 4% ، 7% ، 5% (بالترتيب السابق) ، بينما وبالمقابل ، حمَّلت السلطة الأعلى مسئولية أكبر بنسبة 38% ، 17% ،31%، وكلا الطرفين بنسبة 58% ، 76% ، 64% ، بنفس الترتيب ، وهو الأمر الذي يؤكد إدراك الفئات المستهدفة بأن السلطة العليا ، وليس الحكومة ، تمتلك معظم صلاحيات السلطة التنفيذية وتتركز في يدها صلاحيات اتخاذ القرار النافذ ، وتتحكم هي ووزارة المالية بتوجيه دفة السياسات الاقتصادية والمالية والإدارية.
- يتضح ذلك أيضاً ،- وكنتيجة طبيعية لما تقدم ،- في الإجابة على السؤال (13) من ان كل من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابات الأموال العامة والجهاز القضائي – أي الأجهزة المعنية بمراقبة ومكافحة الفساد – وهي مرتبطة أصلاً بصورة مباشرة وغير مباشرة بالسلطة العليا في رئاسة الدولة وبتوجيهاتها وتدخلاتها ،- فلا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يتبع السلطة التشريعية والرقابية كما هو سائد في معظم دول العالم ،- ولا الجهاز القضائي مستقلاً ،- إذ جاءت الإجابات وبأغلبية تقترب من الإجماع لتؤكد بأن تلك الأجهزة لا تقوم بدورها الوظيفي المطلوب ،- وبنسبة (97% ،- 93% ،- 92% - بنفس ترتيب الشرائح). يلاحظ هنا أن النسبة الأخيرة (92%) هي لفئة موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة الذين تعترف أغلبيتهم بتهميش جهازهم وتعذر قيامه بالمهام المناطة به.
وحول أسباب تعذر اضطلاع الأجهزة الرقابية والعقابية بدورها المفترض ، تقاربت إجابات الثلاث الشرائح المستهدفة في الخيارات الأربعة للسؤال (14) ، وتراوحت نسبها العامة ما بين 50% و75% تقريباً ، معتبرةً كل من عدم استقلالية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتبعيته المباشرة لرأس السلطة التنفيذية (مكتب رئاسة الدولة) ، وفساد السلطة السياسية العليا وتكريسها الفعلي لعمليات الفساد والإفساد ، وعدم الفصل بين السلطات الثلاث ، إضافة إلى أن الفساد مدعوم من أعلى مستويات السلطة التنفيذية ويشكل مع القوى العسكرية والأمنية والقبلية النافذة لوبي منظم ومعيق لأي تحرك باتجاه مكافحة الفساد … جميع تلك العوامل وغيرها ، تمثل أهم الأسباب الموضوعية لشلل الأجهزة آنفة الذكر وعدم اضطلاعها بدورها المفترض.
- يضاف إلى ذلك التعديلات الدستورية التي تبنتها السلطة وحزبها الحاكم في 2001م ،- التي سلبت مجلس النواب معظم السلطات الرقابية وكافة صلاحيات اتخاذ القرار الملزم … وفي هذا الصدد جاءت آراء المستهدفين في ( س 15) متقاربة فيما بينهم وموزعة على اتجاهين :- من حيث أن السلطة التشريعية لم يعد لها أي دور رقابي فعلي تمارسه (32% ، 14% ، 25% - بحسب ترتيب الشرائح). أن الدور الرقابي للبرلمان قد بات محدوداً ولا يذكر ، وهو الأغلب ، (59% ، 58% ، 75% - بالترتيب ).
- إلا أن الملفت للنظر هو ما ورد في إجابات (س 16) التي حملت مجلس النواب وبنسبة عالية مسئولية تفشي الفساد (96% ،- 86% ،- 100% - بالترتيب) ،- ويبدو أن ما قصده المستهدفون هو تحميل مجلس النواب جانب من المسئولية وليس المسئولية كلها ،- وفقاً لصيغة السؤال ،- إضافة إلى أنهم ربما اعتبروا المجلس التشريعي ،- ومن الناحية النظرية لا العملية ،- هو المسؤول الأول عن الجانب الرقابي.
- وبالرغم من ذلك ،- إلا ان الشرائح المستهدفة قد أشارت وبإجابات محددة على (س 17) إلى أهم الأسباب التي يحملون فيها مجلس النواب غياب دوره الرقابي ،- وبالتالي مسئوليته عن تفشي الفساد – وإن كانت مسئولية جزئية وفقاً لما تبقى له من صلاحيات بعد التعديلات الدستورية – والمتمثلة في :- الأغلبية " الكاسحة " لممثلي الحزب الحاكم التي تحبط عمليات الرقابة والإصلاح، وربما دعمهم وتصويتهم لتمرير الكثير من العمليات والصفقات غير القانونية بتوجيهات عليا ، بما فيها تمرير طلبات الاعتماد الإضافي المتكررة سنوياً (84% ، 45% ، 92% - بالترتيب). التدني الشديد والهابط في المستوى التعليمي ، والقصور الفني والعلمي الواضحين في كفاءة معظم أعضاء المجلس (66% ، 50% ، 90% - بالترتيب). الخرق المتكرر للائحة الداخلية من قبل هيئة رئاسة المجلس ، وربما الضغوط وإملاءات السلطات العليا في الدولة (43% ، 36% ، 50% - بالترتيب). العجز عن ممارسة الوظيفة الرقابية للأسباب آنفة الذكر (56% ، 59% ، 67% - حسب ترتيب الفئات). نقطة أخرى أجمعت عليها نسبياً آراء الفئات المستهدفة ، (س 18) ، (موظفين / مثقفين 93% ، رجال أعمال – وإن بنسبة أقل - 85% ، موظفي جهاز الرقابة 92%)، المتعلقة بالشك وعدم الثقة في صحة الأرقام والمؤشرات والبيانات الإحصائية الرسمية حول تطورات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وأرقام " المنجزات " التي تظهرها وسائل الإعلام الحكومي ، بعد أن اعتادت الجهات المعنية بإصدار ونشر تلك البيانات خلال السنوات الأخيرة على تكييف وتسييس المؤشرات الإحصائية للدولة والتنمية ، للإيحاء بنجاح الإصلاحات وتحقيق المزيد من " المنجزات " وتضاعف معدلات النمو ، أي بما يفضي إلى إفساد قاعدة البيانات الرسمية للدولة.
كذلك الأمر بالنسبة للقطاع النفطي الذي أصبح مرتعاً خصباً للفساد ، (س 19) ، الذي أيدته فئتي الموظفين / المثقفين بنسبة 97% ، ورجال الأعمال 94% ، أما موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة فقد أجمعت آرائهم بالكامل على تفشي الفساد ، وبصورة فجَّة ، في القطاع النفطي. حيث أن بيانات احتياطاته وإنتاجه وصادراته وعائداته ، وطبيعة إستثماراتها في الخارج وفوارق الأسعار ، أي الفارق بين إجمالي القيمة التقديرية لصادرات البلاد النفطية وفقاً لسعر البرميل الافتراضي المحدد في الموازنات المالية للدولة ، وبين إجمالي القيمة الفعلية المحصلة بسعر البيع الحقيقي وفقاً لأسعار سوق النفط العالمية ... جميع تلك البيانات محاطة بتعتيم وضبابية شديدتين ، ولا يُعرف عنها شيئاً ، باستثناء بضعة أنفار وقناة ضيقة ومحدودة يصل طرفها إلى أعلى هرم السلطة ... الأمر الذي أكدَّه رئيس مجلس النواب عبدالله الأحمر في إحدى مقابلاته الصحفية حين قال : " لا نعلم شيئاً عن حجم النفط المستخرج أو المباع ، لا أنا كرئيس لمجلس النواب ولا المجلس وأعضائه ، وإن كانت البيانات التي تصل إلى المجلس موجودة ، لكن بواطن الأمور وحقائقها لا نعلمها ، رغم المطالبات العديدة للمجلس بتوضيح المعلومات دون جدوى ، فالسؤال عن هذا الأمر يؤدي إلى ردود فعل غاضبة !! " . (الوسط 23فبراير 2005م ) .
كذلك ماورد في التقرير الرسمي لعبدالجبار سعد وكيل وزارة المالية لقطاع الإيرادات الذي نص على :- أن الإيرادات النفطية ليس عليها أي رقابة ومتروكة من كل الجهات عدا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي تنحصر رقابته في الجانب المستندي وبالتالي فهي محدودة الجدوى ، بينما نفط الكلفة تهدر أكثر من 40% من عائدات البترول. إن مدخلات الشركات النفطية تقدر بمئات المليارات وهي معفية تخصم من نفط الكلفة ويفترض عودتها بعد إنتهاء العقود ، ولكن أحداً لا يراقبها ، ولاتعود ، وإن عاد بعضها يعود على شكل نفايات من الخردة ضحكاً على الدقون . لا توجد قوائم احتياجات للشركات النفطية يتم على أساسها دخول المعفيات مما يجعل الأموال تهدر بغير حساب في مجال الإعفاءات النفطية . أن إيرادات النفط تعيش حالة هدر . أن قطاع الإيرادات في وزارة المالية لا يعرف عن صادرات النفط إلا بعد أسابيع ( والمقصود هنا الصادرات المعلن عنها دون غيرها ) ، وكذلك الإيرادات منه وعوائده ، كما أن القطاع لا يعلم شيئاً عن سياسة أسعار الصادرات ولا عن الآلية التي يتم بها إحتساب الأسعار .
أن قطاع الإيرادات في المالية لا يعرف عن كيفية تدفق مشتقات النفط إلى المناطق ، ولا يعرف كيف توزع أو كيف تصل ، في ظل معلومات وحقائق تؤكد أن نسبة كبيرة من المشتقات تباع في عرض البحر ولا تصل إلى البلاد . ( الوسط 17/8/2005م )
إضافة إلى ماورد في تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر تحت تسمية " مؤشرات رصد الفساد 2004م " بأن اليمن ضمن 14 دولة نفطية في العالم متهمة باختفاء جانب كبير من عائداتها النفطية في جيوب مدراء الشركات الغربية المنتجة ، والوسطاء والمسئولين المحليين .
- لقد توسعت دائرة الفساد كثيراً وأصبحت تشمل العديد من جوانب ومفاصل المال والإدارة والاقتصاد والسياسة ،- وبالذات مراكز القرار السياسي البعيدة عن المساءلة والمعاقبة إذ تحولت السلطة السياسية في اليمن إلى وسيلة أو سُلَّم للإثراء غير المشروع .. وهو ما تؤكده نتائج الاستبيان (س 20) ،- من أن الفساد المالي والاقتصادي شديد الارتباط بالفساد السياسي (95% ،- 96% ،- 98% - بالترتيب).
- كما عكست نتائج الاستبيان أيضاً رفض الفئات المستهدفة (س 22) للاتجاهات الرسمية لتوريث الحكم ،- على مختلف المستويات ،- من الرئاسة إلى تعيين أنجال وأقارب المسئولين ،- من وزراء وكبار الضباط والمشائخ والمقربين إلى بطانة السلطة العليا .. على رأس مفاصل الدولة الحساسة كالمؤسسات الاقتصادية والأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية … الخ . وجاءت عملية الرفض بنسب عالية جداً (98% ،- 97% ،- 100% - بنفس الترتيب).
- إضافة إلى ذلك تشير الشرائح الثلاث المستهدفة (موظفين / مثقفين ،- رجال أعمال،- موظفي جهاز الرقابة) في إجاباتهم على السؤال 23 ،- إلى عدم موافقتهم على اقتحام القوى النافذة من كبار المشائخ والضباط ومسئولي الدولة مع أنجالهم ومقربيهم ،- ودخولهم مجال التجارة والمقاولات والاستحواذ على العديد من الصفقات عبر نفوذهم في السلطة … الأمر الذي اعتبرته الشرائح المستهدفة تعطيلاً لقوانين السوق وإفساداً لمناخ التجارة والاستثمار ،- (97% ،- 98% ،- 95% - بالتسلسل).
- كذلك الأمر بالنسبة للسؤالين (24 - 25) ،- المتعلق أولهما بشاغلي المناصب العليا في جهازي الدولة (المدني والعسكري / الأمني) ،- ومزاولتهم في وقت واحد للنشاطات التجارية والأعمال الحرة ،- ما يؤثر سلباً على نزاهة الموقع الرسمي ،- وهو ما أيدته الشرائح المستهدفة (91% ،- 96% ،- 100% - بالترتيب). وثانيهما ازدواجية أن يكون من بين كبار المسؤولين والوزراء أعضاء اللجنة العليا للمناقصات الحكومية ، من يشتغل بالتجارة والأعمال الحرة ، حيث رفض مثل هذا الأمر كافة المستهدفون واعتبروه شكلاً من أشكال الفساد (93% ، 91% ، 100% - بحسب تسلسل الفئات).
نتيجة للحيثيات آنفة الذكر ولغيرها – وما أكثرها - ، أكدت الفئات المستهدفة (س 21) على أهمية وضرورة إصلاح النظام السياسي في البلاد كمفتاح رئيسي للإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد ، (95% ، 93% ، 92% - بالترتيب).
- من الجهة الأخرى ،- وبالمقابل ،- جاءت أغلبية آراء المستهدفين (س 26) حول تحمل القطاع الخاص ورجال الأعمال اليمنيين كل أو جزء من مسئولية تفشي الفساد ،- حين يستمرون في دفع الرشاوي والإتاوات غير القانونية ،- ويخضعون أنفسهم للابتزاز ،- وتكييف نشاطاتهم واستثماراتهم مع مناخات وعلاقات الفساد ... جاءت الآراء بتحميل القطاع الخاص جزءً من المسئولية وبنسبة كبيرة (موظفين / مثقفين 86% ،- رجال أعمال 77% ،- موظفي جهاز الرقابة 92%). وهنا ، تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن العديد من وجهات النظر تبرر لرجال الأعمال سلوكياتهم في دفع العمولات والرشاوي وفي ممارساتهم الفاسدة ، بحجة أنهم مضطرون ، ولا مفر من ذلك ، كي تسير أعمالهم أو تتوقف … إلا أن الملفت في الأمر هو اعتراف أكثر من ثلاثة أرباع رجال الأعمال أنفسهم (77%) ، بإسهامهم في عمليات الفساد وتحملهم جزء من المسئولية ، ما يعكس رغبتهم ، وربما حاجتهم أو حاجة غالبيتهم إلى الإصلاح ووضع حد لسطوة المتنفذين والتخلص من علاقات الفساد المفروضة عليهم.
وفيما يتعلق بإصلاحات السلطة ومدى جديتها في محاربة الفساد ، أتضح من نتائج الاستبيان تشاؤم المستطلعة آرائهم حيال ذلك ، ربما لإدراكهم بأن الفساد قد أضحى ركيزة أساسية من ركائز الحكم ، وأن شبكة المصالح لمراكز القوى المنتفعة من بقاء الأوضاع كما هي أقوى من أية أمنيات أو رغبات إصلاحية ، إن لم يكن العكس هو الصحيح ، إذا ما أخذنا في الاعتبار بأن السلطة العليا توفر مقومات استمرار مناخ الفساد المتفاقم يوماً بعد آخر. على هذا الأساس جاءت ردود الفئات المستهدفة على الأسئلة رقم 27 ، 28 ، 29 كما يلي :- عدم جدية السلطة في محاربة الفساد : (95% ، 94% ، 95% - بالترتيب). أن الجهود الرسمية للسلطة في الإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد غير مرضية وغير ملموسة : (96% ، 97% ، 92% - بالترتيب). حالة التشاؤم بعدم إمكانية القضاء على الفساد ، في ظل النظام الحالي وما يتبناه من سياسات وتوجهات : (93% ، 82% ، 83% - بحسب ترتيب الفئات).
تضمن السؤال (30) استفساراً محورياً هاماً عن الجهة الأكثر إعاقة لإحداث حراك باتجاه مكافحة الفساد ، ليأتي الجهاز الرئاسي للدولة في مقدمة إجابات المستطلعة آرائهم، كأكثر جهة معيقة لمكافحة الفساد (78% ، 71% ، 75% - بحسب ترتيب الفئات) تليه وفي المرتبة الثانية الحكومة (56% ، 86% ، 58% - بالترتيب) ، وإن كان رجال الأعمال هنا قد حملوا الحكومة مسئولية أكبر وبنسبة 86% مقابل 71% للرئاسة … وتأتي بعدهما الشريحة العليا لضباط الجيش والأمن المتنفذين ، ثم الجهاز القضائي والشريحة المتنفذة من المشائخ.
- من هنا جاءت ردود المستطلعة آرائهم واضحة ومحددة على السؤال 31 ،- عن كيفية وأولويات البدء في مكافحة الفساد والقضاء عليه ،- من حيث تركيزهم أولاً على إصلاح النظام السياسي (موظفين / مثقفين 82% ،- رجال أعمال 62% ،- موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة 75%) ،- ثم بدور فاعل تمارسه منظمات المجتمع المدني (68% ،- 84% ،- 67% - بالترتيب) ،- إضافة إلى إرادة سياسية عليا في الإصلاح (56% ،- 51% ،- 83% - بالترتيب).في حين حصل الخيار بجهود حكومية ذاتية ،- على أقل نسبة (14% ،- 48% ،- 8% - بحسب ترتيب الشرائح).
الأمر الذي يعكس إدراك المستهدفين بمحدودية الصلاحيات والسلطات الممنوحة للحكومة التي لا يعول عليها ، وأن هناك سلطة عليا أكبر ومراكز نفوذ هي وحدها من تمتلك حق اتخاذ قرار الإصلاح من عدمه. ومن جهة أخرى وفي مواجهة أوضاع يتواصل ترديها وسلطة متحكمة توغل فسادها إلى العمق وأستشرى … لم تر الشرائح المستهدفة غضاضة من الاستفادة – إن لم تكن المطالبة – بالدعم والمساعدة الخارجية لمواجهة الفساد (34% ، 33% ، 35% - بالترتيب) ، بل أنها – أي الشرائح المستهدفة – قد أيدت ، وخاصة رجال الأعمال (57%) ، ممارسة الضغوط الخارجية على السلطة ، يليهم موظفو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (46%) ، ثم فئة الموظفين / المثقفين (31%).
* تحليل نتائج الجزء الثاني من الاستبيان ، المتعلق فقط بشريحة رجال الأعمال والمستثمرين :- يبدأ هذا الجزء بالسؤال 32 المتعلق بممارسات وبؤر الفساد المعيقة لعمليات الاستثمار والمعطلة لعمل قوانين السوق ، حيث توزعت الإجابات التي جاءت بنسب عالية ، على مستويين :- المستوى الأول : وهو الناتج عن ضعف وفساد الإدارة مثل :- الممارسات البيروقراطية الإدارية والمالية ، (59%). الافتقار لقاعدة معلومات وبيانات إحصائية سليمة بعيدة عن التسييس الرسمي ، (64%). فساد الجهاز القضائي والافتقار إلى المحاكم التجارية المتخصصة ، (74%). الخروقات المستمرة وانتهاكات النظام والقانون بأشكالها المختلفة ، (68%). المستوى الثاني : وهو الحاصل على نسب أعلى ، ويتعلق بممارسات مراكز القوى المتنفذة التي تمثل إحدى أخطر بؤر الفساد المعيقة للتنمية ، مثل:- التوجهات الرسمية بإقحام القوى التقليدية الطارئة (كبار المشائخ والضباط والمسئولين ، هم وأنجالهم في عالم التجارة والأعمال ، على حساب المؤسسات التجارية والاستثمارية العريقة ، (82%). ما تقوم به العناصر المتنفذة تجاه المستثمرين بفرض أنفسهم كشركاء وجاهة وحماية ، دون المشاركة بالعمل أو برأس المال ، وإنما باقتسام الأرباح ، (77%). مناخ الابتزاز والإتاوات غير القانونية التي تفرضها على رجال الأعمال القوى المتنفذة بين الحين والآخر ، وفي كل المناسبات ، (75%). سيطرة مراكز القوى الطفيلية النافذة على المفاصل الاقتصادية والاستثمارية ، (68%).
وعن السؤال 33 ، تؤكد إجابات شريحة رجال الأعمال والمستثمرين من خلال تعاملهم وتجاربهم العملية على استشراء واستفحال الفساد في أهم جهازين إيراديين هما مصلحتي الجمارك والضرائب. حيث جاءت تأكيدات رجال الأعمال في الأولى – أي مصلحة الجمارك – بما نسبته 82% ، في حين لم تتجاوز نسبة الذين نفوا وجود الفساد فيها 9% لا غير. أما فيما يتعلق بمصلحة الضرائب فهي في نظر 91% من شريحة المستثمرين الأكثر فساداً ، وفقط 5% منهم من أنكر وجود هذه الظاهرة.
بل أن ثلثي المستطلعة آرائهم ( 64% من الشريحة المستهدفة ) في السؤال 34 قد قدَّرت أن هناك أموالاً طائلة لا تدخل خزينة الدولة وبنسبة تتراوح بين 50% - 80% من إجمالي المستحق قانوناً ، جراء تفشي الفساد والآلية الحالية للتحصيل الضريبي ، في حين أن 18% من نفس الشريحة قدَّرت تلك الأموال بنسبة تتراوح بين 20 – 50%. الأمر الذي يشكل اعترافاً صريحاً من قبل رجال الأعمال بعمليات التحايل والفساد المخالفة للقانون التي يجرونها بالاشتراك مع محصلي الضرائب ورؤسائهم ، ويشكل أيضاً إضراراً بالغاً بالإيرادات العامة والمال العام ، بالنظر إلى النسبة العالية (50% - 80%) من الضرائب المستحقة قانوناً على رجال الأعمال والمستثمرين التي لا تدخل أصلاً إلى خزينة الدولة، (*)وإنما تذهب إلى جيوب وأرصدة أطراف الفساد الرسمي وغير الرسمي. كذلك اعتراف 80% من رجال الأعمال ، (س 35) ، بإضطرارهم إلى دفع العمولات " الكميشن " للأطراف الرسمية في الجهات والمرافق الحكومية ، الثلثين منهم (66%) يدفعونها بصورة دائمة ، و14% يدفعونها نادراً ، وفقط 5% أدَّعوا بأنهم لا يدفعون أية عمولات ، وإن كان ذلك لا ينسجم مع ما تفرضه علاقات ومناخ الفساد السائد. - من ناحية أخرى أكَّدت إجابات رجال الأعمال في السؤال 36 ،- وبصورة كاملة ،- بإجماع 91% وامتناع 9% عن الإجابة ،- على أنهم عندما يتقدمون بعروضهم إلى اللجنة العليا للمناقصات ،- التي تتشكل أصلاً من نائب رئيس الوزراء وبعض الوزراء ،- أجمعت الإجابات على أن إجراءات فتح المظاريف واختيار العطاء المناسب وفقاً للمعايير الفنية والسعرية ،- لا تتم وفقاً للنظام والقانون وترتكب المخالفات بصورة مستمرة ،- وبأشكال عديدة حدد رجال الأعمال بعضها في إجاباتهم على السؤال 37 ،- وبحسب الأهمية كما يلي : تلاعب كل من أعضاء لجنة المناقصات والجهات الرسمية ذات العلاقة بالصفقة ، (73%). اضطرار رجال الأعمال لدفع العمولات " الكميشن " ، (67%). التدخلات العليا في تحديد المستفيد وفي منح الامتيازات والصفقات ، (64%). أحياناً يواجه رجال الأعمال بعض أشكال الابتزاز والتهديد من قبل مراكز النفوذ ، (55%).
وحتى عندما ينفذ رجال الأعمال والمستثمرين أعمالاً تجارية أو مقاولات لصالح الحكومة ، فإنهم يعانون كثيراً في تحصيل مستحقاتهم من الجهات الحكومية المعنية ومن وزارة المالية ، (س 38) ، إذ أجمع وبنسبة 100% من الفئة المستطلعة آرائهم على الصعوبة الشديدة في استلام مستحقاتهم ، بسبب الإجراءات البيروقراطية وما يواجهونه من معاملات تطغي عليها ممارسات الابتزاز والفساد ، على كافة المستويات الإدارية. فبحسب إجاباتهم في السؤال 39 ، أقرَّ 68% منهم باضطرارهم لدفع الرشاوي والعمولات لتحصيل مستحقاتهم ، في حين أن بعضهم (32%) أكدوا مواجهتهم للكثير من العراقيل التي تصعِّب عليهم استلام مستحقاتهم ، بينما 18% منهم يتعذر عليهم أصلاً تحصيل مستحقاتهم(*) .
وحول تقييمات رجال الأعمال لمستوى إنصاف الأحكام القضائية في حسم النزاعات التجارية ، أظهرت إجابات المستطلعة آرائهم في س 40 ، حالة الشك واهتزاز الثقة في عدالة وإنصاف القضاء ، إذ جاءت النتائج على النحو التالي : عادلة ومنصفة بنسبة 50% أيدها 42% من رجال الأعمال. عادلة ومنصفة بنسبة 25% أيدها 31% من رجال الأعمال. جميعها غير منصفة وغير عادلة أيدها 22% من رجال الأعمال. عادلة ومنصفة بنسبة 75% أيدها 5% من رجال الأعمال. عادلة ومنصفة بنسبة 90% لم يؤيدها أحد (0%) من رجال الأعمال. جميعها منصفة وعادلة لم يؤيدها أحد (0%) من رجال الأعمال.
الملاحظ أن أكبر نسبة وهي 42% من المستهدفين قد رجحت عدالة نصف الأحكام القضائية وعدم عدالة النصف الآخر ، في حين أن 31% منهم اعتبروا أن ¼ الأحكام فقط يمكن أن تكون منصفة … وبالمقابل كانت أقل نسبة (5%) للخيار الرابع الذي يشير إلى عدالة الأحكام بنسبة 75% ، في حين لم يحظ الخيارين الأخيرين بأي مؤيدين ، (0%) . إن النتائج المشار إليها تعكس الوضع المتدهور للقضاء وأحكامه التي تعتريها حالات القصور والفساد وتدخلات القوى المتنفذة ، بل وتبعية القضاء للسلطة التنفيذية العليا ، الأمر الذي يشكل ، وإلى حد كبير ، عائقاً خطيراً يهدد عمليات وجهود التنمية الاقتصادية – الاجتماعية.
- أما فيما يتعلق بمدى توافر مناخ المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص في السؤال 41،- فقد أكد أغلبية رجال الأعمال (58%) بأنه لا توجد في اليمن منافسة حرة والسوق تحتكرها أسماء محددة ومتنفذة ،- وبنسبة أقل (42%) من المستطلعة آرائهم أشاروا إلى أن المنافسة الحرة ،- وتكافؤ الفرص محدودة للغاية…
- ويبدو أنه نتيجة للمناخ القائم ولكل ما سبق الإشارة إليه من تداعيات وتفشي غير مسبوق ،- وربما غير معهود لدى الكثير من أنظمة البلدان النامية وحتى الأقل نمواً … بسبب ما تقدم ،- كانت إجابات أكثر من ثلثي رجال الأعمال،- (س 42) ،- متجهة نحو تفضيلهم نقل استثماراتهم إلى خارج البلاد ،- حيث يسود النظام والقانون والضمانات اللازمة ،- بما يعني أن البيئة الاستثمارية في اليمن ،- إذا ما استمرت الأوضاع على ماهي عليه ،- هي بيئة طاردة وبقوة لأية إستثمارات ... وطنية كانت،- أم إقليمية ودولية
#محمد_النعماني (هاشتاغ)
Mohammed__Al_Nommany#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يضم يمنيين وسعوديين وعرب وسوريين .. الإعلان عن تأسيس - دعاة
...
-
!ترى أين ذهب كل هؤلاء الناس ؟؟ ! تراني أأخطأت بحقهم ؟؟ !
-
ابكيت القمر!! من اجلك حبيبتى؟؟
-
العلمانية والدولة والدين والمجتمع
-
هو انا من من سكن قلبك الصغير ...؟؟
-
!!إنها قصة جيل في زمن اللازمن فاستحال جيلا بلا محتوى و بلا ح
...
-
مشروع الطاقة النووية الحرارية -ITER- : البشرية تقبل على بناء
...
-
أيها الغائب عن ناظري
-
نوبة جنون؟؟
-
معظمهم لايزيد متوسط دخله الشهري عن 150 دولار والصحفيات يشكين
...
-
!!!حين يبداء الغروب حينها ابداء بالعيش معك
-
الرسالة الأخيرة
-
! تقف الدموع كحرس حدود بيني وبينها اقف واشير لها بيدي !اليوم
...
-
عصر نووي جديد؟
-
فشل اليمن في النمو الاقتصادي واصلاحات سعريه عقب الانتخابات ا
...
-
ثقافة العنف في اليمن
-
فلسطين!! من الحصار للمقاومه الي الحصار للشعب والي اين ؟؟؟
-
الانتخابات الرئاسية اليمنيه نقطة انتقال من تحالف الأسر إلى ت
...
-
شدد تقرير لمنظمة اليونيسيف الي أن تجارة الأطفال في اليمن تجر
...
-
السجينات اليمنيات.... ظلم مزدوج
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|