|
اغتراب الغربة 6/15
محمد البوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1579 - 2006 / 6 / 12 - 12:52
المحور:
الادب والفن
مع اقتراب شهر يونيو بدأ الحديث يكثر عن العطلة وعودة المهاجرين للسياحة واستعراض العضلات أمام من بقي هنا.. ..و...أحد هؤلاء لم يكن سوى أحد أصدقائه القدامى الذين اشترك معهم المقاعد الدراسية..يتذكر لقد طرد هذا التلميذ المشاغب والذي كان يلقبه المعلم آنذاك بمشئوم القسم لسلوكياته النشازة التي تمنع زملاءه من التركيز أثناء الدرس.كان المعلم يقدمه للآخرين كرمز للفشل وليتغلب ويقمع استفزازاته للتلميذات كان يعاقبه مرتين على الأقل داخل الأسبوع لدرجة مل المعلم من عقابه فابتكر أساليب أخرى كالضرب على الأصابع المجتمعة بالمسطرة أوعلي الأصابع بالقلم ناهيك عن التصرفيق والفلقة وحين فكر في استدعاء لأبيه فوجئ بأبيه يصرح أنه فقد كل سلطة عليه.. لم يتحمل التلميذ المسكين تلك الآلام التي كانت تتم بمباركة المدير وتشجيع من الأب، كان يشتكي لأمه كل يوم دون نتيجة ، وعندما يئس من حماية الأسرة له وضعها أمام خيارين:الخروج من المدرسة أو الفرار من البيت، حاولت الأسرة جاهدة الوساطة بين الطرفين وحينما تعهد المعلم بعدم عقابه رفض هو العودة للقسم، خشيت الأم أن يتحول سلوكه إلى الشارع، فتحول عقاب المدرسة إلى عقاب بالبيت لفرض الرجوع للفصل الدراسي، وثنيه عن مغادرة المدرسة، لم تكن إمكانية الإنتقال إلى مدرسة أخرى مواتية فالقرية الصغيرة الممتدة على سهل منبسط كانت تبعد عنها المدرسة الأقرب بعشرين كيلومتر. وبعد مفاوضات قبل المتمدرس الصغير الرجوع للمدرسة بعدما تأثر من بكاء أمه لوعة عليه، لكن ذلك لم يكن عن اقتناع داخلي، كان ذلك مؤقتا للتخلص من عقاب المنزل والحصول على ميزات عديدة أهما لباس جديد وحلوبات..و...والذهاب إلىاالسوق. كان ذلك حلا مؤقتا ولأخذ الوقت الكافي لتدبير طريقة لكسب قوت يومه فهو ذو الخمسة عشر ربيعا يفترض فيه الإعتماد على نفسه فقد وصل سن التمييز وأصدقاؤه الذين يسافرون للبيضاء كانوا يأتون محملين بالهدايا كل عيد. لم تطل المدة فحينما اعتقدت الأسرة أنها تمكنت من احتوائه فر إليها مصطفى مع أحد أصدقائه ،واحتياطا من ملاحقة أبيه إلى شوارع البيضاء التي كان يذهب إليها أبناء القرية فضل وجهة أخرى لقد سافر لبني ملال للتمويه ،عمل في الحقول التي تنتج الشمندر ولتجربته في قريته من ناحية العمل كان مكدا مما أغرى صاحب المزرعة بالرفع من أجره اليومي مقارنة مع الآخرين ،بل وأصبح بعد شهرين عميد المزرعة والوصي على عمالها أثناء غياب الباترون ،وساعده في ذلك سرعة تفكيره وانتهازيته ووشاياته العديدة لرب المزرعة ..مما دعا هذا الأخير لإطلاق يده وإعطاءه صلاحيات واسعة للتصرف واتخاذ القرارات الصعبة خاصة في تأديب العمال..لقد أصبح يعاقب بعدما كان يعاقب.. لم يضيع مصطفى الفرصة، أصبح مثل طاووس مزهو بسلطاته كيف لا؟؟؟ وهو الذي كان في القرية عبرة للتلاميذ ومختبرا لتجارب المعلم في العقاب. يوما عن يوم أصبح طموحه يزداد ، خاصة بعد أن دخل عالم المغامرات، فتح حسابا بنكيا، كان يشبع نهمه الجنسي مجانا على حساب عاملات المزرعة، يدخل العمال بالعمولات والعاملات ب...بل وازداد كبرياؤه . ولأنه اليد اليمنى والصدر الأعظم فقد امتدت طموحاته لإبتزاز صاحب المزرعة، ربط علاقات متعددة فأصبح يبيع المحصول لحسابه الخاص دون علم الباترون وفي ظرف سنة وصل رصيده إلى مليون سنتيم وهو ما فاجأه هو شخصيا.. بحثت عنه عائلته في كل مكان أذاعت خبره في الإذاعة دون جدوى..بكي المعلم طويلا لإختفائه وظن أن عقابه هو السبب.. أصبح مصطفى راشدا، داوم على المقاهي، لم يقتنع بعمل المزرعة فطموحاته بدأت تتجاوز ذلك، فكر في مشروع تجاري منفرد أو بشراكة مع أحدهم..جال المدينة وصالها ،فقرر فتح محلية لكنه عدل في آخر لحظة لصدفة غريبة. في مساء أحد السبت، وكالمعتاد ذهب إلى البار مع أحد أصدقائه الذي كان يبحث عن أحد دائنيه لتحصيل دين قديم. كانت تلك أول مرة يدخل فيها حانة وإن كان شرب الخمر مرات عديدة، لقد كان يسمع عن البار والرقص و..و.. ما إن دخل المكان حتى انسجم تلقائيا ،وحين طلب منه صاحبه المغادرة رفض بشكل أثار الإستغراب ،لقد حاول استغلال المكان لربط علاقات خاصة ولم تكن أولى خطواته سوى الإعتماد على الراقصات .. تعرف على إحداهن رقص معها وقبلها ،ولينال ثقتها دفع لها مبلغ 100درهم كعمولة أولى فأصبح عشيقها المفضل . جلسا للحديث على الطاولة طلب مزيدا من البيرة، واستجمع كل طاقاته في فن الخداع والحديث، قدم لها نفسه كمقاول يسعى لإقامة مشاريع تجارية، وبأنه يبحث عن الشريك *هل تنقصك الأموال؟ -لا أبدا موجودة لكن أطمح في خبرة ما ونسيت أن أخبرك أنك قد تشتغلين كسكرتيرة خاصة لقد دفع هدا الوعد المجاني مقدما ليثير شهيتها للكلام وللإهتمام بمخاطبها أكثر من ذي قبل، فبدأت تقترح عليه أسماء عديدة معروفة بتجربتها في العقار، لكنه صرح لها -لكننا نحتاج إلى شخصيات إدارية لتسهيل إعداد الوثائق أحست بالفخر فقد أصبح مصطفى يتحدث بنون الجماعة *هذا على حسابي فأنا أعرفهم واحدا واحدا من التقني المكلف بتنظيم سهرات العامل إلى المسؤولين عن جل القطاعات -حسنا هل أحدهم موجود هنا ؟ *لا إنهم يحرصون يوم السبت على تنظيم حفلاتهم الخاصة خارج المدينة اتقاء لشر الصحافة وموعدهم غدا وسأكون بين أحضانهم هل تريد الذهاب معي فأنا أتوفر على بطاقة مرور صادرة من المسؤول الأول. -نعم ومن هم هؤلاء الذين يتواجدون بجانبنا فهندامهم مغري وجذاب ؟ *مختلفون أحدهم صاحب كشك هاتفي والآخر مقاول هل تريد التعرف عليه ؟ لا فالمشروع يجب أن يبقى سريا حتى لا يتم إجهاضه في المهد *وفي تلك الطاولة تعقد صفقات التهريب والحريك إلى الخارج -التهريب الحريك الخاصة بالحشيش أو المواد الغذائية *ضحكت بتلقائية غير مدركة أن الجواب السابق كان تهكما وتحفيزا لتبليغ معلومات أخرى *لا حريك البشر إلى أوربا بشكل مفاجئ أجابها مصطفى - آه قوارب الموت أعوذ بالله تعساء أولئك حتى ولو أحضروا ما أحضروا في لحظة نادى النادل على رشيدة التي طلبها أحدهم في الهاتف أحس مصطفى أن فرصة تاريخية تتاح له لتحسين وضعه الإجتماعي ،لم يطل تفكيره فقد عزم على طرق ذلك الباب الذي كثيرا ما سمع عنه وحلم به ،لكنه تجاهل الموضوع مع رشيدة خشية فساد خطته. رجعت رشيدة:أنا الآن ذاهبة في مهمة خاصة عند السيد الباشا نلتقي غدا هاك رقم هاتفي المحمول واتصل بي غدا لحضور السهرة المعلومة وداعا. لم يطل تفكيره، فاستدار للجهة المقابلة، وانتقل لطاولة مجاورة لمراقبة الطاولة التي تحتضن منظمي الهجرة السرية لسماع نقاش الحاضرين الذي كان خافتا. *اسمح لي أنا ما غادي نعطيك إلا مليونا ولا يهنيك غليتي علينا بزاف -دبر لراسك أنا راه غادي نوصلك حتى قاديس وراه ماشي قوارب الموت هادو أنا راه مضمون فكر مصطفى مليونين مبلغ ضخم لكنه عزم على اقتناص الفرصة حين نهض الحراك الأنيق بربطة عنقه الرمادية تبعه للخارج بعدما أدى ثمن البيرة التي شربها مع رشيدة *السلام عليكم -أهلا تتعرفني *الله أوادي نسيتيني تلاقينا في طنجة العام الفايت -آه تذكرتك في مقهى .. *بالضبط أحس بانفراج خاص فقد انطلت الحيلة *أريد السفر والحريك إلى إيطاليا أو اسبانيا ولا فرنسا أحسن راه كنت كلتي نتصل بك من الصيف ولكن التلفون ديالك تودر لي كان السؤال غريبا وغير منتظر لكنه أجابه بلباقة ودون احتياط لأن رائحة الخمر ما زالت تطفو وتؤثر عليه:اسمح لي بقات غير فرنسا وبمليونين وبيني وبينك بقات غير جوج بلايص والرحلة غادي تبدأ من هنا ثلاثة أيام،وافترقا.. لم ينم تلك الليلة، تذكر السيارات الفارهة التي تجوب المدينة والعمارات التي يملكها رجال يقال أنهم مهاجرون في أوربا، خمن تقدير المجتمع والإحترام الذي يلاقونه في مجتمعهم.. لكن من أين له بالمبلغ، لقد كان يختزن نصف المبلغ فقط أو يكاد وعليه تدبر الباقي في ظرف أقل من أربع وعشرين ساعة خوفا من ضياع فرصة ذهبية لن تعوض بالطبع لكنها ستكون فرصة تؤمن له –كما اعتقد- مستقبله وستخرجه من المغمورين إلى المشهورين ومن باحة الفقر إلى ساحة الغنى لكنه لا يعرف أي لغة، فكيف سيتواصل هناك ؟ لكنه تساءل بزهو مع نفسه وهل الذين سبقوني يعرفون التحدث بالعربية فبالأحرى لغة أخرى ؟ كيف سيطلب أكلا من مقهى ؟ هل يتظاهر أنه أبكم ؟ ماذا سيقول لشرطة في حالة ضبطه؟ لم ينم تلك الليلة وفي اليوم الموالي قضى يومه في المزرعة في هذه الهواجس التي تعتبر الإجابة عنها حاسمة في حياته المستقبلية، حتى أن العمال لاحظوا أن جديته لم تكن بالقدر المعروف عنه وأنها انخفضت للنصف، بل إن الحزم الذي كان يدبر به أمور المزرعة انخفض إلى النصف، بل كان يأمر العمال بتدبر كل شئ دون الرجوع إلى مشورته، لذلك استغل البعض الفرصة لخفض مستوى الإنتاج والآخرون لسرقة الخضر وتهريبها للخارج لإعادة بيعها، وحتى حين أخبره عينه على العمال وانتظر رد فعل قاسي منه فاجأه بالقول:هادوك لراه غير مساكين ما بيتي حد يعيش غادي نشوف معاهم ؟ في الزوال وبعد تفكير رصين استدعى المعنيون والشهود عليهم وأخبرهم بخطورة فعلهم بل وخيرهم بين رفع الملف للباطرون وإما احتمال المتابعة القضائية بتهمة السرقة أو دفع عمولات خاصة. حاول أحدهم استعطافه، لكن رده العنيف الذي فاجأهم كان حاسما لردع أية محاولة أخرى وبالتالي لا خيار لهم سوى دفع ما طلبه منهم والذي حدده في ألف درهم للفرد الواحد وهو ما يعادل أجرتهم لمدة خمسة عشر يوما، لقد أجرى عملية حسابية دقيقة وفكر أن المبلغ المحصل عليه يكفيه لدفع المبلغ للحراك وتدبر أمر شهر واحد في الخارج.أمهلهم ساعتين وفعلا أحضر كل واحد منهم ما طلب منهم بعد ساعة ونصف والبعض كان يسلمه له وهو يبكي. تأثر ، كان يصرخ ضد ذاته في جوانحه ، لكن لم يكن له خيار وفي محاولة لكظم غيظهم كان يأمر كل واحد سرا تهريب المحصول ليلا لمدة عشرة أيام متتابعة تعويضا عما لحقهم إذ اعترف للبعض منهم أنه يمر بأزمة مالية. في اليوم نفسه سلم المبلغ للحراك واتفق معه على بروتوكولات وترتيبات السفر، في الموعد المحدد غادر في صمت بل ودون إخبار أي أحد بعد أن طلب من أحدهم النيابة عنه بالمزرعة وللتمويه لم يأخذ ملابسه الأساسية لقد اكتفى بوثائقه بعد أن اختلس أجور العمال لهذا الأسبوع للمساعدة على المصاريف في حالة فشل الرحلة. بعد أسبوع اتصل بعائلته يخبرها أنه يتواجد بفرنسا وأنه يعمل هناك..استغرب الجميع من الأب لأصغر أصدقاءه لقد أصبح بطلا في ذهن الجميع ونموذجا ، من تلميذ فاشل إلى مهاجر يزور أوربا ، بعد سنتين عاد محملا بهدايا خاصة ويقود سيارة جديدة لم تر القرية مثيلا لها، كما حرص على حمل أغلى هدية إلى معلمه الذي كان السبب في هجره المدرسة وقد كتب عليها شكرا معلمي العزيز..
#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-2/2
-
تيهان
-
قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-1/2
-
4/15اغتراب الغربة
-
اغتراب الغربة
-
في ذكرى النكبة
-
اغتراب الغربة 2/15
-
اغتراب الغربة 1/15
-
الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب
-
نخبة النخبة بالمغرب
-
العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب
...
-
الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب
...
-
البدون التائه
-
قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
-
تساؤلات حزينة
-
التقرير العام للملتقى الأول للمرأة
-
رسالة إلى مثقف
-
ملاحظات حزينة في ذكرى ثامن مارس
-
كيف أصبح يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ؟؟؟؟
-
الإرهاب الآخر
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|