|
الحب الصاخب عشوائيات في الحب – العشوائية 25
سمير محمد ايوب
الحوار المتمدن-العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 04:20
المحور:
الادب والفن
الحب الصاخب عشوائيات في الحب – العشوائية 25 فجأة ظهر أمامي وبتلقائية . بسبب وباء الكورونا ، كان احد المحجور عليهم . وكنت مديرة الاستقبال المناوبة في واحد من اشهر فنادق البحر الميت ، حين وصل مباشرة من مطار عمان الدولي بحافلات الجيش ، برفقة العشرات مثله . خلال اجراءات الاستقبال ، شعرت بأني اعرفه . إنجذبت اليه بشدة . شعرت دون سبب مقنع ، بأن شخصا مهما دخل حياتي و سيغيرها ، بطريقة لم استطع ادراكها في حينها . ولكن حدسي أكد لي ، بأنها ستكون رائعة ، توقظ جوانب كثيرة في نفسي . كان نصيبه في غرف الفندق ،جناحا ارضيا مطلا على البحر . بعد العشاء تمشينا معا لساعات على الشاطئ المضاء . شعورعميق بالالفة تدفق بداخلي ، وانا بصراحة واندفاع كنت أحاوره . بدأتُ بعدها بلا وعي ، ودون اعتبارات مجتمعية ، ألاحِقه . حتى تدفق تجاهي . كنتُ اشعر بسعادة طاغية ، كلما ازددنا دراية ببعض .سرعان ما أدركت أنه ليس نصفي الافضل . ولكني تيقنت بأنه النصف المُكمِّل الذي أنتظره . مع مرور الايام ، توالت اللقاءات في الكثير من مرافق الفندق . أخذ قانون الجذب والاندماج وضعه بشدة ، ارتفعت كثيرا درجات التخاطر الذهني بيننا . صرتُ اكثر صخبا ، منفتحة أمامه بشكل صريح وأمين . أنضجَ ما كنتُ أتجنبُ التحدّثَ عنه مع غَيرِه . فقفزت الكثير من الحواجز رغم اشكالية السن وأنا في منتصف الستين من عمري ، لأنصهر دون حذر ولا روية ، في حُبٍّ غير مشروط سريع الحركة . كان قد تبلور بيننا ، رغم قصر الفترة الزمنية لتعارفنا . ساعدني بالطريقة التي يفكر بها ، على رؤية الأشياء في ضوء مختلف عن ذي قبل . إكتشفتُ أشياء لم أكن أعرفها عن نفسي . بِتُّ أقف أمام نفسي وأقابلها فيه ، فأرى في عينيه ، إجابات على اسئلة تدور حولي . لم يحدث أن كنتُ مع شخص يؤمن بصحة الكثير من الاشياء التي لدي . ضمَّدَ المكسورَ ، عزَّزَني وعزَّزَ الكثير مما كنت اعتقد . أيقظ فيَّ الشعور بالأمان . أطلق العنان لأفكاري ومعتقداتي ، بِتُّ أتحدث دون خشية من تعقيد الكلمات وفهمها الخاطئ ، تفاعله معي وتقبله لبعض اختلافاتنا ، زودني بشعور أقل من الكمال ، ولكنه أكثر كثافة من الحب والتوجس في آن . تابَعَتْ حديثها معي عن بعد ، عبر شاشة حاسوبي ، وانا مُنصتٌ صامت ، قائلة : لم أكن في أي وقت مضى امرأة تطارد الرجال يا شيخي ، قبل أن ألتقيه كنت متميزة بقدر كبير من العقلانيّة . أظنّ نفسي صعبة المِراس ، لا يستطيع أحد تحريك عاطفتي . لكن كلما التقيته ، أصير اكثر رقة ، تستيقظ لدي عواطفُ صاخبة . وتبدأ الارض بالدوران من تحت قدمي . ولا أعود قادرة على التنبؤ بمسلكي في حضرته . قلتُ بحذر شديد : مردُّ ذلك يا سيدتي ، أنّك كنتِ تقمعين هذه المشاعر والطاقة القويّة التي تميّزها . وأخيرا أتى الشخص المناسب ليُساعدك على ادراكها ، والشفاء من الكبت و القمع . إنه يدفعك إلى اكتشاف مزايا كامنة فيك ، لم تكوني تعرفينها من قبل . ألا يمكن القول ، أنه كاشف لاخفاقك في التعرف على ما تمتلكه نفسك ، ولم تكوني ترينه قبل مجيئه ؟! إنه ملهم يا سيدتي ، ومحفز للتغيير . قالت بصوت مكسو بشيء من الحزن : ما تقوله صحيح . ولكن المشكلة أنه جاء في الوقت الخطأ غير المناسب . اقتحم مشاعري وانا غير مستعدة . ما ازال أعيش غمارعاطفتي مع زوجي يرحمه الله . بعد خمس سنين من رحيله ، كنت منغلقة عن الحب ، غير راغبة فيه . كنت اظن نفسي ناضجة وعلى قدر عال من الاتزان . ولكن تبين لي أني كنت أهجس بشخص يشبهه . وحين جاء شعرت بانجذاب قوي . حرر مشاعري بشدة . صرت اكثر عاطفية . استيقظت حواسي . وصرت غريبة الاطوار . صحيح أنني منبهرة بجنوني ، الا ان هناك صوتا في مؤخرة رأسي يحذر من شيء غير صحيح يعترض الطريق . يستجوب مشاعري باستمرار ويسألها ، فيما اذا كان حبنا حقيقيا . فأشعر بارباك يفرض علي أسئلة عديدة : لماذا الآن ، لما لم يأت قبل أن تتعقد الامور بهذه الكيفية ؟ ما هي الحكمة في ذلك ؟ اخبرني بالله عليك يا شيخي ، كيف أتخلص من هذا الشعور و من هذه الدوامة ؟ قلت : أمرك الى هنا عاديّ يا سيدتي . فاذا ما كان التوقيت خاطئا كما يبدو لك ، عليك قبل استشعار ألم ، الاختيار سريعا بين الانصياع لعلاقتك الجديدة ، او الهرب منها ومواصلة الاستغراق في علاقتك الهادئة مع المرحوم . رغم مواجع ارتطام هذه المواصلة بالفطرة. ولكن ، لا ينبغي الخلط بين الألم هنا ، والحب هناك . فالحب في العادة ليس مؤلمًا. و لكن كل ما يقف في طريقه ، يمكن أن يكون كذلك. قالت : ليس هذا هو أسوأ ما في علاقتنا ، ولا السنين العشر التي أكبره فيها ، فعلى الرغم من خيوط التشابة بينا ،غير المرئية للعامة ، فإن علاقتنا ليست وردية وليست دائما سلمية . تحمل في أرحامها شيئا من الاختلاف المؤلم . تمرُّ بأوقات شاقة من الكر والفر ، تنقطع وتعود . رغم عمق الشغف الذي يجمعنا ، والعديد من التجارب المشتركة ، فإني أشعر بالحيرة وأنا احاور نفسي فيما اذا كان هذا الشخص هو من أريد ان اتابع معه ما تبقى لي من حياة . لا انكرك أني ممتلئة به ، والثقة وعدم الثقة به متشاطئان . كلما فارقته أحاول نسيانه فلا اقدر مهما كانت الاسباب ، بل اجد نفسي مطالبة دائما ، بتسويات موجعة لارجع اليه ، ونلتئم من جديد . قلت : تمر مثل هكذا علاقة بالكثير مما يرهقها . أشدها ، محاولات الانسحاب والخروج ، الدخول والاندماج المتكررة . ليس لغياب الحب ، وانما عظمة الترابط ، تضعكما في علاقة مترددة ، يحتاج التخلص منها لجلسات استشفاء مركزة . وجدير بالذكر ،وبغض النظر عن مكان تواجدكما في الحياة ، فأنتما لستما مجرد عشاق ، تجمعهم علاقة رومانسية او حميمية ، بل مُعلِّمان مُستنيران ، لمساعدة النفس على النمو . ولكن من المحبط أن تجدان نفسيكما في بعض الاحيان متكاملين وأحيانا مختلفين اكثر مما ترغبان ، ومطالبين بتسويات مستمرة لالتئام العلاقة واستدامتها . قلت متابعا وانا انفث دخان اول لفافة لي : أنتما مثال حي رائع وحقيقي لثنائية الوجود . فعلى الرغم من حقيقة حبكما لبعض ، وتفهمكم لظروف الحياة ومتطلباتها ، وتقبلكم المرن لما يطرأ على علاقتكما ، تضيقون ذرعا بالشريك ، لقدرته على كشف اسوأ مخاوفكم ورغباتكم الخاصة ، فهو يعرف عنكم اشياء لا تعرفونها ، كأنكم روح واحدة في جسدين . بينكم حبل طاقيٌّ قوي تشعرون به وتعرفونه . ينبؤكم بمشاعر بعضكما ويبقي التخاطر الذهني قويا جدا بينكما . قالت وهي تتناول فنجال قهوتها : كنت أظن أننا بمجرد العثور على توأم الروح ، نشعر بالتفاهم معه ، وبالراحة والأمان والاستقرار ، لانه يطابقنا بشكل مثالي . قلت مقاطعا وانا اداعب الشيب فوق جبهتي : يرتكب الناس خطأ كبيرا يا سيدتي ، حين يعتقدون بأن شريكهم الموازي الصاخب ، هو توأم روحهم . هذا خلط وسوء فهم . علامات كل منهما ووظيفته ، تختلف اختلافا كبيرا . توأم الروح انعكاس مثالي لروح متوافق معها حد التطابق . تشتركان في الكثير من النظرات الى الحياة . تشعر بالتفاهم والراحة معهم . ليس شرطا ان تجمع بينهما علاقة عاطفية . ويمكن أن يكون لشخص واحد عدة توائم روح . على عكس التوأم الموازي الصاخب ، فهو واحد فقط في كل الحياة . يرتبطان بعلاقة عاطفية غير مشروطة ، اساسها الشغف والالم . ومبنية على الكر والفر . يتقبلان الاختلاف بينهما مهما كان غريبا ، ولكن هذا الشريك في المحصلة ، ملهم لنا في اكتشاف جوانب نجهلها عن أنفسنا . ولعلمك ، إنتهاء مثل هذه العلاقة شبه مستحيل . اطرقت راسها مبحرة في فنجال قهوتها ، وسرعان ما رفعته وهي تقول : والساعة تقارب السادسة في منطقة البحر الميت ، وقبل ان يعلن بدء الحظر عندكم في عمان ، من فضلك ، قل لي ما العمل يا شيخنا ؟ قلت وبسمة تتسع فوق وجهي : الحياة والموت يا سيدتي قدر ، والسعادة قرار . علينا ان نثق أننا لسنا وحدنا . فينا ومن حولنا ما يستحق العيش من اجله ، يتسع لنا وللتوأم معا ، يكفينا لنتوافق على اتقان عيشه ، بالمشاركة الايجابية الناضجة . فليس بالصراع وحده يحيا الانسان ، وبالقطع ليس بالحيرة العدمية ولا بالندية الساذجة . الاردن – 8/4/2020 ..
#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البشرية بين مَوتٍ وبائيٍّ ، وأنانيةٍ أعقد يا أمة تضحك من ج
...
-
رب ضارة نافعة يا امة تضحك من جهلها الامم
-
تورُّمُ الشَّراكات عشوائيات في الحب – الثالثة والعشرون
-
بعضُ الحب مُؤذٍ عشوائيات في الحب – العشوائية 22
-
سَلَفِيَّةٌ في الحب عشوائيات في الحب - العشوائية 21
-
وكما انت تعال ... عشوائيات في الحب – العشوائية العشرون
-
إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19
-
حكاية بِرٍّ
-
وحْدَها تَعْرِفُ ... ! عشوائيات في الحب – العشوائية 17
-
إنها صَفعةُ القرن ، يا أمة تضحك من جهلها الأمم
-
نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17
-
لا عزاء لأغبياء الامة ولا لحمقاها يا امة تضحك من جهلها كل ا
...
المزيد.....
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
-
الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|