زاهر رفاعية
كاتب وناقد
(Zaher Refai)
الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 19:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يحقّ لصاحب قلم أو فكر أن يسلب المسلم حقّه في طرح الأسئلة, لاسيّما وأنّ الكثير من الفلاسفة عبر التاريخ ضحّوا بأنفسهم وقدّموا حيواتهم بغية أن يروا المسلم يوماً يطرح الأسئلة بدل أن يسير كالأعمى خلف كبش ذي لحية, وحتى لو كان السؤال في غير مكانه إلّا ان مجرد طرح المسلم للتساؤلات لهو بشرى سارة, فما بالك حين يكون السؤال في مكانه ويعبّر عن حقيقة موضوعيّة لا يختلف حولها العاقلون, ولا أقصد بذلك سؤال العميان الطرشان مثل: لماذا لا ينتقد الملحد العربي سوى الإسلام؟ لا, فهذا سؤال يكشف زيفه كتابات الملحدين العرب وحوارياتهم بمجرد جولة قصيرة على مواقعهم وفي أدبياتهم وسردياتهم, إنّما أقصد سؤال: لماذا لا ينتقد الملحد العربي بقيّة الأديان بالحجم والشكل الذي ينتقد به دين الإسلام؟ وهذا هو السؤال الذي سأحاول تقديم إجابتي عنه في بضع نقاط فتابع معي القراءة أخي المسلم فضلاً ليس أمراً:
1- إن أكبر نسبة للمسيحيين في بلد عربي- باستثناء لبنان- لا يتجاوز العشرة بالمائة من عدد السكان, لذلك فنسبة الملحدين العرب من أصول إسلاميّة ستكون بالطبع تسعة أضعاف الملحدين من أصول مسيحية على الأقل, والأمر كما يعلم البعض هو أنّ الملحد حين يهجر دينه يمرّ بفترة نقاهة يتقيّأ فيها الهراء المقدّس الذي تشبّع به منذ طفولته قبل أن يقرر البحث عن هراء مقدّس من دين آخر كي يبتلعه -يعتنقه- ثم يتقيؤه وهكذا حتى يصل لتمام العافية العقلية...
وعليه فمن البدهي صديقي المسلم أن تجد القيء النّاجم عن دوار الأديان عند المبحرين في الإلحاد من "المسلمين العرب السابقين" أضعاف عددهم مقارنة بـ "المسيحيين العرب السابقين" الذين يبحرون على ذات القارب.
بدليل لو أنك بحثت بلغات أخرى عن كتابات الملحدين ستجد الأمر ذاته حسب اللغة, فلو بحثت بمواضيع الإلحاد باللغة الإسبانيّة مثلاً, ستفاجأ بأنّ بعض الملحدين من أميركا الجنوبيّة لا يعلمون إن كان هذا الـ"عمر بن الخطاب" هو ماركة ثياب أم سلسلة مطاعم شاورما عربي.
2- لماذا بدأت مقالتي بالديانة المسيحية في النقطة الأولى؟ لأنّ اليهوديّة أصلاً ليست ديانة تبشيرية, فلا يمكنك أن تصبح يهودياً دون أن تكون يهودياً بالولادة, لذلك فآية "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" هي خاصة بالنبي وغير موجهة للمسلم العادي, لأنك صديقي المسلم حتى لو أردت أن تتبع ملّة اليهود فاليهود لن يحسبوك واحداً منهم حتى لو كنت "عزير" بذاته ( بالمناسبة من هو هذا العزير؟ )
وما ينطبق على الإسلام والمسيحية ينطبق الأمر ذاته على اليهودية وكل الأديان بخصوص موضوع اللغة فيما لو بحثت باللغة العبرية عن كتابات الملحدين, ولكن مع فارق بسيط هو انّ اليهود المؤمنين يعتبرون اليهودي الملحد واحداً منهم حتى لو كان ملحداً كبيراً بقامة آينشتاين أو سيغموند فرويد, إلّا أنّ مجرّد مولده لأمّ يهودية سيبقيه يهوديّاً أبد الآبدين, وهذا على العكس من اختلاف الفقهاء المسلمين إن كان العالم المصري "أحمد زويل" يتعذّب الآن في "سقر لوّاحة البشر" أم في "السعير والحطمة"
وعليه, فاليهودية هي عِرق وفلسفة شعوب أكثر من كونها دين, وبالتالي فالملحد العربي حين يتناول اليهودية فهو لا يتناولها كدين, إنما كفلسفة شرق قديم, أو يتناولها سياسيّاً من خلال تسليط الضوء على امتطاء الحركة الصهيونيّة لهذه الفلسفة الشرقيّة منتصف القرن الماضي, بهدف تشكيل عصابات يهوديّة مسلحة تسلب الناس أراضيهم وتهجّرهم من ديارهم.
3- حين نتكلّم عن مآسينا في بلداننا العربية جرّاء قرون طوال من سطوة الفكر الإسلامي على المجتمع وإيصاله لحالة من الجمود يصعب معها حتى الحلم بخطوة واحدة للأمام, هذا عدا الحروب الأهليّة ومئات الملايين من العبيد والضحايا عبر التاريخ وإلى الآن بسبب نصوص الإسلام, حين نتكلّم عن ذلك فكيف لنا أن نلقي باللائمة على المسيحيين؟ هل حرّفت المسيحية إسلامك السمح ودسّت في كتب الإسلام آيات القتل وأحاديثه وغيرها مما جعلت العالم كله يتوجّس خيفة منك, ويعتبرك كمسلم مجرّد قنبلة موقوتة؟ لذلك صديقي المسلم فأنت تقيس ما لا يقاس عليه. وحين تقرأ باللغة العربية محاولة نقد من عند الملحدين لأوضاع بلدانهم, فلا تتوقع أن تقرأ نقداً لدين أناس يعيشون في البلاد العربية, حتى مواطنة هؤلاء وعروبتهم مشكوك فيهما عند جارهم العربي المسلم!! فهؤلاء المسيحيون العرب لا تأثير لهم البتّة على المستنقع الذي أوصلتمونا إليه, وبالطبع حين تتمّ إدانة الجاني, فإنها تتمّ انطلاقاً من آثار بصماته لا من رغبة المحقق باتّهامه.
4- هناك معضلة تتمثّل بأنّ تاريخ الإسلام جعل من كل شخصيات وأحداث التراث الإسلامي أموراً مقدسة مؤلّهة عند المسلم مثلها مثل مبدأ (قل هو الله أحد) , لذلك ترى المسلم يأخذ على الناقد الذي ينتقد حادثة أو شخصيّة تاريخية على أنها نقد لربّه وكفر بوجوده, مع أنّ الناقد قد يكون ربوبيّاً يؤمن بوجود إله خالق للكون ولكنه لا يؤمن بأي دين, وهنا ينبري المسلم ليسأل الملحد , لماذا لا ينتقد عقيدة الثالوث عند النصارى؟ والجواب هو أنّ موضوع الحلقة كان عن حادثة طبخ رأس أحد الأشخاص على يد سيف الله المسلول خالد, وليس حوار في الإلهيّات ولا في اللاهوتيّات.
5- يصدّر المسلم أحياناً فكرة أنّ المشكلة تكمن في المسلمين ورجال الدين والتفاسير والفهوم والأحاديث والمدسوسات, وليس في الإسلام بحدّ ذاته (وكأنّ الإسلام شيء آخر غير كل ما سبق) , المعضلة أن الدهر لا يكفي لإنهاء سيرورة عجلة الهامستر الإسلاميّة التي تحيل من النص لتفسيره لتأويله للأحاديث للسيرة لمئات الآلاف من المجلّدات التي يكفي سوء الفهم لعبارة واحدة منها كي تجعل نهر الفرات يصير أحمراً بدماء المسلمين قبل غيرهم... وهنا يحقّ للملحد أن يسأل نفسه لماذا؟؟ لماذا علينا أن نكمل المجازفة كما جازفنا ونجازف منذ قرون طوال ؟ لماذا علينا أن نهدر حياة الإنسان على هذا الكوكب في محاولة لفهم موقع الله في السياسة؟ ألم يحن الوقت للإنسان ليصيغ ببضع عبارات واضحات ما يريد هو لنفسه في هذا العالم؟ أما آن لنا أن نعبد الله كإله ونحاسب الحاكم كبشر؟
ما الذي جعل الملحد العربي يكفر بالديمقراطيّة التي أتت بالإخوان المسلمين لسدّة الحكم سوى الخوف من النصوص المقدّسة التي يحتكم لها هؤلاء الإسلاميون؟ فعلى الأقل هذا الجنرال الانقلابي لن يقول عن نفسه أنّ شرعيته تأتي من عند الله, بل الكل يعلم أنّها تأتي من فوهة مدافعه, وهذا أيسر للشعب على التغيير وأقرب للحلم بالتحرر ولو بعد حين, مقارنة بالحاكم الذي يرسم المصاحف والسيوف على راياته ثم يأتي ويقول "إن الحكم إلّا للشعب", بينما في الحقيقة نجد في مصحفه "إن الحكم إلّا لله" ... !! سورة يوسف آية 40
لذلك صديقي المسلم عندما تسمع ملحداً ينادي بتطبيق شريعة الانجيل في الدولة, حينها وفقط حينها يحقّ لك أن تقارن بين المشروع الإنجيلي والمشروع القرآني أو البوذي, وأن تقول لهذا الملحد أنت مسيحي مؤمن متطرّف تلبس عباءة الإلحاد يا هذا.
6- لم تكن مشكلة العالم في القرن الماضي مع الشعب الألماني هي أن الألمان يفخرون بقوميتهم وعرقهم, بل المشكلة كانت في إنّ هذا الفخر كاد أن يحرق ويستعبد كل إنسان لا ينتمي لعرقهم وقوميتهم على وجه الأرض, إنها ذات المشكلة التي يعاني منها العالم دائماً مع الفكر الإسلامي, المشكلة تحديداً تكمن في أنّ هذه الفاشيّة الدينيّة عند المسلم ترتكز على أسس إلهية ونصوص مقدّسة, وذلك على العكس من ادّعاءات فوقيّة فارغة من شخص مخبول مثل "أدولف هتلر" الذي ما إن استفاق شعبه على أنفسهم حتى نبذوه هو وفلسفته العفنة كالكلب الأجرب إلى مزابل التاريخ, ثمّ اعتذروا للعالم أجمع عن الماضي المشين وسامحهم الإنسان على ذلك ومضت الحياة, بينما لا أحد يتوقّع أن يستفيق الفاشيّ المسلم على نفسه في القريب العاجل.
لذلك صديقي المسلم حين تقول للملحد لماذا لا تنتقد النّازيّة أو لماذا لا تنتقد " بابلو اسكوبار " فهذه المقارنة تبدو أقرب قابليّة للنقاش من مطالبتك لهذا الملحد إجراء مقارنة دينية مثلاً بين الإسلام والهندوسيّة, لأنّ الملحد العربي كان قد ترك انتقاد الهندوسيّة لمثقفي شركات المرتديلّا, فهذه الهندوسيّة التي تطالبه بانتقادها إنما هي الديانة التي تحاول حماية الفئران والأبقار وعبادتها على حد قولك "وهذا طبعاً خبل وهبل" , ولكن لا تنسَ أرجوك أنّ إسلامك ارتكب بحقّ حماة الأبقار هؤلاء مجازر يصفها المؤرخ ويل ديورانت بالقول " كانت الفتوحات الإسلامية في شبه القارة الهندية , على الارجح القصة الأكثر دموية في التاريخ". لذلك يا صديقي افتح عينيك الاثنتين فالعور أخو العمى.
صديقي المسلم , خلاصة الجواب عن سؤالك الذي هو موضوع مقالنا هذا:
الملحد ينتقد الإسلام لأنه لم يعد هناك دين يأمر أتباعه في نصوص واضحات بقتل أتباع بقيّة الأديان واغتصاب نسائهم وأطفالهم, ولكن بالطبع هناك أتباع أديان وآيديولوجيات وقوميّات مختلفة بل وملحدين هم مجرمون بذواتهم أكثر من ذلك بكثير, لذلك فالملحد لا ينتقد أديان هؤلاء بل يطالب بوضعهم -بذواتهم- في السجن, بينما حضرتك تطلب منّ العالم أن يقدّس جرائمك لأنّها بأمر من الله.
وأيضاً ينتقد الملحدون الإسلام, لأنّه لم يعد هناك من دين غيره يخبر أتباعه بنصوص واضحات أنّ تعريف الإنسان الكامل الذي يتمتّع بكامل الحقوق الفرديّة إنّما هو "الذّكر المسلم البالغ" وما عدا ذلك هم إما معدومي الحقوق أو منقوصيها, وعليه فإن هذا التعارض بين نصوص دينك وبين شرعة حقوق الإنسان هو صدام بينك وبين العالم بأسره.
وفي المحصلة أخي المسلم, لو أنّ حدود إسلامك وقفت عند آية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ--------------- لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .. المائدة 105 أو عند آية فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ.. وغيرها من آيات ما قبل الهجرة, لو انّ إسلامك وقف عند حدود مثل تلك الآيات, ثق حينها لن تجد حرب أقلام على دينك, بل جيش أقلام لنصرته من عند الملحدين قبل أتباع الديانات الأخرى. ولكن المشكلة في نوع آخر من الآيات كِلانا يعرفها.
#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)
Zaher_Refai#