|
أسطورة التكوين في التراث الإسلامي
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 13:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قصة التكوين ١ - كان الله ولم يكن شيء غيره من أقوال محمد عبدالله القريشي : "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض"
كل المجتمعات، الثقافات أو الحضارات البشرية حاولت أن تتخيل وتشرح بداية التكوين وكيفية إنبثاق العالم وظهور الإنسانية. ليس فقط لماذا هناك أي شيء بدلا من لا شيء؟ لماذا السماء والنجوم والأرض والمطروالأنهار والشجر، لماذا البر والبحر، ولماذا الحياة والموت، لماذا الخير والشر، لماذا الإنسان، فهذه كلها أسئلة لاحقة وتسائلات فلسفية جاءت مع الفلسفة اليونانية، غير أن السرد والقصص الأولى كانت تتركز حول تسلسل الأحداث وكيفية ظهور الكون والكائنات. فهناك قصص التكوين البابلية والسومرية والفرعونية واليونانية والهندية والفارسية وغيرها، وجميعها تعتمد على فكرة واحدة أساسية وهي قانون السببية، أي لكل شيء مسبب ولكل شيئ بداية. وبالنسبة للأديان السماوية فهي تعتمد على فكرة الخلق، والخلق هو فعل يتطلب الفاعل، كل الكائنات هي "مخلوقات"، ظهرت فجأة للوجود دون مبرر ظاهر، فلابد لها إذا من سبب وبالتالي من خالق. وهذا الخالق - اللامخلوق بالضرورة - قبل أن يخلق كل هذه الكائنات على وجه الأرض كان وحده ولم يكن معه شيء، فقد خلق الله الكون والسماوات والجنة والنار وكلّ ما نعرف عنه وما لا نعرف، أما الله ذاته فهو لم يُخلق ولا خالق له فهو موجودُ منذ الأزل. وجميع الكائنات خلقها الله من العدم، فالخلق هو إيجاد الشيء من العدم بعكس ما يقوم به البشر والذي بإمكاننا تسميته بالإختراع أو الإكتشاف، فالإنسان يصنع الأشياء من كائنات إلهية موجودة أصلاً في هذا الكون الشاسع. التراث الإسلامي، والخيال العربي لم يبدع أسطورة خاصة أو مميزة للتكوين، وإنما نقلها حرفيا وأستقاها من الثقافات السابقة، وبالذات من التراث اليهودي والمسيحي الذي كان معروفا في الصحراء العربية في ذلك الوقت. وليس هناك نص أو كتاب رسمي يتعلق بقصة التكوين والتكوين، ما عدا كتاب القرآن الذي يحتوي على العديد من الإشارات والتفاصيل بخصوص بداية العالم، غير أنها متناثرة وغير مرتبة زمنيا، فهناك العديد من التفاسير والأحاديث، والقصص المختلفة المتداولة بين الشيوخ والفقهاء والمفسرين الذين حاولوا إضافة العديد من التفاصيل الدقيقة ـ المتخيلة بطبيعة الحال ـ غير أنها تتناسب مع الأسطورة الأساسية وتحاول أن تضفي عليها نوعا من الشرعية المنطقية والعقلية.. في البداية لم يكن هناك أي شيئ، لم يكن هناك زمان ولا مكان ولا فضاء ولا ضياء ولا ظلام، عدم مطلق لا يمكن لعقل الإنسان أن يستوعبه، وكان الله، الذي كان موجودا منذ الأزل يسيطر على هذا اللاشيئ الأزلي المطلق، حتى تفجرت إرادته في لحظة ما وخلق الماء من هذا العدم السرمدي وذلك لحكمة لا يعرفها سوى الله نفسه. ولا نعرف تفاصيل هذا الخلق ولا أسباب إختيار الماء ليكون أول الكائنات الإلهية. ولا بد أن الله قد تعب من هذا المجهود الرهيب، وهو الذي لم يكن يفعل شيئا قبل ذلك، أو هذا ما نستنتجه مما جرى بعد المخلوق المائي الأول، حيث خلق المخلوق الثاني وهو "العرش" ليستوي عليه، وليجلس بعض الوقت ويبرد قدميه المتورمتين في الماء. فالله هوَ ربُّ العرشِ العظيم كما تقول الكتب، والعرش هو سرير له أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهو سقف الجنة ومنفصل عنها. ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله نفسه ـ الملائكة لاحقون في تسلسل الخلق كما سنرى فيما بعد ـ والعرش هو أكبر المخلوقات حجمًا ومساحة وامتدادًا، "ما السموات السبعُ معَ الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة". والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة، وفي يوم القيامة - الذي سنبحثه لاحقا - يصبحون ثمانية. وحجم كل واحد من حملة العرش يبلغ من الضخامة لدرجة أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع. واستوى الله على عرشه العائم وبدا مهموما يفكر في هذه الصحراء المائية الشاسعة التي انبثقت من إرادته، وربما فكر في هذه اللحظة بأنه يحلم، غير أنه لا أحد يستطيع أن يأكد ذلك، ولكن من المؤكد أن الله كان وما زال يستطيع أن يفعل ما يشاء، فقط يقول "كن" فيكون. غير أنه لابد له من أن يتخيل أولا ما الذي يريده فعلا، ماذا سيخلق، ومن أين يبدأ هذا العمل العظيم ؟ وفكر وقدر ثم قرر أن أفضل الأمور هو أن يقوم بكتابة كل ما يمكن أن يتخيله في هذه اللحظات الأولى من بداية إرادته في الخلق والإبداع، أي أن يقوم ببناء خريطة أو خطة شاملة أبدية أزلية نهائية، وتدوين - حبر على ورق ـ تفاصيل المشروع الذي يريد تنفيذه كمهندس كوني لامثيل له. وكان عليه أن يبدأ بأداة الكتابة ذاتها، أي القلم، فلم يفكر في أدوات الكتابة الإلكترونية، فلا ميكروسوف وورد ولا أوبن أوفيس ولا ما شابه. بَعْدَ أنْ خَلَقَ اللهُ الماءَ وَالعَرْشَ، خَلَقَ إذا القَلَمَ والذي يسمى بـ"القلم الأعلى" وهو ثالث المخلوقات، وهو جِرم عظيم وكبير جدًّا على شكل نور. وبعد القلم كان عليه أن يخلق المادة التي يكتب عليها مشروعه المستقبلي، ولم يكن يعرف الورق ولا الطين ولا أوراق البردي في هذا الوقت ولا جلد الحيوانات، فكل هذه الأشياء لم يتم تكوينها بعد، فخلق ما سمي فيما بعد بـ"اللوح". ثم قال للقلم اكتب ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة، اكتب علمي في خلقي، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. واللوح مكون من ياقوتة حمراء أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك يقال له "ماطريون"، كتابه نور، وقلمه نور ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء: يرفع وضيعاً ويضع رفيعاً، يغني فقيراً ويفقر غنياً، يحيي ويميت ويفعل ما يشاء، كل ما حدث وكل ما يحدث وكل ما سيحدث مكتوب في هذا اللوح المحفوظ، الذي خلقه الله لمسيرة مائة عام. وقيل أنه مِنْ دُرَّةٍ بَيضَاءَ حَافَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، عَرضُهُ مَسِيرَةُ خَمْسِمائةِ عَامٍ. وعندما أمَرَ اللهُ القَلَمَ أن يكْتُبَ فَجَرَى بِقُدْرَته مِنْ غَيْرِ أنْ يُمْسِكَهُ أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ - علما بأنه لم يكن هناك خلق بعد -، فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحِ المحْفُوظِ ما كَانَ وَمَا يَكُونُ في الدُّنْيَا إلى نِهَايَتِها، فَلا يُولَدُ إنْسَانٌ ولا حيوان وَلا تَنْزِلُ قَطْرَةُ مَاءٍ مِنَ السَّماءِ إلا عَلَى حَسَبِ مَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ المحْفُوظِ. وهو أم الكتاب والملف الرئيسي المدوّن فيه كل شيء إذ أن الله وضع كل سنن ومجريات الحياة وما سيحدث في الدنيا والآخرة منذ خلقه للكون وحتى نهايته وحفظها بشكل ثابت غير قابل للتغيير بين دفتي هذا الكتاب. واختلف حول نوعية وشكل اللوح فمنهم من قال أنه لوح مكتوب ومنهم من قال أنه على جبهة اسرافيل رغم أن إسرافيل لم يخلق بعد. ومنهم من قال أنه لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه معقود بالعرش وأصله في حجر الملك ماطريون. ومنهم من ذهب إلى أن اللوح المحفوظ يقع عن يمين العرش، ومنهم من قال أنه تحت العرش وآخرون فوق العرش وأنه من زمرد، حروفه من الذهب، وكَتَبَها الله بيده، وسمع أهل السماوات صرير القلم وهو يحتك باللوح أثناء تحرير النص - ولا نعرف من هم أهل السموات قبل تكوين السموات - غير أن منطق الأساطير منطق لا يفهمه سوى زبانية الله أنفسهم. كل شىء كائن في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ حيث كتبَ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة وكان عرشُه على الماء كما سبق القول. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِخمْسِينَ ألفَ سَنَةٍ خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب الموتى
-
عن الموت والفكر الميت
-
عن النمل وكلام الله
-
القلب الخفي لعدوى الكوفيد
-
كوفيد ١٩
-
الله كعدو شخصي
-
العقل الديني مرآة العقل الذكوري
-
في إنتظار البداية
-
الصخرة
-
يقظة السيد نون
-
زمن الموت البطيئ
-
رحيق الشوك
-
العجل الذهبي
-
موت السيد نون
-
قلق السيد نون
-
هواجس السيد نون
-
رسالة إلى - ثوار- ليبيا
-
السلطة الدينية وغسل الدماغ
-
ثورة بروميثيوس
-
عن الرفض والتمرد
المزيد.....
-
-رمز الرومانسية-..هذه المدينة اليابانية المغطاة بالثلوج تعان
...
-
كيف ترى الصحافة السعودية مستقبل العلاقات بين الرياض ودمشق؟
-
روبيو: السلفادور توافق على استقبال المرحلين والمجرمين الأمري
...
-
السفير الروسي: علاقاتنا مع مصر تتطور بثقة ونجاح وانضمامها إل
...
-
أول ظهور علني لزوجة أحمد الشرع في السعودية (فيديو)
-
تحليل لـCNN: هل الصين مستعدة لحرب تجارية ضد أمريكا بعد فرض ت
...
-
المتمردون يعلنون وقف إطلاق النار في الكونغو الديمقراطية -لأس
...
-
الولايات المتحدة تطالب بانتخابات في أوكرانيا
-
من سيحصل على القارة القطبية الجنوبية
-
سحب القوات الأمريكية من سورية يطلق أيدي تركيا وإسرائيل
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|