|
نضال سواس... أيقونة سورية من ضوء اللون وبوح الحرف... الطريق إلى الاسطورة...!!.
عبدالوهاب بيراني
روائي و شاعر و ناقد في الادب و الفن
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 31 - 05:15
المحور:
الادب والفن
نضال سواس... أيقونة سورية من ضوء اللون وبوح الحرف... الطريق إلى الاسطورة...!!.
كما ارهقها لون الضباب..و سنوات الغربة، وهي تتنقل من بلد إلى آخر، فأنها أيضا تخاف الاقتراب، يوقظها حلم ما، صرخة تتكرر إلى درجة الذهول.. له بكارة اللحظة الأولى كصرخة الوليد الأولى ربما...، بهذه الروح المفعمة بالسوريالية يمكننا اختصار حياة الفنانة التشكيلية و الكاتبة السورية المغتربة نضال سواس، التي حلقت في فضاءات اللون بشغب طفولي، جعلت من روحها أسيرة للون و عاشقة للاحجيات و للاسرار فتناغمت معه و بنزعة فكرية فلسفية شعرا و لونا، ومابين قراءتها الأولى لجبران و نزار قباني و الوان معلمها الأول فاتح المدرس مرورا بتاثرها بعمر حمدي (مالفا) إلى مانيه و ديگاس و موديليني و ليس انتهاءا بسلفادرر دالي... و بين رفرف الكتب في مكتبة العائلة و بين الهيبة الجليلة للبيانو و مفاتيحه البيض و السود و طاولة الشطرنج بمربعاته المتناظرة بياضا و سوادا، و الكلمات بحبرها الأسود معانقا بياض الورق، في بيت دافيء بالادب و الموسيقا تحتفي جدرانه بلوحات كبار فناني سوريا العالميين جنبا إلى جنب "كيالي" و "المدرس" بين جدران هذا البيت كان شغبها الأول، كانت لوحاتها الطفولية و "شخبطاتها" و مرحها وهي تنقل إصابعها على مفاتيح البيانو برشاقة و تنتقل للرسم، فهاهي طفلة الدار ترسم من بقايا البن في فناجين القهوة رسوما و تشكيلات ساحرة، و تصنع من رماد السجائر عالما مثيرا للدهشة هذا ما قالته الفنانة نضال سواس عن البدايات... مشوار طويل و شاق استطاعت من خلاله انجاز بصمة فنية متميزة و شيفرتها السرية الخاصة.. من بدايات شغف رومانسية اتباعية إلى تخوم احلام سوريالية، و هي تعد العمر زمنا سرمديا قصيرا يمتد مابين مراحل زمانية حياتية، هذا ما حاولت أن تبوح لنا وهي تكشف لنا تيمة الزمن و جمالية الآمكنة عبر دقائق ثلاث، مثيرة تساؤلات ها العميقة ماذا لو تبقى من عمرك ثلاث دقائق، ربما لن تكفي مثلها مثل العمر الذي مضى كأنتظار غفى.. و تبقى الأشياء لتنتظر، ربما لو منحنا كل دقيقة لمرحلة مضت و أتت و مضت.. و يأتي القطار مسربلا حالته المكانية كمحطة تلاقي و متيقظا لزمانية قصيرة ثلاث دقائق فقط، مابين الآت و الآني و الذاهل في الذهاب،..هي كل العمر، وربما خلود الروح الإبداعية... الجسد مكاني، و الروح زمانية، و للجسد تعابيره و تركيبته المتشابهة مع الطبيعة، مع الشجر و مع الماء، وتتوزع روحها في الطبيعة تتنفس مع شجرها ومع العشب الغافي تحت ضوء قمر شحيح، و الجسد حاضر له ظله و له مكانته في لغتها و في لوحاتها، فقد لجئت الفنانة نضال سواس في احيان كثيرة إلى تقنية تركيب الجسد كشكل او تجسيده إلى أنماط تشكيلية متداخلة من وجهة النظر او طرق الرؤية عن طريق وضعيات رمزية فتتحول اللوحة إلى صورة رمزية تمتلك تاريخ من الذاكرة المعرفية و من ذاكرة الوعي، و تعبر اللوحة عن ازمنة مضت و ثقافات متشابكة يجمع بينها السحر و تيمات لا زالت تبوح او تتحفظ عن سر دفين، ذاك التواصل الذي تسعى اليه الفنانة عبر لغتها الفنية الخاصة هو ما ينقل لنا مشاعر العزلة او التيه في العماء و الوحدة،و الغياب و الألم، انها كفنانة مغتربة، و التي ربما عاشت حالات قاسية من الاغتراب في وطنها سوريا الا انها لازالت و عبر لوحاتها تعيش في قلب مجتمع كبير لا تؤمن بحدود العزلة او الوحدة، و إنما تمد جسورها من بلاد الصقيع إلى بلاد التشكيلات النباتية و أحواض السمك و عريشة الياسمين الممتددة مابين عينيها و الشام، أو حلب.. و حمص و الساحل و بحره الأبيض بحر ادونيس و عشتار او ربما عامودا مالفا و بركات، فالطبيعة و شمس الظهيرة و الألوان تتداخل بسرية مفرطة من خلال خطوط مدهشة قادرة على التعبير ببوح مفتوح على المدى بقدرات بصرية تخفي او تظهر حالات قلق او مشاعر مضطربة ليس في تقنية الغرافيك و ليس في لوحاتها المرسومة بالأبيض و الأسود... بياض الرقعة و سواد الخطوط من عناق و تشكيل الخطوط تولد لوحاتها، إنما أيضا الشعر فهي" تحلم ان تدندن ".. و تنادي أحدا ما في الغريق التائه من الأبدية "انتظر" ربما هي تنتظر "شيئا كالذهول" و تتماهى بشاعرية صوفية عبر نص "شيخ الهوى" لتكتمل لوحاتها بلغة أدبية عميقة مشحونة بالحس الغرافيكي كظلال للهجرة للمنافي، للعزلة البوهيمية، و كأننا نراها تردد مع ت. س. اليوت بلدها و أرض اليباب او مع رامبو في رحلتها عبر مركب تاه بها، و خذلتها خيوط ضوء غامر حيث كان يسربل مشاعرها و يكلله بالدفء، إزاء لوحات نضال او كتاباتها لا يمكننا أن نعثر على عتبة لونية او نص أدبي يمكننا منه الانطلاق لتهمة جاهزة نقديا، لا جنسانية محددة، لا قيود، صحيح انها امرأة و ترسم و تكتب بحروفها الأنيقة المعذبة الخارجة للتو من جحيم دانتي الداخلة في فردوس تموزي الراعي، لا تؤمن بالحدود مابين الواقع و الاسطورة، كما لاتؤمن بالحدود مابين إبداع المرأة و إبداع الرجل، او رسومات المرأة، ذاك يغيب في قدرتها كأنسان (بلا تاء مربوطة) فالمراة لديها " هي العنصر الرمز الذي تستخدمه لمدولات عديدة تفيد الموضوع.. فهي رمزية عشتار و قدسية الأم السورية وهي الخصب و الولادة من جديد... حيث يقترن عندها الفكر بالفن، و لكون الفكر عملية رياضيتية ديكاراتية، لا تقبل الا العقل ميزانا و حكما حسب لافوزيه، و هي تنشأ حوارها الداخلي مابين خطين متوازيين حينا او متقابلين حينا اخر، بل و متضادين في نواح أخرى، حوار بينها و بين الرائي، المتلقي، القاريء، تتعمد احيانا الإبتعاد عن الزخرفة اللونية، تترك اللون خارج إطار اللوحة، ترسم خطوطها باللون الأسود المضاد لبياض أرضية اللوحة منشئة حوارا معاكسا متضادا حسب التعبير الهيغلي الماركسي لوحدة الاضداد و الصراع، و ان كان في السطح اللوني الشحيح دعوة للتكامل مابين الرؤيتين، رؤية الفنان المانح، و رؤية المتلقي المتفاعل عبر حالة تعبيرية عميقة تمتد بجذورها الفنية لمدارس فنية مختلفة،حيث طورت ادواتها التعبيرية لونا و لغة في خط بياني صاعد و ان جابهتها الاوجاع، و قسوة الايام، و من مرسمها لازالت صدى صرخة مالحة الطعم تدعو لعالم بهي، نقي اكثر بياضا،.... فما نفع الثلج النقي ان تشرب برماد الحرائق،.... و نيران الحروب، تنسحب، تتكور في نهاية المسافات تعلن مساحة للحب ... و حينما تعجز اللوحة و خطوطها عن التعبير، حينما يخذلها اللون تبوح باسرار اللغة، كسلم موسيقي، تمتلك مفتاح صول، تمتلك شيفرته، مرة ثانية و ليست اخيرة تبدأ الإشارات و العلامات الموسيقية تدهشها فمن المستديرة السوداء و انة بيانو او نغمة ثكلى ينوح بها وتر كمان أنيق، ثمالة ما تعتري روح المكان و تنثر كلماتها بعبثية، سوريالية دونما تنقيح، هكذا يخيل لي.. كلماتها تتراشق كمطر ربيعي مفاجيء تاخذ في الأرض اخاديدها الخاصة دونما خطوط هندسية مستقيمة او دائرية، كلماتها تستقر على بياض أوراقها شعرا و بوحا و وجعا و أنينا، يرتفع الأنين، ليصبح صرخة تحترم وعيها الثوري، تنطلق من أحلام و رؤى فكرية حيث النزعة الفلسفية و القدرة التحليلية للاشياء، للمكان، للفكرة بذاتها، تفلسف عناصر الطبيعة برؤى رومانسية لا مرئية حيث النزعة او المذهب السوريالي و بتناغم هارموني غارقة في الميثولوجيا و الأساطير، و لا تبتعد عن الواقع و ان اعتمدت الفانتازيا الانقلابية ان صح التعبير في التعبير عن كثير من رؤاها التعبيرية سواء على الصعيد الفني او الأدبي، تجد العالم اكثر عمقا و جمالا، اسوار المدارس لم تستطع ان تجبرها على اعتناق مذهب او جانب فني دون سواها، كانت تحطم جدرانها بقوة تصميمها َو تطويعها أساليب الفن و مدارسه من الكلاسيكي و التكعيبي، أو الواقعي مرورا بالتجريدية و السوريالية، و نالت نصيبا في ممارسة التكعيبي، لكنها اكتشفت نفسها في بحر السوريالية حيث المساحة الأكبر للحلم للانطلاق، القدرة على احاطة أحلامها و أفكارها لتنطلق بها نحو العالمية.. تفرد ريشتها، ترفع قلمها تدعو، و تصرخ مجددا.. ان العالم نقي.. دعوه هناك مسجى بثيابه البيضاء، دعوه على السفح،.. نديا كالزهر، كالجرح، في وطن ما عاد سوى الرماد، ستارة تعلن عن فصول جديدة من مسرحية فانتازية يتناوب شخوصه في رقعة مسرحية... أضواء المكان و رائحة خشب المسرح المحترقة.. و رائحة صمغ مالح، و شفاه جافة، و عيون مسمرة ترنو للبعيد، للافق، عيون زرع فيها الضوء ، و سكنهما النور من جديد، و قامة العنقاء تنهض من رماد الحرب و النزوح و الهجرة و الغربة، و ناي شفيف يعلن الحزن بوحا، و مفاتيح بيانو تتناوب َادوار الخديعة و العشق... و شفاه جافة أنهكها العطش الروحي، سيدة تسند ضهرها إلى وطن... هكذا ببساطة..، الوطن مسمار، و معطف، و مقعد فارغ و كأنها تردد مع غوته نشيد المنفى، حيث امرأة تشعل بعيني الرجل دفئها، يشعر بالبرد يبحث عن ظل عشق، عن ظل امرأة، يصيح بحنق... هذا... ليس.. بظل، بل هو معطفي.. تركته هنا.. علك يومها شعرت ببرد...
تقول "نضال سواس" : "لا يمكنني أن افصل بين الفن و الأدب او ان افضل بينهما، كلاهما بالنسبة لي جزء من جديلة تتشابك معها روحي لأكون انا،..". لم تكن بداياتها تدريجية، و إنما انطلقت مع "لؤي كيالي" تسعى لتكوين روحانية جديدة لللوحة و اللون، سعت إلى البوح كلغة و أدب، و الى الخطوط و الألوان كلوحة و كونت اسلوبية خاصة، ثم اعتنقت السوريالية فمزجت الشكل و اللون مع فلسفة تؤمن بها، سجلات و قراءات عميقة و متنوعة في تاريخ الآداب العالمية و تراها الغني و سير شخصية و تعلق كبير بالاساطير و ميثولوجيا الشعوب و الاقوام التي عاشت تحت سماء الله و على أرضه الواسعة، ثقافة كونتها من خلال فكرها و رؤيتها الخاصة، لم يكن الأدب و هوسها في عالم الكتابة يبعدها عن اتون الألوان الحارة، حيث تمنح لشخصوص لوحاتها حرية الحركة فيكون الرائي و من اي مستوى من طرق الرؤية لللوحة إزاء أحجية ربما هي قلب الحجر او امرأة تمضي و شعرها يلوح على ضهرها دونما مبالاة، نضال سواس بدأت مع لؤي كيالي كفنان عابث باللون و الكلمات، و لاحقا بالحياة، شخصية أثرت في رؤاها الخاصة، ثم ليأتي شيخ الكار معلمها الأول "فاتح المدرس" ليكون مدّرسها و مدرستها، و المؤثر على طريقة مزج اللوحة بالفلسفة و جعلها قصيدة بوهيمية، مبهمة، غامضة، فاتحا بذلك بوابات الصراع مابين الشكل كخطوط، و الفكرة كفلسفة عميقة، و مع تأثيرها العميق بكلا التجربتين و إضافة إلى سعيها المستمر ان تؤسس لوحتها الخاصة و فلسفتها الخاصة غاصت في التاريخ، في ذاك الجانب الغامض الذي حاول تفسير العالم بفلسفة اكثر غموضا، تعمقت في دراسة الميثولوجيا، تحدت ذاتها لفك رموز عصية، و خلال تجربتها الطويلة استطاعت ان تقف على عتبة الفراغ المتولد عن الكتلة، كما انها استطاعت خلق "كونتراست" مابين الفراغ الهائل و الكتلة او الشكل، ضمن شرطي التكامل و التفاضل الرياضياتي حسب ديكارات، فمن كتلة التكامل و تعارضه مع الفراغ كتفاضل أدركت ان التناقض ذاك هو سر مفتاح اللوحة و هو شيفرتها السرية لفك الغموض، باتت تتقن لعبة الحياة و الموت، الضوء و العتمة، كل تناقضات الواقع و صراعات الحياة كانت بمثابة توزع الأبيض و الأسود على رقعة صغيرة و لكن ليس على شكل مربعات متكررة متسلسلة، و إنما مشكّلة "شطرنجها" الخاص، فالقوى المصارعة ليست واضحة المعالم تماما، كما ليس شرطا من شروط لعبتها الخاصة ان يمتاز أحدهم بقوة و وعي خاص ما... فاللون يسيطر بديكتاتوريته على شخوص الصراع، الأبيض و الأسود و خطوط، ربما كان شغفها الأكبر، مسارات الحياة تتحول لديها إلى لوني الأبيض و الأسود عبر هارموني شديد الحساسية، لتمارس إبداعها العميق بكل عمق و شغف عميق ساحر.
المرأة لديها ليست ايروتيكيا للشهوة، و إنما ذات انسان فهي تخصص تصوراتها التاريخية و الاجتماعية للجسد بوصفه رمزا دون الخوض بعلم الوظائف الحيوية، إنما تغوص إلى الداخل إلى العتمة، تنفذ إلى الداخل اللامرئي للجسد، تحدد مكانته بين الكتل البشرية، أو في فراغ مبهم، معرفتها، و ذاكرتها البصرية التي اختزلت تاريخ الفن، و الضوء في عتمة عينيها المدهشتين من خلال تصوراتها لجسد المرأة، و لا تخضع لصالح حالة اجتماعية، أو لرؤية العالم ككل، و إنما تخترق الجسد كتعريف للذات، للفلسفة للعمق الروحاني، تدخل معنا داخل هذه الرؤية، تمارس الأحجية ذاتها، تدغدغ عناصر الجمال عبر لونية مدهشة، و رسوم و خطوط تقاطع انطلاقا من فكرة الرؤية الذاتية ليس للجسد وحده، و إنما للعالم و للعلاقة الحميمية بينهما و التي تنقطع فجأة ليعيش الإنسان الفرد حالة اغتراب، بعيدا عن الموجودات، هكذا تعامل نضال سواس شخوص لوحاتها و خاصة الأنثى بعيدة عن الايروسية المشتهاة جنسيا، أو رؤوياً، فالانثى هائمة غير مستقرة، دائمة البحث عن أماكن قصّية، تبحث عن عالمها النقي و الأكثر بهاءاً و عمقاً، انها تمارس الفكر و أعمال الفلسفة بشغف جمالي و تثير دوما تساؤلات متنوعة عند المتلقي تجبره ان يقترب اكثر منها، ان يتحول إلى شريك افتراضي في اللوحة، حيث يحاول ان يدرك ماهية اللوحة، و ان يقترب من اللحظة التي تحرر مساحات الضوء، فيبهره فيض اللون الذي يفيض فكراً في اللوحة، التي ربما تغير من نظرتنا نحو أنفسنا و نحو العالم الذي نعيش في مساربه، وفي متاهاته، انها تحاول أن تمنحنا عيناً قادرة ان نرى أجسادنا بطريقة أخرى، فالفنانة نضال سواس ليست مقيدة بالتقاليد الفنية و ليست مخلصة في الاتباعية و في السياق ذاته تهتم دوما بتحطيم الحدود و تدفع بعري لوحاتها و كسر حدة المحرم او التابو الاجتماعي او الفني، فهي تقدم لوحة شديدة الخصوصية قريبة من الاسطورة، و من خطوطها المدهشة في ممارسة رواية تاريخ كامل من البوح و الألم و الوجع.. تقتحم شرنقة الحياة، نقف ازاءها بذهول، نقتحم معها رمزية اللوحة و قدسية مكان بهي، نقي، تتمادى في نشر خطوطها، و تنسج من خيوط حريرية إعادة تشكيل نص أدبي يقترن في الخاصية الرؤوية لدينا كلوحة فنية مدهشة التعابير، فالفن و الأدب تواءمين يسكنان ذات الشرنقة الأم، تضعنا الشاعرة و الفنانة نضال سواس ضمن شرنقتها، تدعونا ان نغلق أعيننا لنستمتع بالنور و فيضان الضوء و العشق الذي يتسلل إلى دواخلنا بعيدة عن سر المتاهة، هي تعانق كلماتها، تلونها كبريق، تمنحها جذوة دفء... فهي ترى العالم بطريقتها الخاصة و عبر رؤى فلسفة و فكر ممتزج متشابك من جنون عابث وهي تتساءل و تأخذنا معها إلى وجودية ليست فراغية، إلى سوريالية بوحية مدهشة... تقودنا إلى شجرة تغرز جذورها عميقة في تربة روحها، و تتفرع اغصانها في فضاء مفتوح تحت شمس تمنحنا النور و الحياة... تطرح سؤالا تغرقنا في متعة الثمالة الفكرية،... ، ماذا لو انبتت شجرة اسراب من طيور.. ؟؟!!. تلك هي شجرة الحياة التي لا زالت تغرز بجذورها الزمنية في عمق تربة فكرها الاسطوري الميثولوجي، عبر سوريالية تتقن مفاتيح دهاليزها الغامضة، و فوهة الضوء.. تقودنا عبر صحراء العطش و الظمأ، تمنحنا قطرات ندى ليست موسومة على بتلات سوسنة او ورقة عشب أخضر هناك، و إنما هي زقزقة طير صغير، حيث الندى أغنيات مغناة بحناجر طيور.. انها تماهيات الاستبدال مابين الممكن و المستحيل، عبر تشكيل جنوني يمتلك عبثية الزمان و المكان،... انه جنونها الخلاق... فوضى الجنون الذي يجتاح حواسها كالعطر، كصوت المطر فتزغرد "طيورها" الخاصة التي تطير في سماء قصائدها، أو التي تتمرغ في طين لوحاتها و ألوانها تمارس غنائية لا متناهية، تنبعث سيمفونيتها في عمق ظلال غابة لا متناهية، ترسم خيمة النزوح لأطفال ناموا في رمال الغربة و الرهبة و العطش، مابين غنائية طيورها و أصوات القصف المعشعش هناك في وطنها تستدعيننا و على عجل إلى حلم بعيد، ان تنبت "اشجارها" الف حمامة سلام و دخان اسود لازال يسبح في خطوط الميدان و الخدعة و الهدنة...شجرة لها رائحة وطن، تحوم فوقها سنونوات، شجرة لم يصل إليها نيران الحروب، شجرة فستق،.. ربما الوطن اختزل إلى حبة فستق قاسية القشر، مذهلة الرائحة و الطعم.. لا زالت تحاول اقتلاع القشرة بسلاسة _حمراء؟ _مشوبة بالصفرة _ مغلقة اذاً دعْها... انها لا زالت تكتشف اللغة،... تكتشف اللون، تحمل ازميله،.. دون يأس تحاول... تسألنا منذ متى؟ يأتي الرد واثقاً منذ ولدت.. هكذا هي روح إبداع الكاتبة و الفنانة التشكيلية نضال سواس التي ليست "ابعد من حلم".. فنانة مستعصية "مثل همس الحقيقة... لا تجرؤ.. مازلت بعيداً.." لا زالت "تنتظر من يرسل لها رائحة الوطن في قوارير" "تنفرج عن شفتيها كحبة" فستق... فستق حلبي... هو متاهة الحنين.. حنينيها..
عبدالوهاب بيراني سوريا 29/3/2020
نضال سواس (كاتبة و فنانة تشكيلية سورية _حلب) دبلوم ترجمة _أدب فرنسي خريجة كلية الفنون الجميلة عملت بالصحافة والتدريس درست الفن لطلاب العمارة والفنون الجميلة عملت كمترجمة من الفرنسية والانكليزية درست الفن لذوي الاحتياجات الخاصة بمعهد خاص لها و تولت الإشراف عليهم و تدريسهم تعمل بالنقد التشكيلي تكتب الشعر والمقال الفكري والفلسفي لديها عدة بحوث ودراسات نفسية مهمة تتعلق بالفن والفكر لدى الأشخاص اللذين يعانون التوحد تكتب المسرح، لديها عدة مسرحيات لها كتب نقدية و فكرية عن الفن و الأدب و الفلسفة و منها : *ماذا عن الفكر *تساؤلات *إشكالية المعرفة عند الفرد العربي *ماذا عن الفن *الفن الوحشي لديها عدة دواوين شعرية أقامت معارض عديدة في العديد من الدول العربية والأوربية. تقيم حاليا بالسويد و تعمل في تدريس الفن التشكيلي في معاهد استوكهولم (مادتي الرسم و النحت)
#عبدالوهاب_بيراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|