أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


كان على موسي أن يستعيدَ ذكرياتِ سفرةٍ سابقة، جلب فيها شقيقته عيشو. ذلك جرى ضمن ملابساتِ مناسبةٍ جديدة، شبيهة. في هذه المرة أيضاً، استعان بقريبه الشهم، صالح. كانت السيارة تتجه بهما إلى حوران، أي على نفس الطريق، الذي سلكته قبل نحو أربعة أعوام حينَ ذهبا إلى عمّان.. ذهبا الآنَ بناءً على رغبة الحاج حسن، وكان يرغب برؤية ابنته غبَّ مرضه وإحساسه بدنو أجله.
في الأشهر الأخيرة، كان الحاج بالكاد يتمكن من مغادرة فراشه لقضاء حاجةٍ ضرورية. سارة لم تفارقه، سوى لو تحتم عليها تلبية واجب وظيفتها كقابلة. برغم حالته السيئة، قال لها رجلها مرةً مداعباً: " لو أن خدمتك عند الدولة، لأحالوك في هذه السنة على المعاش! "
" كنتُ أظنه سراً، تاريخ ميلادي، لا يعرفه أحد غيري "، ردت مبتسمة. ذكّرها عندئذٍ بوظيفته السابقة، علاوة على احتفاظه بسجلّ يحتفظ فيه بمعلوماتٍ تتعلق بعائلته. قالت عندئذٍ بنبرة جدية: " ليتك أعطيتَ بعضاً من وقتك لمسألة مهمة، تخص مستقبل الأولاد "
" تقصدين مسألة البيت، أليسَ كذلك؟ "، سألها بصوته الضعيف. لما هزت رأسها مؤكّدةً كلامه، أردفَ قائلاً: " موسي، حصل مني على منزله في الزقاق. وسأمنح حسينو ذلك المنزل، الذي اشتريته أنتِ بمالك. فيبقى هذا البيتُ لبقية الأخوة، وإنه من الاتساع بحيث يكفيهم لو تزوجوا وأنجبوا أطفالاً "
" أخشى أن يطالب غداً ابنا شقيقتك بحصة أمهم، الراحلة "
" حليمة مخبولة، أعانها الله. أما صبيح، فإنسان عاقل ويعلم أنني اشتريت لأسرته بيتاً أكبر من بيتنا هذا "، قال مقاطعاً كلامها. ثم استطردَ متجهم الوجه، وكأنما صورة مقيتة لاحت لعينيه: " وأنت تعلمين، أنني كتبتُ ذلك البيت باسم صبيح كيلا يتمكن شيخي من بيعه وصرف المال على ما اعتاده من حياة المنكر "
" القانون، يا حاج، يحكمُ بحَسَب الأوراق الرسمية لا النوايا الطيبة "، علّقت سارة متنهدةً. بقيَ رجلها صامتاً، وقد لاحَ أن المحادثة أجهدت صحته الواهنة.

***
بمجرد أن وطأت قدما عيشو الأرضَ، الممنوحة لها في بلدة بصرى، شمّرت عن ساعد الجد لإصلاحها وجعلها مناسبة للزراعة. الأرض، كانت قطعة من أملاك أسرة نورا، صديقة سارة الحميمة، وقد عرضتها هيَ على صديقتها لما علمت بعزم الابنة على العمل. عيشو العزيزة النفس والشديدة البأس، رفضت أن تربي طفلتيها إلا بمال تكسبه بمجهودها. لكنها تركت ابنتها الكبيرة في رعاية والديها، مكتفيةً باصطحاب الابنة الأخرى إلى حوران. عاشت ثمة مع ابنتها في كوخ صغير، كان معداً بالأساس لناطورٍ من أهالي البلدة، وما لبثت أن حولته لمسكن لا بأس به. مع مرور الأيام، استغلت حلولَ الربيع كي تزرع حديقة أزهار في الجهة الخلفية من مسكنها. في الأثناء، كانت قطعة الأرض قد أضحت صالحة لبذر الحبوب والخضار.
حينَ قدمَ موسي مع قريبه إلى حوران، كان موسمُ الحصاد قد آذنَ على الانتهاء. صالح، شاء أولاً التعريجَ على قلعة بصرى الرومانية، كون رفيق الرحلة لم يرها قبلاً من الداخل. في حقيقة الحال، كان كلاهما يحتاجُ لفسحةٍ من الوقت، تقلل من القلق المعتمل في نفسه. هذا تحقق لهما بمعاينة القلعة، وخصوصاً مسرحها الكبير، المحتفظ بعدُ برونقه متحدياً الزمنَ ونوائبه سواءً بسواء. تابعت بعدئذٍ السيارة طريقها إلى المكان المطلوب، وكان سائقها خبيراً بالمنطقة لكثرة ترداده عليها لإيصال الزبائن في الذهاب والإياب. ببعض العناء، تمكن أخيراً من تحديد مكان الكوخ، وما لبثَ أن أوقف السيارة بالقرب منه. أبصرا أولاً صبيةً سمراء، تطل من نافذة المسكن وقد انتابها الفضولُ على أثر سماعها صوت محرك العربة. هذه كانت خالدو، وكان عُمرها تسعة أعوام لما غادرت دمشقَ مع والدتها. بالكاد عرفها خالها، وما عتمَ أن لوحَ لها بيده مبتسماً. بهذه الملامح المنفتحة والفرحة، لاقى موسي شقيقته، التي خرجت لاستقباله وعلى سحنتها علامات الدهشة والجزع. عقبَ علمها بداعي زيارته، لم تتمكن من مغالبة دموعها.

***
في صيف عام 1930، وقبيل وفاته بأيام قليلة، خطّ الحاج حسن آخر كلماته في المجلد الكبير، الذي ملأه بأشعاره وخواطره وأيضاً بنتفٍ من تواريخ العائلة والحارة وسيرة حياته الحافلة. برغم مضي حوالي عشر سنين على تقاعده من وظيفة زعيم الحي، فإن خبرَ رحيله أذيع صباحاً من المساجد ولاقى اهتمامَ الأهالي. كانت جنازته حاشدة، ولا غرو، تقدمها العديدُ من وجهاء الحارة وبعضُ أعيان المدينة. هؤلاء شاركوا أيضاً بالعزاء، المقام في مساء ذلك اليوم في دار الفقيد. ولأول مرة ربما في هكذا مناسبة، يقفُ أحدهم ليلقي كلمة عدّدَ فيها مناقبَ الحاج حسن ونوّهَ بأياديه البيضاء على سكان الحارة والأحياء الأخرى، بالأخص في سنوات الحرب العظمى. الخطيب، لم يكن سوى الشيخ البوطانيّ، صديق الفقيد المقرب، المحتفظ بعدُ بتوقد ذهنه مع إيغاله في الشيخوخة.
في عزاء النسوة، بدت سارة شاردة اللب، لا تكاد ترفع رأسها عن الأرض سوى لتحية هذه القادمة أو تلك المغادرة. لعلها كانت تستعيدُ صوراً من حياتها المشتركة مع الرجل الراحل، المبتدئة قبل أربعين عاماً. كان الوقتُ صيفاً أيضاً، عندما قدمَ إلى دار أسرتها في الزبداني مع والدته وشقيقته، وذلك بصفة الخطيب بعدما حضرَ إليهم أول مرة بمهمة عمل. نفس تلك الفترة الزمنية المديدة، عليها كان أن تقضيها دونَ انقطاع في دمشق بين ظهراني أقارب رجلها وعشيرته وأبناء جلدته، لدرجةٍ نسيت فيها لغتها الأم. الآن، ومنذ هذا اليوم الحزين، سيتحتم عليها أن تحل في الأسرة بمحل الزوج الراحل.. الأسرة الكبيرة، التي تضم فوق ذلك ولدين ما زالا بسنّ الأطفال مع تعهدهما العملَ كالرجال.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
- مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر
- جريمة كاملة
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر
- فردوس الفقراء
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
- جريمة مجانية


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5