|
الشخصية الشوفينية .. وإلغاء الآخر في نص مسرحية ( بلا كلام ) لعمار نعمة جابر
مصطفى آل خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 18:48
المحور:
الادب والفن
الشخصية لها تعاريف كثيرة واغلب هذه التعاريف تجتمع حول كون الشخصية هي مجموع الصفات والاطباع التي تطبّع بها الفرد عن طريق الوراثة تارة وعن طريق الاكتساب الخارجي أي من البيئة التي عاش بها الفرد تارة اخرى، الامر الذي ميّز الانسان عن غيره من بقية افراد المجتمع، فيمكن ان نجد فرد ذا شخصية عصبية واخر ذا شخصية هادئة، او كوميدية واخرى تميل الى الانجماد او الانطواء حول نفسها وغيرها من الشخصيات التي تملئ هذا الكون كل حسب حياته وطبيعة عيشه والوسط الذي تربى داخله، وحتى لا اطيل في الحديث نأخذ من هذه الشخصيات واحدة وهي تتميز بتفردها عن الاخريات، الا وهي الشخصية الشوفينية التي عرفت بتعصبها وعنادها وتمسكها بمعتقدها حتى وان كان ذلك المعتقد على خطأ او على الاقل يشوبه شيء من الشك، فالشخصية الشوفينية تذهب في الدفاع عن ما تعتقده مما يؤخذ عليها بالعدوانية أي انها تصل في هذا الدفاع الى العدوانية والتطرف، ولو امعنا النظر في ما تطرحه لوجدنا ان ما لديها غير منطقي، وهذا ما يتبدى لك عند مواجهتها فهي غير واقعية بمعني انها غير عقلانية، ويعود احد اسباب تسمية الشوفينية الى جندي فرنسي حارب الى جانب نابليون بونابرت اثناء حروبه واسمه ( نيقولا شوفان ) كان شديد الغيرة على بلده ومفرطا في وطنيته حتى اضحت هذه الشخصية الشوفينية عدائية تجاه الثقافات والجماعات الاخرى . وبهذا اخذ على كل شخصية تتطاول وتغالي في الدفاع عن حزب او فكرة بغير منطق تعرف بالشخصية الشوفينية، من هنا حمل النص المسرحي عند عمار نعمة جابر هذا النمط من الشخصيات المسرحية التي احيا بها نصوصه، ولو دققنا في طبيعة تكوين الشخصية الشوفينية لعثرنا على مجموعة من السمات التي تتحلى بها ومنها :النظرة الدونية للآخر والتفاخر والتعالي عليه. وادعاء الثقافة والمعرفة للتقليل من الاخر والحط من شأنه وابراز عيوبه. والشعور بالنقص وهي تسعى الى السلب وامتلاك كل شيء. كما أنها تظهر بأسماء مستعارة وبرداء ليس لها. وتعمل على إغواء مجموعة من الجهلة للدعم نظرياته وآرائه المزيفة. وفرض الآراء بلا حجة او دليل يثبت صحة تلك الآراء. وادعاءها معرفة حقيقة الاشياء وان قولها هو الحق ودونه الباطل. الشخصية الشوفينية تحوم حول الغاء الاخر الذي يواجهها أو يتميز بفكره أو بأي شيء آخر عنها ، فهي تطلب تحطيم كل شيء لا يتفق ووجهات نظرها التي تطرحها حتى وإن كانت غير صحيحة، أي انها بمعنى آخر سلطوية دكتاتورية غايتها محو الاخر من أجل السيطرة والبقاء في قمة الهرم وحدها لا شيء ينافسها، كل هذا تقوم به الشخصية الشوفينية بقوة وأستخدام جميع السبل والوسائل لتحقيق غاياتها ، فهي تذهب الى التطرف والظلم والكراهية والعنصرية والتحيز والطائفية والى جميع المفاهيم الغير إنسانية، لذلك نجدها تنفر من الحقيقة العلمية والنقاشة الودي وتلتجئ الى الخطاب الفردي الجدلي الذي ليس له نهاية وليس فيه منفعة سوى المصلحة الشخصية التي تبتغيها، والاخر هو الانسان الذي يمتلك رأي مغاير لرأينا وله بهذا حجة وقناعة ، الا انه لا يتعدى الى فرض تلك القناعة على الاخرين بالقوة، واذا التقتا القناعتين وتواجهتا معا هذا لا يعني قيام حرب واعلان النصر لأحد الطرفين، لا بلا هي مناظرة مبنية على تقبل الطرفين احدهما للآخر، وتقديم ما لديهم من وجهات نظر سواء كانت تلك باطلة وهذه حقة أو العكس، الا اننا لا يمكن ان نرفض الاخر ونمحي وجوده بالكامل لأنه المكمل لهذا الوجود وبه نعرف الحق من الباطل فمقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي " هذه هي في الواقع منهج إرهاب وتطرف ، فالآخر هو الجزء المكمل لهذا الوجود الذي أنا جزء منه إيضاً، ليس لي الحق في محوه وإزالته . ولو سأل سائل وقال : أليس نعتك شخص ما بأنه شوفيني؟ وهذا الادعاء بحد ذاته شوفينية لأنك وضعته تحت مسما ربما لا ينطبق عليه؟ أقول لا يحق لأي أحد أن يطلق على الاخر بأنه شوفينيا، الا اذا اراد ذلك الاخر إلغائك ورفض فكرك أو منهجك أو حتى رأيك، من غير أن يستمع لك فنحن غير مجبرون على اعتناق فكر الاخر الا اذا قبله العقل والمنطق هذا من جهة ، ومن جهة اخر العالم مليء بالكثير من الافكار وربما نحن لم نتوصل اليها لحد الان، وبين ليلة وضحها تتغير لدينا المنظومة الفكرية اذا وجدت ما يقوم حياة الفرد، والعقل البشري في زيادة للبحث عن الحقيقة، فهو لم يعلن توقفه عن تقبل الافكار، واذا رفض وأعلن أن صح هذا القول فهو يميل الى الشوفينية، لأنه أمتنع عن تقبل الفكر الاخر - الرأي الاخر – وبهذا يمكن أن نقول أن الشخصية الشوفينية هي الشخصية التي تتهرب من سماع الحقيقة أو على الاقل تواجهها بالرفض والانكار والعدائية احيانا . الامر الاكثر خطورة هو هل ان الشوفينية هي فكر ارهابي ؟ هذا السؤال يحمل من الخطورة ما تلزمنا بالبحث والتأكد من أن نصنف تلك الشخصية بالخطرة وبالتالي يتضح لدينا الموقف كي يتسنى لنا كيفية المواجهة والاسلوب الذي نجابه به مثل هذه الشخصية إن صادفتنا، وللإجابة على هذا السؤال هي ان الشوفينية هي نوع من انواع الارهاب الذي يمارس ضد الاخرين أثناء طرحهم ثقافة او فكرة جديدة من غير معرفة تلك الثقافة او الفكرة التي جاءوا بها، وبالتالي رفضهم وقمع ما لديهم من جديد، بشكل أمّي ورد جاهل من غير حجة او برهان، فالإرهاب الفكري الذي يسعى الى إلغاء الاخر ونبذ ما لديه من اطروحات تنفع الاخرين وترفع من شأن المجتمعات تواجهها الشوفينية بالرد العنيف والعنصري بطريقة ارهابية وتجعل من الاخر كائن ضعيف لا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه، لان الشوفينية تملك القوة والسلطة الدكتاتورية وهي متفردة في رأيها . من هنا نستطيع ان نلتمس هذا الفكر وهذه الشخصية في النص المسرحي، خاصة وان النصوص التي كتبت في الفترات الاخيرة أي منذ العقود الاخيرة للقرن العشرين وحتى الان هي نصوص يتحدث الكثير منها ان لم تكن اغلبها عن هذا الموضوع، بسبب ان عالمنا العربي هو المبتلى بهذا الداء الذي نهش الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتخلل في جميع مفاصل المجتمع مما أدى الى وجود شخصيات تملك النزعة الشوفينية حتى انها فرضت سيطرتها على الاخرين وامتلكت قاعدة شعبية يطغى عليها الجهل والامية . Tفي النص المسرحية القصير ( بلا كلام ) للكاتب المسرحي العراقي ( عمار نعمة جابر ) النص الذي يعد ضمن مجموعة النصوص التي جاءت في كتاب يحمل عنوان ( إنتباه ) والمطبوع سنة 2019 هذا النص جاء بشخصيات شوفينية في البداية حول افكارها والتمسك بعقيدتها وأضحت معادية للآخر الذي هو ايضا متمسك بما لديه ولا يريد الانجرار وراء الفكر الذي لا يتطابق معه، الشخصيات ثلاث موظفون في احدى الدوائر الحكومية الرسمية الموظف الاول والثاني والثالث لهم دين واحد لكن الاختلاف ظهر في المذاهب التي تفرعت من اصل الدين نفسه، الصراع حول من الافضل ومن الذي على حق، وفي هذا السياق سوف نسلط الضوء على الموظف الثاني هو الذي ظهرت عليها ملامح الشوفينية وهذا ما أكده في حواره، إذ أنه يبحث في أدق تفاصيل الاخر للحصول على ثغرة كي يلغيه ويكون هو الرقم واحد في هذه الدائرة ، فهو دائم السؤال مع أي شخص يمر به، والقارئ لهذا النص يجد ان الموظف الاول والثالث لديهم هذا النظرة الاستعلائية والتحيز لمذهب او فكرة تخصهم ، لكن هذين الاثنين لا يريدا الغاء ما حولهم انهم فقط يقفا دفاعا عن ما هم عليه، وهم سريعي التغير مع الجو العام وهذا ما بان اثناء دخول الرئيسة الجديدة عليهم، الحديث هنا منصب على الموظف الثاني الذي اثار الحس الشوفيني داخل هذا المكان العام . تبدأ شوفينية هذه الشخصية بالظهور منذ بداية النص حيث التحية - صباح الخير- التي يلقيها عليه زميله في العمل ، تلك التحية التي لا تعجبه ولا يريد سماعها لأنها لا تتوافق مع مبادئه ولا تنسجم مع سياق الحياة التي يعيشها، الحياة المبنية على الصرامة في التعامل مع الاخر والقوة في فرض ما لديه على الاخرين فيرد على الموظف رقم 1 ويقول له (( كم مرة عليّ أن أُكررها .. استخدم التحية المناسبة )) هذا التكرار الذي يقوم به موظف2 هو عملية فرض وعناد تجاه الاخر والغاء وجوده، كما ان طلبه في استخدام الشيء المناسب هو بحد ذاته سلب لإرادة الاخرين وحرمانهم من ممارسة حياتهم الخاصة، وكأن لا احد سواه في هذه الدائر، فهو لا يتحمل وجود الآخر معه وينبذ ان يشاركه احد في كل شيء يقول(( ايها السيدان ، أقولها بصراحة .. انتما مختلفان عني لا اطيقكما )) هذه الصراحة في القول اشارة الى نظرته التفردية وعدم تقبل الاخر الذي يختلف عنه وأي اختلاف انه اختلاف في التفاصيل فقط وليس في عمومية الاشياء، كما تسعى الشخصية الشوفينية الى توسعت قاعدتها وجذب اكثر عدد من الناس معها حتى يقال عنها انها على صواب بالرغم مما هي عليه من تطرف وعنصرية ، إذ ان موظف2 يحاول بشتى الطرق ان يضم الاخرين اليه واعتناق دينه ومذهبه واسلوبه في الحياة والتطبع فيه ويريد ان يصبح الكل واحد متمثل به هو وحده فيقول (( كم كنت اتمنى ان تهتدوا الى مذهبي ، وتتركا مذهبيكما الضالين عن الصواب )) كما ان النظرة الاستعلائية التي ينظر بها موظف2 للآخرين تظهر عليه بين الفينة والاخرى فهو يعتقد بأنه صاحب الحق وهو على الطريق الصحيحة والاخرون على ضلال ويجهلون كل شيء الامر الذي يجعله يتهجم على الاخرين ويتفوه بكلام لا يتناسب مع المقام الغاية منه الانتقاص والتحقير، وهذا يتناقض مع ما يدعيه من احقية ومعرفة فالعالم صاحب العلم والمعرفة متنور ومتواضع لا ينغر بما لديه، ولا يستهين ولا ينتقص من الاخرين، لكن الامر مختلف مع موظف2 فشخصيته وطريقته وتعامله مع الاخر تفضحه وتكشف زيفه والجهل الذي هو عليه فيقول (( انتم لا تفقهون اي شيء )) (( أنا افهم ، واعرف وافقه، اكثر منكما )) . وإذا أردنا أن نحمل هذه الشخصية على محمل الشوفينية يلزم أن نظهر أهم ما جاءت به من طباع جعلت لها نظرة متفردة بين الاخرين في هذا الوجود إذ إن من طبائعها هي: الرؤية الى الاخر رؤية استعلائية وفرض ما لديهم على الاخر بأسلوب القوة والضغط المستمر، وترى نفسها هي التي تتربع على قمة الهرم واما الاخرون مجرد حاشية لا دور لهم، كما تمتاز أفكارها بالضيق وعدم الشمولية، وبدا عليها العناد والمبالغ والتطرف في الفكر، والشيء الغريب في هذه الشخصية هو الخوف والنفسية التي لا يفارقها الاحباط ، وذلك ربما يرجع الى الخوف من فقد ما تمتلكه من سلطة او رأي .
#مصطفى_آل_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|