أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


شأن أبناء قومهم في الشام، عاشَ كردُ عمّان في سفح الجبل. وكان الكثير منهم تعود جذوره للحي الكردي الدمشقي، وبعضهم وصل حديثاً مثل زوج رابعة وأقاربه. أقاموا في حي مستحدث، سيحمل اسمَ " جبل الوبدة "، وكانت بيوتهم هناك أكثر تواضعاً ولا شك من تلك، التي تركوها خلفهم في دمشق. وقد وجد برو بدَوره داراً بسيطة، كانت بالأساس جزءاً من منزل أحد الأقارب. لذلك لم تشعر امرأته بالغربة، لما تعيّن عليها أن تقيم بين أناس يتحدثون بلغتها وبعض نسائهم ما زلن يكتسينَ باللباس القومي التقليدي. لكنها استأنست أكثر في صحبة شقيقتها الوحيدة، حيث قضتا أسبوعاً وهما تكتشفان بسعادة أول بلد أجنبيّ تطأه قدماهما.. أسبوعاً واحداً، طالما سيبتر إقامة إحداهما وصولُ الشقيق الكبير.
" لا يطاوعني قلبي قول حقيقة سفري لعيشو، وأنّ مرافقتها لأختها تسببت في مرض الصغيرة سعاد ومن ثم موتها "، قال موسي لقريبه. إذاك، كانت السيارة تقترب من الوصول إلى المنزل المطلوب بحَسَب ما فهمه سائقها من سؤال المارة. هذا الأخير، وكان صالح كما علمنا، أدار وجهه إلى ناحية قريبه ليتساءل: " وبماذا ستجيبها، لو استفهمت عن داعي استدعائها للرجوع إلى الشام؟ ". كان الآخرُ قد فكّر بالأمر، مثلما نم رده السريع: " أتحججُ بأنّ صحة والدها قد توعكت فجأة، ومن الضروري أن تكون بجانبه ". هز صالح رأسه بحركة حيرة، وبقيَ صامتاً لحين تناهي السيارة إلى هدفها. وجدا الشقيقتين مع بنتيهما، فيما برو كان في خدمته بسلاح الدرك. تشاغل موسي بتفقد الدار، مجيباً على أسئلة عيشو بلهجة طبيعية متكلّفة. لكنها جعلته يقسم باسم كتاب الله، أنّ والدهما ما زال على قيد الحياة. لاحَ أنها اقتنعت أخيراً بحجة الشقيق، ما خففَ من قلقها: كانت متعلقة كثيراً بأبيها، فضلاً عن مبلغ إعجابها بعلمه الواسع وشخصيته المهيبة؛ بالأخص، ما كان من مركزه سابقاً كزعيم للحي. وفي حين أن جمالها استمد حظه من الأم، ففي المقابل، نُظِرَ إلى قوة شخصيتها وبأسها كانعكاس لطبيعة الأب.

***
حينَ وقعت عينا عيشو على والدتها، وكانت هذه مكتسيةً ثوبَ الحِداد، انطلقت شهقة حادة من صدرها. لكن في اللحظة التالية، ظهرَ الوالدُ مع ابنتها الكبيرة، ما جعلها هذه المرة مشوشة ومربكة. اندفعت كَولي نحو أمها، مجهشة ببكاء مرير وهيَ تنطقُ اسمَ شقيقتها الراحلة. صرخت الأم بصوت رهيب، وقد تملكها الذعر والاضطراب: " سعاد..! ما بها سعاد؟ "
" ربنا يصبر قلبك، يا ابنتي "، قالها الحاج حسن قبل أن يغادر المكانَ بخطى عجولة. وأكملت سارة كلامه، وهيَ تحتضن الابنة الثكلى: " سعاد أعطتك عُمرها ". ما أعقبَ ذلك، كان في غاية الفظاعة. إذ انحنت عيشو على حوض الأزهار، القائم بإزاء جدار المطبخ، فأخذت تنبش ترابه ثم تهيله على رأسها بينما صراخها أضحى كالعواء. كل من في الدار، كباراً وصغاراً، كانوا شهوداً على ذلك الموقف وبعضهم انخرط في البكاء. حتى امرأة سلو، خرجت من عرينها لتقفَ مذهولةً عن بعد. استمر المشهدُ دقائقَ طويلة، إلى أن أنهاه اندفاع ابنتي عيشو لمعانقتها معولتين ومروعتين. عندئذٍ همدت وصفحة وجهها تلامس الأرض، لتبقى على هذه الحالة فترةً أخرى وكأنما أصابها شللٌ. بعد ذلك تعاون الأشقاءُ على إنهاضها، ومن ثم التوجه بها إلى حجرة نومها.

***
انبثقت الزبداني لأعين ركاب السيارة مثل حورية تسبح في أمواج من خضرة وادي بردى، يحيطها حرسٌ صخريّ من الجبال ذات اللون الليلكيّ. كانت سيارة صالح، والركاب هم أنفسهم مَن جاء بهم قبل نحو شهر من مدينة عمّان، لكن بإضافة راكب جديد؛ وهيَ كَولي، ابنة عيشو. رحلة الاصطياف، سبقَ أن اقترحها الحاج حسن على امرأته من أجل إخراج ابنتهما من حالة الحزن والكآبة، التي غرقت فيها على أثر مصرع خلّو. وقد حملَ بالأمس عيشو على القبول بالرحلة، بعدما فاضَ قلبه غماً على حالتها وهيَ حبيسة جدران حجرة النوم مذ يوم وصولها من عمّان.
قبيل الانطلاق تخلصوا من عنعنة سلطانة، وكانت تود مرافقتهم بحجة أن هواءَ البلدة الجبلية مفيدٌ لابنتها ذات الأعوام الثلاثة، المعانية من ربو الأطفال. فاجأ ذلك حتى رجلها، وكاد أن يذعن لرغبتها. لولا أن صالح تدخل، ليخاطبَ شقيقته عابساً: " ستصاب الطفلتين بالعدوى، وكذلك السيدة أديبة "
" لكن الطبيبَ أكّدَ، بأن الربو ليسَ مرضاً معدياً "، قاطعته شقيقته بفم معقوف كعادتها حين تكون مستاءة. رد صالح من فوره بنبرة قاطعة: " مهما يكن الأمر، فلا مجال لذهابك في هذه المرة! ". نقلت سلطانة نظرتها الحادة إلى زوجها، غير أنه تجاهلها. كان موسي يود لو أنها ترافقهم، عل أطفاله من امرأته الراحلة يتخلصون قليلاً من وطأة وجودها في المنزل. في هكذا حالة، كان سيعهد بهم إلى جدتهم الحنونة. أما الآن، فكّرَ مهموماً، فإن امرأة أبيهم ستصب عليهم حممَ غضبها وغلّها.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
- مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر
- جريمة كاملة
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر
- فردوس الفقراء
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
- جريمة مجانية
- حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3