|
منذ متى كان قرار وزير الداخلية قرارا ملكيا صرفا ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 26 - 21:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت جريدة " هسبريس " مقالة بعنوان " ضحايا زلزال الداخلية يطلبون عفوا ملكيا لدعم مواجهة كورونا " . الى هنا تبدو المقالة عادية ، وإنْ اعتبرت إنزال عقوبات تأديبية بمجموعة من رجال السلطة ، لثوبت مخالفات في حقهم بمثابة " زلزال " ، وهو امر عادي ، جاري به العمل ، سيما وان الاجراء تم ضمن حركية رجال السلطة التي تعرف ترقيات ، كما تعرف تأديب، وعقوبات التي تقوم بها الوزارة ، وبتعليمات من الديوان الملكي ، كلما كان الامر يدعو الى الحركية . وللإشارة فان الحركية التي عرفتها الوزارة في سنة 2017 ، شملت عقوباتها : --- واليا واحدا . --- ستة عمال . --- ستة كتاب عامين للولايات ، والعمالات . --- ثمانية وعشرين باشا ، ورئيس دائرة ، ورئيس منطقة حضرية . --- مائة واثنا وعشرين قايدا . --- وسبعة عشر خليفة قايد . عندما تم إيقاف هؤلاء المسؤولين السابقين ، تقدموا بالطعن ضد القرارات الصادرة في حقهم ، وكل واحد منهم تقدم بالدفوع التي تناسب وضعيته ، إزاء القرار الذي اتخذته الوزارة في حقه ، امام انظار المحكمة الإدارية الابتدائية التي رفضت الطعن المقدم ضمن الآجال القانونية ، كما ان محكمة الاستئناف الإدارية زكت قرار محكمة الدرجة الأولى الإدارية في رفض طلبات الطعن . لكن بالرجوع الى التبرير الذي ساقه كاتب المقالة في جريدة " هسبريس " ، سنجد ان السند والتبرير الذي استندت عليه كل من المحكمة الإدارية الابتدائية ، ومحكمة الاستئناف الإدارية ، هو حين اعتبرتا ان قرارات وزير الداخلية بعزل رجال السلطة ، هي قرارات ملكية صرفة ، وليست قرارات إدارية ، رغم انها تحمل توقيع وزير الداخلية كسلطة إدارية ، وليس كسلطة أميرية ، او سلطة إمامة للإمام الذي تولى تعيين رجال السلطة المعاقبين عند تسميتهم اول الامر . والسؤال : منذ متى ارتقى القرار الإداري الى مصاف الظهائر الملكية ، والمنشورات الملكية ، ما دام ان الملك لا يصدر قرارات إدارية ، ويصدر فقط ظهائر ، او منشورات ملكية ؟ والخطير ان التعليل في قرار المحكمتين الابتدائية والاستئنافية الاداريتين ، برفضه قبول الطعن في قرار ارتقى به قرار المحكمة الى مرتبة الظهائر والمنشورات الملكية ، اعادنا الى الوراء وبشكل قبيح ، وسيء ، الى القرار الذي سبق لوزير العدل الحاج احمد أبا احنيني ان علل به قراراه المجحف ، والظالم في قضية مزرعة عبدالعزيز ، وفي قضية الروندة ضد الملك الحسن الثاني . فإذا كان وزير العدل قد برر رفض الطعن الذي تقدم به كل من عبدالعزيز ، والروندة ضد الملك ، بكون القرار الذي اتخذه الملك لا يتدحرج الى مستوى القرارات الإدارية ، ومن ثم فان المحكمة تعتبر القرارات الملكية من اعمال السيادة ، وان القضاء في المغرب هو من وظائف الامامة ، وان القضاة المأمومون لا يمكن لهم البث في الدعوى المرفوعة ضد إمامهم / رئيسهم الذي هو الامام والأمير ، ومن ثم واستنادا الى هذا التحجج الخارق لدولة العدل ، والقانون ، وحقوق الانسان التي من ضمنها الحق في التقاضي ، والحق في مقاضاة أي سلطة تتخذ قرارات تلحق اضرارا بالمواطنين ، والخطورة فالقرار هذا يؤكد على ان المغاربة ليسوا بشعب ، ولا بمواطنين ، لكنهم مجرد راعيا للراعي ، والامام ، والأمير ، فان قرار المحكمة الإدارية الابتدائية ، والاستئنافية برفع قرار لوزير الداخلية ، لمرتبة ظهير او منشور ملكي ، واعتباره من القرارات الملكية ، من جهة يعتبر هذا الاعتبار تعديا على المجال السيادي للملك الذي يتخذ شكل ظهائر او منشورات ملكية ، ولا يتخذ شكل ، ولا اسم القرارات الإدارية التي تبق من اختصاص السلطات الإدارية المختصة ، ومن جهة فان سبب رفض قبول الطعن من قبل القضاء ، قد لا يكون امرا بريئا ، وقد يكون من وراءه دافع ، حتى لا تمرغ هيبة الوزارة التي تجسدها قراراتها في الوحل ، فيكون القرار بقبول الطعن ضد قرارات الوزارة ، سابقة ستعطي لرجال السلطة دريعة لولوج القضاء ، كل مرة اتخذ الوزير قرارا ضدهم ، ومن جهة فان الضغط الذي يكون قد اثر في أسباب رفض قبول الطعن ، ان الوزير بسبب افتقاره الى مستوى قانوني ، وحقوقي ، ومخه ومخيلته مهووسة بحب التسلط والعجرفة ، فهو ومعاونيه يعتبر ان الطعن في القرارات التي أصدرها ، هي طعن في شخصه ، وليست طعنا في القرارات المتخذة ، والتي تعطي لأي متضرر منها ، حق اللجوء الى مقاضاتها امام القضاء طبعا في الدول الديمقراطية ، فحين يُحول الوزير الذي يفتقر الثقافة القانونية والحقوقية ، الطعْنَ من طعْنٍ بسبب الاختلاف حول فهم النص ، او الواقعة ، او السند ، و بسبب الاختلاف في فهم القرار المتخذ ، ليصبح نزاعا شخصيا ، ويغلفه لتمرير طغيانه ، وتجبره ، وسلطويته باسم الملك ، فهنا نكون امام مفارقات غريبة في الممارسة السلطوية ، وليس تدبير السلطة ، لان الوزير يختبئ وراء اسم الملك حتى يَحُول دون تمكين المتضررين من استرداد حقوقهم التي تعرضت للاعتداء . وهنا ، منذ متى كان الملك يصدر قرارات ، هي من اختصاص السلطات الإدارية المختصة ؟ ومنذ متى ارتقى القرار الوزاري ، الى مرتبة الظهائر ، والمنشورات التي يصدرها الملك ؟ ومن يشكل السلطة الإدارية ، هل الملك ام الحكومة من خلال ادارتاها المختلفة ؟ وما يزكي هذه التفسير ، ان الوزير الأول وحده يملك ممارسة التوقيع، باسم الملك بمقتضى التفويض الملكي ، وفي مجالات معينة ومحصورة ، تدخل في اختصاص المجال السيادي الملكي ، ولا يملك هذا الحق في الممارسة التفويضية باسم الملك ، وزير الداخلية ، او غير من الوزراء الاخرين . ان قرار رفض المحكمة الابتدائية ، ومحكمة الاستئناف الإدارية للطعون المقدمة لهما ، وضمن الآجال القانونية ، مع العلم ان مجال القرارات الإدارية المجحفة التي تصدرها السلطات المختصة ، لا علاقة لها بالظهائر والمنشورات التي يصدرها الملك ، هو إرضاء لقرار الوزير حتى يحافظ على سلطته التي هي قراراته ، ويحافظ على هيبة الوزير المجسدة في القرارات السلطوية ، وليس في قرارات تدبير السلطة المسؤولة . كما ان مثل هكذا قرارات مجحفة ، وغير عادلة ، تغلق الباب على كل رجال السلطة ، الذين قد يتعرضون للاعتداء او للظلم ، من طرف طاقم الوزير الذي يكيف الحالات حسب هواه ، وحسب مصلحته ، وهناك قرارات اتخذت كانتقام وتصفية حسابات من اشخاص ، لا ينظر اليهم الوزير ، وديوانه بعين الرضى ( المدعو الشرقي ضريس ) . ان قرار المحكمتين الابتدائية والاستئنافية الإداريتين ، بعدم قبول الطعن المقدم اليهما ، والتبرير اللاّمنطقي الذي ركزا عليه في هذا الرفض ، والذي هو اعتبار القرارات الصادرة عن وزير الداخلية في مسألة العقوبات بمثابة قرارات ملكية ، مع العلم ان قرار العقوبات المنزلة يحمل توقيع الوزير ، ولا يحمل توقيع الملك ، هو مساس خطير بمبدأ تدرج القوانين ، وان القانون الأدنى لا يجب ان يفوق القانون الأعلى ، كما انه اعتداء سافر على المجال السيادي للملك الذي ينظمه بمقتضى الظهائر ، وبمقتضى المنشورات الملكية ، ولا ينظمه بمقتضى القرارات الإدارية التي تبق من اختصاص السلطة الإدارية ، وليس الملكية . ان تعيين الوالي ، والعمال المقالين المعاقبين ، كان بظهير ملكي شخصي وقع عليه الملك شخصيا ، كما ان تعيين الكتاب العامين للعمالات ، والولايات ، والباشوات ، ورؤساء الدوائر ، والقياد ، يتم بظهير جماعي يوقعه الوزير الأول بالعطف ، وليس وزير الداخلية . ان سلطات التفويض ، والتوقيع بالعطف ، وحسب القانون ، هي من اختصاص الوزير الأول في مجالات محددة وليس عامة ، وليست من اختصاص وزير الداخلية ، ولا من اختصاص وزراء الحكومة . فما الفرق بين القرار الذي اتخذه وزير العدل السابق الحاج احمد أبا احنيني في قضية مزرعة عبداللعزيز ، وفي قضية الرونضة ، عند حرمان مواطنين من حقهم في التقاضي ، وتعليل القرار الصادر برفض النقض ، باللجوء الى سلطات الإمامة ،والإمارة ، المغلفتين بالانتساب الديني الذي أساسه إمارة المؤمنين ، والبيعة ، وبين حرمان مواطنين من حقهم في التقاضي برفض طلبات طعونهم ، بدعوى ان القرار الذي اتخذه وزير الداخلية يرتقي الى مصاف الظهائر والمنشورات الملكية . فهل أصبحت قرارات وزير الداخلية بدورها محجوبة من الطعن فيها ، بدعوى انها قرارات أميرية ؟ وهل اصبح وزير الداخلية لفتيت مثل ادريس البصري من المقدسات ، لتصبح قراراته مقدسة كذلك محجوبة من الطعن ؟ وإذا كان من الواجب الطعن في كل ما يمارسه الملك اثناء مزاولته الشأن العام ، خاصة اذا اتخذ إجراءات اضرت بحقوق الناس ، وهذا ما يجب ان يكون في دولة تدعي الانتساب الى الدول الديمقراطية ، فكيف الحيلولة دون قبول الطعن في قرارات موقعة من وزير الداخلية كسلطة إدارية ، بدعوى انها قرارات ملكية صرفة ؟ ان رفض قبول الطعن في قرارات وزير الداخلية من قبل رجال السلطة ، ومن قبل الموظفين كيفما كانت مراتبهم الإدارية ، هو ضرب لمبدأ التقاضي ، وضرب لمبدأ الحق في الدفاع ، والخطورة حين يلجأ القضاء لاستعمال اسم الملك في تبرير الخروقات الغير مقبولة ، في مجال الحق في الدفاع ، والحق في التقاضي ، كاعتبار قرارات وزير الداخلية الموقعة باسمه قرارات ملكية صرفة . ان القرارات التي اتخذها وزير الداخلية لانزال العقوبات برجال السلطة المبعدين ، والموقعة باسمه ، هي قرارات إدارية صرفة ، وليست قرارات اميرية ، ولا قرارات ملكية ، كما ان تعيين رجال السلطة المعاقبين ، إذا كان قد تم بظهير شخصي وقعه الملك شخصيا بالنسبة للوالي وللعمال ، او ظهير جماعي وقعه بالعطف ضمن سلطة التفويض المتروكة للوزير الأول ، فان السلطة المختصة بتوقيع لائحة التشطيب ، تبقى هي الوزير الأول لا غيره ، والاّ فإننا سنكون امام عيب عدم الاختصاص ، ومن ثم تكون قرارات وزير الداخلية ، قرارات باطلة بطلانا مطلقا ، ولا يترتب عليها اية آثار قانونية في ذمة ، وحق الأشخاص التي صدرت عليهم ، وهنا وفي مثل هذه الحالات ، فان قرارات وزير الداخلية ، تعتبر شططا في استعمال السلطة ، بل تعتبر ابعد من ذلك ، بمثابة اعتداء على أوضاع قانونية يكفلها القانون لأصحابها قبل ان تنزل عليهم قرارات الوزير المُعيبة .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جايْحتْ كورونا
-
الأمين العام للأمم المتحدة ونزاع الصحراء
-
تفكيك وتحليل الدولة المغربية
-
المرأة والجنس في المجتمع الرأسمالي
-
حرب الراية
-
أمريكا / حماقة
-
جبهة البوليساريو تتمتع بتمثيلية قانونية بسويسرا
-
الرئيس الموريتاني يؤكد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية
-
كيف يفكر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني
-
النموذج التنموي
-
الأزمة الاقتصادية هي أزمتهم وليست أزمتنا نحن
-
ماذا يجري ؟ الجزائر / المغرب / موريتانية / السعودية / قطر /
...
-
وزيرة الخارجية الاسبانية لا تعترف بالجمهورية الصحراوية / هل
...
-
في المغرب هناك فقط الملك
-
الجمهورية الصحراوية ستحضر كدولة ذات سيادة اللقاء القادم بين
...
-
هل اصبح وجود الجمهورية الصحراوية واقعا مريرا صعب الابتلاع ،
...
-
هل سيقبل النظام المغربي بتعيين السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك ،
...
-
قصيدة / اضطهاد
-
لماذا يلوم العرب دونالد ترامب على صفقة القرن ؟
-
ناصر بوريطة برتبة مُتصهْينْ صُغيّرْ
المزيد.....
-
قبل دخولها حيز التنفيذ.. كيف سترد الصين وكندا والمكسيك وأورو
...
-
دهشة بعد -ولادة عذرية- لسمكة قرش في حوض أسماك يضم إناثًا فقط
...
-
لمواجهة تهديدات ترامب التجارية وتعزيز الإنفاق الدفاعي.. القا
...
-
مهرجان -إنديابلادا- في إسبانيا يحيي تقاليد تاريخية بالأجراس
...
-
حرب -لا رابح- فيها.. أوروبا تتوحد ضد سياسة ترامب الجمركية
-
الخارجية المصرية: أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي ال
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
هوليوود مهددة بسبب رسوم ترامب الجمركية على كندا
-
مدفيديف: الأموال الأمريكية المخصصة لكييف نفدت في جيوب اللصوص
...
-
إعلام: الولايات المتحدة لم تكن تعلم بالكميات الدقيقة للأسلحة
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|