كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة
(Kamal Anmar Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 6521 - 2020 / 3 / 23 - 19:40
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تعمل الأدلجة الفكرية على ضرب الشؤون الفردية و العمل دون حيلولة الإنتشار الحداثوي بشكل مرن و قابل للأخذ بنظر الاعتبار و دون ذلك الصراع الشاخص في الفرد و المؤسسات الاجتماعية.هذه الأدلجة السابقة في العقلية العراقية جعلت من موضوعة التناغم مع الحداثة الجديدة شيء غير مقبول أو هو كذلك في "إطار شمولي سابق لمفاهيم الحداثة الجديدة"
فلقد كان أمراً بالغ الأهمية رؤية الحداثة الجديدة تدخل إلى عالمنا بشكل يسمح للطبقات الاجتماعية المختلفة من أخذ حريتها في قبولها أو رفضها.إلا أنَّ الأمر في الواقع لا يسير بهذه الديناميكية المثالية,فمعارضة الجديد هو أمر حيوي و طبيعي في أحيان ما.لكن إن التداخل البنيوي الصارم في الأنظمة الشمولية جعل من قضية الحداثة أمرا شائكا و صعبا و غير قابل للتعامل معه بروح جديدة لعالم أفضل.لا ننسى أيضا الظروف التي رافقت مجيء هذه المفاهيم إلى كل دولة,فمثلا إن ظروف الحداثة المصرية في البداية تخلتف بشكل جذري عن الحداثة العراقية.فالاختلاف في الظروف لابد أنْ يولد اختلاف في النتائج,مضيفا إليها طبيعة الشعوب و عاداتها و ما تتصف به من طببيعة حكم و سيطرة.
الحداثة في العراق
في الحقيقة يوجد حداثة عالمية تشترك في الكثير من الأمور لاسيما ذلك التجديد في "المعاني و الأُسس التي تقوم عليها السلوكيات الشخصية".لكن لا يمكن الحديث عن حداثة بلد ما مشابهة لحداثة بلد أخر و كيفية التعامل معها و ردود الفعل المحافظة اتجاهها.فمثلا "الحداثة ارتبطت بالغرب بظهور الرأسمالية والصناعة والفلسفة وبالعقل الفردي وبتحرر العقل من وصاية الكنيسة والإقطاع والقبيلة والى إعلان ولادة الإنسان – الفرد".
ولو انتقلنا إلى قراءة الحداثة في العراق لوجدنا إن المضمار الاجتماعي و السياسي في البداية كان غير متوازن بأشكال متعددة من ناحية "التمهيد البنيوي الثقافي للحداثة".فالحقبة السياسية في العراق التي حكمت 1979_2003كانت حقبة رجعية بامتياز,و خصوصا في العقد الأخير منها,حيث بدا ذلك الشكل العلماني"المزيف"للحكم يأخذ الشكل الاجتماعي ذي الطابع الديني,فحملات الإيمان التبشيرية لم تكن لتعني إي شيء,سوى الضعف الداخلي للدولة في جوانب قوتها.هذه السياسة تعد إجراء طبيعي لمواجهة الأزمات. فاللجوء إلى العواطف الطفولية من قبل القادة السياسيين هو يهدف بطبيعة الحال إلى السيطرة لا أكثر,أو محاولة السيطرة على جوانب الضعف في البنية السياسية.
هذه النتائج التي قام بها النظام السياسي العراقي سابقا,لم تجد الكثير من النفع على المدى الطويل نسبيا,برغم إنَّ بعضا منها كانت ذا أثرٍ فعال في خداع البسطاء.
ما يهم في هذه الحقبة هو غياب المشروع الحداثوي الممهد للحداثة.و عندما جاءت إلى العراق بعد الاحتلال الامريكي2003,دخل العراق في فوضى و أزمة لا تزال آثارها النفسية موجودة إلى يومنا هذا,هذه الأزمة هي أزمة"التعامل العام مع التكنولوجيا الرقمية الجديدة" و غياب الرؤية الثقافية للسياسة في هذه الأزمة شكَّل منها ظاهرة عامة لا تزال تشكل خطورة كبير على الإنتاج المعرفي بكافة أشكاله.
و إلى هذه اللحظة يُلحظ إنَّ "هذا المجتمع في مرحلة السخط والتذمر، أي هو غير متشكل أو غير متبلور سياسياً"بالإضافة إلى السخط و التذمر يوجد غياب الوعي التجديدي المؤثر في الرأي العام.فباستثناء الدعوات الثقافية و الفكرية المتقاعسة التي تؤدي مراسيمها باسم القوى السياسية و التيارات الشمولية المؤدلِِجة فلا يوجد منحى مؤثر في الرأي العام.
فمثلا"أي بلد في أية قارة سنجد عند زيارته بعد سنين معدودات إنَّ هناك تطورا هائلا قد حصل في هذا البلد سواء في تصميم الأبنية الحديثة والفضاءات الجمالية والتي تؤرخ شكل الحداثة في المجتمع ونمط العيش الاجتماعي إلى السلوك والذائقة وحتى طبيعة الأفكار المتداولة وهذا كله يُحدد بطبيعة الأنظمة السياسية في تلك البلدان"
ما بعد الحداثة في العراق
عراق ما بعد الحداثة نسخة مطابقة لعراق الحداثة بشكل ما,فأزمة الصراع بين الماضي و الحاضر لا تزال تشكل أهمية كبيرة في تفكيرنا.أضف إلى ذلك إنَّ مصطلح عراق الحداثة أَو مصطلح ما بعد الحداثة,هي مصطلحات برأيي الشخصي تدل على حالة التطور التكنولوجيا و دوره في تسهيل الأمور الإدارية و الاجتماعية العامة,و لا يعني تغيير في البنية الفكرية للمجتمع.
فالآثار السابقة للسيطرة الشمولية لا تزال شاخصة.و غياب المشروع العملي السياسي غير واضح إلى الآن.ف"لا يوجد في العراق مشروع سياسي مقابل أو مضاد لهذه العملية السياسية".علما إن حركة تشرين الحالية شكلت بالفعل ضغطا مؤقتا لإصلاحات معينة في الدولة,و كذلك أدت إلى تغيير الكثير من القيود الاجتماعية المربكة و الواقفة بوجه الحداثة الفكرية.برغم إنَّ مشروعها في البداية هو التظاهر والإصلاحات,لكن سرعان ما تغيير الأمر إلى أكثر من ذلك,و ظهر الكثير مما كان مخفيا من إبداع حقيقي و جرأة منقطعة النظير من قبل بعض الفئات الواعية.صحيح "السلطات القائمة هذه قوية وأقوى من الحراك بمئات المرات، مادياً واجتماعياً وسياسياً، وعلى كلّ الصُعد."لكن هذا لا يمنع أَبدا من إن يتم الإستمرار لإيجاد بديل سياسي ذي رؤية عملية واضحة,و إيجاد بديل إجتماعي أيضا معتمد على القانون الوضعي,و مهتم بقضايا "التعليم البنيوي" بشكل رئيسي.
و لعمري فان بقاء "الآثار السابقة للسيطرة الشمولية"يعمل على جعل الفئات الاجتماعية راضية و هانئة بنومها الهادئ البشوش.و هذا الرضا عند الفرد يظهر أحيانا بشكل "اللارضا" على الدولة,لكنه سرعان ما يعود إلى جبتها عاجلا أَو آجلا,بمعنى إنَّه لا يستمر في العمل على تغيير الواقع إنَّه فقط راضٍ مما يأتيه من أُولي الأمر و الحافظين للأمة من الأزمات.هذا اللارضا اتجاه شخصي يظهر فقط عندما يحدث حدثاً ما لا تقوم الدولة بما عليها اتجاهه.أي إنَّ الرفض الشخصي للدولة بهذا المفهوم,هو رفض حيوي طبيعي,و لا يؤثر على الدولة كثيراً.فهي في النهاية باقية قراراتها مُنفَّذة على الأغلبية.
انحراف الإنسان في عصور الحداثوية
يصدح الكثيرون بأَنَّ إنسان اليوم يختلف عن إنسان البارحة,و يتحدثون عن الزمن الجميل و الرائع الذي كان يسود في العصور السابقة.فالعراقي ذلك الشهم و الكريم و النبيل و المتحضر و المحافظ المتدين يا ليت الزمان يعود يوما.و عصرنا الجميل الزاهي و الحضاري و الراقي قد ذهب و يا ليته يعود.
و لا تزال الكثير من هذه الأمنيات تسود بين الكثير من الفئات الإجتماعية التي تدعي إلى وجوب التزام الإنسان بالآداب العامة زاعمين انه انحرف عنها و تسبب بالبلاء و العذاب لنفسه,و انه إن التزم بالأخلاق و الالتزامات الآيدولوجيات الشمولية فانه سيبعد عنه كل شيء,و إننا سنكون بخير تماما.يا لجمال هذا الكلام,و يا لخطورته.إنَّه جميل من حيث إنَّه منمق بالكامل و مزخرف بعدة أَشكال,فالإسلوب الوعظي الشفهي واضح,و اللامبالاة بالشؤون الفردية واضحة أيضا,و في المضمون تعبير هادئ عن تلك المثالية الرثة التي جعلت فينا عقدة الكمال في أشدها,و هي خطرة من حيث انها تقوض حرية الإنسان على المستوى الفعلي,فصحيح إننا نقول انك حر في الاستماع لهذا و ذاك,لكنك في الحقيقة لست حرا تماما في كيفية تاثرك بشكل لاواعي في من تستمع له.و يبدو إن غياب التعليم البنيوي او ضعفه يؤدي إلى غياب خطير للتحكم الشخصي الذاتي بالانفعالات و العواطف.علما إن الراي العام في هذا العصر هو الذي يحدد الانفعال أو العاطفة المناسبة لهذا الحدث أو ذاك,أي إننَّا أحيانا لا نتحكم في الحدث الذي نتعاطف معه أو ننفعل له,بل الرأي العام المتمثل بوسائل الإعلام و المواقع الخاصة بالتواصل الاجتماعي.
احد الكتاب يعلق في ما يحصل في مجرى الأخلاق في عصور الحداثة قائلا:
لقد تبدد على حين غرة الكثير من القيم والمعايير الأخلاقية، بعد أن بات غير ذي جدوى. وحل بدلاً عنه فيض من الثقافات الوافدة التي لا تمت للتقاليد المجتمعية بصلة. وتجعل كل شئ لديها خاضعاً لميزان العلاقة مع الخارج.
أَنا اتفق تماما إن الكثير من القيم و المعايير الأخلاقية التي وصلتنا كانت غريبة عن التقاليد في المجتمع,لكن الحديث عن بقاء هذه القيم و المعايير على حالها دون الادلجة الشمولية فهذا ما لا يمكن القبول به.فالآيدولوجيات الشمولية هذه هي مجموعة أَفكار يتبعها مجموعه من الناس,تتحكم بهم,و تسييرهم بشكل آلي,إنَّها-أي الأفكار- مرنة جداً و قادرة على جعل كل ظاهرة جديدة تابعة لها بواسطة السيطرة السياسية و الدعم العاطفي.
و يقول متمما فكرته
"في تجربة ما بعد الحداثة التي تخوضها هذه البلاد، وتتبنى فيهاً مفاهيم وافدة مثل الفوضى والارتباك واللادولة، انتهى عصر الحاكم الإله، الذي يأمر فيطاع، ويسأل فيجاب، ويقرر فتنصاع له العامة.
إن الفوضى و الارتباك و اللادولة ظواهر كانت موجودة حتى قبل العصور الحداثوية,فالعراق منذ السقوط الدامي للسلطة العباسية و دخول المغول بغداد لا يزال في طور الفوضى و الارتباك,و غياب البناء البنيوي الفكري.منذ ذلك الحين,و الفكر العراقي العام في طور من الضياع.مع عدم الإنكار بتاتا ما أنجزته الحركات التجديدية العظيمة في ميادين مختلفة.أمَّا مسألة الحاكم الإله فهي في الواقع لم تنتهي و إنْ كانت سياسيا قد ذابت مؤقتا في العراق,و لعل هذا المفهوم ظهر بطراز أخر غير السياسة.
المصادر انظر الى:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=531559
http://newsabah.com/newspaper/183243
http://assafirarabi.com/ar/4897/2016/04/14/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%B9/
https://almadapaper.net/view.php?cat=151834
#كمال_انمار_احمد (هاشتاغ)
Kamal_Anmar_Ahmed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟