أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد هو سر عذاب الإنسان وسر سعادته














المزيد.....


ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد هو سر عذاب الإنسان وسر سعادته


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6521 - 2020 / 3 / 23 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إن جسد الإنسان (رجلا أو امرأة) وعقله وعواطفه تنطوى على إمكانيات كبيرة مذهلة، لا تنكشف إلا من خلال الأعمال اليومية الخلاقة، والتى قد نراها كل يوم أمام عيوننا، يقوم بها نساء ورجال بسطاء ممنْ نسميهم «عاديين». ذلك أن عملية الخلق أو الإبداع قد ارتبطت فى أذهاننا ووجداننا، بأشكال محدودة اقتصرت على طبقة معينة من الرجال، رفعها النظام الطبقى الأبوى إلى مصاف الآلهة، وأطلق عليهم أسماء عظيمة مثل العباقرة، الموهوبون، غير العاديين. وأسقط الأغلبية الساحقة من النساء والرجال الساعين إلى رزقهم كل يوم، فى بئر العادية والعمل الروتينى الميكانيكى المتكرر، بمثل ما أسقطهم فى ظلام الفقر والجهل والمرض. هذا السقوط الذى أفقدهم الكثير من قدراتهم الجسدية والنفسية والعقلية، وأحدها تلك الفطرة النقية الخلاقة الكامنة فيهم.

إن الإنسان فنان بالطبيعة، ومبدع بالفطرة، وموهبة الخلق ليست حكرا على فئة معينة دون غيرها. والفن الشعبى الذى يغنيه الناس من أساطير وحكايات وسير ذاتية متوارثة وباقية على مر العصور، دليل على أن أجمل الفنون من صنع رجال ونساء عاديين.

رغم أن عملية الكتابة عملية فردية ذاتية، فإن الكاتب أو الكاتبة، تستمد أفكارها من إبداع خيال النساء والرجال والأطفال الذين تعيش وسطهم. وعندما تثور على الكثير من تقاليدهم وعاداتهم، فإنهم هم الذين ألهموها من أفكارهم ومشاعرهم، المنبع الخصب الذى يتجدد دائما.

إن الفن الأدبى أو العلمى، والبحوث العلمية والاكتشافات الطبية التى تفيد البشرية، لا تزدهر ولا تتقدم، إلا باستمرار ارتباطها الوثيق بحياة الناس، والرغبة فى إسعادهم وتقليل قيودهم ومخاوفهم وتهديداتهم. هذا الارتباط هو الذى يحمى الكاتب والكاتبة والعالم والباحثة، من حزن الوحدة واغتراب الانعزال. فأهل الكتابة والعلم والبحث المبدع، مثلما هم حريصون على البعد قليلا عن الناس من أجل التفكير المتعمق، وسماع صوتهم الداخلى، يحرصون على التواصل الدائم بالناس، ليس فقط من أجل التعبير عنهم، ولكن أيضا للعيش بينهم، والاحتكاك المباشر بحياتهم.

إن عملية التفكير المتعمق والتأمل واسترجاع الماضى، تقود الإنسان إلى درجة أعلى من الإحساس. فإذا به يرى شيئا جديدا كان محجوبا، أو يرى شيئا جديدا فى الشىء القديم، أو يكتشف شيئا مدهشا فى الشىء العادى، أو شيئا ملفتا للنظر فى الشىء المتكرر. إن عملية الخلق لا تتم بدون عملية التأمل هذه، حيث يعيش الإنسان الواقع مرة أخرى، لكنه ليس الواقع تماما، إنه القدرة على تخيل الواقع. بمعنى أن الأفكار والتخيلات والتأملات لا تولد خارج الواقع، ولكنها تنبع منه. إنها الواقع فعلا، ولكنها ليست أبجدية النقل الحرفى، بل هى أصعب من مجرد النقل، وأصعب من مجرد الاستغراق فى الخيال. إنها القدرة على إعادة تركيب الواقع، فى شكل جديد ومضمون مختلف، يبدو وكأنه واقع جديد.

إن الحرية الفنية تزداد بازدياد قدرة الفنان أو الفنانة على الإمساك بتفاصيل الواقع، وتجسيدها على نحو أكثر إنسانية، وأقل إيلاما.

إذن الخلق لغة جديدة، والإبداع ثقافة جديدة. وكأنما هناك صوت يأتى من الأعماق يهمس دائما، بأن العقل قادر ومهيأ لرسم صور أخرى أقل قبحا وإيلاما من التى يقدمها الواقع. فإذا بالفنان أو الفنانة تمسك بالقلم وترسم هذه الصور التى تغزو عقلها بشكل تلقائى شبه غريزى. وتصبح عملية التعبير فى هذه اللحظات عملية ضرورية مثل التنفس تماما، ولا حياة لها دون أن تنقل أفكارها خارج عقلها إلى الآخرين.

فى فترات العمر الأولى، تكون الأفكار مثالية، ويتصور الفنان أو الفنانة، أن هناك حقيقة كاملة مطلقة. وبعد مرحلة اليقين تأتى مرحلة الشك وهى مرحلة أكثر نضجا وأكثر إنسانية، ولا يعود المهم هو وجود الكمال المطلق أو عدم وجوده. ولكن المهم هو تلك المحاولة الإنسانية المستمرة للوصول إلى الأفضل. المهم هو ذلك الإخلاص والإبداع اللانهائى للإنسان والحياة، ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد، والذى لا ينتهى بالنجاح أو بالفشل أو السجن أو الموت. وقد يكون ذلك سر العذاب الذى يعيشه الإنسان، وسر سعادته أيضا.

حين يكتب الفنان أو الفنانة، لا تعرف لماذا تكتب. إن عملية التعبير عن أفكارها ضرورية لحياتها كإنسانة. لهذا لا تشغلها كثيرا أفكار مثل: الفن للفن، أو الفن الهادف للمجتمع. إن الفن الصادق يخدم الفن ويخدم المجتمع ويخدم الحياة فى آن واحد.

العمل المبدع إذن يتحول من شىء مخلوق، إلى شىء خالق، يؤثر فى الآخرين، ويزيدهم قوة وقدرة ووعيا وإنسانية، ورقة، وحنانا، وتعاونا وبساطة وتواضعا ورفضا للظلم والقبح والتفرقة والتضليل.

الشرط لتحقيق ذلك هو الصدق. وكلمة الصدق هنا تبدو سهلة، لكنها ذلك السهل الممتنع أو السهل الصعب.

الثورة هى النتيجة الطبيعية للعمل الخلاق. والحرية هى ابنة الثورة، وكلتاهما الثورة والحرية يصنعان الشكل والجوهر فى أى عمل مبدع.

قد لا تتحقق الثورة كحركة شعبية تغير الأوضاع فى حياة الناس وأزمانهم. ولكن على الأقل، لقد غُرست البذرة فى الأرض، ولسوف يزدهر النبت، طالما أن الشمس تطلع كل يوم.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة السر هى «الاستغناء».. المقاومة حتى النفس الأخير
- طاعة المرأة مقابل إنفاق الرجل قانون استعباد
- المأساة النفسية والجسدية التى تعيشها المرأة المختتنة
- أنكر الداعية فعلته معى ووصفنى بقلة الأدب والفساد
- مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية
- شهريار ذو السُلطة المطلقة ينام كالأطفال على حكايات شهرزاد
- لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»
- الرغبة فى عبادة وتقديس السلطة الفردية.. مرض مزمن عالمى ومحلى
- أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر
- الكاتب الكبير والكاتب الحر
- كيف تتحقق ديمقراطية المجتمع فى ظل ديكتاتورية الأسرة؟
- قانون واحد للأسرة المصرية
- أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة
- أنوثة الفلاحة في الحقل.. وأنوثة الطبيبة في المدينة
- الكاتبة ورئيسة الحكومة


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد هو سر عذاب الإنسان وسر سعادته