|
المحمول الثقافي لمسمىّ الأمكنة في عمائر السودان القديمة مؤانسة في -الآثاري- اللغوي
ميرغنى ابشر
الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 20 - 20:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ظهرت نبتة ( كوش الثانية 920ق.م-591ق.م) بوصفها إقليم سياسي للوجود في فترة المملكة المصرية الحديثة،وكمركز إداري مهم بالقرب من جبل البركل (Shinnie.1915).لتُعرف لاحقاً كعلم على مملكة، لعبت دوراً مقدراً في عمائر وادي النيل القديمة. وأنتشرت أهم مواقعها حول الشلال الرابع،ومنها صنم أبودوم ، الكرو ونورى . لم تتمكن الحفريات الأثرية ،في العثور علي مدينة بمسمى "نبتة"، لكنها أنتهت لاكبر مدينة تعتبر حاضرة لإقليم "نبتة"، وهي بلدة "الكرو". ومن الدلائل العامة الاحفورية لبلدة الكرو ، نجد أن مملكة نبتة كان يسودها نظام سياسي واجتماعي متطور ،خاصة النظام الملكي . وبالتالي يتبقى لنا المضمون الدلالي لمسمى "نبتة" في اللغات القديمة في عمائر وادي النيل ، حتي نتمكن من معرفة الوظيفة المجتمعية لذلك الكيان السياسي القديم. من المتعارف عليه أن اللغة الهيروغليفية قد تم استبدالها باللغة النوبية في الوثائق القانونية في القرن العاشر الميلادي(ميرغني،2015)،مما يجعلها عمدة في التجذير الثقافي لاي محمول معرفي لمسمى. ومبحثنا في هذا المقال مسمى"نبتة" ، وهو أسم على الارجح يتكون من أربعة مقاطع ، "ن" حرف جر يسبق المفعول في الهيروغليفية و" با " وتعني "كبش" ، و "تا" وهي في الهيروغليفية تدل على بلد، أو دولة حديثة ، او ارض، و "ه" تعني غرفة(*) . كما ونجد أن لفظة "بتا" تعني ايضاً في النوبية مكان مقدس قديم (على عثمان،2019م). وفقاً لهذه الفرضية ، تكون "نبتة أو "نبتا"، هي ارض المعبود الكبش المقدس. وهي فرضية يعززها رأي بعض الباحثين القائل بالاصل الكوشي للإله "آمون"( محمد بكر،1971م) . الا أن هناك بعض الباحثين يحاول أن يجد أصل لمسمى نبتة من عند "نبتا بلاي"، اول تجمع سكاني في المنطقة قبيل قيام مملكة كرمة(أحمد الياس،2008م). ولكن ومن المعقولية العملية والعلمية بمكان، الأخذ بالدلالة الأثارية والتاريخية للأسماء ، مع أو في غياب الحجة الأحفورية والتاريخية القطعية. وخير مثال لذلك مدينة "نوري" إبان المملكة المصرية الحديثة،كانت بمثابة الحد الجنوبي لهذه المملكة. وهو مسمى مكون من مقطعين " نو" وتعني الجنوب في النوبية المعاصرة ، و" اير" وتعني في ذات اللغة الحد. مما يدلل على أن اللغة النوبية لم يطرى عليها تغيير يذكر منذ حوالي 5000سنة مضت (على عثمان،2019م).وفي مسمى المكان وطبغرافية موقعه الكثير الذي ينطوي على مداليل ثقافية في غياب السند الاحفوري،مثالنا على ذلك مدينة "صنم" النبتية،فموقعها على الضفة الغربية للنيل قبالة مدينة الكرو(شرق النيل) حاضرة نبتة،وفي منحنى النيل الجنوبي الغربي، وانفتاحها على غرب السودان ، من غير وجود مانع طبيعي للغرب ،يجعل منها البر المدخل لمدينة الكرو أو نبتة. وينسب أهالي المنطقة المسمى لصنم قديم (البعثة الايطالية)،وهي إحالة سهلة ومتأخرة للغة العربية مابعد الإسلام، لا يمكن الركون اليها لقِدم المنطقة إحفورياً. و"صنم"إسم على الارجح مكون من مقطعين "سا"في الهيروغليفية أو "ص"في القبطية ومن معانيها "حظيرة الماشية" (G.p.587). والمقطع الاخر وياتي صوته في الهيروغليفية مقروناً هكذا "ن- م"،ويعني "من " أو الباب الخارجي (G.p.574)،تأسيساً على هذا التحليل الصوتي يكون معني "صنم" حظيرة الماشية الخارجية ،او تكون الإجابة على سؤال القادم من الضفة الغربية من أين جئت؟الإجابة: "من حظيرة الماشية". وهو معنى يتفق تماماً مع جغرافية الموقع لكونه النقطة التي يمكن أن تكون تجمعاً لرعاة الماشية القادمين للكرو أو نبتة من الغرب على الارجح، بوصفهم تاريخياً رعاة للماشية. وقد عرف النبتيون عبادة "آمون" معبود المصريين ، الذي يرى بعض الباحثين ان اصله صحراوي أو كوشي ، وليس مصرياُ ( محمد بكر،1971م) .وكانت المعابد في كوش عبارة عن مراكز علمية ، كما عرفت فترة نبتة فن الموسيقى،ونجد ذلك في مسلة الملك "أنلاماني"(593-623) في الكوة التي تصور نقشاً لبنات العائلة المالكة يعزفن على آلة الصلصل(الكشكوش)،وإقتران الإيقاع بالطقس الروحي مايزال موصولاً بمنحى ما بإيقعات الصوفية في حلقات الذكر في السودان المعاصر، وهي خصيصة افريقية. فالذكر الصوفي المعاصر في المشرق العربي الإسلامي يقترن في الغالب بالإنشاد الصوتي. كما ويتأكد ايضاً عبادة الإله المشترك بين مصر وكوش "آتون" "قرص الشمس " باللقية الآثارية في جبل البركل والتي عرفت في الآثاريات بـ «لوح بيعانخي»: (أنا الملك الخارج من سلالة مقدسة... أنا المقدس حبيب المعبودات ابن الشمس بعنخي ميامون )، وحين قابله كهنة معبد هرمس إله أرمنت قال له الكهنة: ما أعظم الملك ًبعنخي سلالة الشمس فاعمل لنا عيدا) . وترجع عبادة التوحيد ورمزها قرص الشمس في بلاد كوش إلى الأسرة الثامنة عشر المصرية بزعامة «أخناتون»، فقد ذكر «جيمس هنري برستيد» في موسوعته «تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى الفتح الفارسي ً أن «أخناتون» بنى معبدا ضخماً عند بلدة «دلقو «بالقرب من الشلال الثالث في النوبة العليا ـ كوش لعبادة «آتون» وسماه «جم آتون»(ميرغني،2015).وإرتباط جغرافيا إثيوبيا السفلى وهي الرقعة المتدة من أسوان إلى أقاصي الحبشة (شوقي،ص27) بالارواحية والاعتقادات المتعالية، إرتباط يعود الى فجر حضور الإنسان في هذه التخوم. فهذه الرقعة بذاتها عرفت في مدونات التاريخ ب أرض "الواوات"، وهو أسم على الارجح يتكون من مقطعين، الأول "واوا" وتعني بالهيروغليفية يتأمّل(G.P62)،والمزجي الثاني"وات" وتعني أيضاً بالهيروغليفية طريق ودرب(G.P62)، والمسمىّ يعني "درب وأرض التأمّل والإلهام"،وحتى من عند الاعتقاد اليوناني القديم الذي يعضد هذه الفرضية، إذ يؤمن بأرض السودان مكاناً لاجتماع آلهة الألمب السنوي، كما جاء في موسوعة حضارة العالم ل"هوميروس". وهكذا عرفت عمائر السودان ومنذ آمد سحيقة ،محضناً للأرواحية الإفريقية التأملية القديمة ،والتى أنتهت في فترة التاريخ المكتوب إلى عبادة إله التوحيد الأول واهب الحياة "آتون"الشمس، الذي امتدت محاريبه وتماثيله من أسوان في الشمال وحتى منطقة سوبا إلى الجنوب، التى كانت على درجة سامية من الحضارة والعمران، ويظنً البعض أنها كرسي سبأ-بالهيروغلوفية بوابة السماء(شبيكة،42). شيء من الغموض يشوب تاريخ انتقال عاصمة كوش الثانية لمروي، ويمكن أن يؤرخ في حوالي 591 ق.م. ظلت نبتة ذات أهمية دينية عظمى ، حتى بعد إنتقال العاصمة لمروي ،فعلى عهد "ناستاسن" 385 – 310 ق.م كان عليه واسلافه أن يسافروا من مروي إلى نبتا حتى يتم إعتماد تنصيبهم على العرش عن طريق كهنة "آمون"، وكان "ناستاسن" هو الملك الأخير الذي تم دفنه في نوري،ومنذ حوالي القرن الرابع قبل الميلاد أنتهت حتى الأهمية الدينية لنبتا(Shinnie.1915). لتبدأ حقبة جديدة في مروي المدينة التي منحت السودان المعاصر هويته الثقافية وإنتمائه الأفريقي الاصيل ، كما أسهمت إسهاماً واضح في تطور الإنسانية في فنون الحضارة والحكم والتعدين.
#ميرغنى_ابشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة لطيف هنْريّ وِلكَم !!
-
بوابات امدرمان في القرن التاسع عشر - ذواكر للإجتماع الإنساني
...
-
القرآن بين إليهن.. مقال في الإدّكار العرفاني وقضايا التشريع
...
-
ما لم يُكتب في الشريف حسين الهندي -اقيونة النضال العربي والإ
...
-
آخر ما قال - فارس-!
-
عن ماذا أكتب؟
-
الاخطاء التاريخية في القرآن
-
دونجوانية محمد الرسول
-
حوارية الياسمين والابنوس
-
الأخطاء النحوية والبلاغية في القرآن
-
ربى ورسولي في خمر المعاني
-
النَّصُّ الإدانة.. رفع الْقُرْآن وَجَنَّة - ميركل -
-
بكاء أرميا
-
الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-
-
عودة المسيح
-
التأريخ المنسى للحريم أو انتقام -الاله الام-
-
أنتيجونى حِيرة الإنسانيات ! توليفات فرويد وهيغل نموذج
-
دعاء اخر الاولياء
-
بريخت محتالاًَََََََِِ!!.. الجزر الدينى لديالكتيك -التغريب-*
-
أبان يولد من جديد
المزيد.....
-
حماس تعلن مقتل 4 من مقاتليها بغارات إسرائيلية في الضفة الغرب
...
-
-5 شبان يمارسون التأمل-.. مقطع فيديو قد يفك لغز حرائق كاليفو
...
-
-أيها الدموي.. يا وزير الإبادة- هكذا قاطعت سيدتان خطاب أنتون
...
-
سفن -أسطول الظل- تتحدى العقوبات الغربية وتحافظ على تدفق الأم
...
-
عرض نتنياهو لا يُفوّت.. ما هو ثمن بقاء سموتريتش في الحكومة و
...
-
زيلينسكي يزور بولندا لحل قضية استخراج رفات بولنديين قتلوا عل
...
-
أردوغان يطالب إسرائيل بالانسحاب من أراض احتلتها ويتحدث عن أك
...
-
فيتسو سيحضر احتفالات 80 عاما على النصر في موسكو على رأس وفد
...
-
رئيس بردنيستروفيه: روسيا ستزود بلادنا بالغاز كمساعدات إنساني
...
-
تقرير يتحدث عن شروط مصر لتطبيع العلاقات مع سوريا الجديدة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|