سعد حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 1575 - 2006 / 6 / 8 - 11:36
المحور:
الادب والفن
• " الحلم المزدوج " والبطل الذي يقاتل بسلاح براءته
الروائية والقاصة "دينا سليم" وتحديدا بعد نهوضها فوق ركام السنين السوداء التي عاصرتها والتي كانت الحافز الرئيسي لدخولها عالم الرواية والقصة, ولو في زمن متأخر, الا أنها تركت بصمة ابداعية في كتابة الرواية والقصة ( لديها العديد من القصص القصيرة الابداعية يجدر التوقف في ناصيتها والكتابة عنها), واحتلت مكانة مرموقة في خانة الأدب النسوي العربي والفلسطيني.
دينا سليم لأنها فقدت انطلاقتها الاولى ( الهوية الأم ) وراحت تهرول لاهثة فوق خارطة الأرض تبحث عن الوطن البديل أو عن الحرية الضائعة, لم تجد بديلا سوى وطن الكتابة فدخلت عالم الأدب من أوسع أبوابه.
روايتها الاولى " الحلم المزدوج" الصادرة عن " دار العودة" في بيروت, بادارة السيد المحترم الأستاذ أحمد محمدية, الذي قام على اصدار العمل محترما العقد والوعد عام 2004 كانت الأكثر رواجا في معارض الكتب في البلدان العربية. ولها الآن تحت الطبع روايتين, الاولى تنتظر منذ مدة اصدارها في " دار الانماء الحضاري" في دمشق, باشراف السيد نادر السباعي, صاحب الدار, تحت عنوان " تراتيل عزاء البحر", والرواية الثانية عمل مشترك مع الكاتب والشاعر العراقي سعد حمزة في " دار العودة" تحت عنوان " سادينا" وكلتا الروايتين انجزتهما الكاتبة دينا سليم في منفاها الأخير , استراليا.
هنا لا بدّ من عرض تحليلي آخر لرواية "الحلم المزدوج" ( لقد كتب عنها العديد من النقاد العرب, أمثال الدكتور مقداد رحيم, الناقد المغربي محمد معتصم , الدكتور منير توما, الدكتور ابراهيم سعد الدين , الشاعر عبد الكريم الكيلاني, الصحفي رائد فرح, الشاعر تيسير حامد وغيرهم).
وبدءاً من الاهداء الذي كتبته الروائية والذي جاء فيه:
" الى من تنافسوا على عرش الغربة,
وتاهوا في سراديب العدم وهم أحياء,
الى (صارم) في كل زمان ومكان, آمل
أن يتحول الحلم الهارب الى حقيقة "
على ما يبدو أن الاهداء عند الروائية أخذ شكل الخطاب الكوني الذي يستمد نسيجه من الزمكان المطلق, كما أنّ الاهداء جاء بصيغة الجمع, وهذا بحد ذاته هو نداء الى كل الذين غادروا أوطانهم قسرا بحثا عن الملاذ الآمن الذي يوفّر لهم حرية الحياة وممارسة فعلهم الانساني بشكل سليم. ثم جاء نداؤها الثاني بصيغة المفرد, الى بطل روايتها (صارم).
البطل هنا كونيا, عندما يكون في كل زمان ومكان, ويرتدي قميص المطلق.
هذا على مستوى الاهداء وأعود الى موضوعة النص الذي اختارته الروائية بذكاء حاد في الغلاف الأخير والذي جاء فيه:
" أي ذنب اقترفته كل تلك الأذرع المبتورة
أي خطأ عويص لم يمهل كل تلك الأقدام
من البتر, لقد تغيرت الأمور, لا تدري
تقدّس الانسان فيها أم تدنسّهُ؟
لحظات وقفة مع النفس والروح,أو ربما
مع النفس فقط بفقدان الروح, ماذا سيسمى
الآن؟ كلمة انسان لا تليق بالنقصان أو
2
الانفصال, الآن أدرك فقط لمَ لا تأخذ البشرية
لها الهاً بشريا, الآلهة أكبر من كل هزيمة,
أعظم من كل فجيعة, لا ينقصها أبدا أي عضو
اذا كان لها أعضاء, ولا أي روح اذا كانت لها
من أرواح"
وتكمل دينا سليم :
- لماذا تتعقبني يا هذا؟
- أريد معرفة طريق مسلكك, الى أين أنت ذاهب.
- وما أدراكَ بأني ذاهب؟ اني لم أعد رجل المذاهب... أعتقتُ حتى ديني في هذه الحياة. "
على ما يبدو أنك تقرأ نشيدا يغنيه فيصل عائد من هزيمة الحرب, لا يحملون فوق أكتافهم البنادق انما يحملون الرماد, هو حاصل تحصيل الهزيمة في حروب الدكتاتوريات.
سيكلوجيا, يبدو أن الروائية انطلقت في سردها منذ ولادة البطل... النشأة... الوعي... الحروب... التمرد... فالمنفى.
" مع صياح الديك اتخذا طريق المقابر, بعد أربعين يوما من ولادته, لم يعد النوم يشاطر الأبوين, اشتد مرض ذات الرئة في صدر ذلك الصغير المسكين, مرض فتّاك سبب العناء, الوجل وفقدان الأمل (ص 13)".
هكذا صوّرت الروائية الولادة الاولى للبطل وهو عليل بلا حياة, مريض النشأة ثم خاضت في لعبة الكتابة مفهوم الميثولوجيا لابقاء البطل على قيد الحياة, أو الموت حين جاء في السرد:
" - أرجوك دعنا نمنحهُ فرصة أخيرة, اليوم فقط , علّه يستيقظ من غيبوبته...(ص 13)
- لكنه توفي قبل أربعة أيام أو أكثر .
- أنا واثقة من أنه سيستعيد الحياة ."
في متخيلة الروائية استدراج أكبر لسحب المتلقي الى ماراتون لا ينتهي الا بنهاية البطل المفتوحة.
اعتمدت الكاتبة كاميرا العين في رؤية أعماق الآخر, ومن ثم سجلت عبر اختزالاتها المعرفية الصور الناطقة لمشهد السرد التي بات كما جاء في النص:
" أرقص مثل زوربا, أغني لكل آت, أغني للسعادات, سأسجل على جدار قلبي أنتِ بدايتي ولتمضي الى مقبرة الكون كل النهايات... !"
• لغة التمرد:
في العمل الروائي مجموعة توثيقات اخبارية ربما تخدم سلامة السرد أو ربما تبقى كتوثيق كتابي لا يؤدي الى باب, لكن دينا سليم وثقت جدليا الخبر الوثائقي, الخراب في التناص الزمني بين البطل الكائن المخرب... الوطني المفكر بخرابه... الرحيل .... وهو بداية المنعطف :
" لا قومية لي بعد الآن والكيان ولّى, فُصلتُ من الحياة, فلتذهب الى الجحيم ولتذهب معها ترتيباتها, قهر, شجون وحرمان... (ص81).
3
- لم يعد بيتي قائما, هدمته الصواريخ.
- من أين جئت يا هذا ؟
- من عمّان.
- أولادي لا يعرفونني وزوجتي لم تعد تريدني.
- من أين جئت يا هذا؟
- من لندن.
- بحثتُ عن عائلتي, يبدو انهم تركوا البلاد.
- من أين جئت يا هذا؟
- من الكويت.
- أمضيتُ الليل بطوله محاولا تقريب أطفالي اليّ, خافوا من وجودي.
- من أين جئتَ يا هذا؟
- من استراليا.
- لماذا تبكي يا هذا؟
- هربتُ من الغربة فوجدتُ نفسي في غربة أخرى."
إن تأجيج المشهد الوحدوي لنهاية البطل في سرد الروائية ترك أسئلة لا تنتهي, لأنها عمّقت الموضوع السايكولوجي لأنا الكاتبة ولأنا البطل, وبالتالي خلقت الكاتبة اتحاد الموضوع الجمعي لخاتمة لا تنتهي, لذلك تركت نهاية الرحلة المأساوية لبطلها مفتوحة كي تؤكد للمتلقي أن هناك أحداثا أخرى سيتابعها في عمل قادم.
الرواية عبارة عن فيلم سينمائي في مجموعة فصول, أو بالأحرى أن القارىء ينتظر بفارغ الصبر الحلقة المفقودة في ثيمة العمل عبر الشاشة والتأمل للقادم المنتظر.
"الحلم المزدوج" دعوة مفتوحة لزيارة عالم المنفى- عالم الانفلات - عالم الغربة داخل الوطن - الغربة خارج الوطن – التمرد ثم الانزياح الى عالم الانتظار في بوتقة تأمل اللاجدوى فيه:
"أي شعور غريب ينتاب المرء عندما يصطدم بحقيقة ما, ترغمه على استبدال أدواره في الحياة, أدوار أخذت من عمره دموعا مدرارة, تعوّد عليها, أحبّها...لكن المرّ فيها هو عندما يكتشف أن لهذه الأدوار كيانا ينتهي بلحظة حقيقة."
على ما أظن أنّ قاريء الرواية يحتاج الى الكثير من الصبر وحبس الأنفاس والتأني, قبل أن يلقي بقميص وجهه على عالم لا يسكنه إلا الموت والاندحار, هناك في أفق الرواية سياحة عشقية وحب صادق وروحانية عالية لا تشبه الرتابة الروائية في الكثير من الأعمال الأدبية المحلية والعالمية.
دينا سليم أسست ووضعت بصماتها الابداعية بتمردها الكتابي في عالم تنقصه هذه الجرأة الابداعية. أنا لا أدعو القارىء قسرا لقراءة الرواية إنما أدعوه لرحلة سيكولوجية لقراءة ستحطه في محطة الأسئلة المنتظرة في ذات الكائن المفقودة.
أما عن روايتها الثانية ( تراتيل عزاء البحر) اعتمدت الروائية نداء خاصا (للعدالة) الكونية, اذا كانت هناك أية عدالة, نادت من أجل خلاص الانسان وارجاع كرامته المفقودة, تكلمت أيضا عن الانسان الذي أصبح بدون وطن وبدون أرض يلتجيء اليها , فيموت جميع من عبروا على عبارة بالية عندما غدر البحر بالجميع, الا (حازم) البطل, الذي طاف وحيدا , ركب المخاطر وثورات المحيط الغاضب من أجل تحقيق هدف حقيقي, وهو لقاء حبيبته (زينة) التي فضلّت في النهاية البقاء وحيدة, معتقدة أن الاقتران يشوه صورة الحب, ويحدّ من قوة العشق.
4
" الجموع الكادحة نزلت البحر بأجسادها الضعيفة, وجدوا نهاية ضالة البؤس على بقعة داخل المحيط, ناموا على سطح العبارة يتخذون حقائبهم البالية وسادات, يغطون في نوم عميق, يلتمسون بعض الراحة قبل اللجوء الى الشاطىء خلسة...
أسئلة كثيرة غمرت رأس ذلك الفارس الذي كساه المنفى كثوب وقهره الترحال كمعطف, اغتالته وحشة قاتلة وأشواق علقت في دائرة الموتى, بدا كقربان يرتاع من رؤية ناحره, ألم تحتويه غرف الأنين ولهُ في جسده من وجع دفين؟"
وفي روايتها الثالثة (سادينا) تعرض الروائية دينا سليم أهمية الأمان والحب والانتماء في الوجود الانساني. وتبقي الأحداث قيد تنافس الحبيب (ساد) على الحبيبة (سادينا) والذي تحوّل مع الزمن الى عاشق عجوز ينتمي الى جميع عصور العاشقين.
(سادينا) عمل مشترك بين الأديبة والكاتب سعد حمزة, يحمل الكثير من القيم الروحية والوجدانية لكل فرد في أي زمان ومكان , عمل كبير يدمج ويصوّر الواقع المعاش بمخيّلة راقية.
" سادينا : زمني أقفلت عليه الأيام برغم الشباب.
ساد: امنحيني آخر الكلام.
- أخشى من سبات الخاتمة.
- موعدي والضياع قريب.
- لا تدع الوصل يتيه فما يجمعنا الآن سوى دموع الحنين واللقاء اليتيم.
- أخطو وحيدا والسؤال في عيني.
- سأصغي اليك طالما كنز السؤال يتخبط في أعماقكَ
- سادينا يا سلام الروح وسرّ الحكايات.
- سأبتعد, ستصعقني العاصفة وتسلمني للسحاب المشحون.
- وأبقى أنا صياد الغيوم... في شبكتي جميع الغيوم...سأسقطها أرضا وأروي جفاف الأرض المصابة بالطاعون, سادينا, سأقطع رؤوس الظالمين بفأسي, لكنني أخشى أن يصاب هذا الفأس أيضا بالطاعون!"
ما كتب الآن تلخيص مصغر عن أعمال الأديبة دينا سليم , علّني أستطيع مستقبلا تقديم عرضا آخر لمنجزاتها الكثيرة .
• سعد حمزة – كاتب وشاعر عراقي يعيش في استراليا.
[email protected]
#سعد_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟