أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد الهلالي - في الوضع السياسي الراهن















المزيد.....



في الوضع السياسي الراهن


فؤاد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 1574 - 2006 / 6 / 7 - 10:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الكتلة الطبقية السائدة : الوحدة الإستراتيجية والتناقضات الثانوية في المرحلة الراهنة

1) نظرة مركزة حول الكتلة الطبقية السائدة

1-1) يندرج النظام الرأسمالي السائد في المغرب ضمن منظومة الأنظمة الرأسمالية التابعة المرتهنة والمندمجة في وحدة نظامية أشمل هي النظام الرأسمالي العالمي . وإن ارتهانه واندماجه عضويا بالنظام الرأسمالي, يجعله خاضعا وباستمرار وبشكل تبعي لتقلباته وتغيراته وبالتالي للاستراتيجيات والسياسات التي يرسمها .

ترجع البدايات الأولى لتشكل نظام الرأسمالية التبعية بالمغرب إلى منتصف القرن 19, حيث بدأ الربط التبعي للمغرب بالرأسمال العالمي عبر شبكات من علاقات التبادل غير المتكافئ بدعم من فئات السماسرة / التجار – النواة الأولى للبرجوازية الكمبرادورية- وخلال المرحلة الممتدة ما بين بداية القرن 20, وخاصة مند 1912 إلى سنة 1956, تاريخ الاستقلال الشكلي, سيتم إرساء دعائم الرأسمالية التبعية وبنياتها,وقد ترافق ذلك مع انتقال الرأسمالية العالمية إلى مرحلتها الإمبريالية. وطيلة مرحلة الإستعمار المباشر (1912-1956) أرسى الإستعمار الفرنسي, وحول بشكل جذري التشكيلة الإجتماعية والإقتصادية المغربية. في نفس الوقت تكثف حضور وهيمنة الرأسمال الاحتكاري في قطاعات الأبناك والحديد والبناء والمواد الغذائية...كما أرسى تواجدا ثقافيا وتعليميا استعماريا مكثفا. وابتداء من عام 1956 سيتم الإنتقال إلى مرحلة جديدة من الهيمنة, مرحلة الإستعمار الجديد أو الإستعمار الغير المباشر بالإعتماد على أنوية البرجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار, تحت إشراف النظام السياسي المخزني وبدعم كامل من الإمبريالية الفرنسية بشكل خاص. وقد خاض هذا التحالف حربا شعواء لاستئصال منظمات الجماهير الشعبية في نفس الوقت تابع سياسات احتواء قيادات الحركة الوطنية .ومع مطلع الستينات كان التحالف قد حقق أهم أهدافه ليدخل مرحلة جديدة في بناء وتعزيز وتدعيم الرأسمالية التبعية بالمغرب, تحت السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية للكتلة الطبقية المكونة من الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية الكمبرادورية. هاتين الطبقتين ستبنيان ضمن دينامية جديدة للصراع الطبقي تحالفهما الاستراتيجي تحت قيادة النظام المخزني من أجل تركيز الرأسمالية التبعية في المغرب.

1-2) تتشكل الكتلة الطبقية السائدة من طبقتين أساسيتين هما : البرجوازية الكمبرادورية و الملاكين العقاريين الكبار. و تتداخل وتترابط بشكل عضوي مصالح الطبقتين وأنشطتها الاقتصادية ومصالحها الإستراتيجية المرتبطة أشد الارتباط بسيادة نظام الرأسمالية التبعية. لقد عرفت الكتلة الطبقية منذ بداية الستينات –تطورات هامة من أبرزها:

أ‌- التوسع الذي عرفته قاعدتها الاجتماعية:

· توسع الملاكين العقاريين الرأسماليين على حساب الملاكين العقاريين الشبه إقطاعيين.

· توسع البرجوازية الكمبرادورية

ب‌- نشوء فئة احتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة برمتها. وتتموقع المؤسسة المالكة في قلب هذه الشريحة وتقودها. وتمتد أنشطتها وملكيتها إلى كل أقسام الرأسمال التجاري والبنكي والصناعي والزراعي...

ج- نشوء وتضخم البيروقراطية المدنية والعسكرية كأدوات للقمع والإرهاب البوليسي وفي نفس الوقت كقوة اقتصادية مبنية على النهب...

1-3 ) إن إطلاق مفهوم "الكتلة" على التحالف الطبقي السائد بالمغرب يرمي إلى ضبط العلاقة القائمة بين طبقات وفئات طبقية سائدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وايديولوجيا, ضمن علاقاتها المركبة مع الدولة المخزنية, ويؤطر هذا المفهوم تلك الوحدة العضوية المتناقضة بين طبقات أو فئات تلتقي مصالحها وتتناقض حسب ظرفية الصراعات الطبقية داخل التشكيلة الاجتماعية وبارتباط مع تحولات الرأسمال الإمبريالي العالمي واستراتيجياته السياسية والاقتصادية . ويسمح هذا المفهوم كذلك بالتقاط دور شريحة مهيمنة داخل الكتلة الطبقية تستطيع تمثيل المصالح المتناقضة لهذه الفئات والطبقات المختلفة وذلك عبر تقديم مصالحها الاقتصادية كمصالح سياسية تمثل المصالح العامة لمجموع الكتلة الطبقية السائدة .

إن اختيار هذا المفهوم يبقى سليما في جوهره. ويجب العمل تدقيقه ضمن الشروط الموضوعة للمغرب ولظروف الصراع الطبقي الملموسة.

تضم البرجوازية الكمبرادورية:
- وكلاء ممثلي الشركات المتعددة الجنسية / الاستيطان بالمغرب

- الرأسماليون المغاربة المتخصصون في المقاولات الفرعية

- رأسماليو الإستيراد والتصدير

- أصحاب البنوك والتأمينات والمضاربين في قطاعات البناء, الأرض, أوراق العملات , الاسهم ...

- رجال الأعمال في الصناعات التحويلية والمعادن.
- مدراء وأعضاء مجالس إدارة الشركات الإمبريالية

إن خصائص الرأسمال الكمبرادوري هي :
+ تبعيته المطلقة للرأسمال الإمبريالي.وهو رأسمال إما إمبريالي المصدر يخدمه وكلاء محليون أو رأسمال محلي الأصل مندمج ومرتبط عضويا بالرأسمال الصناعي أو البنكي أو العالمي الإمبريالي .

+ يتواجد الرأسمال الكمبرادوري إما في شركات مغربية خاصة أو شركات مشتركة مع الدولة وكذلك شركات مشتركة مع الرأسمال الأجنبي ويتواجد في قطاعات مثل: الأبناك, شركات التأمين, النسيج والجلد, والبناء, السياحة صناعة المواد الغدائية, المناجم ....إلخ.

+ طابعة الطفيلي : تحارب البرجوازية الكمبرادورية المشاريع الطويلة الأمد والمرتفعة التكاليف, وتفضل التوظيفات المضمونة والمحققة للأرباح السريعة.

ويعد الطابع المضارباتي خاصية من خصائص الرأسمال الكبمرادوري, فعن طريق علاقاته العضوية بالرأسمال المالي (الفرنسي على الخصوص) تمارس البرجوازية الكمبرادورية جميع أنواع المضاربات في كل الميادين الاقتصادية.

** يشكل كبار الملاكين العقاريين (المعمرون الجدد) الطبقة الثانية في الكتلة الطبقية السائدة ولظروف نشأتها وتشكلها تتوفر على خاصية هامة تجعل منها طبقة اجتماعية تجمع بين ملكية الرأسمال الزراعي والسيادة المباشرة على علاقات الإنتاج. فالمالك العقاري يملك في نفس الوقت وسائل الإنتاج (الأرض, الآلات...) ويشرف على إدارة الإنتاج فخلافا للبلدان الرأسمالية الأوربية, نجد أن نمو الطابع البرجوازي للملكية العقارية لم يستتبعه نمو عقود الاستثمار الرأسمالي للملكية بين مالك وسائل الإنتاج الرأسمالي والمالك العقاري للأرض.

وتستحوذ هذه الطبقة على أراضي خصبة وشاسعة تغطي أهم المناطق الخصبة في المغرب(المغرب, سوس الحوز, منطقة بركان...إلخ) وتقوم على الزراعة التصديرية وذلك على حساب الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للشعب. لقد عرفت هذه الطبقة تطورات كبيرة منذ الاستقلال نتيجة الاستحواذ على أراضي المعمرين عن طريق الانتقال وبسبب نزع والاستحواذ على أراضي الفلاحين الصغار والفقراء وعن طريق تطوير علاقات إنتاج رأسمالية بدعم من الدولة الشيء الذي أدى إلى غلبة الطابع الرأسمالي على علاقات الإنتاج على حساب العلاقات الإقطاعية والشبه إقطاعية. وتضغط هذه الطبقة باستمرار ضد أية محاولة لمراجعة أو المس بالعلاقات القروسطية في البادية. وتتعرض الطبقة العاملة الزراعية لأبشع صور الاستغلال والاضطهاد والحرمان والاحتقار وإذلال الكرامة. وتحارب بقوة العمل النقابي والعمل السياسي داخل البادية بشكل عام.

*** الفئات البيروقراطية المدنية والعسكرية: لقد سهر النظام منذ الاستقلال الشكلي على تشكيل وتقوية القمع البوليسي لإرساء وتدعيم نظام الرأسمالية التبعية. وقد استفادت الأطر العسكرية والمدنية النافذة في أجهزة الدولة المخزنية من مواقعها الإدارية والسياسية لمراكمة الثروات والاغتناء السريع من خلال استعمال النفوذ والعلاقات الزبونية والرشوة والتسلط والابتزاز والمضاربات في الأراضي الجماعية وعن طريق عقود التوريد للقطاع العام وعقود المقاولات من الباطن وتجارة المخدرات إلخ...

وقد عرفت الشريحة المدنية من الفئة البروقراطية تطورات كبيرة منذ أواسط السبعينات على الخصوص نتيجة انتهاج النظام استراتيجية الإحتواء/ القمع الجديدة المعروفة بالمسلسل الدمقراطي. وهكذا تقوى جهاز وزارة الداخلية ووجهها الأول إدريس البصري وقد مكن النظام هذه الفئة وهذا الجهاز من كل الإمكانيات الاقتصادية والسياسية والإدارية والقمعية حتى يلعب دوره الكامل في تنفيذ استراتيجية ديمقراطية الواجهة منذ أواسط السبعينات.

**** الفئة الاحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة:

أ‌- لقد انبنت الكتلة الطبقية السائدة وتبنينت في الحقبة الممتدة ما بين 1960-1980 وذلك بمشاركة البرجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الرأسماليين وبعلاقة وطيدة مع البيروقراطية الكبيرة المخزنية.

لقد تم هذا التشكل ضمن مسار تكون الرأسمال الاحتكاري الكمبرادوري كشريحة مهيمنة وسط الكتلة الطبقية وكعامل مرتب ومنظم لعملية التمأسس و البنينة للفئات والشرائح المكونة للكتلة الطبقية السائدة وذلك من خلال التداخل مع البرجوازية الصناعية والتجارية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الرأسماليين (المعمرين الجدد).

ب‌- إن الفئة الاحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة هي الفئة الأكثر قوة من الناحية الاقتصادية والمهيمنة سياسيا. وتتميز هذه الفئة أيضا بكون أنشطتها الاقتصادية ممتدة إلى كل المجالات الأساسية: الأبناك, التأمينات البناء, الملكية العقارية, الزراعية إلخ- فهي تمتد كأخطبوط في كل المجالات. وتتموقع قمة النظام المخزني كنواة مركزية لهذه الفئة.

2)- الطور الجديد للرأسمالية الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة:

أ‌- بارتباط مع التحولات التي يعرفها الرأسمال العالمي الاحتكاري خاصة منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات حيث يشن هجوما استراتيجيا لتحرير الأسواق وتعميق إخضاعها لشروط الشركات المتعددة الاستيطان, يعرف نظام الرأسمالية التبعية في المغرب تطورات جديدة في اتجاه الاستجابة لمتطلبات الرأسمال الاحتكاري العالمي وسياسات مؤسساته الدولية. وتذهب هذه التطورات في اتجاه تعميق التبعية وإخضاع التشكيلة الإجتماعية- الإقتصادية المغربية التابعة للشروط والمتطلبات الجديدة للرأسمال الإحتكاري العالمي الذي يعرف طور جديد يمتاز بهيمنة الشرائح المالية المضارباتية الطفيلية. وتقود الفئة الإحتكارية الكمبرادورية داخل الكتلة الطبقية السائدة عملية الاستجابة والتألقم مع هذه المتطلبات عبر ما تسميه بتعميق الانفتاح على السوق العالمية وتأهيل المغرب لدخول العولمة وتوفير الشروط وتأمينها للرأسمال الخاص الخارجي والداخلي, وذلك بحكم موقعها الهيمني داخل الكتلة الطبقية السائدة وبحكم أنها البوابة الرئيسية لتمرير مخططات الرأسمال الإحتكار العالمي. وبالنظر إلى موقعها هذا, فإن الفئة الاحتكارية تجد صعوبة اقتصادية أقل للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه الرأسمال الإمبريالي العالمي, بينما تجد الفئات الأخرى وخاصة الشرائح البيروقراطية صعوبة أكبر في التأقلم مع هذه المتطلبات.

ب‌- تعرف الفئة الإحتكارية حركية خاصة في السنين الأخيرة. وذلك بدخولها رهان التركيز داخل السوق المالية المغربية. لقد كانت عمليات الرساميل بالمغرب ضعيفة بحكم التركيبة العائلية الطاغية على الشركات وغياب سوق أسهم حقيقة الشيء الذي أثر على حجم الصفقات. لكن شروط ومتطلبات التطور الراهن للرأسمال الإحتكاري دفعت إلى حقائق جديدة تتطلب وتفرض تطور السوق المالية. وأصبح تعميق التركيز الصناعي والمالي ضرورة قوية وملحة.وقد عرفت السنين الأخيرة ظهور مجموعات مالية(شركات متداولة في البورصة) تعمل على توسيع سوق مالية. وتشهد السوق المالية صراعا حادا بين قطبي الرأسمال الاحتكاري المالي المغربي:ONA ومجموعة عثمان بن جلون. وقد برز هذا التنافس إلى الواجهة حول الوطنية للتأمين" وكان محركه هو الهدف في الخلق قطب قوي في ميدان التأمينات. أضف إلى ذلك التنافس حول من يتحكم في الشركة الوطنية للاستثمار(SNI) التي تتحكم بدورها في عشرات الشركات والمؤسسات. وقد حققت ONA هدفها في الاستيلاء على الشركة الوطنية لاستثمار (SNI) .

إن عمليات التركيز يساهم فيها الرأسمال المالي الإمبريالي الفرنسي بشكل قوي وذلك من خلال مجموعة الأبناك الفرنسية التي تتحكم في أهم الابناك المغربية, وهذه الأبناك الفرنسية هي الشركة العامة BNP, Pari Bas,(S.G) والكريدي ليوني. وتتوزع حصصها في الأبناك المغربية كالتالي:

- 50% من أسهم البنك المغربي للتجارة والصناعة(BMCI) يمتلكها BNP(البنك الوطني لباريس)

- 45.50% من أسهم الشركة العامة المغربية للأبناك(SGMB) تمتلكها الشركة العامة الفرنسية (S.G)51% من أسهم مصرف المغربCDM) ( يمتلكها كريدي ليوني(C.L).

إن التركيز المالي الذي تقوده الفئة الاحتكارية المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة ليس إلا صدى وامتداد للتركيز المتواصل والمتزايد للرأسمال الإحتكاري العالمي وطغمته المالية المضارباتية. فلقد عرفت فرنسا في السنين الأخيرة اتجاها قويا نحو التركيز في القطاعات البنكية والمالية وذلك لتعزيز مواقع المجموعات الفرنسية في السوق الدولية مثال اندماج الشركة العامةS.G و Pari Bas ويسير الاتجاه نحو اندماج BNPوالكريدي ليوني بالمجموعة الأولى. وهذا يعني بالنظر إلى الارتباط العضوي التبعي للرأسمال الكمبرادوري المغربي بالرأسمال الاحتكاري العالمي وفي مقدمته الفرنسي أن القطاع البنكي المغربي سترتفع وتيرته نحو التركيز أكثر.

إن قطاع التامينات في المغرب, وتحت قيادة الفئة الإحتكارية يسير نحو تشكل قطبين أساسيين قويين:
+ مجموعة بن جلون التي أصبحت تتوفر بعد حيازتها على الوطنية على 25% من سوق التأمين

+ مجموعة ONA, بعد فقدانها لرهان الوطنية للتأمين, اتجهت نحو تشكيل جديد عبر إدماج" الإفريقية للتأمين "ب AXAوهي مجموعة دولية متواجدة في 54 دولة وبذلك تشكل قطب .ONA-AXA .

ويعيش القطاع البنكي على حمى شراء الأسهم والاستعدادات الحثيثة للإندماجات الكبرى. هكذا اشترى البنك الوطني للتنمية الإقتصادية BNDE البنك المغربي لإفريقيا والشرق الأوسط BMAO واشترى وفابنك Wafa-Bank) ( 20% من المصرف المغربي CDM. وكخلاصة عامة فإن ما يجري هو عبارة عن إعادة هيكلة للرأسمال الاحتكاري الكمبرادوري مواكبة لشريكه الرأسمال الإمبريالي العالمي. ويتم ذلك تحت شعارات : عقلنة التسيير وتعزيز المواقع داخل السوق. وتقود هذه العملية الفئة الاحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة. وإن ما يجري داخل قطاع التأمينات والأبناك والسوق المالية عموما. ليس إلا وجها من أوجه عملية الاندماج وإعادة الإدماج للرأسمالية التبعية المغربية بالرأسمالية الإمبريالية. أما الأوجه الأخرى لهذه العملية- أي لهذا البرنامج التبعي الطفيلي- فتتمثل في فتح السوق المغربية وإزالة ماسمي بالعوائق الجمركية والتجارية لخدمة شعار المنافسة, والشراكة والتبادل الحر والمناطق الحرة, وتغيير التشريعات الاجتماعية في الاتجاه الذي يمكن الرأسمال من الاستغلال والربح السريع بأقل التكاليف وتركيز ديمقراطية الواجهة لضمان شروط سياسية مريحة للنهب إلى غير ذلك من بنود برنامج المؤسسات المالية والتجارية الدولية التي تقف وراءها الشركات المتعددة الاستيطان. ويجب التأكيد أيضا على أن عملية الخوصصة الجارية – والتي تسارعت وتيرتها في ظل حكومة التناوب المخزني- تعمق التبعية عن طريق تعميق التحكم المباشر للشركات المتعددة الاستيطان في دواليب الإقتصاد وتوطيد تواجدها وهيمنتها. هذا بالإضافة إلى أنها- أي عملية الخوصصة- تؤدي إلى هضم المكتسبات الإجتماعية السابقة لجماهير العمال والمستخدمين (التسريحات المؤدية للبطالة الكلية, تعميم عدم الإستقرار في الشغل, هضم المكتسبات الإجماعية الأخرى حتى بالنسبة للمحتفظ به بعد الخوصصة).

3) التكييف مع "العولمة" وتناقضات إعادة الهيكلة:

أ‌- إن البرنامج الطفيلي الذي تفرض بنوده الشركات المتعددة الاستيطان عبر المؤسسات المالية والتجارية... تحت شعار التأهيل الخادع, وتقود عملية تطبيقه الفئة الاحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة, قد أدى ويؤدي إلى بروز تناقضات ثانوية بين مكوناتها.

فلئن كانت الفئة الاحتكارية لا تجد صعوبة كبرى في التأقلم وتأتي على رأس هذه الفئات والشرائح البيروقراطية التي نمت وتدعمت مصالحها الاقتصادية طيلة المرحلة السابقة بالاستفادة من موقعها في جهاز الدولة. كما هو الشأن أيضا بالنسبة لجزء من الملاكين العقاريين الكبار الغير احتكاريين الذين ظلت الدولة المخزنية طيلة المرحلة السابقة تحمي وتؤمن شروط تراكمهم الرأسمالي. أما وأن متطلبات المرحلة الجديدة تفرض تراجع الدور الحمائي للدولة وتقتضي بتعميم المنافسة إلى حدودها القصوى في إطار الرأسمالية المعولمة فإن هذه الفئات تجد نفسها في وضعية تهددها بتقليص منافذ التراكم الرأسمالي.

ولنكن واضحين في هذا الشأن: إن التناقضات الثانوية هي تناقضات بين أطراف كتلة طبقية مرتبطة مصالحها الإستراتيجية أشد الإرتباط بنظام الرأسمالية التبعية. وإن محرك تلك التناقضات الثانوية هي الإمكانيات اللامتكافئة للتراكم الرأسمالي التبعي في ظل المرحلة الجديدة وشروطها عالميا. ففي غياب تحديد دقيق لطبيعة الكتلة الطبقية السائدة, تسود وجهة نظر قائلة بأن هذه التناقضات هي بين الفئات العصرية والفئات التقليدية داخل السلطة. أو بين فئات الرأسمال المنتج والمواطن والشفاف وبين رأسمال الربح السريع والإمتيازات والإبتزاز. وتحرك هذه الأطروحات العديد من الأقلام والمجلات الممولة بسخاء وتبثها الآلة الإديولوجية للفئة الإحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة. وقد أصابت أغلب التوجهات الدمقراطية والتقدمية التي تردد هذه المغالطات الإديولوجية الخطيرة وتقدمها كتعويذه لفهم الوضعية السياسية. مع ما نتج وينتج عن ذلك من أخطاء قاتلة على صعيد البرامج والمارسة السياسية.

ب‌- يفرض الرأسمال الإحتكاري العالمي في مرحلة تطوره الراهن شروطا جديدة للتراكم الرأسمالي قوامها السوق المفتوحة وعمادها المنافسة. ويقلص بذلك دور الدولة إلى جهاز يسهر على ضمان تأمين هذه الشروط-انظر الإتفاق المتعدد الأطراف AMI.- وفي ظل هذه الشروط تواجه الشريحة البيروقراطية المدنية منها على الخصوص والمرتبطة بوزارة الداخلية أوضاعا جديدة لم يتم التحكم فيها لحد الآن.

لقد سبقت الإشارة إلى أن الشريحة البيروقراطية داخل الكتلة الطبقية السائدة قد اعتمدت في تراكمها الرأسمالي على مواقعها في أجهزة الدولة عن طريق النهب والرشوة والصفقات التجارية وصفقات التعاقد من الباطن والإختلاس... إلخ. وبرزت منذ أواسط السبعينات-وأكثر فأكثر طيلة الثمانينات- كوسيط يستفيد من الصفقات الكبرى والتفويتات والإستثمارات حيث تعمل من مواقع نفوذها داخل جهاز الدولة على الإستحواذ على الصفقات وقرصنة التفويتات وفرض الشروط الإبتزازية على الإستثمارات. إن هذه الوضعية الإمتيازية للتراكم الرأسمالي تصطدم اليوم بالشروط الجديدة التي يفرضها الرأسمالي الإحتكاري العالمي والمعتمدة على استراتيجية المنافسة المفتوحة بدل مواقع الامتياز التقليدية التي ظلت الدولة المخزنية توفرها.

ففي تقريره الشهير –الصادر عام 1995- توجه البنك العالمي مباشرة بالنقد لهذه الشريحة واعتبرها المعرقل الأساسي لتنمية/المنافسة وطالب بإصلاحات إدارية خاصة بالنسبة لوزارة تشكل رأس الرمح في تأمين التراكم الرأسمالي لفئة البيروقراطية المدنية. ومن المعلوم أيضا أن أنشطتها قد تنوعت و توسعت سياسيا و إداريا و اقتصاديا وإيديولوجيا مما مكنها من منافذ قوية للتراكم الرأسمالي.وقد شكلت أداة و عصا النظام السياسي برمته في فرض استبداده و دكتاتوريته وتامين شروط التراكم الرأسمالي للكتلة الطبقية السائدة برمتها وفي مقدمتها الفئة الإحتكارية.

إن مطلب إصلاح الإدارة و طلب رأس وزارة الداخلية من طرف البنك العالمي لم يكن أبدا-

بالنسبة للرأسمال العالمي – مسألة تعزيز أو إقرار حقوق الإنسان أو دولة الحق و القانون أو الديمقراطية, بل الهدف منه إزاحة إحدى العراقيل التي تقف في وجه التطبيق الكامل لبرنامج التنافسية و التسريع بخطواته. ولهذا بالذات ترفع شعارات و مطالب من قبيل "الشباك الوحيد للاستثمار" وإصلاح القضاء خدمة للإستثمار... إلى غير ذلك من الشعارات التي لو وجدت طريقها نحو التطبيق ستضيق من مصادر التراكم الرأسمالي.





-III في الأزمة المفتوحة لديمقراطية الواجهة



1) يمثل النظام المخزني مصالح الكثلة الطبقية السائدة والأداة الجبارة التي تفرض سيادة نظام الرأسمالية التبعية الجاثم على صدر شعبنا. ومن خلاله تمارس الكثلة الطبقية السائدة, من جهة, دكتاتوريتها على الطبقات الكادحة وعموم الجماهير الشعبية, ومن جهة ثانية تضمن بواسطته التراكم الرأسمالي وتطوره وترعاه عبر سياساتها اللاوطنية اللادمقراطية واللاشعبية.

إن للنظام المخزني بهذا التحديد مضمون طبقي وتاريخي لا يمكن أن تحجبه مختلف الإديلوجيات الليبرالية الحداثية التي تعمل على إبرازه كبقايا وإرث سياسي وإديلوجي لمغرب ما قبل القرنين االتاسع عشر والعشرين, أو تلك التي تعتبره جهازا فوق الطبقات أو صانعا لها. فالنظام المخزني الحالي هو حصيلة مرحلة تاريخية من تركز وسيادة الرأسمالية التبعية وتشكل وهيمنة وسيادة الكتلة الطبقية السائدة. وتمتد هذه المرحلة منذ بداية تشكل الرأسمالية التبعية والإفرازات الأولى للكتلة الطبقية السائدة وذلك ابتداءا من أواخر القرن 19 ومرورا بالمرحلة الكولونيالية (1956-1912) ومرحلة الاستعمار الجديد المستمرة من الاستقلال الشكلي.

إن استمرار الإديلوجية المخزنية كإسمنت للسلطة السياسية يجد تفسيره في طبيعة الرأسمالية التبعية نفسها التي تدمج وتحافظ على أنماط وأشكال إنتاج وإديولوجيات ما قبل رأسمالية ضمن بقاء الهيمنة لنمط الإنتاج الرأسمالي وضرورات تراكمه.

فالرأسمالية في المغرب لم تنشأ نتيجة دينامية ثورية لقوى وعلاقات الإنتاج الداخلية, بل نشأت وتدعمت وتركزت بفعل التطور الرأسمالي الإحتكاري العالمي واتجاهه إلى إخضاع الشعوب وإدماج التشكيلات الاجتماعية-الاقتصاية للبلدان المستعمرة بشكل تبعي, وفي إطار هذه الصيرورة نفسها- صيرورة تشكل وتركز وسيادة الرأسمالية التبعية- شكل النظام المخزني أداة طبقية لخدمة وتأمين التراكم الرأسمالي للطبقات السائدة, والجهاز القوي لتعميم وتوسيع نظام الرأسمالية التبعية باضطراد.

إن نظام الحكم الملكي الفردي المخزني المطلق ليس, إذن, تقليديا موروثا كما يروج لذلك أعداء التحليل الطبقي الذين يستخلصون عن تحليلهم المثالي مهمة تحديثه حتى يتطابق مع روح العصر. إن نظام الحكم المخزني هو الشكل (بمفهوم الأداة) الأساسي الذي أسندت إليه صيرورة عملية التراكم الرأسمالي التبعي والإسمنت القوي الذي يلحم الكتلة الطبقية السائدة ويشرعن سيادتها من الناحيتين السياسية والإديلوجية.

تعاني الدولة المخزنية ونظام حكمها الفردي في المرحلة الراهنة من أزمة مركبة وعميقة, يمكن أن تحاصر أو تلتف على مضاعفاتها وتجد لها الحلول الترقيعية القصيرة المدى, لكنها عاجزة كلية عن تجاوز هذه الأزمة وإيجاد الحلول الجذرية والإستراتيجية لها. إن ذلك يطرح من جهة, ضرورة طرح البديل التقدمي التاريخي للدولة المخزنية ولنظام حكمها الفردي والمتمثل في نظام الديمقراطية الشعبية المبني على مبدأ كل السلطة للشعب وعلى المفهوم الشمولي للديمقراطية, ومن جهة ثانية ودون أدنى تعارض بالنسبة لنا كثوريين, الاستفادة من هذه الأزمة لانتزاع مكاسب ديمقراطية لتقوية ولحم حركة الجماهير الكادحة, تنظيميا وسياسيا وإديلوجيا بأفق انتصار الثورة الإشتراكية.

2) إن اختناق ديمقراطية الواجهة الممسوخة المنتهجة منذ أواسط السبعينات يشهد على الازمة السياسية للنظام, ذلك أن كل الروتوشات التي أريد بها الالتفاف على انفجار دمقراطية الواجهة والنفخ فيها لإعطائها نفسا جديدا, قد باءت بالفشل الذريع أو هي في طريقها إلى ذلك, فلا الإصلاحات الدستورية لعامي 1992 و 1994 ولا إنشاء المجالس الاستشارية المختلفة ولا التعديلات التي مست عددا من القوانين ولا صيغة التناوب التوافقي, ولا التغيير في رأس هرم السلطة ولا تغيير بعض وجوه البيروقراطية النافذة... لا هذا ولا ذاك قد استطاع أن يوقف مد وامتداد الأزمة السياسية للنظام والمشخصة في استمرار اختناق ديمقراطية الواجهة التي يعتمدها.

لقد تم اعتماد ديمقراطية الواجهة منذ أواسط السبعينات كصيغة لاحتواء التناقضات الداخلية للنظام المخزني (انقلابي الصخيرات و 16 غشت/من جهة ولتغطية تصفية واجتثاث القوى الجذرية والثورية وفي طليعتها الحركة الماركسية اللينينية من جهة ثانية, ولدعم الاتجاهات الاصلاحية للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة داخل الأحزاب الوطنية على حساب الاتجاهات الراديكالية وإدماجها من موقع ذيلي في لعبة الواجهة الديمقراطية المخزنية حتى يضمن لهذه الأخيرة أوسع ما يمكن من الشرعية, من جهة ثالثة. ولقد استندت ديمقراطية الواجهة على الدور السياسي المركزي لوزارة الداخلية, حيث لعبت هذه الأخيرة أدوارا استراتيجية في اتجاهات ثلاثة مترابطة:

أ‌- القمع البوليسي الرهيب للنضالات الشعبية المنظمة والعفوية وللقوى المناضلة.

ب‌- الاحتواء للنخب وأحزاب البرجوازية الصغيرة والمتوسطة.

ج- صنع ورعاية المهازل عبر تفريخ أحزاب سياسية وهندسة الخريطة الانتخابية.

3) لقد تضافرت عدة عوامل أدت منذ نهاية الثمانينات إلى اختناق ديمقراطية الواجهة, نجملها بتركيز فيما يلي:

أ- حملت ديمقراطية الواجهة معها تناقضها الأساسي الذي يظل يحاصرها ويجعلها هشة غير قابلة للسيادة إلا باللجوء للقمع المتواصل والحرب الاستنزافية التي لم تنقطع ضد أوسع الجماهير الشعبية. فديمقراطية الواجهة لم يكن هامش لعبتها مفتوحا إلا في وجه القوى السياسية التي انخرطت في هذه اللعبة من موقع ذيلي وفي غاية الضعف والهشاشة على قاعدة أوهام إمكانية انطلاق مسلسل ديمقراطي في المغرب, ينهي حرب الاستبداد السائدة طيلة الستينات وبداية السبعينات. وقد التفت وباركت هذه القوى ديمقراطية الواجهة انطلاقا من اديلوجيتها الوطنية الزائفة بهدف تدعيم "الجبهة الداخلية" و" الاجماع الوطني" حول الصحراء.

أما الطبقات الشعبية والكادحة منها على الخصوص فقد تمت مواصلة إبادة الشروط الدنيا لعيشها والدوس على كرامتها والخنق الفظيع لحريتها الديمقراطية الأساسية. وبينما كانت القوى المنخرطة والمدعمة لديمقراطية الواجهة تلهث وتجتهد في إبراز المغرب "كجزيرة للحرية في بحر العالم العربي المظلم" ظلت الجماهير الشعبية ترزح تحت نير الإرهاب البوايسي اليومي والاستنزاف الذي سيعرف نقلة حاسمة إثر الانتقال لتطبيق سياسات التقويم الهيكلي السيئة الذكر في بداية الثمانينات, وليست الإنتفاضات الشعبية العارمة لسنوات81, 84 و 90 إلا إحدى أبرز محطات الصراع المرير الذي خاضه الكادحون في ظل سيادة ديمقراطية الواجهة الممسوخة.

ت‌- لعبت الكفاحات البطولية للقوى الجذرية, وفي مقدمتها الحركة الماركيسية- اللينينية وامتداداتها دورا سياسيا وإديلوجيا عظيما ومشرفا وتاريخيا في فضح وتعرية ديمقراطية الواجهة كإطار لمواصلة التراكم الرأسمالي التبعي والطفيلي للكتلة الطبقية السائدة بقيادة نظام الحكم المخزني المطلق. وشكلت تلك المواقف الشجاعة دعامة الصمود للشبيبة التعليمية في وجه القمع الأسود الذي تم تسليطه ضد أبسط حقوقهما في التعبير والتنظيم طيلة السبعينات والثمانينات. كما عبدت –تلك المواقف- الطريق نحو بروز وتشكل وعي ديمقراطي جذري جديد, سينضج في معمعان معركة الصراع ضد ديمقراطية الواجهة بالذات. هكذا سيتم إنضاج شروط بروز حركة حقوقية فعالة منذ نهاية الثمانينات ولازالت امتداداتها وتطوراتها ظاهرة في الساحة الحقوقية والسياسية. هذا بالإضافة إلى حركة عائلات معتقلي الحركة الماركسية اللينينيين والدور الطيعي الذي لعبه صمود ومواقف المعتقلين السياسيين في هذا الشأن وتأثيره الحاسم في الرأي العام الديمقراطي الخارجي.

ج- مع نهاية الثمانينات كانت الشروط الداخلية ناضجة أكثر لاستقبال تحولات الصراع العالمي ومستجداتها.

وقد تميزت هذه المرحلة المعقدة بتنامي حركات المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان على الصعيد العالمي, وكان للقيادة السوفياتية في بداية الأمر السبق في إطلاقها تحت شعارات البروسترويكا والسلم العالمي ونظام عالمي جديد... إلخ.. إلا أن الامبريالية سرعان ما ستتمكن من الالتفاف على هذا التحول وإجهاضه وتحويل مجراه في اتجاه رجعي لخدمة أهداف الشركات المتعددة الاستيطان وبناء النظام العالمي الجديد السائد حاليا بكل ما يجره من ويلات على الشعوب والكادحين. وقد ساهمت القيادات البروقراطية المتفسخة والمرتدة داخل البلدان الإشتراكية وكذا القيادات البرجوازية المهيمنة على الحركات الجماهيرية والشعبية في بلدان التشكيلات الاجتماعية –الاقتصادية التابعة, في إفشال المد النضالي بسبب نفسها القصير وأوهامها وتوافقاتها الطبقية مع البرجوازيات الكمبرادورية ورأسمالية الدولة.

وفي المغرب, بدأت ديمقراطية الواجهة تلفظ أنفاسها في نهاية الثمانينات, نتيجة توفر شرط خارجي ضاغط بقوة مما مكن من انبحاث حركة جماهيرية قوية. مست وجرفت مختلف الطبقات والفئات الشعبية, والتي تصدر شعار الديمقراطية مطالبها, غير أن استرجاع البادرة من طرف الإمبريالية وهيمنة الخط البرجوازي الاستسلامي والمستعد دوما للمساومات والتوفقات, حول النظام من موقع دفاعي إلى موقع المبادر في البحث عن نفس جديد للنفخ مجددا في ديمقراطية الواجهة وطيلة الفترة الفاصلة ما بين 92 و 96, ظلت المقاومة داخل أحزاب الكتلة الديمقراطية متواصلة إلى أن تم تكسيرها في 13 شتنبر 1996 بالتصويت لصالح الدستور الجديد/ القديم, ليتم تدشين مرحلة نفخ جديدة في ديمقراطية الواجهة وتتويجها بحكومة التناوب في بداية عام 1998.

4- والآن هل استطاعت ديمقراطية الواجهة في شكلها الجديد (التناوب) أن تخرج النظام المخزني من أزمة هيمنته السياسية؟ نعم على المدى القريب ولا طبعا على المدى المتوسط والبعيد إذ ستظل هذه الأزمة مفتوحة رغم الروتوشات التي لن يكون لها إلا مفعولا مؤقتا وعلى المدى القصير لماذا؟.

أ‌- إن هشاشة ديمقراطية الواجهة المتجسدة في المرحلة الراهنة في صيغة "التناوب المخزني" ترجع في المقام الأول إلى عجزها البنيوي عن تجاوز التناقض الرئيسي لنظام الرأسمالية التبعية. ذلك أن لديمقراطية الواجهة في صيغتها الحالية وظيفة أساسية تتمثل في توفير الغطاء السياسي والإديلوجي والمؤسساتي لعملية التراكم الرأسمالي التبعي في الطور الراهن من تطور الرأسمال العالمي ومتطلباته. ولأن عملية التراكم الرأسمالي الراهن – عالميا, تؤدي إلى اشتداد التفاوتات الإجتماعية واحتداد التناقضات الطبقية وتعميق أزمة التشكيلات الاجتماعية- الاقتصادية التابعة, ولان عملية الإخضاع الجديدة لهذه التشكيلة الاجتماعية التابعة, تغني وتنتج وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لأوسع الجماهير الشعبية, فإن "صمود" ديمقراطية الواجهة الحالية, واستمرارها يبقى رهينا بتوفر شرط أساسي لا محيد ولا بديل عنه, ألا وهو استكانة الطبقات والفئات الشعبية واستسلامها وخضوعها ووقف أي مقاومة لديها, أي فرض شروط استسلام اجتماعي وظيفي شامل, حيث يعزو المقهورون قدرهم إلى قوى الغيب. أما أن ترفض هذه الأوضاع وتستمر في النضال والتصدي لها, فإن النتيجة المباشرة لذلك هي انفضاح هشاشة ديمقراطية الواجهة وتعرية طابعها الطبقي والإعلان عن تأكلها وتساقطها تحت تأثير النضال الجماهيري.

ب‌- إن التناقضات الثانوية المخترقة للكثلة الطبقية السائدة, تعمق الطابع الهش والمتأزم لديمقراطية الواجهة الحالية, وإذا علمنا أن الاستمرارية هي سمة أساسية من سمات هذه التناقضات, حيث لا حل جذري في الأفق لها, فإن انعكاس هذه التناقضات على ديمقراطية الواجهة سيكون له أثره الفعلي, وليس هذا كلام تنبؤات بل إن الواقع الحالي أكذ ذلك وما يزال في أكثر من مرة ومحطة.

- ما قبل تنصيب حكومة التناوب وبعد تعيينها, وحتى ما بعد إقالة البصري لا تزال تلك التناقضات تعتمد داخل الكتلة الطبقية السائدة. إن الفئة الاحتكارية المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة, لا تزال عاجزة عن إيجاد مخرج ناجح يضبط تلك التناقضات الداخلية.

ج‌- إن هشاشة ديمقراطية الواجهة الراهنة ترجع أيضا إلى أن استدراج القيادة السياسية للكتلة الديمقراطية, لا يعني إيجاد مخرج مريح لأزمة البرجوازية المتوسطة الناتجة عن هيمنة بنية كمبرا دورية إمبريالية. بل إن أزمتها تلك ستتقوى في ظل التراكم الرأسمالي الذي يفرضه الطور الإمبريالي الراهن, وإذا كانت فئات البرجوازية المتوسطة عموما قد ابتهجت للتناوب فلأنها رأت فيه إمكانية تقزيم دور الفئة البيروقراطية, غير أن ذلك لن يجنبها الضربات القوية للرأسمال الاحتكاري المحلي والعالمي وسيعمق أزمتها الحالية, خاصة مع تطبيق مقتضيات اتفاقية التبادل الحر, حيث ستختنق أكثر فأكثر منافذ تراكمها الرأسمالي.



فؤاد الهلالي



#فؤاد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد الهلالي - في الوضع السياسي الراهن