|
الوضع الاعتباري للكاتب
ليلى الدروب
الحوار المتمدن-العدد: 6510 - 2020 / 3 / 10 - 09:03
المحور:
الادب والفن
يشغَل الكاتب في مجتمعنا وضعاً اعتبارياً استثنائيا مقارنة مع المهن الأخرى. بل ومقارنة بأنداده في المجتمعات الغابرة. الكتابة في مجتمعاتنا الحديثة ليست مهنة قارة يمكن للفرد أن يرتزق بها. هذا الأخير قد يكون أستاذا أو طبيباً أو مهندسا أو بحارا الخ. ولكن لايمكن أن تكون مهنته كَاتِب، أي شاعر أو روائي أو كاتب قصة. هذه ليست مهنا بالمعنى الدقيق للكلمة. فالكاتب يستعين بالكتابة لا لكي يعيش بها، بل تتحول الى ضرب من الهواية التي لا تؤمن مصدرا للعيش والحياة. ذلك أن من يعيشون بالكتابة هم حالات نادرة. الكتابة ضرب من "الطفيليات" الثقافية. كما ترى ذلك الطبقات السائدة. يقول أوكتَابْيُو بَاثْ Octavio Paz : "يؤكد البيان الشيوعي، لمارْكسْ، "أن البورجوازية قد جعلت من الطبيب والمحامي والراهب ورجل العلم خداماً مأجورين". إن هذا صحيح ولكم مع استثناء وهو أن البورجوازية قد أغلقت خزائنها في وجه الشعراء، فهم ليسوا لا خداما ولا مهرجين: إنهم منبوذون وصعاليك وكائنات خرافية" . ما ينطبق على الشعراء ينطبق على الكتاب برمتهم. ولهذا فإن الكتاب يشكلون شبه طبقة، إن لم تكن في مجملها في المعارضة، فهي ليست مع السلطة. والحقيقة أن اتساع رقعة الكتابة تزامن مع انتشار الصحافة واختراع الطباعة وظهور طبقة متوسطة تفيض على استيعابها ضمن الطبقة الموالية للسلطة. إنها طبقة منبوذة حقاً. فلكي تكتب في مجتمعاتنا ينبغي أن تكون حائزا قدرا من الثقافة وقدرا من وسيلة تأمين العيش، غير الكريم على كل حال. لهذا لا نستغرب أن يكون الكثير من هذه الفئة ممن ذاقوا لا مرارة العيش فقط بل مرارة الاعتقالات والقهر والصدود. الأمثلة عندنا معروفة : محمد الماغوط وأحمد مطر والمجاطي وحنا مينة وغيرهم كثير. وحتى حينما يكون الكاتب ميسور الحال لا يجد له مكانا بسبب غياب القارىء. إن هناك هوة شاسعة بين الكتابة و التلقي .ولاأدل على ذلك ما يواجهه المبدع من صعوبة في تسويق كتبه . ان الأمر مخز. ويختلف الوضع لما نعهده في المجتمعات التقليدية القديمة فالشعراء والأدباء والكتاب كانوا يعيشون عالة على البلاطات والأمراء. كانت حياتهم مؤمنة بسبب هذا فقصيدة واحدة تتضمن مدحا قد تدر على صاحبها الأموال طائلة. لا نستغرب بعد هذا أن يكون أغلب الشعراء. بل لا نستغرب أن يكون أغلب شعرنا من المدح لنيل العطايا أو في الهجاء بسبب عدم نيلها. حاليا هذا لا يحدث. الشاعر أو الكاتب يعيش أو يمكن أن يعيش كما أشرنا سابقا من ذلك النزر اليسير مما يناله من نشر أعماله إن وفِّق في ذلك. إن قراءه ليسوا أهل السلطة والجاه بل الفئات المتوسطة والدنيا من الشعب. وهؤلاء لا يقتنون أعمال الكتاب لمجرد الاستمتاع بل في الكثير يقتنونها لأنها تفصح عن همومهم ورؤاهم للحياة والعالم، الذي يشتهونه في شكل صيغة إنسانية يتحقق فيها قدر من العدالة الاجتماعية. إن السلطة ماكرة إلى حد أنها كثيراً ما حاولت استقطاب فئة من هؤلاء الكتاب وتطويعها تطويعا ممنهجا خدمة لأجهزتها الإعلامية خاصة كصحفيين وكتاب أعمدة لترويج للإيديولوجية السائدة. إلا أن خطاب هؤلاء لا يفقد المصداقية الفكرية فقط، بل يفقد دفء الكلمة الحرة... وعلى الرغم من أن الكتابة في جوهرها تجسيد للتوق الأسطوري للإنسانية نحو الانعتاق والتحرر من كل القيود التي تكبلها فهي تظل محتلة للهامش ولا تنزاح عنه لا في حالات نادرة جدا .. انظروا إلى الأدب المغربي ، الشعر والرواية والقصة القصيرة بل وحتى النقد، محمد شكري ومحمد وزفزاف ومحمد خير الدين وأحمد المجاطي وكثيرون غيرهم حرصوا على تقديم اجتهادات كثيرة جعلت منهم يحتلون درجة عالية من الابداع لكن نتفاجأ أحيانا بأن هذه الأسماءلا تنال المكانة التي تستحقها . بل نصادف الكثير من المبدعين يشتكون من من الاهمال الذي يطالهم بفعل الشلليى التي يخضع لها العمل الثقافي أو غياب الدعم ،كل هذا يفقد الكاتب مكانته الاعتبارية التي تليق به ...
#ليلى_الدروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزمن المفتوح على.. العدم!
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|