|
سأتخلص من كل من لا يشبهني
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 6509 - 2020 / 3 / 9 - 12:29
المحور:
كتابات ساخرة
مع بدء انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فتحتُ حسابا على "فيسبوك" لأشرح على صفحتي أفكاري العظيمة، وآخر على "تويتر" للإعلان عن مواقفي الحاسمة من الأحداث، وآخر على "أنستغرام" لنشر صوري الجميلة.. ولأني دائما على صواب، وأتمسك برأيي مهما كان الثمن، لا أقبل أن يتهمني أحد بالتورم الذاتي، أو بالغرور..
صرتُ أقبل أي طلب صداقة، حتى امتلأت المساحة المخصصة لعدد الأصدقاء، ثم فاضت بالمتابعين.. وكنتُ إذا قرأتُ منشورا لأي شخص، لا بد أن أدلي برأيي، وغالبا ما كنت أعترض، وأسخّف الرأي الآخر.. فقد اكتشفت أن معظم الناس سطحيين (قبل أن يكتشف ذلك أحد المستشارين)، ثم صرتُ أضيق ذرعا بالآراء المخالفة، وصارت الشاشة الزرقاء ساحة حرب ضروس، أخوضها بكل انفعال على جبهات متعددة..
الموضوع لا يحتمل المزاح، وهذه المرحلة ليست للاجتهادات المترفة، ولا يجوز لي أن أترك الساحة للغوغاء والمضللين والجهلة.. وهكذا تصاعدت حربي مع كثير من الأصدقاء المفترضين، حتى صارت مصدر قلق وكآبة..
قررت أن أتخلص من كل من لا يعجبني، كل من اعتبرته جاهلا، أو طابورا خامسا، أو عميلا، أو سحيجا، أو منفذا لأجندات خارجية، أو مطبعا، أو مستشرقا.. هؤلاء جميعا لا يجوز الاكتفاء بعمل بلوك عليهم، بل يجب فضحهم، ومقاطعتهم، حتى أن بعضهم يستحقون السجن المؤبد، أو الإعدام.. ذلك، حتى نحصن جبهتنا الداخلية، ونبني مجتمعنا النقي الطاهر..
لم يلزمني وقت طويل في البحث والتفكير والتأمل، فسرعان ما تبين لي الصادق من الكاذب، وبسهولة فائقة ميزت بين الوطني والخائن، وبين المؤمن والكافر.. فمن كان مع النظام السوري، فهو حتما دموي ومستبد.. ومن كان مع المعارضة فهو داعشي أو أمريكي، ومن لزم الحياد والصمت فهو سلبي وجبان..
من كان مع قطر، فهو عميل للصهيونية، وربما جاسوسا لقاعدة العيديد الأمريكية، ومن كان مع الإمارات فهو شريك في التطبيع، ومع صفقة القرن، وربما يكون دحلانيا، ومن كان مع السعودية، فهو شريك في قتل أطفال اليمن وتجويعهم.. ومن كان ضد دول الخليج عامة، فهو يتنكر للمساعدات التي قدموها، ويضرب العلاقات الأخوية مع دولٍ طالما دعمت الفلسطينيين، ويساهم في تعميق كراهية تلك الشعوب للفلسطينيين.. ومن كان مؤيدا لها فهو منتفع، وانتهازي، ومتواطئ..
ومن كان مع تركيا، فهو عدو للعروبة، أو إخونجي، ومن أيد نموذج أردوغان كتجربة إسلامية، فهو علماني فاسق، لا يفقه الإسلام، ومن رفض تجربته في الحكم فهو متخلف ومتشدد..
من كان مع إيران فهو مجوسي، شيعي، ومن الروافض.. ومن كان معارضا لها، فهو عدو لمحور المقاومة، ويقف إلى جانب محور الانبطاح والاستسلام، ومن النواصب.. من أيد حزب الله فهو دموي فاشي طائفي.. ومن عارضه فهو انهزامي وجبان..
من أيد مرسي، فهو إخواني، ظلامي، رجعي.. ومن عارضه فهو فلول، ومن مخلفات الدولة العميقة، وربما كان من الكفرة والمضللين.. ومن أيد السيسي فهو انقلابي، مستبد.. ومن عارضه فهو إرهابي، وداعم للجماعات السلفية في سيناء.. من أيد كامب ديفيد فهو استسلامي خائن، ومن عارضها فهو غير واقعي، وطوباوي، ولا يريد الخير لمصر..
من انتمى لفتح، أو أيد السلطة الوطنية، فهو مجرد موظف منتفع، أو سحيج، أو فاسد، ويقدس التنسيق الأمني.. ومن عارضها فهو يريد تدمير المشروع الوطني، ويعمل لأجندات خارجية، واحتمال أن يكون حمساويا..
من أيد حماس فهو انقلابي، يعمل على تأبيد الانقسام، وهو بالتأكيد رجعي وظلامي، ولا تهمه فلسطين.. ومن عارضها، فهو فاسق، وعدو للإسلام، وربما يكون كافرا، أو خائنا، وبالتأكيد من جماعة التنسيق الأمني..
من يوافق على حل الدولتين، فهو مطبع، ومتورط في بيع فلسطين، وخائن لدماء الشهداء.. ومن يرفضه فهو خارج العصر، ولا يفهم في السياسة، وليس واقعيا، ويريد جر الفلسطينيين إلى حرب مفتوحة خاسرة حتما مع عدو متفوق ومدجج بالسلاح..
من يؤمن بالسلام فهو استسلامي انهزامي جبان، متنازل عن فلسطين التاريخية.. ومن يرفض السلام، فهو عدمي، لا إنساني، وعنصري، ونازي، ويريد قتل كل اليهود، وإلقائهم في البحر..
أي فنان، أو أديب أو فريق رياضي يزور فلسطين، ويشارك في فعاليات معينة تحت حراب الاحتلال فهو مطبع، وعدو للفلسطينيين.. وكل من يرفض زيارة فلسطين، فهو تطهري، نرجسي، متخاذل، وليس صديقا للفلسطينيين، ولا يؤيد قضيتهم..
كل جماعات الإسلام السياسي متخلفين، ظلاميين، سلفيين، رجعيين، إرهابيين، يعيشون في التاريخ، منفصلين عن الحاضر، ويريدون تدمير المستقبل.. وكل من ينتقد الإسلام السياسي، فهو فاسق، عدو للإسلام، ماسوني، جاسوس أمريكي، مضلَّل، علماني.. كل اليساريين شيوعيين كفرة.. وكل اليمينيين إمبرياليين، رجعيين، يمثلون البرجوازية العفنة..
من أيد "سيداو" فهو بلا شرف، ويريد تفتيت المجتمع، وتسويق ثقافة الغرب.. ومن يرفضها فهو متخلف، متزمت، ماضوي..
جماعة القصيدة النثرية، متآمرون على اللغة، وضد الأصالة.. جماعة الشعر العامودي، لا يتذوقون الجمال، ولا يؤمنون بالحداثة..
من تدخل في أزمة حسن شاكوش فهو فضولي متطفل.. ومن لم يحدد موقفا فهو زئبقي، منافق..
وهكذا، بعد فترة قصيرة، كنت قد تخلصت من كل من لم يعجبني، ومن كل من لا يشبهني، وحذفت الآلاف من المطبعين والخونة والانهزاميين والرجعيين والكفرة.. وفي الحقيقة لم يتبق لي صديق واحد..
هذا لا يضرني، فأنا سأظل متمسكا بمبادئي، رافضا أي تنازل، ولن أكون تابعا لأحد، ولا جزءا من قطيع أغنام، ولن أنزل إلى مستوى الدهماء والغوغاء، ولن أكون جزءا من النخب والإيليت، وأدعياء الثقافة..
هذا لأني متميز.. جدا، أو يمكنني القول أنّي العبقري الوحيد في العالم.. كيف لا، وقد طورت نظريتي الخاصة منذ كنت طالبا في المدرسة، ولم يدهشني أن آرائي كانت دوما دقيقة، وأني أستشرف المستقبل أفضل من زرقاء اليمامة، وأعرف مجاهل التاريخ أكثر من هيرودوت نفسه، وأحلل الواقع أعمق من كل المحللين الذين يظهرون على الشاشات.. أنا الخبير الإستراتيجي في كل شيء.. أنا النقي الطاهر.. أنا وحدي من سيدخل الجنة، ربما أشفع لكم يوم القيامة أيها الأوباش الرعاع السطحيين.. وربما لا أفعل، فأترككم لجهنم وبئس المصير..
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منشأ العنف والتطرف؟
-
البشير والإخوان المسلمين
-
الدولة المقدسة
-
مشروع نهر الكونغو
-
العقل السياسي العربي
-
ما بعد الصهيونية
-
فلسطين الكنعانية
-
في وداع محمد شحرور
-
مسلسل SEE
-
لغتنا الجميلة
-
متى، وكيف نشأت الأمة العربية؟
-
1990~1994 سنوات الجمر والحسم
-
من أنا؟
-
الخوف
-
اعتذار عائض القرني
-
تايه، رواية فلسطينية للأديب صافي صافي
-
عن اليسار العالمي والعربي
-
أربعة أخطاء في نظامنا التعليمي
-
الحرب الطاحنة بين أمريكا والصين
-
بريطانيا بين زمنين
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|