|
التطور التاريخي للنسوية : قراءة نقدية للهيمنة الذكورية
احمد زكرد
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 21:09
المحور:
ملف 8 آذار/مارس يوم المرأة العالمي 2020 - مكانة ودور المرأة في الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي.
لا ريب أن قضية المرأة أو الحديث عنها يثير جدلا كبيرا، لذا فغايتنا من هذه الورقة أن نفسر بقدر المستطاع من التوضيح المبدأ الذي ينظم العلاقات الاجتماعية بين الجنسين ويجعل خضوع أحد الجنسين للآخر عملا مشروعا، وذلك وفق تأصيل تاريخي لهذه القضية؛ باعتبار فكرة اللامساواة متأصلة الجذور في المخيال البشري ومعززة بترسانة من القوانين؛ لأن القوانين ليست سوى تلخيص للأوضاع الاجتماعية، هذا سيجعل مناقشة هذا الموضوع صعب لأن دحض الأفكار السائدة في المجتمع يهز أسس الاعتقاد الاجتماعي أو الهابتوس بلغة بورديو. أكيد ان إحساس النساء بالظلم والحيف ولد لديهن الحقد والضغينة اتجاه الرجال، ودفعهن إلى حراك اجتماعي من أجل المطالبة بالمساواة الاجتماعية، ونزع الاعتراف بهن. إذن أمام هذا النزيف الاتيقي (الأخلاقي) الذي دخلت فيه المرأة خصم للرجل، ونحن في غنا عن هذا الصراع الذي سيقود المجتمع إلى نفق ضيق. في حين نراهن على مجتمع تكون فيه المرأة فاعلة ومنفعلة وليست تابعة أو حاقدة. لذا من خلال مقالي هذا سأحاول تاريخيا تقديم نظرة نقدية للحيف الذي طال كينونة المرأة من تعتم للحقيقة والظلم الذي وضعه المجتمع الذكوري على شاكلة قوانين اجتماعية ودينية، ترى في الأنثى مجرد كائن عاجز وقاصر، وتركها تتخبط وسط معاناة نفسية جراء هذا الحيف. عندما نريد فهم أي مفهوم لا بد من تجديره؛ بمعنى العودة إلى لحظة بدء التفكير الإنساني، هنا لن نبتعد كثيرا ولكن سنقف عند أقرب لحظة مفصلية شكلت حاضرنا وأثر فيه، ألا وهي اللحظة اليونانية؛ باعتبار الفكر اليوناني هو الفكر الذي نهلت منه كل الثقافات المسيحية والإسلامية... وتماشيا مع موضوعنا سنسلط الضوء على نظرة الثقافة اليونانية للمرأة، وبالخصوص سأقف عند أنموذج أرسطو باعتبار أي فيلسوف ما هو إلا مترجم لروح عصره، اذن فأرسطو كان يترجم السائد في ثقافته آنذاك، والسائد في اليونان اتجاه المرأة هو نظرة دونية وسلبية، حيث يعتبر أن النساء أدنى مرتبة من الرجال وأن هذا التراتب هو متجذر في الطبيعة وليس ثقافيا واجتماعيا. إضافة إلى ذلك -وبما أن الإنسان ميال إلى الخلود والبقاء الأبدي ويترجم ذلك من خلال الانجاب - ففي الثقافة اليونانية منح شرف الانجاب للرجل، لكن الرجل في حاجة إلى وعاء ليحتضن الجنين، فكانت المرأة هي هذا الوعاء ويقول ارسطو: "ومن أجل هذا وجدت المرأة " وكأنها مجرد عبد يقوم بوظيفة لسيده. بالإضافة فالسائد كذلك عند الاغريق أن المرأة ناقصة من حيث العقل والأخلاق؛ يقول ارسطو في هذا الصدد: أما المرأة فهي أقل من حيث العقل والذكاء وأدنى من حيث المرتبة والمكانة معزولة تماما عن ميدان السياسة ومستبعدة من الميدان الثقافي. " هذا يعني أن المرأة كانت درجة ثانية من البشر بتعبير نيتشه، وهذا نجده اليوم في الكثير من الثقافات من بينها الإسلام. فنفس الخطاب ما فتئ يحضر. الوقت لن يسنح لنا لنعرض كل جوانب النظرة الاغريقية للمرأة ولكن شكلنا صورة بانورامية عن ذلك؛ فنحن وفي عملية التقصي هاته نريد تأثيل الأفكار التي تستوعبنا اليوم والتي تشكل مقدسا بالنسبة لنا في محاولة للمصالحة مع ذواتنا وإعادة الاعتبار لها من خلال تخليصها من حمولة المورث الثقافي. إذن هذه النظرة الذكورية الاستعلائية التي خيمة على الفضاء اليوناني وعتمة الحقيقة، سنحاول نزع حجاب الجهل على البعض من جوانبها: أولا يجب أن نشير إلى أن تلك المرتبة الدونية التي وضعت فيها المرأة عند الإغريق ليست نتاج أساس طبيعي كما ادعى ذلك ارسطو، وإنما – حسب الكثر من الدارسات الأنثروبولوجيا - تعود إلى أساس ثقافي واجتماعي، وهنا قد نتطرق إلى قضية الجندر أو الجنوسية بأن تحديد النوع لا يرتبط ارتباطا خالصا بما هو بيولوجي وإنما يلعب الدور الثقافي ( التنشئة الاجتماعية) جزءا كبير منه. وحتى نتمكن من دحض فكرة اليونان عن المرأة دعونا إن شئتم، أن نعود إلى جذور الجذور؛ أي قبل اليونان إلى المجتمعات البدائية ما قبل الزراعية، فجميع الانثروبولوجين اتقفوا بأن النظام الاجتماعي السائد آنذاك هو الأميسي أو الماطريكا وهو نظام كانت فيه سيطرة الأم وتسيرها للاقتصاد وللمجتمع، واثبتت الدراسات أن في ظل النظام الأميسي كان كل الأفراد محترمين. لكن لن تستمر هذه الفترة طويلا فمع تطور المجتمعات البدائية وظهور الزراعة أصبحت الحاجة إلى العمل في الحقل تفرض ذاتها، وهنا كان المجتمع يحتاج لمن يعمل في الحقل (الفضاء العام) ومن يعمل في المنزل (الفضاء الخاص)، في ظل هذا ثم توزيع الأدوار، وربما المعيار الذي اتخذ هو معيار البنية الجسدية؛ الأم اهتمت بالمنزل بما فيها من تربية وطهي الطعام. في حين الرجل اهتم بالحقل والدفاع عنه من الحيوانات وكذلك من اللصوص، ومنه أصبح الرجل هو حامي الأسرة والمعيل الاقتصادي. هنا ظهر التقسيم الجنسي للعمل الذي يقصي المرأة من فضاء العمل ويجعلها مجرد تابعة للرجل، وستبدأ عملية ظهور نظام اجتماعي جديد وهو النظام الأبيسي أو الباطريكا؛ أي سيطرة الرجل وأصبح الأبناء وكذلك الزوجة في حوزة الرجل، يقول أريك فروم موضحا ذلك في كتابه " حب الحياة ": " في النظام الأبيسي كانت الزوجة والأطفال ملكا للأب تماما كالعبيد والماشية وكان باستطاعته عمل ما يريد بها " وكذلك انتوني كيدنز يوضح أن السيطرة على وسائل العنف أصبحت في أيدي الرجال، غير أنه يشير إلى أن هذا العنف بالأساس موجه من الرجال نحو الرجال باعتبار أن النساء من ممتلكات الرجل... وهذا اكيد تشيئ للمرأة وتجردها من خصائصا الإنسانية. هكذا وبفعل التكرار في الزمن ومن خلال ممارسة هذا العنف السيميائي (الرمزي) سيتم تكريس دونية المرأة وتزكية سيطرة الرجل، وهذا الميز لم يتوقف عند تقسيم العمل بين المجال العام والخاص بل تعداه إلى ما هو أعوص بكثير من ذلك، وهو ما تجلى من خلال بروز عدة أشكال سلطوية كبلت حرية المرأة ومنعت فكرة تجسيد المساواة. لعل أهمها ما استمر إلى يومنا هذا وهو العنف الزواجي كواقعة الاغتصاب (زواج القاصرات)و (الاكراه في الزواج). هذا ما ساهم في تعميق معاناة المرأة وجعلها تعاني العنف والقهر جراء الميز الجنسي الذي وضعة المجتمع الذكوري. إذن أمام هذا النبش التاريخي يوضح السيطرة الذكورية ويوضح ان كل ما وصلنا عن تاريخ المرأة هو مجرد افتراء وأكاذيب، قد اشير إشارة بسيطة إلى حضور الأفكار الإغريقية في الإسلام وذلك من خلال تفضيل الرجال على النساء بمعنى تفضيل الذكر على الأنثى، حيث إن الإسلام الفقهي يستند إلى قراءة أحادية الجانب تهميش المرأة، وقد انتصر الفقه الذكوري بسبب المنظومة المجتمعية والثقافية؛ التي جعلت "المرأة المخلوق الضعيف المدنس"، إضافة إلى تلازم وظيفي بين فتاوى الفقهاء والبنية الباطريكية المحصنة اجتماعيا وثقافيا ودينيا. بهذا فما وصلنا من التاريخ ما هو إلا ركام من الخلط والمغالطات، قد نعود إلى اليونان مرة أخرى ونجد في مصادر أخرى أن المرأة كان لها شـأن عظيم عكس ما يحكى لنا، فمثلا طاليس الذي يعتبر من الحكماء الأوائل يحكي لنا (دوجين اللايريكي) أن أم طاليس لها جهود في الفلسفة اليونانية، اسمها (كليوبولينا)عاشت في القرن 6 قبل الميلاد، ويحكي لنا أنها هي أول من وضعت بعض الألغاز الفلسفية، لذا كان يصفها ب"أحكم امرأة ". وكذلك الشأن بالنسبة للمدرسة الفيتاغورية التي كانت تسمح للمرأة بحضور الدروس والمحاضرات مما خلف جيل من الفيلسوفات المثقفات وانهن كتبن في الكثير من الميادين الأخلاق الأسرة الرياضيات. على رأسهم زوجه فيتاغورس (ثيانو) التي ترأست المدرسة بعد وفاته. أكيد إذا أردنا أن نعرض جميع الأسماء لن يسعنا الوقت لذلك، لذا ارتأيت أن أعرج بسرعة على أهم الأسماء على سبيل المثال وليس الحصر. ومن الاغريق سننتقل إلى مصر خصوصا إلى الإسكندرية في القرن الرابع ميلادي لنجد الفيلسوفة والرياضية والفلكية (هيباتيا) التي كتبت اسمها بالدم؛ درست الفلسفة وتعلمت الرياضيات وكذلك الفلك، وعينت أستاذة بالإسكندرية ، وانتقدت الفكر الدغمائي السائد آنذاك في بيئتها، التي كانت تستعبد النساء وتحتقرهن. لكن للأسف تعرضت للاضطهاد من جانب التعصب الديني، قتلت في صورة من الصور الأكثر بشاعة حيث جردت من ملابسها بالكامل وتم جرها إلى الكنيسة لتذبح كالشاة ويقطع جسدها إلى أشلاء ثم تحرق على مرأى الناس، كما يحكي لنا ول ديورانت في قصة الحضارة وبرتراند راسل في حكمة الغرب ، وكما صور لنا جزء من قصتها المخرج (أليخاندرو آمينابار) في فيلم أغورا. إنه حدث مأساوي لن تغفره الإنسانية، إنها امرأة تستحق كل التقدير كما يقول جورج سارتون: إن هذه المرأة العظيمة كان لها شرف مزدوج فهي أول من اشتغل بالرياضيات من النساء وهي من أوائل الذين استشهدوا في سبيل العلم ". رغم هذه المحاولات النزقة لبعض النسوة في التاريخ لإعادة المرأة لمكانتها الطبيعية، نجد دائما هيمنة ذكورية على تاريخ الفلسفة في اجحاف تام في حق المرأة؛ ففي العصر الحديث كذلك كما الشأن بالنسبة للفترة اليونانية والفترة القروسطية ، نجد على سبيل المثال الفيلسوف الإنجليزي جون لوك فقد اتجهت فلسفته الاقتصادية إلى إقصاء المرأة عن الحياة الاقتصادية ولم ترفع قيمة المرأة عن مستوى الممتلكات. كذلك بالنسبة للفيلسوف الأخلاقي إيمانويل كانط يقول: أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل، دون الحديث عن نيتشه الذي احط من مكانة وكرامة المرأة حيث اعتبرها مجرد عاهرة أو انها لا تزال في أفضل الأحوال حيوانا كالقطط والكلاب وإن ارتقت تصبح بقرة، ويقول في كتابة هكذا تكلم زردشت: "لا تدخل على المرأة إلا ومعك السوط". ونجد نفس التعبير عند أستاذه وهو المتشائم غريب الأطوار شوبنهاور يقول عن المرأة إنها حيوان بشعر طويل وأفكار قصيرة. إن هذه الصورة السيئة التي جسدها الفلاسفة عن المرأة من خلال كتاباتهم ما هي إلا نسخة مصغرة من الصورة الأصلية التي صدرها المجتمع من التقاليد والعادات عن المرأة، وهي كذلك صورة عن لوحة من لوحاتهم الخاصة التي التي تترجم تجاربهم الشخصية مع المرأة، بالتالي فهذه المواقف لا تمثل الفلسفة بقدرما تمثل نظرة خاصة للفلاسفة. لا نبرئ أحدا حتى العظماء في تاريخ الفلسفة، يقال مارتن هايدغر: "من يفكر بشكل عظيم، يجب أن يخطئ بشكل عظيم". لكن بالعودة والاستعادة دائما هناك عكس ما يحكي الرجال عن المرأة، ففي بريطانيا كانت الملكة اليزابيت حاكمتا عليها ما بين 1558 و1603 م، كانت امرأة لا يشق لها غبار في الحنكة السياسية ويحكى أنها كانت تتلقى الدروس الفلسفية على يد الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت... بعد هذا سنحاول تسليط الضوء على جزء من تاريخ المغرب القديم هنا أعود بالأساس إلى المماليك الامازيغية وننظر إلى دور المرأة آنذاك، حيث نجد للمرأة في المجتمع الأمازيغي مكانة عظيمة، إذ انها كانت تتمتع بحرية واسعة وتحظى بمكانة مشرفة، فكانت ملكة وقائدة وزعيمة ومحاربة. وقد نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر الملكة ديهيا أو تيهيا 585 - 712(يوجد حاليا لها تمثال بالجزائر) تعرف هذه الملكة بديهيا الأوراسية حكمت شمال إفريقيا وكانت ملكة وقائدة عسكرية عظيمة، قاومت الرومان وهزمتهم، وتصدت للغزو الإسلامي وانتصرت على القائد حسان بن النعمان، كما حكى ذلك ابن خلدون وقال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي: "جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون وجميع الأمازيغ لها مطيعون" انها كنت فخر للإنسانية وأنموذج المرأة الحقيقية الذي طمسه التاريخ الذكوري. وفي القرن الحادي عشر ميلادي مع الدولة المرابطين نجد مرأة لها دور كبير في التاريخ وهي زينب النفزاوية قال عنها ابن خلدون "كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرئاسة" ويحكي أنها كانت شديدة الذكاء وأنها ساعدت زوجها يوسف ابن تاشفين على وضع الكثير من الخطط السياسية والحربية ويحكي أن تصميم مدينة مراكش يعود لها. هكذا فتاريخ المغرب الضارب في القدم زاخر بالكثير من النساء اللاتي كان لهن أدوار سياسية مهمة، وإن في الخفاء، وإذا انتقلنا إلى المغرب المعاصر هنا ولآن، ورغم الجهود المبذولة التي تبذلها المنظمات الحقوقية من أجل الاعتراف بالمرأة وانزال الرجل عن تلك المكانة التي حصنها بالقوانين وخصوصا بالمقدس، نجد من الحيف والظلم ما لا يحصى بأساليب وطرائق جديدة تخضع لمنطق التطور وفق تطور المجتمعات؛ أي أن تلك الصورة السوداء للمرأة على طوال التاريخ، ما فتئت تنعكس على مجتمعاتنا المعاصرة بالقليل من التهذيب والنعومة. لكن رغم هذا فإننا نجد الكثير من الشخصيات الفكرية والسياسية تتحدى كل هذه العراقيل وتتحدى المورث الثقافي الذي يثقل كاهلنا بالكثير من الأفكار الرجعية التي لم تستطع استحضار الشرط التاريخاني بمعنى غياب القدرة على مساءلة التاريخ بقوة الحاضر، هناك نماذج عدة ترفع لهن القبعة مثلا أيقونة الفكر المغربي المعاصر التي استطاعت أن تنبثق من وسط فكر دكساوي ذكوري وهي فاطمة المرنيسي 1940 -2015 التي حملت على عاتقها قضية المرأة كقضية مركزية في أبحاثها ورواياتها، استطاعت أن تؤسس بذلك رؤية جديدة ومنفتحة في ما يتعلق بمكانة المرأة. قد نعتبر فكر المرنسي هو محاولة انسلال من المعتاد والمألوف في الخطاب المغربي وتأسيس لرؤية جديدة للمرأة والخروج من الأفق الضيق للعقل الذكوري الذي هو الآخر ضحية لموروث ثقافي، ونكتشف دلالة النضال النسوي في كل كتاباتها على سبيل المتال شهرزاد تذهب إلى الغرب وأحلام نساء الحريم. الخ و هناك الكثير من النساء كذلك المناضلات استحضر (حورية بنيس سيناصر) هي فيلسوفة مغربية ولدت سنة 1940 بالدار البيضاء عملت بجامعة السوربون بباريس وكذلك دافعت عن المرأة. كما الشأن بالنسبة سمية جسوس التي تعرف ببطلة حقوق المرأة؛ اثارت قضايا تعد طابوهات في المخيال المغربي مثل الحياة الجنسية للمرأة المغربية في كتابها المشهور" بعيدا عن العفة ". ولائحة المفكرات والفيلسوفات المغربيات -اللائي أبين ان يخضعن للسلطة الذكورية في كل تلاوينها الدينية والسياسية - طويلة وكبيرة، لا يفوتني ان استحضر المناضلة والشاعرة المراكشية سعيدة المنبهي التي ناضلت من أجل المرأة ومن أجل كرامتها وحقوقها لكنها تقتل جراء هذه الأفكار التنويرية. دائما الجهل ينتصر والزهور الجميلة التي تحمل رسالة سلام تذبل. ان الهدف من هذا الجرد التاريخي لنساء أظهرن عن قوتهم ودورهم في بناء الحاضر، لهو دحض لما وصلنا من التاريخ وتسلل إلى نصوصنا الدينية حتى تغطى برداء القداسة وأصبح من الصعب الاقراب منه، فعندما نتحدث عن المجال العربي الإسلامي المغربي خصوصا نجد هناك سنوات ضوئية بيننا وبين الحداثة بمعناها الحقيقي، لأننا لانزال نشاهد اللامساواة الجنوسية حاضرة وبقوة خصوصا على مستوى المشاركة الاقتصادية وكذلك المشاركة السياسية في دور بطولي للرجل؛ استحضر عبارة لماجدة الرومي تقول فيها " ليس في الأمر انتقاص للرجولة غير أن الشرقي لا يرضى إلا بأدوار البطولة " هذا الاستعلاء الذكوري أو (البارانويا) الذكورية سبب كفيل في التقليل من فرص التنمية والرقي بالمجتمع لأن المرأة هي أساس بناء المجتمع، رغم الارتفاع النسبي الذي حققته الاناث في مجال الالتحاق بالمدارس والجامعات في المجتمعاتنا، فإن الكثير من المنظمات النسوية لا تزال تشير إلى التفاوت الجنوسي الوضح بين النساء والرجال؛ إلى درجة هناك من لا يزال يتبنى أن الذكور أكثر ذكاء من النساء، وهذا دحض بالعيان في مؤسساتنا التعليمية أصبحنا نشاهد تفوق العنصر النسوي في التحصيل العلمي. نحوصل في النهاية أن الغاية والرهان الذي نطمح له هو مجتمع السلم والعيش المشترك والتخلص من الورطة التاريخية للمقدس التي نعيشها ونعايشها كل لحظة، فالمجتمع الإنساني هو الذي يتموقع فيه الإنسان بالنظر إلى افعاله وغاياته لا إلى جنسه وانتمائه، وأن لا أحد له الحق في الآخر؛ لأن الإنسان ينبغي أن يعيش باسم وجوده الخاص وأخلاقه وليس باسم موروث ثقافي معين، فالعيش في هذه الحياة يستوجب الإقرار بالاختلاف وقبول الاختلاف أساس ذلك التسامح ؛ أعني بالتسامح هنا هو حق الذات في ذاتها كتتويج تاريخي لإرادة الذوات تستهدف قيمة الحرية، وليس التسامح أن نعيش سويا باسم ماض مشترك أو ذاكرة مقدسة. إذن المجتمع الإنساني الذي نطمح إليه هو المجتمع الذي يقوم على الاعتراف المتبادل بالحرية باعتبارها استحقاقا وجوديا وليس هبه من أحد، عندها سيغدو الاعتراف بالآخر هو عين الاعتراف بالذات، وهذا يعني أنه ليس هناك مسوغ ( بيولوجي أو ديني أو سياسي ...) يجعل طرفا يعلو طرفا آخر فيكون تسامحه تنازلا أو جودا أو كرما.
#احمد_زكرد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
-
إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية
-
إشكالية تعريف الفلسفة
-
إشكالية الاعتراف و التفهم و التكامل في فلسفة الغير
-
تأثيل المقدس 5 : المرأة بين مطرقة الدين و سندان العلمانية (
...
-
تأثيل المقدس 4: السعي للدين،سعي للسلطة
-
أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثالث ): الفعل السياسي بين الدي
...
-
أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثاني ): كانط ونقد العقل السياس
...
-
أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الاول ): من الإغريق إلى فلاسفة ا
...
-
أنسنة الظاهرة الإنسانية
-
الراهن العربي الإسلامي بين التنوير و الظلامية
-
تأثيل المقدس 3: كيف تصنع الأديان؟
-
تأثيل المقدس 2 قضية الغرانيق وسؤال الحقيقة
-
تحرير الأخلاق من هيمنة الدين
-
التأسيس لدين إنساني من منظور كانطي
-
فكرة الدين عند كانط
-
تأثيل المقدس
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المرأة الروسية بلسان قادة الثورة الاشتراكية البلشفية (فلاديم
...
/ جميلة صابر
المزيد.....
|