|
ملامح الموازنة العامة الاتحادية للعراق ٢٠٢٠ وصراعات العجز الفعلي.
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 6 - 22:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملامح الموازنة العامة الاتحادية للعراق ٢٠٢٠ وصراعات العجز الفعلي. د.مظهر محمد صالح
انقضت السنة المالية ٢٠١٩ للعراق وعجز افتراضي قدر بنحو ٢٧ تريليون دينار وكان يشكل ذلك العجز نسبة قدرت بنحو ٢٠٪ من اجمالي الانفاق الكلي البالغ ١٢٧ تريليون دينار .اذ جرت تغطيته من دون اقتراض او استدانة خارجية على الأقل اذ جاء التمويل الريعي من مصدرين ، اولهما من فائض مدور من موازنة العام ٢٠١٨ وبرصيد لم يقل عن ١٧ تريليون دينار وثانيهما، من ارتفاع متوسط أسعار النفط العراقي المصدر الذي قدر بنحو ٦٤ دولار للبرميل الواحد طوال عام ٢٠١٩ مقارنة بسعر برميل النفط المثبت في موازنة العام ٢٠١٩ و البالغ ٥٦ دولار للبرميل وبقدرة تصديرية كانت بنحو ٣،٨٨ مليون برميل نفط يومياً .اخذين بالاعتبار ان ارتفاع قائمة الأجور والرواتب التي احتلت نسبة في موازنة ٢٠١٨ مايزيد على ٥٧٪ من اجمالي الإنفاق الحكومي قد ترتفع في موازنة ٢٠٢٠ الى ٦٧٪ من اجمالي الإنفاق الحكومي الراهن بفعل التعيينات التي اضافت قرابة نصف مليون موظف حكومي جديد . ويلحظ ان خلال هذين المصدرين الماليين الإيجابيين انتهت السنة المالية في العام ٢٠١٩بحالة من شبه التوازن ومن دون حصول عجز حقيقي ولكنها جاءت خالية من أية تحوطات مالية مضافة بمقدورها ان ترفد عجز موازنة ٢٠٢٠ سوى برصيد افتتاحي ربما يصل بالغالب الى ٣ تريليونات دينار. وهكذا سيرتفع العجز المقدر او العجز (الافتراضي )في موازنة العام ٢٠٢٠ الى قرابة ٥٠ تريليون دينار وهو يمثل هذه المرة حوالي٣٠٪ من اجمالي الانفاق في الموازنة المذكورة مقارنة بالعجز الافتراضي نفسه في موازنة ٢٠١٩ والذي قدر وقت ذاك بنحو٢٠٪ من اجمالي الإنفاق الحكومي .وبهذا ستشكل نسبة العجز الى الناتج المحلي الإجمالي في موازنة ٢٠٢٠ نسبة تكون بين ٧٨٪ مقارنة بالنسبة المعيارية الدولية التي لاتزيد على ٣٪. وعليه هناك ثمة توقع ان يتحول العجز (الافتراضي )البالغ ٥٠ تريليون دينار في موازنة العام ٢٠٢٠ الى عجز (حقيقي )يقتضي تمويله عن طريق الاستدانة لامحال وبمبلغ لايقل عن مقداره عن فائضات السنة المالية ٢٠١٨ والتي بلغت بنحو ١٧ تريليون دينار كحدٍ ادنى كما اشرنا الى ذلك سلفاً. اذ تقدر مراكز الدراسات والاستطلاع العالمية مثل مؤسسة Fitch global في تقريرها الأخير حول تحليلها للمخاطر المحيطة بالاقتصاد العراقي الى أمرين أساسيان ،احدهما يتمثل بانخفاض متوسط سعر برميل النفط العراقي المصدر إلى قرابة ٦٢ دولار طوال السنة المالية ٢٠٢٠مقارنة بسعره الذي بلغ متوسطه فعليا ٦٤ دولار في موازنة العام ٢٠١٩ (مما سيقلل من الايرادات النفطية المراهن عليها عند تصميم العجز الافتراضي المذكور انفاً )والأمر الآخر ،هو اضطرار العراق إلى كسر تعهداته في الالتزام بسقف انتاج محدد وعلى وفق اتفاق الاوبك الاخير ليرتفع إنتاجه اليومي إلى خمسة ملايين برميل نفط خام يومياً وبفارق زيادة نصف مليون برميل مما يساعد على ارتفاع طاقاته التصديرية لتعويض الانخفاض في موارد الموازنة العامة. وعلى الرغم من ارتفاع نفقات الموازنة حاليا وفق اسس مازالت متفائلة نسبيا قوامها شرط الكفاية في عائدات النفط sufficient condition،فان اعادة النظر بمشروع الموازنة حاليا سيبقى شرط ضرورة necessary condition ولابد منه .فثمة مخاوف تحيط بمستقبل أسواق الطاقة باتجاه الانخفاض في الطلب العالمي على النفط وتوافر مؤشرات شبه ركود في الاقتصاد العالمي اذا ان سعر برميل النفط العراقي المصدر يباع حالياً بنحو ٤٩ دولار للبرميل وهو اقل من السعر المحدد في موازنة ٢٠٢٠ البالغ ٥٦ دولار للبرميل ايضاً . في وقت اظهر التقرير الاقتصادي الصادر عن معهد التمويل الدولي في مطلع أذار ٢٠٢٠، أنه من المحتمل أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي العالمي نمواً يبلغ 1 بالمائة تقريباً في عام 2020.وان هذه القراءة المحتملة تعد أقل من تقديرات العام الماضي والبالغة 2.6 بالمائة، ومن شأنها أن تكون الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨. وهو ما يحتم الحذر الشديد نحو اعادة النظر في هيكل الموازنة وعلى نحو جذري ويجنب البلاد اللجوء الى مخاطر التمويل بالعجز لدعم الموازنة التشغيلية budget support من خلال الاستدانة او الاقتراض الخارجي او اللجوء إلى الاقتراض الداخلي الأكثر مرونة .إذ مازالت المؤشرات المالية لطاقة تحمل الدين تؤكد ان نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي هي بنحو ٥٥٥٦٪ .وان ما ندعو اليه هو ليس دعوة للتقشف ولكن ثمة دعوة لاعادة هندسة المالية العامة العراقية وتجنيب الموازنة العامة مشكلات معادلة مايسمى بقيود الموازنة الهشة - soft budget constraints التي اصبح الانفاق فيها يتم بيسر عبر اتساع السلف الحكومية والسحب على المكشوف والاقتراض بأمل تحصيل ايرادات حكومية محتملة سريعة هي جميعها من العادات الحكومية غير الحسنة ،وتساعد لا محالة على تراكم المديونية والتوسع بالعجز في الإيرادات العامة ما يفقد قضية التعزيز المالي fiscal consolidation مظاهرها الاساسية مثل تقيلص فجوة العجز في الإيرادات العامة او تقليل مقدار التراكم في الدين العام .وجميعها تفقد البناء المالي للبلاد مقومات الاستدامة لبلوغ الاهداف الاقتصادية والاجتماعية الكلية المستقرة . ختاماً، سيتوقف اقرار الموازنة العامة الاتحادية للعراق للعام ٢٠٢٠ على توافر حكومة تمتلك القدرة على تمرير مشاريع قوانين الى مجلس النواب وفق العملية الدستورية ، اذ لاتسمح التطبيقات الرسمية المعتمدة قيام حكومة تصريف الاعمال بتمرير مشاريع قوانين ورفعها الى مجلس النواب لتشريعها ذلك لاقتصار نشاطات مجلس الوزراء في حكومة تسيير اعمال على ممارسة الأمور التنفيذية الروتينية المستقرة بموجب القوانين والنظم والتعليمات النافذة.وليس من خيار امام السلطة المالية اليوم الا اعتماد المبادي المنصوص عليها في قانون الادارة المالية الاتحادي بالصرف بنسبة١٢/١ شهرياً من اجمالي المصروفات الفعلية في موازنة العام ٢٠١٩. اذا سيغطي الصرف في هذه الحالة النفقات التشغيلية للحكومة وبشكل خاص الرواتب والاجور والمعاشات التقاعدية ومخصصات الرعاية الاجتماعية ومخصصات تسديد خدمة الديون الخارجية والداخلية وسد نفقات المشاريع الاستثمارية المستمرة فحسب.وإذا ما انتهت السنة المالية لغاية ٣١ كانون اول ٢٠٢٠ من دون اعتماد موازنة عامة اتحادية فان ذلك يعني ان البلاد ستحرم من اية مشاريع استثمارية حكومية جديدة باستثناء تلك التي هي قيد الإنشاء ، ما يعني تعظيم التباطو في النمو الاقتصادي وتوافر طاقات تمويل استثمارية هي اقل لمواجهة نمو قوة العمل المضافة الى سوق العمل في سنة ٢٠٢٠ والتي تقدر باقل من ٤٠٠ الف فرصة عمل مضاف سنوياً، وهو الامر الذي قد يغذي ركوداً نسبياً في النمو الاقتصادي ومعدل بطالة ستزيد على ١٨٪ من اجمالي قوة العمل ويطلق في الوقت نفسه اشارات غير مشجعة للمستثمرين في القطاع الخاص ،ذلك لكون الموازنة هي خطة مالية لمدة عام تضم صراحة او ضمناً اهدافاً اقتصادية واجتماعية ومؤشرات مهمة . وبهذا فان عدم اقرار الموازنة سيعني بمرور الوقت غياب معرفة المستثمرين وبقية صناع السوق في لطبيعة أهداف البلاد الاقتصادية والاجتماعية التي تمكنهم من اتخاذ قرارات إيجابية لدفع نشاط الاعمال بشكل اوسع. ————————— تم نشره مؤخراً على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤية في الإنقلاب الديمقراطي:
-
سيناريو انتاج النفط الأمريكي :بداية امتصاص اقتصاديات الفائض
...
-
من صراع المكونات إلى صراع الطبقات
-
السوق الحمراء وتفكيك الصدمة الاقتصادية: الصين انموذجاً
-
الصين و العراق : مرارات العقود الضائعة في التنمية.
-
التهديد المالي والنفطي للعراق :هواجس واحاسيس
-
البجعة السوداء :حقيقة في الجدل الاقتصادي
-
ريعية المصارف الاهلية في العراق: السلوك والاداء!
-
حماية اموال العراق في منطقة الولاية القضائية الامريكية/وجهة
...
-
العراق بين مشهدين :وجهة نظر في الاقتصاد السياسي
-
العقد الاجتماعي المالي الجديد للعراق
-
إطلالة على تاريخ ديون العراق السيادية
-
خريف الذكريات :الفرج بعد الشدة
-
(الوجبة المجانية في المالية العامة للعراق)
-
الوجبة المجانية في المالية العامة للعراق
-
توازن لعبة الحرب التجارية القائمة: الرابحون والخاسرون في الا
...
-
العلامة محمد سلمان حسن: دروس في الحياة المعرفية الاقتصادية.
...
-
العلامة محمد سلمان حسن: دروس في الحياة المعرفية الاقتصادية.(
...
-
الشام وجرار زيت الزيتون
-
رجل في العصر الاستعماري لسنغافورا:(السير ستانفورد رافلسSir T
...
المزيد.....
-
وصول سجناء فلسطينيين مفرج عنهم إلى الضفة.. ونقل بعضهم للمستش
...
-
أول تعليق من نتنياهو بعد إطلاق سراح 3 رهائن جدد من غزة
-
سوريا.. قتلى وجرحى بانفجار سيارة مفخخة قرب -دوار السفينة- وس
...
-
المرشح الرئاسي في رومانيا يؤكد أن سياسات كييف تؤجج الصراع
-
السودان.. مئات القتلى والجرحى إثر قصف لبعض الأحياء وسوق صابر
...
-
القائد العام للقوات الأوكرانية يشير إلى ضعف التدريب النفسي ل
...
-
موسكو: من المثير للاستياء أن غوتيريش لم يذكر خسائر الاتحاد ا
...
-
محكمة بريطانية تسمح بمراجعة قرار الحكومة بيع مكونات لمقاتلات
...
-
فيديو: هكذا سلمت حماس الرهينة الأمريكي الإسرائيلي كيث سيغل ف
...
-
دراسة دولية: اتكال ألمانيا على نجاحاتها السابقة أوقعها في مأ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|