أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - قلق السيد نون














المزيد.....

قلق السيد نون


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 6 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


هواجس السيد نون
١٥ - ظل للحظات طويلة واقفا ينظر إلى الطاولات والكراسي العديدة الفارغة. عملية إختيار المكان الذي سيجلس فيه ليشرب قهوته تبدو له في كل مرة معقدة وشديدة الإزعاج، رغم أنه غالبا ما ينتهي به الأمر إلى إختيار نفس المكان إذا ما وجده خاليا. يبدو أنه لا يعرف أحدا ولا أحد يعرفه، وربما لا يريد أن يعرف أحدا ولا يريد أحدا يعرفه. رغم أن الجميع يحييه بأبتسامة أو بتلويحة من اليد أو بهزة رأس خفيفة، ويرد على التحية كلما كان ذلك في إمكانه. يجلس في كل يوم إلى نفس الطاولة الخضراء في ركن المقهى، أحيانا الطاولة الخضراء تكون بنية أو بيضاء أو حتى رمادية، وينتظر الساقي أن يحظر له القهوة وكأسا من الماء، ثم يخرج من جيب معطفه كراسة كبيرة الحجم نسبيا، ويبدأ في الكتابة للحظات قد تطول أو تقصر لعوامل متعددة لا نعرف تفاصيلها، حاليا على الأقل. يرشف قهوته بين فترات زمنية متقاربة وأحيانا ينظر يمينا ثم يسارا وكأنه ينتظر شيئا ما، ويعاود رشف قهوته من جديد. في بعض الأحيان كان يأتي كل يوم ليشرب قهوته في الصباح ثم يعود في نهاية النهار، وأحيانا كان يأتي في الصباح ليشرب قهوته ولكن لا أحد يراه في المساء، وأحيانا لا أحد يراه في الصباح ثم يظهر في نهاية النهار ليشرب قهوته وكأسا من الماء رغم أنه لم يشرب قهوته الصباحية في المكان المعتاد، ذلك أن هناك من رآه في أماكن أخرى يشرب قهوته ويكتب في كراسته الكبيرة الحجم نسبيا. نسبيا لأن الكراسة تبدو صغيرة الحجم بين يديه ومقارنة بحجمه الذي يبدو كبيرا بالنسبة لحجم إنسان متوسط الحجم. وفي بعض الأحيان يختفي لأيام عديدة، لا يشرب قهوته لا في الصباح ولا في نهاية النهار، وأحيانا يختفي لأسابيع طويلة ولعدة أشهر حتى ينساه الجميع ويصبح مجرد صورة غامضة يتذكرها بعض زبائن المقهى الذين تعودوا على رؤيته. ثم ذات صباح يعاود الظهور ويظل للحظات طويلة مترددا في إختيار الطاولة المناسبة، ذلك أن عملية إختيار المكان الذي سيجلس فيه ليشرب قهوته تبدو له في كل مرة معقدة وشديدة الإزعاج وتحتاج إلى رؤية المكان من جميع الزوايا ودراسة جميع الإحتمالات، رغم أنه غالبا ما ينتهي به الأمر إلى إختيار نفس المكان إذا ما وجده خاليا. وفي هذه المرة كان مكانه المعتاد ليس خاليا. المقهى بأكمله يكاد يخلو من الزبائن ما عدا هذا المكان الذي تعود أن يجلس فيه منذ سنوات، وعدة طاولات أخرى في الجانب الآخرمن المقهى كانت مشغولة بدورها ببعض الزبائن. بعد عدة لحظات من التردد جذب كرسيا وجلس إلى طاولة قريبة من التي اعتاد الجلوس إليها وأومأ برأسه للساقي إيماءة خفيفة. لا شك أن الساقي يعرف السيد نون، لأنه ما أن رآه واقفا يدير رأسه يمينا ويسارا بحثا عن طاولة شاغرة بين الطاولات الشاغرة حتى بدأ بإعداد القهوة، وعنما أومأ له إيماءة خفيفة، كان الساقي في منتصف الطريق بسفرته مبتسما، وحياه قائلا: صباح الخير، قال ذلك وهو يمسح الطاولة بمنشفته البيضاء ويضع أمامه القهوة ثم كأس الماء، مفترضا ولا شك بأن السيد نون قد رد علي تحيته : صباح الخير، كما هي العادة، غير أن السيد نون لم يرد، أو على الأقل لم يتفوه بالرد بصوت يمكن سماعه من مكان الساقي الذي واصل حركته البطيئة في مسح الطاولة بمنشفته المبللة قائلا : بكري اليوم .. ويبدو أن السيد نون رد قائلا بصوت مسموع هذه المرة : اليوم غير بقية الأيام، قال ذلك وهو يقرب فنجان القهوة من شفتيه ويأخذ رشفة من القهوة. آه .. قال الساقي ، الأيام تتابع ولا تتشابه، فرد السيد نون بعد أن أخذ رشفة أخرى من قهوته : يمكن .. يمكن .. ولكن الأيام تتشابه ولا تتابع .. مجرد وجهة نظر. فقال الساقي وهو يبتعد : وجهة نظر .. وجهة نظر مقلوبة، ولكن العالم كله مقلوب .. وجهة نظرك لابد أنها صحيحة إذا .. وواصل شرب قهوته دون أن يفكر في مقلوبية فكرته عن تشابه الأيام ودون أن يحاول تصحيح وضع العالم، ذلك أن السيد نون لم يستيقظ تماما من نومه، ولم يخرج بعد من حجرته في الطابق الثاني.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس السيد نون
- رسالة إلى - ثوار- ليبيا
- السلطة الدينية وغسل الدماغ
- ثورة بروميثيوس
- عن الرفض والتمرد
- وتفقد الوردة حمرتها خجلا
- الإرهاب والثورة
- عودة إلى فكرة الحرية
- غزة .. ترفض أن تموت
- ثقافة التوكل
- سريالية الأشكال
- الأدب والمخدرات
- فاغنر وسيمفونية الكلاشنكوف
- محمد البوعزيزي
- رموش الحجر
- بؤس الكلمات
- بؤس الكامات
- مباراة الشطرنج الخاسرة
- الهروب في الليالي الممطرة
- جنون الوحي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - قلق السيد نون