|
وأكره اللي يقول: آمين... عزيزي الرئيس مبارك!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 4 - 11:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
Facebook: @NaootOfficial
من سماتِ التحضُّر في البشر، أن نختلفَ دون أن نتخالف. فإن تخالفنا لا نتخاصم. فإن تخاصمتا، لا نفجُر في الخصومة. وقد نُخاصم ونتخاصم ونختصِم، لكننا في المحكّات والمحن، ترقُّ قلوبُنا ونُنحّي خلافاتِنا لنحملَ الحزنَ معًا كأشقاء. تلك سمات ُالمصريين الأصلاء. على أن القاعدةَ التي نقفُ عليها في كل ما سبق هي "الوطنية”. فالمصريُّ لا يسامح في وطن. تظاهرة المحبة للرئيس مبارك لحظةَ وداعه؛ أثبتت أن چينات التحضُّر تسكننا، نحن الشعب المصري الكريم. كان مبارك وآلُه متحضرين حين تشبّثوا بالوطن في لحظات العسر ولم يهجروه، وكان المصريون متحضرين حين قدّروا ذلك فاستعادوا وطنيته في الحرب والسلم، العسر واليسر. شطرٌ عظيم ممن احتشدوا في الجنازة والعزاء، نزلوا في التظاهرات التي اشتعلت في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. لكنهم أقرّوا للرجل بما له؛ فكانت تلك الصورةُ المشرّفة لنا أمام العالم. تذكّرتُ لحظةً قديمة مشابهة، سجّلتُها في مقال بعنوان: "وأكره اللي يقول آمين!”، نشرتُه يوم 25 مايو 2009، بجريدة "المصري اليوم"، بعد وفاة حفيد الرئيس مبارك، الطفل: "محمد علاء”. قلتُ فيه: (بالأمسِ صحَّ رِهاني. والرهاناتُ الكبرى تأبى إلا الأثمانَ الكبرى. أُعزّيك يا ريّس. وأعلمُ أن وجعَك لا يُشبهُه وجعٌ. وأن المُرَّ في حلْقِكَ مُرّان. مُرُّ فقدِك قطرةً رقراقةً كانت تُبهج يومَك المشحون بهموم ثمانين مليون إنسان مربوطين في عنقك، ومُرُّ حَزَنَكَ على ابنك الثاكل ابنَه؛ وهو بعدُ زهرةٌ توشكُ أن تستوي على عودِها النحيل. لكن الوجعَ الذي اعتصرَ القلبَ، لم يمنعني من تأمُّل تظاهرة الحبِّ التي أفاضها المصريون على محنتك: فقراءُ، أثرياء، مهنيون، ربّاتُ بيوت، جميعُهم ضربهم الحزن. اجتمع الشعبُ الذي لا يجتمعُ على شيء. هنا شعبٌ ذكي، لا يخلطُ الأمور. أعاروا ثمانين مليون قلبٍ لقلب جارهم المصريّ الجريح: "محمد حسني مبارك"، النسر الجويّ الذي قدّم عمرَه لمصرَ في حرب الكرامة. لرجل يحمل منذ عقود حِملاً هائلاً، حين استلم بلدًا تنوء تحت أثقال الفقر والجهل والمرض والطائفية وانهيار البنية التحتية. هم ذاتهم يا ريّس الذين ينتقدون النظامَ والحكومة كل يوم. هم ذاتهم الغاضبون المعتصمون المُضربون، منحوكَ اليومَ دموعَهم، ومنحو الطفلَ الجميل "محمد علاء" أُبوَّتهم وأمومتَهم فتجرّعوا معكَ، ومع أبويه، كأسَ الثكل المُرَّ. أقلامُنا التي انتقدت حكومتك، أفردتِ اليومَ الصفحاتِ لتحملَ معك أنصبتَها من الوجع، لأن أجندتَنا الوحيدة هي "حبُّ مصرَ"، وأنت تعرفُ معنى ذلك الحب، إذْ حملت روحَك على كفّك في الحرب. مناوئتنا حكومتَك تشبه المثلَ القائل: "أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين!". مرَّ زمنٌ منذ رأيتُ المصريين يجتمعون على أمر. حزنٌ عام، صامتٌ حينًا، باكٍ حينًا، وصادقٌ طول الوقت عمَّ المطارات والمقاهي والشوارع والمكاتب والجامعات والمدارس. صحفاتٌ بُسطت لكلمات العزاء وطيّب الدعوات لمنحك السلوى والجَلد. مجموعاتٌ على الانترنت باسم الطفل الذي طار؛ إلى حيث يطيرُ الأطفالُ، ولا يعودون. لكنهم يشفعون لأبويهم حتى يهنأوا في النعيم الخالد الذي لا يزوي؛ فتشرقُ وجوهُهم بحضرة الله ونوره إلى أبد الأبد. صَحَّ رهاني على "المواطن المصري" الذي لا يشبهه أحدٌ من سكان الأرض. هو أجملُ سكّان الأرض. وليرمِني بالشوفينية مَن يشاء. هي تهمةٌ لا أُنكرها، وأعتزُّ بها. من حقي أن أفرحَ بجمالي؛ وأنا جميلةٌ بمصريتي، مثلما كلّ مصريّ جميلٌ بمصريته، ومن حقي أن أبحث في العتمة عن شعاع ضوء؛ ومحنتُك يا ريّس عتمةٌ موحشةٌ، لكن حبَّ المصريين الذي يظهر في المحن، هو حزمةُ نور غامر، عثرتُ بها فأبهجتني؛ رغم الوجع. هكذا يا عزيزي الرئيس مبارك، حزنَ المصريون، كأن كلَّ رجل فيهم أبٌ لحفيدك، وكأن كلَّ امرأة حملته في أحشائها وهنًا على وهن، وراقبته يكبر بين عينيها وذراعيها يومًا بعد يوم؛ فتكبرُ معه أحلامُها له ورهاناتها عليه. توجّع المصريون لوجع رئيسهم. فنحن نجيدُ "فنَّ الحبّ". ونحن جميلون، لأننا مصريون. لكَ أن تفرح بنا وبمكانتك لدينا وبحزننا على حزنك؛ رغم ظرفنا القاسي الذي نعيشه في مصر من جهل وفقر ومرض وتطرف وإرهاب. وفي الأخير أدعوكَ أن تردد مع السيّاب قوله: "لكَ الحمدُ مهما استطالَ البلاءْ/ ومهما استبدَّ الألمْ/ لك الحمدُ، إن الرزايا عطاءْ/ وإنّ المصيباتِ بعضُ الكَرَمْ.”) رحم الُله الرئيس محمد حسني مبارك. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر
-
صوتُ الرئيس مبارك
-
المايسترو مجدي يعقوب … ضابطُ إيقاع القلوب
-
جواب اعتقال … سيكولوجية الإرهابيّ: (العقل والأداة)
-
مافيا الإرهاب … من الداخل (جواب اعتقال)
-
لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (2)
-
لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)
-
لينين… ضابطُ إيقاعِ الضحك الرفيع
-
النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين
-
هنا الإمارات … ومصرُ تصنعُ الحياة
-
وسام القديس جورج … لقاهر الإرهاب الأسود
-
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
-
معرض القاهرة الدولي للدواء 2020
-
أوسكار فاروق حسني
-
صحنُ قلقاس أخضر … على مائدة قبطية
-
الرئيس والبابا … وباقةُ زهور بيضاء
-
الحَجُّ العالميُّ إلى أرض مصر
-
أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن
-
لا أملكُ إلا ابتسامتي!
-
على عتبة الطفل الصامتٍ
المزيد.....
-
اليسار الفرنسي يقدم مذكرة لحجب الثقة عن رئيس الوزراء الجديد
...
-
الفصائل الفلسطينية تشيد بعملية المقاومة الإسلامية العراقية ف
...
-
كتلة اليسار في البرلمان الفرنسي تطرح تصويتا لحجب الثقة عن رئ
...
-
محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze” رئيس ا
...
-
المغرب يرد على محكمة العدل الأوروبية بعد قرار لصالح البوليسا
...
-
رعايا أجانب يسارعون بمغادرة لبنان مع احتدام العدوان الإسرائي
...
-
مصادر عبرية: نتنياهو يهرع الى الملاجئ بعد دوي صفارات الانذار
...
-
مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية يلتقي مسؤولين من البوليس
...
-
بيان المكتب الجهوي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بالجنوب
-
الدفاع التركية تعلن تحييد 58 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|