أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - كافكا في السجن














المزيد.....

كافكا في السجن


فتحي مهذب

الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 4 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


المطر ضرير يخبط في صحن البيت المتداعي . البيت الأشيب الذي إلتهم طفولة (م) بفكي حيوان ضار . العتمة تفتح النار عشوائيا على الجيران . رائحة مقززة متعطنة تتطوح في أصقاع الحجرة المليئة بثعالب الهواجس.
هنا كل شيء يرغب في الموت.
في الهجرة الأبدية إلى أقاليم الغياب الوسيعة. مومياء مسنة تحمل ذؤابة شمعة بين أصابعها المكسوة بتجاعيد كثيفة . تحدق في تفاصيل وجه الأب المتكوم مثل حشرة عملاقة نافقة.تبدو جثته مقطوعة إلى نصفين متوازيين كما لو أن شظية طائشة كانت وراء ذلك.
تزرب من حدبته ديدان مقرفة.
عيناه الضيقتان تبدوان نصف مغمضتين
أمضى نهارا يتخبط في خرم اللامعنى تلاحقه الأعين المتجسسة المرفودة بالكراهية والسخيمة.
تعض شحمة أذنيه أشباح نزقة.
عربة الجار ذات الحنجرة المبحوحة المزدحمة بالغيوم تنادي باسمه كل صباح ليقترف العبث والجنون واللاجدوى بغية الحصول على رغيف أسود سام فظيع.
(ن)تخطفها حوذي الموت في الرابع عشر من آذار الفائت.
ماتت مثل سحلية قميئة في مكب نفايات. مخلفة فراغا يزعق مثل بومة عمياء كل مساء.
طردتها الحياة بمكنسة على مؤخرتها باتجاه الهاوية.
رغم ذلك لم تيأس من كسر قوقعة الفقد والتحليق بأجنحة متوهجة
في أصقاع البيت كلما تختفي الشمس وراء أكمة الأفق البعيد.
تزور بعلها المتشقق المنبوذ وابنيها اللذين ما عتما يحلمان بدفء عائلي أثير.
كان إبنها( س ) يحس بوجودها وبخاصة حين تصهل فرس الظلمة
ويطلق الرعد أول قذيفة مروعة باتجاه الأرض وتتعالى أوركسترا القطط المتوثبة إيذانا بحفلة تنكرية ساخطة.
كان يناجيها بكلمات رقيقة ناعمة
بينما حزمة من الدموع تتساقط مثل شآبيب المطر على وجنتيه.
الأب حشرة منبوذة .
أخوه الصغير (ر)يثغو مثل شاة يهددها قطيع الذؤبان.
منذ يومين لم يذق شيئا على الإطلاق.
الله لم يعد مهموما بمشاغل هذا الكوكب الملعون المنذور لموسيقى الموت البطيء . لا ينظر إلى الفقراء بعينين صافيتين.
نام الإبن الصغير بجوار جثة أبيه المنتفخة.حالما بنصف رغيف طازج وحذاء جديد لقدميه المتفحمتين.
تأبط (س) سكينا حادة واختفى في بطن العتمة. لم يحظ بأي عمل بسبب العاهة التي التي تكسو وجهه الكابوسي.
الناس موتى والبيوت مقابر.
لا نجوم على سطوح السماء.
الأشباح تتقاطر مثل مسافرين جاءوا من مدن نائية.
لا بد من ملاحقة جنود الجوع الذين يحلقون حذو جسد أخيه الصغير الذى طفق يتلاشى ببطء مثل غيمة في سماء محدبة.
وبينما كان يحرث الحواري بساقي كنغر أبله إذ لاح له بيت وسيع يشي بضرب من النعمة وبلهنية عيش قطانه.
وفجأة تقحم بيتا فخما .
دقات قلبه تتسارع مثل عجلات قطار يحمل جثثا ورهائن.
ينز عرق بارد من جبينه الناتىء.
تفر من زجاج عينيه المكهربتين شياطين مجنحة مخيفة.
خطا خطوات مثيرة للأعصاب.
إنطلق خفاش من شجرة مجاورة
مثل سهم مصطدما بعامود كهرباء خشبي. صمته المتهدل يدق الطبول كما لو أنه في ساحة ملآى بالزنوج.
تسلق الجدار مثل فهد.قفز من البلكونة إلى غرفة الإستقبال المؤثثة التي تشي بالنبالة والبذخ.
ملأ جيوبه بمجوهرات نفيسة للغاية. ثم عاج على المطبخ بخفة.
إلتهم ما لذ له من أطايب المأكولات. ثم إرتد على عقبيه سعيدا بهذا الكنز الذي يتلألأ في جيبه. ثم قفز من سور البيت الفخم متجها إلى بيته المتواضع كما لو أنه فاتح كبير لمملكة السعادة الأبدية.
وبينما كان يمني نفسه بقضاء آخر أسبوع مريح لعائلته البائسة جدا.
إذ قبضت عليه دورية أمن على حين غرة وتم اقتياده إلى السجن لما إقترف من جرم مشهود.
وأعيدت المجوهرات إلى أصحابها.



#فتحي_مهذب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رخ اللاوعي
- قيامةغريغور سامسا
- صخرة عمرها ثلاثون يوما
- لعنة المسيح
- المومياء
- جثة دون مأوى
- بيضة الحصان
- القردة
- ينابيع تموت ببطء في صدري
- أنا إبنك المطار يا سبارتكوس
- حكاية الرأس المقطوعة
- متتاليات
- الميت
- قصة لم يكتبها فرانز كافكا
- مزامير
- بيت تنظفه الملائكة بالموسيقى
- متواليات
- سارق شواهد القبور
- دعاء الهدهد
- إعترافات بوهيمي


المزيد.....




- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - كافكا في السجن