حسين مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 25 - 23:58
المحور:
الادب والفن
حسين مهنّا
كَرامَةٌ قَومِيَّة..
بَعْدَ نَهارٍ قَلَّتْ فيهِ أَسْبابُ فَرَحي وكَثُرَتْ غُصَصِي، جَلَسْتُ على شُرْفَةِ بَيتِي مَعَ ذاتِي عَلِّي أُلَمْلِمُ بَعَضَ رومانْسِيَّةٍ وَأَدَتْها المَدَنِيَّةُ دونَ دَمْعَةٍ واحِدَةٍ تَذْرِفُها حُزْنًا عَلَيها.. كانَ القَمَرُ بَدْرًا، نَظَرْتُ إِلَيهِ عَلِّي أَرى ذاكَ النّورَ الشِّعْشَعانِيَّ الَّذي طالَما جَمَعَ بَينَ نَظَراتِ مُحِبّينَ فَلَمْ أُبْصِرْ سِوى آثارِ أَقْدامٍ بَشَرِيَّةٍ قَد لَوَّثَتْهُ. نَظَرْتُ إِلى السَّماءِ فَما وجَدْتُ نَجْمَةً تَبْعَثُ لي لَأْلاءَها لِأُسَرّي بِهِ عَنْ نَفْسي حينَ لَمْ يُسْعِفْني القَمَر.
لَقَدْ عِشْتُ شَبابًا أَلْبَأَتْهُ رومانسِيَّةُ قَرْيَةٍ جَبَلِيَّةٍ كانَتْ تَصْحو على صَيحاتِ ديكٍ أَو زَقْزَقاتِ دُورِيٍّ، وتنامُ على نَعيبِ بومٍ. هذِهِ القَرْيَةُ نَسَجَتْ لي بِنَولِ بَساطَتِها ثَوبًا لَبِسْتُهُ، فَوَجَدْتُ سَعادَتي في كِسْرَةِ خُبْزٍ مِنْ تَنّورِها، وفي شُرْبَةِ ماءٍ مِنْ رَأْسِ نَبْعٍ أَو مِنْ بَطْنِ بِئْر، وفي عُنْقودِ عِنَبٍ تَدَلّى خُشوعًا لِدالِيَةٍ أَرْضَعَتْهُ حَلاوَةَ روحِها.
لا أَقْصِدُ المُفاضَلَةَ بَينَ حَياتِنا وحَياةِ أَبْنائِنا وأَحْفادِنا اليومَ، ولكِنِّي أَرْفَعُ شارَةَ
( قِفْ ) على شارِعِ المَدَنِيَّةِ الجامِجَةِ لِيَراها كُلُّ مَنْ يُسيءُ فَهْمَها، ويَجْعَلُ مِنْ نَفْسِهِ خادِمًا مُطيعًا لَها لا سَيِّدًا تَكونُ هِيَ في طاعَتِهِ، وقَضاءِ جاجاتِه.
نَحْنُ نُرَحِّبُ بِهذِهِ المَدَنِيَّةِ، ويَكونُ تِرحابُنا بِها أَكْثَرَ إِذا شارَكْنا في بِنائِها أُسْوَةً بِغَيرِنا مِنَ الشُّعوبِ النّاهِضَةِ، والنّاظِرَةِ أَبَدًا نحو العَلاء. ولَيسَ هذا بِمُعْجِزَةٍ لِشَبابٍ بَينَنا عَرَفوا أَنَّ العِلمَ اليومَ عِمادُ الكَرامَةِ القَومِيَّةِ فَنَهَضوا ! ما أَجْمَلَها مِنْ نَهْضَةٍ أَبوها العَقْلُ وأُمُّها الإِرادِة!
#حسين_مهنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟