محمد عبيدو
الحوار المتمدن-العدد: 1572 - 2006 / 6 / 5 - 12:27
المحور:
الادب والفن
اشتمل مهرجان السينما الفرانكفوفونية الذي عرض افلامه في صالة المركز الثقافي الفرنسي بدمشق على عروض سينمائية لافلام من المغرب وتونس وفرنسا وكندا وسويسرا وبولونيا
من تونس عرض فيلم "رقصة الريح" 2003 للمخرج الطيب الوحيشي الذي تعرّض قبل ايام لحادث سير أليم في دولة الامارات أدّى إلى إصابته في النخاع الشوكي، وإلى انكسار العمود الفقري لزوجته. و"رقصة الريح" هو الروائي الطويل الخامس للوحيشي من بطولة محمد شويخ , حاتم بن رابح , هيفاء بوزويطة , وشكيرا رامح .
وفيه يمحور الطيب الوحيشي الأحداث حول شخصية يوسف, وهو مخرج في الخمسين من عمره, يقصد الجنوب التونسي بحثاً عن أماكن لتصوير مشاهد شريطه الجديد. فيلتقي في قرية غريبة راعية غنم جميلة تطلب منه ألا يلتقط لها صوراً. بعد ذلك يتيه في ليل الصحراء (أهي صحراء العمر؟) وتتعطل سيارته ذات الدفع الرباعي في قلب الصحراء. وهكذا يختلي بنفسه ليستعيد شريط أعوامه الماضية. ولا تبقى له من علامات موثوقة الا سيارته التي تشكل ركيزة بقائه وصموده أيضاً بما في صندوقها من زجاجات ماء وعلب بسكويت مبعثرة الى جانب الصور والسيناريوات والأوراق. يستسلم يوسف للأمر الواقع ويبدأ حلمه بفيلمه الجديد على رغم كل الظروف المحيطة.
وفي هذه الأثناء ينطلق مساعده, ترافقه "السكريبت", في رحلة البحث عنه. وتجعلنا تلك الرحلة نكتشف المنطقة ونعايش بعض المشاهد التي يراها المخرج أيضاً أو يتخيلها. كما يعمد الى رسم شخصيات سرعان ما تتحرك أمامه في سراب الصحراء. وهكذا يتوغل يوسف في هلوساته السرابية الى أن يكتشف فجأة - وبحركة انتقالية من الكاميرا - انه كان يلعب دور البطولة في الفيلم نفسه..
يتميز فيلم " رقصة الريح " بلقطاته و لوحاته التشكيلية وذلك الصمت الذي يجثم في لهيب الصحراء وتلك الامتدادات للقبض على لحظة الابداع وتوهجها التي تأتي في نهاية العمل كإشراقة للروح.
يركّز الفيلم على ثنائيات كثيرة مثل الاخراج والمعاناة, الحلم والواقع... السيرة الذاتية والسيرة الابداعية. مع ان الطيب الوحيشي - وهو كاتب الفيلم - لا يقرّ بأنه ينضوي ضمن أفلام السيرة الذاتية, ويفضل على ذلك وصفه بـ"السيرة الابداعية". وأشار في إحدى مقابلاته الى انه اختار المخرج والممثل الجزائري محمد شويخ ليلعب دور المخرج في هذا الفيلم "لئلا يقال ان سيرة هذا الفيلم هي سيرة الطيب الوحيشي".
أما بخصوص المعاناة التي يخوض فيها الفيلم فقد أشار الوحيشي الى أن فيلمه يطرح أسئلة عدة: كيف نواصل عملنا وإبداعنا؟ ولماذا الصورة؟ وما أهميتها؟ مؤكداً أن "كل واحد من السينمائيين العرب هو سيزيف, ولكن من دون بكاء, بل هو سيزيف عربي يقف بوجه المصاعب ويتحداها".
وعرض الفيلم المغربي "باديس " الذي يشكل علامة مضيئة في مسيرة المخرج محمد عبدالرحمن التازي الفنية من تمثيل جيلالي فرحاتي , ماريبل فردو , زكية طهيري , نعيمة لمشرقي , بشير سكيرج , عزيز سعد الله , وميغيل مولينا ."باديس " فيلم ينبني على الصراع والتوتر بين شخوصه صراع محوره الاساسي والجوهري سلطة الرجل يسانده في ذلك المكان وحرية المرأة المغتصبة، فالمكان هنا سياج يسيج الانطلاق يأسر المرأة مثلما ياسرنا بجماله يمارس علينا فتنته، افتتان بالخوف والحقد الجميل، لقد وظف التازي المكان بشكل مضبوط ومتمكن، بحيث أن هذا التمكن هو الذي أعطى للشريط تلك الشحنة الابداعية وحوله بشكل مثير الى عنصر فاعل في تنامي الأحداث وتطورها بل حوله (المكان ) الى معادل للقدر يمسك بشخصياته (النسائية ) ولا يدع لها إلا هامشا محدودا لحرية الحركة. وبدا البحر كفضاء للانطلاق والحرية من سلطة الأب والزوج، لكن عزلة المكان تتكرس أكثر مع إلقاء الصيادين لشباكهم في البحر، فكل الطرق مسدودة ولم يبق للمرأة إلا رقصة إنسانية في محاولات لتحطيم المقدس في عالم هامشي / مهمش...
يتناول ."باديس " تيمة التعايش بين الأنا والآخر ، و يحكي قصة الفتاة مويرا و قصة معلم من الدار البيضاء ينتقل ليتمكن بشكل افضل من مراقبة زوجته توريا التي يشتبه بخيانتها في فضاء قرية شاطئية معزولة قرب مدينة الحسيمة تطل عليها صخرة باديس التابعة للنفوذ الإسباني . احتجزها في المنزل . ولكنها سترتبط بصداقة مع مويرا وهي فتاة شابة من الية والها صياد وامها اسبانية هربت منذ 15 عاما . تنشأ علاقة بين جندي اسباني من المحمية ومويرا . ولكن القيل والقال ودسائس أهل القرية تضع نهاية لهذا الحب البريء . وتحاول المرأتان الفرار بعد أن أصبحتا سجينتين في هذا العالم الضيق
وكان المهرجان فرصة لرؤية فيلمين للمخرج الفرنسي الكبير آلان رينيه الذي بدأ هاويا للسينما.. ثم ناقدا وقد دخل السينما بالصدفة بعد تمرسه في الحقل المسرحي وكان له صداقات قوية مع الفنانين التشكيليين، حيث اخرج أفلاما تسجيلية عنهم.
بعض النقاد يصف إسهامات رينيه السينمائية بأنها الأكثر أهمية من بين الإسهامات المعاصرة، حيث انه تمكن بفضل جلاء الرؤية لديه أن يقدم لزماننا ببعض مبادئ علم الدلالات والرموز وعلم جمال السينما وتطويرا للغوياتها الخاصة.
وآلان رينيه العصامي الذي تعلم السينما بنفسه وانطلاقا من تذوقه وخبراته الخاصة واعتمادا على تجربته في هذا الحقل ومصادره المتعددة والتي أدت به إلى اكتشاف طريقة عمل الذاكرة والأسلوب التي تترابط به الذكريات وإيمانه بأن الإنسان ليس إلا حصيلة لماضيه.
فيلمه « هيروشيما حبيبتي» انتاج 1959 أعطاه أهمية مميزة كسينمائي بارز، وهو أنشودة شاعرية حزينة لهيروشيما وعشوائية ودمار الحرب الذرية التي احتدمت. « هيروشيما حبيبتي» – وكما يوحي اسمه في شكل مباشر – فيلماً ينطلق من تلك الكارثة التي أوقعتها القنبلة الذرية الأميركية ، بالمدينة اليابانية التي أعلنت نكبتها بداية عصر مرعب جديد للإنسانية: عصر الرعب النووي. غير ان الفيلم تجاوز ذلك الأمر كثيراً، ليصبح « إدخالاً للمسار الذاتي في سيرورة جدلية الوعي لدى الانسان». والفيلم يتابع 24 ساعة من حياة ممثلة فرنسية متزوجة في الثلاثينات من عمرها كانت تعمل في قدمت الى هيروشيما خلال شهر اب 1957 لكي تعمل على فيلم دولي من اجل السلام لتعيش مغامرة حب خاطفة مع مهندس معماري شاب ياباني. ولكن قصة حبهما يلازمها شبح المأساة في هيروشيما من جهة وذكرى تجربة سابقة لها إبان شبابها عندما أحبت جنديا ألمانيا أثناء الاحتلال النازي لفرنسا حيث قتل ذلك الجندي أمام عينيها عند تحرير باريس من الألمان ومن ثم عوقبت بحلق شعرها الأمر الذي دفعها إلى الانزواء.
وعرض فيلم رينيه الأحدث " ليس على الفم " انتاج 2003 وهو ميوزيكال سينمائي ممتع مستل من منصة وفضاء المسرح من تمثيل سابين آزيما , أودريتوتو , بيير آرديتي , لامبير ويلسون , وايزابيل نانتي . .. بعد زواجها من في الولايات المتحدة من المدعو ايريك تومسون , تعود جيلبيرت الى باريس وتتزوج من جورج فالندري وهو ثري يعمل في التعدين . ولكن يتم اخفاء خبر الزواج الذي لم يسجل في القنصلية الفرنسية بأمريكا ,بعناية عن هذا الزوج المؤمن بالسعادة الزوجية انطلاقا من كونه الزوج والرجل الاول لامرأته وحدها ارليت بوماياك اخت جيلبريت التي ماتزال عازبة تعرف السر . ولكن بمحض الصدفة يدخل الزوج الاول بعلاقة عمل مع الزوج الثاني القادم من امريكا ويتخذه صديقا . الزوج الاول ايريك يرغب ان تعود له جيلبريت وتتطور الاحداث مع وجود شخصيات اخرى تمنح العمل الغنائي نكهة كوميدية خفيفة لتنتهي الاحداث بزواج تومسون من الاخت العزباء
صاغ آلان رينيه الفيلم في شكل جمل سينمائية تجمع الغناء بالموسيقا بالفضاء المسرحي . ليقدم عملا ممتعا من سينمائي متمرس
وعرض فيلم " ثلاثة الوان ابيض " للمخرج السينمائي البولندي الراحل « كريستوف كيشلوفسكي» الذي يعتبرمن كبار فناني السينما في العالم، فارق الحياة عام 1999 عن 55 عاماً انجز خلالها روائع سينمائية وضعته بمصاف تاركوفسكي وفلليني وبيرغمان.
وكيشلوفسكي مخرج سينمائي يؤمن بالبحث الطويل على صعيد بناء الشخصيات والاحداث، يؤمن بالجدل الفلسفي، هكذا ،في جميع افلامه..
من اشهر افلامه « الحياة المزدوجة لفيرونيك» و ثلاثية الألوان « أزرق، ابيض، احمر، » التي هي الوان العلم الفرنسي
في فيلم «الابيض» المعروض ضمن هذه التظاهرة المرأة عبر بحثها عن الذات، تحلق في فضاءات المساواة ... وهنا المرأة بمساحات واسعة من العمق، حيث الاختيار فعل يتجاوز « قدرية الاختيار» الى موضوعية الاختيار، وهي مرحلة متقدمة وصعبة في تاريخ المرأة الجديدة....
كيشلوفسكي في «الابيض» يعطي اهمية خاصة للتفاصيل الصغيرة، وهو ينجح في توصيل أحزان وأوجاع ابطاله بشكل مؤثر من خلال الايماءات الدقيقة والصورة الموحية, و يهيمن البياض في هذا الفيلم، الابيض منتشر على امتداد الفيلم سواء عبر الاشياء او المناظر والصور، انه لون الثلج، الارضية ، نفق المترو، الملاءات، التماثيل ، البياض هنا يوحي بالخواء لكنه الخواء الذي يمكن ان يشكل بداية جديدة، فكل فراغ قابل للامتلاء، الخواء ليس عدمياً ، بل ينتظر من يملؤه ويشحنه بطاقة الحب.
في فيلم «الابيض» سينما المتعة وسينما الحوار وسينما الرسالة والطرح الفلسفي الراقي الذي يعمل الفكر والعقل ويفجر الذات.
وهكذا هي افلام كريستوف كيشلوفسكي، سينما تذهب الى العقل، تستفز الوعي... تفجر الاسئلة ولا تطرح الحلول، تدعو للاكتشاف، تتعامل مع الواقع بموضوعية ونبض فني مرهف وغاية في الشفافية.. وعبر تلك الشفافية تأتي الصور... وتأتي الرؤية والمتعة
كما عرض الفيلم السويسري " المطـْـلـَق " 2004 إخراج: روميد فيدر وهو الفيلم الطويل السادس للمخرج وبطولة فنسنت بونيللو , أيرين غوديل , فرنسوا نادين و ديلفين لانتسا. نشاهد في هذا الفيلم الحافل بالمغامرات المنوعة كيف يحاول شخص مثالي من التيار المضاد للثقافة العالمية يدعى /أليكس/ الحيلولة دون انعقاد مؤتمر قمة زعماء العالم وذلك بمساعدة صديقه /فريد/ البارع في علوم الكومبيوتر. يقرر الرجلان ابتزاز السلطات السياسية والمصارف الكبرى والجهات الراعية والمنظمة لمؤتمر القمة العالمي عن طريق تهديد تلك الجهات بنقل فيروس كومبيوتر يستطيع التدخل في أنظمة المعاملات المالية في مؤسسة البنك الدولي في حال استمرار الاستعدادات لعقد تلك القمة. إلا أن انهماك /أليكس/ وتكريس نفسه لأجل هذه القضية يجعل عشيقته تهدد بإنهاء علاقتها به. يتعرض /أليكس/ إلى حادث سيارة في اليوم المقرر لإطلاق الفيروس. عندما يسترد وعيه في المستشفى يعلم بأنه ظل في غيبوبة لمدة يومين ولا يستطيع أن يذكر شيء عن يوم الحادث. يزداد /أليكس/ قلقاً وتشويشاً ويحاول معرفة ما حصل بمساعدة اثنين من الأطباء ويوافق على اتباع علاج جديد يعيد له ذاكرته. لكن الحقيقة التي يكتشفها تبين بأنها معقدة أكثر مما يخطر بباله: فصديقه /فريد/ اختفى وكلما بحث في أعماق ذاكرته، تختلط الحقائق والخيال امامه بحبكة معقدة وتجعل من المهمة أكثر صعوبة .. ويحاول اليكس الخروج منها , خاصة بعد ان تتكشف له أمور تدعو للقلق ..
وعرض من فرنسا فيلم " عمل جميل " إخراج كلير دوني تمثيل دوني لافان , ميشيل سيوبور , وغريغوار كولان . في جيبوتي تقوم فصسلة من الفرقة الاجنبية الفرنسية باشغال نفسها قدر المستطاع , وهذا تحت أنظار السكان المحليين المستمتعة , واللامبالية احيانا , تقوم بالتمارين البدنية واصلاح الطرقات وارتياد علب الليل المحلية . وبعد عدة سنوات في مرسيليا يتذكر المساعد السابق غالوب الزمن الذي كان يقود فيه المجموعة قبل ان يطرد من الفرقة . كان حينذاك قد اثار انتباهه بشكل خاص مجند شاب جديد اسمه سانتان , كما اثار انتباه الرائد فورستييه الذي يخلص له غالوب أشد الاخلاص .
كما عرض من فرنسا فيلم " قال لي اصيعي الصغير" من اخراج باسكال توما وبطولة كاترين توما , أندريه دوسولييه
#محمد_عبيدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟