ماهر رزوق
الحوار المتمدن-العدد: 6497 - 2020 / 2 / 22 - 15:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكثير من الباحثين و المفكرين و النقاد يسعون دائما إلى اكتشاف الأسباب الكامنة وراء إيمان الكثير من البشر بالخرافات و الماورائيات ، لكنهم يهملون السؤال الأهم : لماذا لا يؤمن البعض !!؟ لماذا يختار هؤلاء البحث عن حقيقة الأشياء بالرغم من أن الطريق إلى تلك الحقائق محفوف بالمخاطر و التعب !!؟
ما الذي يدفع شخص ما إلى التفريط بدعم مجتمعه و احتوائه له . يخاطر بمخالفة الجميع ، فيخسر صداقتهم و قرابتهم ، كما يخسر كل الطرق الممكنة لإشباع رغباته و غاياته بدون عوائق و صعوبات !!؟
هذا هو السؤال الأكثر أهمية من وجهة نظري ، فالإيمان هو الطريق الأسهل و الأبسط نحو راحة البال ، فلماذا يختار البعض منا ، التضحية بهذه الراحة مقابل البحث عن الحقيقة !!؟
إذا نظرنا للأمر من ناحية تطورية ، يمكننا القول أن الانتخاب الطبيعي لطالما فضّل الأشخاص غير الأنانيين و الذين يعملون بجد لصالح الجماعة أو المجتمع الذي ينتمون إليه . يعتقد البعض أن الأنانية ، كصفة ، مفضلة دائما من قبل التطور ، و هو أمر صحيح إلى حد ما ، فالشخص الذي يفضل جماعته ، يتعامل بأنانية مع الجماعات الأخرى ، لكنه و كنتيجة لأنانيته : يتعامل بإيثار مع جماعته بحيث يفضّل نجاتها حتى على نجاته هو !!
و الباحث عن الحقيقة يفضّل مصلحة جماعته على راحته الشخصية ، و ربما على حياته ، لأن المجتمعات لا تتقدم بالمعتقدات ، و إنما بالعلوم و الاكتشافات !!
أما إذا نظرنا إلى الأمر من ناحية أخلاقية ، فإن الشخص الذي يعرف حقيقة شيء و يخفيه عن الآخرين _مع العلم أن هذه المعرفة قد تساعد جماعته على النجاة و ترفع من شأنها _ هل يمكن اعتبار عمله أخلاقياً !!؟
يشعر البعض بالمسؤولية الأخلاقية تجاه مجتمعهم ، عندما يلاحظوا تقدم المجتمعات الأخرى و تخلّف مجتمعاتهم ، فيعمدون إلى تنوير أكبر عدد ممكن من الأفراد حتى لو أدى ذلك إلى فنائهم !!
تختلف القدرة على التجاهل بين شخص و آخر ، فالبعض يستطيع أن يتجاهل كل الاكتشافات و الأبحاث العلمية ، و يهنأ براحة البال الناتجة عن الإيمان المتوارث ، و البعض الآخر لا يستطيع ، و ربما أن هذا الإختلاف هو السر الأهم لتفوق الجنس البشري و سيطرته على كوكب الأرض !!
يمكننا تشبيه هؤلاء المختلفين _ ضعيفي القدرة على التجاهل _ للطفرات الوراثية التي تعد أحد أهم أساليب التطور نحو تغيير الأنواع و ترقيتها !!
#ماهر_رزوق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟