أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فارس إيغو - علي عبد الرازق ورحلة الشك المتعبة التي إنتهت بالإخفاق الكامل















المزيد.....


علي عبد الرازق ورحلة الشك المتعبة التي إنتهت بالإخفاق الكامل


فارس إيغو

الحوار المتمدن-العدد: 6497 - 2020 / 2 / 22 - 13:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن رحلة الشك في ثقافتنا العربية المعاصرة والحديثة قادت بعض المفكرين الى متاعب لا يمكن تصورها، وتحملها بسهولة، على أشخاصهم وعلى أسرهم والمحيطين بهم. لقد كان على الشيخ الأزهري الورع علي عبد الرازق الذي شك في "شرعية" الخلافة في الإسلام، أن يقوم برحلة فكرية طويلة ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في قصة الخلافة الإسلامية التي لم تجد حلاً فقهياً لها الى يومنا هذا. يشرح علي عبد الرازق في بداية رحلة الشك المريرة هذه في مقدمة كتابه الإسلام وأصول الحكم بداياتها، يقول:
((وليت القضاء بمحاكم مصر الشرعية، منذ ثلاث وثلاثين وثلاثمئة وألف هجرية (1915م) فحفزني ذلك الى البحث عن تاريخ القضاء الشرعي. والقضاء بجميع أنواعه فرع من فروع الحكومة، وتاريخه يتصل بتاريخها اتصالاً كبيراً، وكذلك القضاء الشرعي ركن من أركان الحكومة الإسلامية، وشعبة من شعبها، فلا بد حينئذٍ لمن يدرس تاريخ ذلك القضاء أن يبدأ بدراسة ركنه الأول، أعني الحكومة في الإسلام.... وأساس كل حكم في الإسلام هو الخلافة والإمامة العظمى ـ على ما يقولون ـ فكان لا بد من بحثها)) (1).
ثم يضيف في مقطع أخير من مقدمته قائلاً:
((أما بعد فإن تلك الورقات هي ثمرة عمل بذلت له أقصى ما أملك من جهد وأنفقت فيه سنين كثيرة العدّد. كانت سنين متواصلة الشدائد، متعاقبة الشواغل، مشوبة بأنواع الهم، مترعة كأسها بالألم. أستطيع العمل فيها يوماً ثم تصرفني الحوادث أياماً، وأعود اليه شهراً ثم أنقطع أعوماً، فلا غرو أن جاء عملاً دون ما أردت له من كمال، وما ينبغي له من اتقان، بيد أنه على كل حال هو أقصى ما وصل اليه بحثي، وغاية ما وسعت نفسي)) (2).
فإنطلق الشيخ الازهري الورع يستطلع التاريخ الإسلامي والنصوص الى أن اكتشف أخيراً فراغ الفكرة، وأن لا حقائق وحجج تدعمها، سواء في النصوص (القرآن والحديث)، ولا في التاريخ العربي الإسلامي. فوضع الرجل جهد سنوات عدّة بذلها في مُسائلة النصوص في كتابه الشهير، والذي أنهاه بالمقطع التالي المُزلزل ليقينيات المؤسسة الدينية الرسمية وللسلطة السياسية الممثلة بالملك فؤاد الذي كان يتنافس مع الأمير عبد العزيز آل سعود على منصب الخليفة القادم بعد إنهاء الزعيم أتاتورك للخلافة العثمانية، يقول عبد الرازق:
((الحق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيأوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عز وقوة. والخلافة ليست من الخطط الدينية، ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم، ومراكز الدولة. وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفه، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها، ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا، لنرجع فيها الى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة.
لا شيئ في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى، في علوم الاجتماع والسياسة كلها، أن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم، على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم)) (3).
بالطبع، الكل يعرف ماذا جرى للرجل بعد نشره للكتاب. فجأةً أصبح عبد الرازق منبوذا ومطارداً من قبل جماعته الازهرية، وقد حوكم وأُنزل فيه أشد حكماً يصدر بإنسان شكك في الأفكار التي تلقاها عن طريق النقل، فطرد من وظيفته في الازهر، ومنع من ممارسة القضاء، ووصل الأمر بالمفتي محمد بخيت بتكفيره وحتى رفض توبته إن تاب: ((لكن المؤلف قصد أن يعيب الرسول وينتقصه بما هو براء منه فتقوّل عليه وعلى شرعه وحكمه وافترى هذه الأقاويل التي ما أنزل الله بها من سلطان، فكان بذلك كافراً وأكثر الحنفيّة على عدم قبول توبته في حق إقامة الحدّ عليه إن تاب)) (4). وقبع الرجل سنوات في منزله في قريته، الى أن قرّر يوماً مراجعة مراجعاته، فتراجع عن آراؤه كلها منضوياً من جديد الى حضن الجماعة التي قبلت توبته، فأعيد تأهيله ليعتلي فيما بعد أعلى المناصب الدينية في مصر قبل أن يتوفّاه الله عام 1966.
وقبل أن يغادر هذه الفانية بستة أشهر عملوا معه حوار، وفي أثناء الحوار قال له الصحافي أن هناك دار نشر تريد نشر كتابك، فانقبض علي عبد الرازق وانزعج كثيراً، وقال: سأرفع قضية على دار النشر إن فعلت، ممنوع، هذا الكتاب نسيته تماماً. مما يشير الى الصدمة الكبيرة التي عاناها المؤلف جراء المحاكمة والمطاردة والغبن العظيم والتكفير الذي واجهه بعد صدور الكتاب.
هذا التراجع والإقرار بالهزيمة من جانب التيار التنويري شهدناه مؤخراً في المؤتمر الدولي للتجديد الديني الذي عَقَده الأزهر في القاهرة يومي 27 ـ 28 يناير، حيث كان رد رئيس جامعة القاهرة على الهجوم المباشر من طرف شيخ الأزهر الذي دافع عن التراث والأشاعرة، رداً إنسحابياً وإنهزاميا، عندما ردّد مرتين ((لقد أسيئ فهمي))، بدلاً من تسجيل موقف قوي والانسحاب مباشرة من المؤتمر. وألم يكن بالأحرى على شيخ الأزهر ـ والذي يُنظّم المؤتمر في بيته وبين رجاله الذين أقاموا حفلة تصفيق لشيخهم الأكبر سماها أحد المدونين على الفايس بوك بأنها ((جهاد التصفيق)) ـ أن يستمع الى كل الآراء النقدية ـ على قلتها في هذا المؤتمر ـ ويترفع نظراً لمنصبه الرفيع والشهادات الفلسفية العالية التي يملكها عن الرد بهذه الطريقة المباشرة على رئيس جامعة القاهرة المختص بالفلسفة الدينية وله العديد من الكتب والدراسات في هذا المجال.
وربما، أن رحلة الشك والمُسائلة يلزمها الكثير من الشجاعة والصبر على المحن، وبأن ليس كل البشر قادرين على مكابدة هذه المغامرة الشاقة، لذلك فإن الكثيرين منهم، لا بل غالبيتهم، يفضلون الإنضواء الى حضن الجماعة المهيمنة الدافئ والمريح، فهذه المغامرة المتفردة ليست مهيئة إلا للأشخاص الذين حازوا على الحرية العميقة، هذه الحرية التي لا تستطيع إقتلاعها القوة الخارجية للاستبداد الديني والسياسي.
(1) علي عبد الرازق ((الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام))، دراسة ووثائق بقلم د. محمد عمارة (منشورات الطبعة العربية الجديدة، 2000)، ص:111.
ولقد صدر الكتاب لأول مرة في أبريل/نيسان عام 1925.
(2) نفس المصدر، ص:112.
(3) نفس المصدر، ص: 182.
(4) د. محمَّد الحَدّاد ((حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العَربي)) (دار الطليعة، بيروت 2002)، ص: 62، نقلاً عن كتاب مفتي الديار المصرية محمد بخيت ((حقيقة الإسلام وأصول الحكم))، القاهرة، المطبعة السلفية، 1344 هـ، ص: 269.



#فارس_إيغو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب الإيديولوجية الألمانية وبداية الأوهام الماركسية
- نحو الطريق الشاق الى الديموقراطية في الجزائر
- ظاهرة المدون السوري إياد شربجي على الفايس بوك
- الجزائر على منعطف الطريق نحو التحول الديموقراطي
- مارسيل غوشيه والثورات العربية: عودة الدين أن بداية نزع السحر ...
- الديموغرافيا وثورات الربيع العربي
- الصين الشعبية من ماو الأول الى ماو الثاني
- هل ينجو السودان من مخاطر المرحلة الانتقالية
- المفكر الإسلامي وحرية النشر
- الخطاب الأيديولوجي وسرير بروكست
- الصراع بين العسكر والإخوان في المنطقة من خلال العلاقات الترك ...
- خطر اللبننة في الغرب: من حوادث التخريب في الشانزليزيه الى اح ...
- العرب والتراث: معضلة وجودية
- كيف يمكننا تسمية عصرنا الحالي؟
- الأصولي ومفهوم الرهاب والتطهّر
- الشعب ضد الديموقراطية أو الديموقراطية ضد الشعب
- بين استراتيجيات الإصلاح النهضوي للشيخ وداعية الليبرالية، وال ...
- المفارقة العالمية العولمية
- من المحيط الى الخليج: رياح منعشة تهب علينا من جبال الاطلس
- هل تصبح العلمانية ضحية التحديث والعلمنة؟


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...
- ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير ...
- المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من ...
- ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
- الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس ...
- عاجل| يديعوت أحرونوت: الكنيست يصدق بقراءة تمهيدية على مشروع ...
- اللجوء.. هل تراجع الحزب الديمقراطي المسيحي عن رفضه حزب البدي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فارس إيغو - علي عبد الرازق ورحلة الشك المتعبة التي إنتهت بالإخفاق الكامل