سعيد مبشور
الحوار المتمدن-العدد: 6495 - 2020 / 2 / 20 - 19:59
المحور:
الادب والفن
الحياة في نهاية المطاف اختيارات أنت وحدك المسؤول عنها .. حتى وإن كانت هذه الاختيارات قد تقررت في لحظة هروب من وضع ما أو لجوء إلى وضع مغاير أو انزياح بحثا عن الذات والهوية أو خضوع طوعي لسلطة الاجتماع البشري .. أنت الذي اخترت طريقك وأنت الذي مضيت فيها .. فتحمل يا صديقي ..
قد يحدث أن تشعر بالأسى على مواقف وقرارات اتخذتها في مرحلة ما من مراحل حياتك .. فكان لها الأثر الكبير في تغيير مجرى أيامك والوقع البالغ في تحديد مساراتك .. يحدث أن تتذكر بأسف كبير كيف إنك اخترت في لحظة ما أن تمشي في النهج الخطأ وتتبنى الفكرة غير المناسبة وترافق الشخص اللاملائم .. كيف إنك رتبت حياتك داخل توجه عقدي أو فكري أو سياسي آمنت به وصدقت في الولاء إليه وللمجموعة البشرية التي ترفع شعاراته، لتكتشف فيما بعد أنك وأنت في غمرة الحماس والانغماس النفسي قد ضيعت أوقاتا لا تسترجع وفرصا لا تعوض .. كيف إنك ظللت حارسا للمبادئ والقيم حريصا بشكل هستيري على عدم التلوث بشبهة انحراف أو تحريف أو فساد .. وكيف أن غيرك كان يصنع مستقبلا آخر غير ذاك الذي كنت ترعاه ذهنيا لأفكارك وشعاراتك ومبادئك .. فيما قبعت أنت في ماضيك الرومانسي الجميل .. ذلك الماضي الذي لا يعاد يا صديقي .. وإنما يستعاد فقط في الذاكرة ..
وها قد اكتشفت متأخرا غربتك .. وانحيازك الأعمى إلى اللانهائي .. ورغبتك الساذجة الدائمة في تكرار نفسك .. ودأبك على أن تكون في كل مرة أطهر من مروا من حولك .. ومن حولك تتغير كل الأشياء إلا أنت .. حتى الذكريات يا صديقي لم تعد كما كانت وردية .. صارت أشبه بفيلم رديء الصوت والصورة والمعنى .. والزمن لم يعد كما ألفناه منسابا بتؤدة ورزانة .. صار الزمن مجنونا يا صديقي .. غدا هائما على وجهه لاهثا كحيوان مسعور .. أ تدري ؟! : لم يعد للزمن أي احترام للوقت !.
قد يحدث أن تتوقف مليا لتسأل نفسك عن أي شيء .. فلا تجد الجواب .. ذاك يا صديقي هو التيه في دراما منتصف العمر الأخير .. ولأنك تشعر بقطار العمر يمضي سريعا يحرق المراحل والمحطات .. تزداد رغبتك في أن تتعلم فن الخسة .. تريد أن تكون خسيسا ولو لمرة واحدة في حياتك .. تريد أخيرا أن تقلد من يدورون حولك من الانتهازيين .. وهم كثر ومنتشرون كذباب المزابل .. فلا تستطيع .. تعود في كل مرة إلى نبلك وشهامتك .. تغلبك عاطفتك الجياشة ونظرتك البليدة للحياة في نظر الأكثرين ..
لا عليك صديقي .. لا تستطيع التحول إلى ما لا تريد حقا .. فكن أنت فقط .. لا شيئا آخر .. ستعيش أوقاتا عصيبة من الكآبة والشرخ النفسي .. ستشعر بكل أنواع الآلام .. وحده ألم الولادة من جديد لن يراودك .. لأن اختياراتك تحولت يا صديقي ببساطة إلى قدر !!.
#سعيد_مبشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟