أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!













المزيد.....

إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 6495 - 2020 / 2 / 20 - 00:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أثناء المرض الأخير لنبي الأسلمة وهو طريحًا على فراش الموت ، بدأت تظهر إرهاصات الآراء الشاذة من لدن بعض صحابته تحت تعريشة بني ساعدة، وذلك كآراء شخصية لمن زعم منهم آنذاك بأحقيته في خلافته، متحججًا إمَّا بقرابته للنبي ( من أهل البيت) وإمَّا لأولوية استسلامه له ولعقيدته … أو لحجج أخرى مختلقة، ورفعوا السيوف على بعضهم البعض، وكادوا يقتلون بعضهم بعضًا. ولم يكن للدين أي دخل في هذا الصراع، الذي استمر على حاله منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
تشعبت تلك الآراء وأصبحت فتاوى تشمل كل مجالات الحياة، استنادًا - في غالب أمرها - إلى أقوال نسبت للنبي أو إلى أفعال قام بها، وأصبحت تعرف بالآراء الفقهية الهادفة إلى توصيل الأحكام الإلهية لعوام المكلفين الذين لا سبيل لهم سوى اتباع ما تأتي به الفتوى من أحكام شرعية تهديهم إلى الحكم بما أراد الله ورسوله، وترفع عنهم مشقة البحث والاستنباط لافتقارهم إلى أدواتهما، والتي لا تتوفر إلَّا لدي الفقهاء ورجال الدين، بصفتهم خلفاءُ الله بين عباده، ليخبرونهم عن مراد الله ورسوله.
ومع تكرار الفتوى وانتشارها وتعدد اتجاهاتها، تمخض عنها ما يُعْرف بـ”الِاجتهاد“ الذي يعتبر خاصية مميَّزة ودائمة من خواص أمَّـة المتأسلمين دون غيرها من الأمم. هذه الخاصية هي محاولة ربط حركة الحياة ومستجداتها المختلفة بتأويل (تفسير) القرآن وأقوال وأفعال النبي الكريم، التي كتبت من قبل السلف (الصالح) بعد موته بمئات السنين، وكأنهم عايشوها بأنفسهم، فلم تفوتهم شاردة أو واردة من حياته. بيد أن تلك الآراء على طول التاريخ الفقهي، ومع تعدد الفرق والمذاهب الفقهية، لم تخل من الاختلاف والتباين، فلكل فرقة أو مذهب أدلته وأصوله ومرجعياته التي بنى عليها فقهه، وبكل منها آراء تخرج عن فهم العقل إلى دائرة الشذوذ، فامتلأت بطون الكتب التراثية بالآراء الشاذة والسموم الفقهية، وكل ما يستقبحه العقل البشري، وينفر منه الضمير الإنساني.
قبل ظهور الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) كانت تلك الآراء كامنة بكل اختلافاتها وتناقضاتها وشذوذها وسمومها حيث وجدت في بطون الكتب، بعيدة عن اهتمامات المتأسلمين عامة، ولا يتعامل معها سوى رجال الدين والدارسين لفقه الدين وتراثه المكين، وكانوا يمرون عليها بصمت ودون اعتراض لاعتبارها مقدسة من ناحية، وتؤهلهم من ناحية أخرى للعمل والشهرة وكسب المال. ولكن مع ظهور الشبكة العنكبوتية واحتوائها على دراسات علمية موثقة للأديان جميعها إلى جانب النواحي الحياتية الأخرى، بدأ رجال الدين الإسلاموي يفقدون توازنهم المزيف ويتخبطون في ردودهم على المسكوت عنه في ديانتهم، فنزلوا على ما تحويه هذه الكتب نزول الدواب، في محاولات يائسة للدفاع عنه دفاعًا مميتًا أو تبريره بسذاجة ولا منطقية. وأصبح حالهم يقول: مادامت السموم قد انكشفت، فلا بد من الاجتهاد في البحث لها عن مصوغات (شرعية)، بدلا من الاعتراض عليها أو انتقادها!.
وبدنا نرى ونسمع عن أشياء لم يدر بخلد أحد أنَّ يسمع عنها شيئًا قط؛ رأينا وسمعنا الشيخ متولي الشعراوي يقود في زمنه بوادر منظومة لا إنسانية، بل ولا أخلاقية، فيحرّم - مثلا - الغسيل الكلوي لمرضى الفشل الكلوي ويحرِّم نقل الأعضاء من الميت أو المتبرِّع لإنقاذ حياة شخص ما!، لأن في ذلك تعدٍّ على إرادة الله، وإنكارًا لمشيئته.
ورأينا الشيخ محمد الغزالي يشهد أمام القضاء في أعقاب اغتيال المفكر الدكتور فرج فودة ويعتبره « كافرا ومرتدا» لما جهر به من أفكار ودوَّن من كتابات. ففي أثناء محاكمة القاتل أفتى بجواز « أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها.. وإن كان هذا افتيات على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة» حسب تعبيره. وبذلك دافع عن القتلة باعتبار: «انهم أدُّوا الفريضة، لأن فرج فودة قال وكتب ما يخرجه عن دينه ويضعه في حكم المرتد».
وتوالت هذه المنظومة القذرة واشتدت بعد ذلك تحت جاذبية البترودولارات المتسعودة والخليجية، فرأينا وسمعنا الشيخ أبو إسحاق الحويني يقول بضرورة الجهاد في سبيل الله، ولا يرى سببًا لانحطاط وفساد المتأسلمين سوى توقُّف غزواتهم وعدم قتلهم المشركين وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم، واغتصابهن أو بيعهن في سوق النخاسة والعبيد.
ولكن من أغرب الفتاوى التي وردت على لسان هذا الشيخ هي تشبيهه وجه المرأة بفرجها بقوله: "وجه المرأة كفرجها".
ورأينا وسمعنا أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور صبرى عبدالرؤوف يبيح للزوجين تصوير العلاقة الجنسية بينهما، وأن يشاهداها معا في وقت لاحق من قبيل الاستمتاع والإثارة - وفق قوله. ويقول خلال لقاءٍ مُتلفز معه على فضائية مصريّة، إنه يمكن للزوجين تصوير العلاقة الزوجية بينهما، شرط ألا يطلع أحد غيرهما على هذه المشاهد.
كما أفتى فضيلته بـ”نكاح الميتة“، وذهب إلى أن معاشرة الزوج لزوجته الميتة  لا يعد "زنا"، ولا يقام عليه الحد أو أى عقوبة، لأنها شرعياً أمر غير محرم، والفعل الحقيقى أنها زوجته،  
وزميلته الدكتورة سعاد صالح أفتت بـ”نكاح البهائم“، لكن ما أفتيا به ليس جديداً على الإطلاق، إذ إنها كانت محور جدل كبير فى المملكة المغربية منذ سنوات، لذكرها بوضوح فى بعض كتب التراث، والتى أكدت أن "نكاح البهيمة" و"نكاح الميتة" لا "حد فيهما" ولا "مهر" للميتة إذا كانت زوجته.
ومع ذلك نقرأ لابن عباس حديث رواه أحمد وصححه الألباني يقول: قال رسول الله صلعم: ملعون من وقع على بهيمة.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلعم: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وغيره.
ودخل إلى المباراة الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس جمعية الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل فأفتى بإيجاز استعمال القضيب الذكوري من قبل النساء الغير متزوجات لأنه ليس بزنا، وإنما يدخل في باب الاستمناء، والدافع إليه هو التعفف عن الزنا!
أمَّا شيخ المشايخ الدكتور الشهير يوسف القرضاوي فقد أجاز نكاح اليد، فقال: "وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه اعتبر المني فضلة من فضلات الجسم، فجاز إخراجه كالفصد"، وهذا ما ذهب إليه وأيده ابن حزم.
ورأينا وسمعنا أكثر من شيخ من كبار المشايخ يفتي برضاعة الكبير، ولكنهم كالعادة اختلافوا على كيفية إتمامها! أنظر:
https://www.alquds.co.uk/الشيخ-علي-جمعة-يشرح-كيفية-إرضاع-الكبير/
وسبق للشيخ الدكتور علي جمعة أن دعا صراحة الزوج أنَّ يخطر زوجته بموعد عودته إلى البيت حتى لا يفاجأ بأحد غيره معها
فقال فضيلته في ”مجلس علم للرجال“ في مسجد السلطان حسن: «إن كنت في سفر فيجب عليك ألا تعود إلى بيتك، قبل أن تخبر زوجتك بالتليفون، وذلك احتراماً لزوجات المسلمين لأن «الإيتيكيت» الإسلامي يقول لك أن تتصل بالزوجة قبل أن تصل البيت، لكن الشك الشيطاني يقول لك: «افرض إن معها واحد أو رجل غريب» عادي اتركه يمشي، اتصل بالتليفون يا أخي، هذا هو الجمال والحلاوة، إنما هناك ناس لا يريدون الحق، سيجنون نتيجة مخالفتهم الشرع وسيضطر الزوج لتطليق الزوج إذا سيطر عليه الشك أو وجد معها أحداً».
وأضاف: « فوِّت لزوجتك ولا تدقق لها في كل شيء، وهذا التفويت من الدين، وإن عرفت أنها زنت يجب عليك أن تطلقها، فمن تاب تاب الله عليه، وإن لم تعرف أنها زنت، لا تبحث ولا تفتش وراءها».
وقرأنا عن فضيلته عندما كان مفتيًا للجمهورية أنه أجاز إجراء عملية لاستعادة غشاء البكارة، (الفتوى رقم 3438 بتاريخ 28/12/ 2003)، بأن تلجأ الفتاة لرتق غشاء البكارة درءًا للمفسدة التي تترتب على عدمه، وأجاز أيضًا للطبيب فعل ذلك ولو بالأجر، إلا في حالة واحدة، وهو إن اشتهرت تلك الفتاة بالزنا أو حدّت فيه، فلا يجوز ذلك لانتفاء العلة!.
رأينا وسمعنا أكثر من شيخ يفتى بأن يعير الزوج فرجَ زوجته لرجل آخر ليفعل بها ما يشاء في حال سفره أو غيابه لسبب ما، كما يعيره أيضًا لضيف نزل في بيتهما إكرامًا له!
أمَّا الداعية الكويتي، عثمان الخميس، فقد نهى -…في إحدى خطبه - عن مشاهدة  المسلسلات التي يوجد بها ممثلات متبرجات.
ونقلوا لنا عن سيدهم البخاريستاني ما ورد في صحيحه عن الصحابي عمرو بن ميمون قال: "رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ".
وريناهم وسمعناهم يقدِّسون ويعظِّمون شرب بول البعير لأنه يشفي الكثير من الأمراض، ويتكلمون بأريحية منقطعة النظير عن رضاعة الكبير لتبرير الاختلاط بين الجنسين في العمل، ويحرمون الاحتفال بعيد الحب، لأنه بدعة من الكفار وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وكيف يحتفل المتأسلم بعيد الحب وديانته تحثُّه صراحة على الكراهية والقتل؟
ورأينا شيخًا آخر يشرح لنا كيف نطعم الجن المسلم ونترك الجن الكافر يموت من الجوع بناء على حديث عن سيده رسول الله!
مزيد من هذه الفتاوى وغيرها نجدها على الموقع التالي:
https://www.alwatanvoice.com/arabic/index.html
تنبه رجال الدين، بعد فوات الأوان، لخطورة هذه الفتاوى الشاذة، فعقدوا مؤتمرًا عالميًا في القاهرة في 19 - 17 / 10/2017 لمناقشة تأثيرها السلبي على الاستقرار في مجتمعات المتأسلمين، وبالتبعية لغير المتأسلمين.
وأخذ المشاركون كعادتهم في الهذيان والكذب الفواح على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم، فالشيخ أبو بكر أحمد، الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند، رئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية بالهند، ذكر عدة أسباب أدَّت إلى الحالة الفوضوية فى مجال الإفتاء:
.1 الجهالة وعدم دراسة الأحكام من منابعها الصافية من المشايخ والعلماء الذين توارثوا العلم من أهله،
.2 عدم إدراك خطر مسئولية الفتوى وما يترتب عليه، فإن الإفتاء فى الحقيقة إخبارٌ عن الله وعن رسول الله صلعم بأن الله أو رسوله أحلَّ كذا، أو حرَّم كذا.
.3 حبُّ الشهرة والشعبية، فصاحب الفتاوى المتساهلة يريد شعبيته، وتكثر جماهيره.
.4 إرضاء الكفار والظلمة والفسقة وأصحاب الدنيا لأجل الحصول على حطام الدنيا الفانية.
.5 العجلة وعدم التأني والوثبة دون نظر ولا تأمل لكي يشتهر بين الجماهير بسرعة الجواب وحدَّة.
من الواضح أنَّ كلام الشيخ يندرج تحت بند هلاوس التحدث مع النفس، وكأن أصحاب الفتاوى الشاذة ليسوا من المشايخ أمثاله، والكثيرين منهم خريجي الأزهر وعاملين فيه، ويحملون ألقابًا علمية عليا!
أمَّا وزير الأوقاف والإرشاد اليمني الدكتور أحمد عطية فقد قال في في كلمته أمام المؤتمرين إن الفتوى مرسوم ديني، يقوم بإصدارها علماء الفقه والشريعة حسب الأدلة الشرعية من القرآن والسنة النبوية. ولفت إلى أنه من المؤسَفُ له أن تصبح الفتوى كلأً مباحًا لكل جائع وشارد، ولكل عصابة مارقة امتهنت الفتوى لتقتات بها على دماء الأبرياء، فتشرِّع للجرائم وتؤصِّل للعنف وتُقَنِّن للإرهاب وتُنَظِّر للتطرف، فويلٌ لهؤلاء وهم - باسم الله - يسفكون الدماء وينتهكون الحرمات ويعتدون على الحقوق والممتلكات، ويروعون الآمنين ويثيرون الفتن ويشعلون الحروب.
وبذلك يكون وزير الأوقاف اليمني قد اقترب قليلًا من الحقيقة، ولكنه توقف عن القول بأن تلك العصابة المارقة لديها فتاويها المثبتة في القرآن والسنة، وأن لها في نبيه ونبيها (الكريم) أسوة حسنة فيما تسفك من دماء وتنتهك من حرمات وتعتدي على الحقوق والممتلكات، وتروَّع الآمنين وتثير الفتن وتشعل الحروب!
وقال الدكتور محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إن ما أصاب العالم والمجتمعات من انتشار موجات التكفير والإرهاب واستباحة الدماء مما يلقي بالمسؤولية الكبيرة على المفتين ودُور الفتوى في مواجهة هذا البلاء والتخريب الذي بات يهدد أمن واستقرار المجتمعات. وأكد أن الإرهاب من أبرز أسباب عدم استقرار المجتمعات لأنه يضرب السلم والأمن المجتمعي، خاصة في عالمنا المعاصر الذي انتشرت فيه موجات الإرهاب والعنف المسلح ووجود جماعات وتنظيمات إرهابية تعمل على التخريب والفساد، وزعزعة الأمن والاستقرار بالتفجير والاغتيال والقتل وإزهاق الأرواح بدعوى الجهاد، ولكن يبقى الفرق واضحًا بين الجهاد والإرهاب … ولا يمكن بأي حال نسبتها إلى الجهاد الإسلاموي الشرعي. وهو يُقصد بالتأكيد جهاد نبيه الكريم بالاعتداء على الآخرين وإخضاعهم له ولعقيدته بحد السيف وقتل رجالهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم واغتصابهن في وضح النهار وتحت حماية إلهية!.
كما أوضح فضيلته في كلمته أن للفتوى دورًا مهمًّا في حث الناس على الابتعاد عن الغلو والتطرف لأن الإسلام دعا إلى حقن الدماء، وحب الأوطان، ومراعاة حقوق الإنسان بصفته الإنسانية، وبيان حقيقة المقاصد الشرعية.
ويتمادى الدكتور عفيفي في كذبه فيقول إن علماء الأزهر أكدوا أن الجرائم التي يرتكبها تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية تتناقض مع قدسية الحياة التي أقرها القرآن الكريم، والإسلام بعقيدته السمحة والسهلة والميسرة التي جاءت لإشاعة الرحمة والأمن والسلام في هذه الدنيا. وبالطبع لم يستطع مخالفة الأزهر وتكفير الدواعش أو غيرهم، رغم تناقضهم مع قدسية الحياة المزعوم إقرارها في قرآنه!
 ولأنَّ كل شيخ يبكي على ليلاه، قال الدكتور مرزوق أولاد عبد الله رئيس جامعة أمستردام الحرة بهولندا إنَّه مع وقوع أي عملية إرهابية تتجه الأنظار نحو المتأسلمين، فلقد أحدثت تلك العمليات الإرهابية زلزالًا بينهم وبين غيرهم. وأضاف أن الغرب أصبح يخاف المتأسلم لأنه عند ذكره يتذكر الدم والتفجير، فلا شك أن موجة التطرف التي اجتاحت أوروبا أثرت على الإسلاموية وتمثل تهديدًا للبشرية، وما لم ينتبه المتأسلمون قادة وشعوبًا وعلماء وأهل العلم والفكر إلى حقيقة هذا الخطر الذي يحدق بالأمة الإسلاموية، سواء داخل العالم العربي والإسلاموي وعند الأقليات المتأسلمة في الغرب، فإن هذا الخطر سيتضاعف مما سيتسبب في فوضى دينية واجتماعية عارمة، وذلك لأسباب متنوعة منها فوضى الفتاوى الخاطئة والمنحرفة والتفسير الخاطئ والمنحرف لآيات القرآن الكريم، وحرص البعض على التكفير وسفك دماء كل من يعارضهم فى كل فتوى، وغيرها من الأسباب.
واختتم الشيخ حافظ جمالي مجو مفتي مدينة كوموتيني بشمال اليونان كلمات المشاركين قائًلا: إن الشذوذ في الفتوى له مفاسد جسيمة، وأخطار عظيمة لا تقل خطورةً عن العولمة، ومما يزيد خطورته، أنه يمس جميع الأبواب الفقهية، فيدلس على المتلقين دينهم، ويهدد أمنهم واستقرارهم من خلال التغرير بهم وتحريضهم على الإفساد وإعطائه صبغة شرعية في ظل استمرار سكوت العلماء، وتضخيم وسائل الإعلام.
وأضاف إذا كان الصحابة تهيبوا الإفتاء وتحاشوه قدر المستطاع وكان الواحد منهم يتمنى أن يكفيه صاحبه الفتوى، وحذروا منه، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "إياكم والرأي، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم، فضَلُّوا وأضلوا".
وبصرف النظر عن التناقض الواضح في قول الشيخ الذي مهنته الإفتاء، مع أن الصحابة تهيبوا وحذروا منه وتحاشوه وأن ابن الخطاب نهى عنه. وبصرف النظر أيضًا عن العداء الأزلي والكراهية الأبدية للعلمانية والغرب، وإقحامهما في كلمات السادة الموصومين بالعلماء دون علم أو معرفة، فمن الملاحظ أنَّ جميعهم حرصوا أشد الحرص على نفس النمط اللفظي الذي يتبناه رجال الدين والفقهاء دائمًا في أية وسيلة إعلامية، وهو عدم التطرق من قريب أو بعيد لجوهر المشكلة وهي النصوص المقدسة التي أفرزت مئات الدواعش على مر التاريخ منذ الخوارج مرورًا بالحشاشين والقرامطة … وحتى الجماعات الإجرامية الحالية، والتي تعتمد جميعها على قرآن النبي الكريم وأقوال وأفعال وجرائم في حق الإنسانية جمعاء.
ومهما تعددت المؤتمرات وتمددت الكلمات، وكثرت المهاترات، فسوف يبقى الحال على ما هو عليه، طالما بقيت النصوص التراثية المقدسة كما هي دون فحص أو تمحيص، أو دون نقد أو تفنيد!
وهذا ما طلعت علينا به مؤخرًّا دار الإفتاء في القاهرة، حيث قالت: إن التجديد ضرورة للتنمية والتقدم، وأوضحت أن التراث كأي نتاج بشري ليس معصومًا ولا مقدسًا، ولكنه ليس سبب المشكلات الحضارية والفكرية التي تعانيها أمتنا الإسلامية، والقطيعة معه هي سبب هذه المشكلات. واضافت أننا نحتاج إلى قراءة التراث قراءة علمية نقدية، تعتمد على استبعاد ما لم يعد مناسبًا لعصرنا مع استبقاء الأسس والمناهج القابلة لاحتواء مستجدات العصر ومفرداته. وشددت على أن الدعوة إلى هدم التراث تؤدي إلى القطيعة الحقيقية بيننا وبين الفهم الصحيح للدين الإسلامي وبين تقدم حياتنا ورقيها.
كلام يبدو من الوهلة الأولى كما لو كان فيه الحل الكامل الشامل لجميع المشاكل المترتبة على انحراف التراث وما فيه من فتاوى شاذة من بدايته، فهل صحيح أنَّه ليس سبب المشكلات الحضارية والفكرية التي تعانيها أمتنا الإسلاموية؟ وإذا كان الأمر هكذا فلماذا يحتاج إلى قراءة نقدية تعتمد على استبعاد ما لم يعد مناسبًا لعصرنا … إلخ؟ وماذا يتبقى منه بعد ذلك؟ وماذا سيكون عمل المفتي وأمثاله في حال المساس به؟
والغريب أنه بعد قرابة 1500 عام ووجود هذا الرهط الغفير من رجال الدين والفقهاء والجامعات والمعاهد والمؤسسات والجمعيات والجماعات الإسلاموية يتحدث فضيلته عن عدم الفهم الصحيح للدين الإسلاموي!
الحقيقة أنه لا أحد يدعو إلى هدم التراث الإسلاموي، ولكنه نفسه قد تعفن وآلى للسقوط، ولا يعرف أحد حتى الآن كيف يمكن ترميمه؟، كما أن القطيعة معه وهو على حاله هذا، سوف تكون لها آثار مدمرة بكل المقاييس، إذ يستمر الموتورون والمجرمون وقطاع الطرق في استغلاله لهدم الحضارات وتدمير العمران وتخريب نفوس العباد.
الآن ولأسباب معروفة أهمها على الإطلاق نضوب معين البترودولارات المتسعودة والخليجية، وتزايد الضغوط الدولية، بدأ البعض من المشايخ يعتذرون عن فتاويهم هذه، على أساس أنهم أخطؤوا، دون القبول بأنَّ يحاسبوا عليها، وبدوا وكأنهم ينتقدون أنفسهم ويصلحون مسارهم الفقهي، ولكنهم لا يقبلون بنقد النصوص التراثية التي اعتمدوا عليها. لقد ضيعوا أجيال بكاملها، ولم يهتموا سوي بمصالحهم الشخصية.
محاسبة أولئك الموتورين يجب أنَّ تشمل محاسبة القرآن وجميع النصوص التراثية الفقهية التي أفرزتهم، كما يجب أن تشمل محاسبة الحكام العجزة والجهلة الذين سمحوا لهم بنشر فتاويهم هذه، وتشمل محاسبة الأزهر وجميع الذين سكتوا عليهم أو انقادوا لهم كالبعير، يجب العمل على تفادي خلق المزيد من أولئك الموتورين، بل والعمل على تقليص عددهم المتزايد كل يوم في المؤسسات والمعاهد ومراكز الوهم الإسلاموية، التي تعيش على أكتاف البسطاء والمغيبين والجهلة المقهورين في بلاد المتأسلمين.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول المعقول في أخلاق الرسول
- خلاصة البيان في تأويل القرآن
- تجديد التراث الذي يريده المشايخ
- ما سبب إضطراب الشخصية المصرية؟!
- الشجرة المحتارة بين الغباء والحضارة!
- لماذا أصبحت مصر مرتعًا للاغتصاب الجنسي؟
- ومازالت الصعلكة مستمرة! 2/2
- ومازالت الصعلكة مستمرة! 1/2
- الإسلاموية في حالة غضب!
- العلمانية حتمية تاريخية وضرورة اجتماعية
- لماذا لا تزول الغُمَّة عن هذه الأُمَّة؟
- إنكار الحقائق والقفز عليها
- لماذا أهاجم العربان بلغتهم!؟
- نظرية المؤامرة عندهم وعندنا
- كيف تحولت مصر إلى دولة الرعب؟ 2/2
- كيف تحولت مصر إلى دولة الرعب؟ 1/2
- فوضى بناء المساجد
- التلاعب بالمرأة في بلادنا
- هل توجد في العالم أمة غبية؟
- وباؤنا المزمن: ”متلازمة ستوكهولم“


المزيد.....




- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!