|
رواية وجه آخر تجربة أولى غير ناضجة
عبدالله دعيس
الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 17:52
المحور:
الادب والفن
عبدالله دعيس: (وجه آخر) رواية بوليسيّة رومانسيّة، صدرت عن دار الياحور للنشر والتوزيع عام 2019 للكاتبة الشّابّة بدريّة الرّجبي. يظهر العنوان (وجه آخر) على غلاف الكتاب، ثمّ يصبح (وجه آخر حقيقة أم خيال) في الصّفحة الأولى. والعنوان الأول أفضل، وإضافة كلمات (حقيقة أم خيال) لا داعي له. ومع تقديري للكاتبة وجهودها، التي لا شكّ أنّها كبيرة، ومع تشجيعي لها للاستمرار في درب الكتابة الأدبيّة، إلا أنّي أدعوها للإستفادة من تجربتها هذه، والانطلاق من جديد بما هو أجود، وأن تنفي الغثّ وتنتقي السّمين؛ ليكون لما تكتبه أثر وتأثير. أمّا هذا الكتاب، فهو تجربة أولى فيها كثير من الهنات، وغير لائقة؛ لتقدّم للقارئ الذي يعي ما يقرأه ويبحث عن اللغة والمتعة والفائدة. بعيدا عن المجاملات، الرواية أشبه ما تكون بمسلسل تلفزيونيّ سيّء الإخراج والتّمثيل، تفتقد عناصر كثيرة، أهمّها اللغة. فاللغة كانت أولى ضّحايا الرواية، قبل أن تُخرج شخصيّات الرواية مسدّساتها وتبدأ بإطلاق النّار والقتل، بطريقة الأفلام الأمريكيّة. لم أرَ سردا أدبيّا، ولا لغة عالية تليق بالقارئ، وإنّما تمتلئ الصفحات بالسرد والحوار البسيط، مع عدم مراعاة أبسط القواعد اللغويّة: فالفاعل منصوب! والمفعول به مرفوع! والمضاف إليه والاسم المجرور مرفوع تارة ومنصوب تارات أخرى! والفعل المضارع لا يُجزم! وأل التّعريف ضائعة في كثير من الكلمات (فكلمة بالتّأكيد مثلا، تكرّرت في الكتاب عشرات المرّات بهذا الشكل (بتأكيد) ومثلها الكثير الكثير.) أمّا التّذكير والتأنيث والجمع والإفراد فإحدى الدواهي والمصائب، فالأناث تتحوّل فجأة إلى ذكور! والمثنّى إلى جمع! وعلامات التّرقيم إمّا مفقودة أو موضوعة في غير مكانها، وهناك خلط أحيانا بين التاء المفتوحة والتّاء المربوطة. وأمّا كلمة (شيء) فتتكرّر في كلّ الصفحات تقريبا بداع وبغير داع. ولا تخلو صفحة من الكتاب، ابتداء من صفحة الإهداء إلى الغلاف الخلفيّ من الأخطاء الشنيعة الكثيرة، والتي لا يمكن تبريرها للكاتبة أو للنّاشر. أما السّرد فيعتمد كثيرا على الحوار. وهذا الحوار متداخل مربك، ينتقل فجأة بين المتحاورين، دون فواصل أو توضيح، حتّى يضيع القارئ بين ثناياه، ولا يستطيع متابعته؛ فلا يعلم من المتكلّم ومن المخاطَب. وفي هذا الحوار كثير من الحشو والإطالة والتفصيلات المكرّرة التي لا داعي لها. فتذكر الكاتبة كثيرا من الأحداث الدقيقة، وكأنّها تكتب سيناريو لمسلسل تلفزيوني، فتذكر بشكل متكرّر ذهاب الشخصيّات إلى الحمّام مثلا، وهو لا يتعلّق بأحداث الرواية ولا يلزم في بنائها. شخصيّة الرّواية الرئيسيّة والتي تتمحور الرواية حولها هي (حياة)، إلّا أنّ هناك الكثير من الشخصيات التي تظهر فجأة، فيضيف ظهورها إلى إرباك القارئ، ثمّ تختفي بعض الشخصيّات فجأة (مثل شخصية فاتن وفارس)؛ لتبرز شخصيّات أخرى. أعتقد أنّ بناء الشخوص في الرّواية لم يكن موفّقا، حتّى شخصيّة حياة فلم تتطوّر بشكل تدريجيّ طبيعيّ، فتبدأ بكونها طبيبة، لتنقلب فجأة إلى (ملازمة) في الشّرطة، ومن شخصيّة عنيدة إلى زوجة محبّة مطيعة. وأحداث الرّواية غير منطقيّة وغير مقنعة، ولا يمكن حسابها على الواقع ولا على الخيال الجامح. والمكان غير واضح المعالم، فيعتقد القارئ أنّ هذه الأحداث تدور في إحدى البلاد العربيّة نظرا لأسماء الشخصيّات العربيّة، لكنّ السرد لا يدلّ على العلاقات الاجتماعيّة العربيّة، فالرجال والإناث يرقصون مع بعضهم بمناسبة أو دون مناسبة، ويدخلون بيوت بعضهم دون استئذان، وهي من صفات المجتمعات الغربيّة. ووجود عصابات المافيا قد يقودنا إلى إيطاليا أو أمريكا، لكنّ هذه العصابات في الرّواية ساذجة لا تحسن التّخطيط والتّنفيذ، أدوات جريمتها بسيطة غير معقّدة، يستطيع مجموعة من رجال الشرطة المبتدئين اصطيادهم بسهولة، أمّا أفراد الشرطة – كبيرهم وصغيرهم، قديمهم وحديثهم، فهم أقرباء: الأب والابنة والابن والعمّ، وجميعهم برتبة ملازم! كان على الكاتبة أن تقرأ أكثر عن عمل الشّرطة وعن طبيعة العصابات وعملها قبل تطرق هذا الباب. وعنصر التّشويق في الرّواية ضعيف، فالأحداث لا تتطوّر بشكل دراميّ كما ينبغي أن تكون في الرّوايات البوليسيّة، وعندما ينجذب القارئ قليلا، سرعان ما تدور الأحداث؛ ليجد أنّ الجواب لفضوله كان أقلّ مما يتوقع وأكثر بساطة، فيضع الكتاب جانبه مثقلا. لا يجد القارئ لهذا الكتاب متعة اللغة التي يبغيها عشّاق الأدب والقراءة، ولا إثارة الأحداث التي يطلبها محبّو الروايات المثيرة، ولا الرومانسيّة والشّوق والحبّ الطاغي الذي يطلبه بعض القرّاء. فلا بدّ للكاتبة أن تستفيد من تجربتها هذه لتنطلق بقوّة بعمل أفضل في المستقبل، خاصّة وأنّها تمتلك المثابرة والخيال والنفس الطويل للكتابة. لكن عليها أن تعتني باللغة وتتعلّمها؛ فاللغة هي الوعاء الذي يُكتب به الأدب، وبدون اللغة لا يكون النّاتج أدبا.
#عبدالله_دعيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلة القمر والأمل المنشود
-
الخاصرة الرخوة رواية اجتماعية تعري الواقع
-
قصة البطة المستاءة والنظافة
-
من بين الصخور وشخصية كاتبه جميل السلحوت
-
قراءة في ديوان: ما يشبه الرثاء
-
نطفة سوداء في رحم ابيض رواية تنقصها المعلومات
-
كرنفال المدينة؟ أيّ كرنفال وأيّ مدينة؟
-
شواطئ اللظى والذكريات
-
رواية -هذا الرجل لا أعرفه-وما يدور في المجتمعات العربية
-
أشواك البراري والقيمة التربوية
-
رواية نسيم الشّوق والحياة الاجتماعيّة
-
رحلة فدوى طوقان وابداع محمود شقير
-
قراءة في كتاب -طلال بن أديبة:
-
رواية ذئب الله وسطوة القبيلة
-
عندما يعيد التاريخ نفسه في الصوفيّ والقصر
-
عشاق المدينة وتراث القدس
-
ثقافة الهبل وتقديس الجهل وتقبّل الرأي الآخر
-
رواية قلب مرقع تخوض في المسكوت عنه
-
الأرصفة المتعبة والخلل في البناء الروائي
-
سرديّة اللفتاوية والواقع الفلسطيني
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|