|
رؤية في الشعر - مقدمة من ديوان لي
عيسى بن ضيف الله حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 16 - 00:00
المحور:
الادب والفن
رؤية في الرؤية في الشعر (شعر، شَعر، شاعر، شعور..) لكم هي عبقرية اللغة العربية عندما اشتقت الشعر من الشعور، حيث ربطت الاسم بمصدره، والفعل بفاعله، والشيء بذاته.. هو ما درجت عليه لغتنا الجميلة في أكثر من مجال. والأمر لم يظهر مثل المظهر في جل اللغات الأخرى.. أمام هذه الإطلالة على عالم الشعر يحضرني، نص مداخلة تصديت فيها إلى إشكالية الشعر، نم نشرتها في منتدى من المحيط إلى الخليج (عام 2008)، يطيب لي نشرها هنا - كما أتت عليه (مع بعض التعديل في المبنى) .. إليكم هي: لكم هي رائعة لغتنا العربية، بما تحتوي من مظاهر عبقرية، من بينها: تلك الصلة ما بين مفردات الكلمات بمنابعها.. لست ضليعاً في عالم اللسانيات، بيد أنني لم ألحظ قط في لغة أخرى مثل هذا الترابط الفذ، المتمثل في تلك العلاقات السرية والمعلنة بين المفردات المتشكلة والمشكلة للغة العربية.. كنموذج نرى هنا، مثل هذا الترابط الفذ، بين تلك العلاقة الرائعة بين الشعر والشعور.. وبالأحرى بين ما ينم عن ألفاظ : شعر.. يشعر.. شعراً- وتعريف الشعر = كلغة للشعور.. الشعور بكل طبقاته، في واعيته وخافيته.. لعل تلك الظاهرة تدفعنا للتساؤل: هل يتمتع كل البشر بخاصية الشعر، أو قل بغريزة الشعر... حتى لو لم يظهر هذا المكون شعراً.. أي هل يوجد الشعر بحالة كمون.. أتيح له نافذة للظهور لدى البعض، وران خافتاً صامتاً لدى البعض الآخر.. ؟ من موقعي، لا أعتبر مثل هذا التساؤل مجرد لغو أو سفسطة.. لأن الإجابة على هذا السؤال، ينعكس على ما تلا من محتويات تضمنها الشعر، كظاهرة.. ألخص السؤال: هل الإنسان شاعر بطبيعته.. ؟ وهل يوجد الشعر بحالة كمون في الذات البشرية.. ينبثق حيناً متفجراً.. أو يبقى ساكناً، صامتا، هاجعاُ لدى الغالبية، ربما.. ! إن كان صحيحاً، ما هي الشروط والعوامل الفاعلة في دفعه للظهور.. هل ثمة لحظة انفعالية ؟ - وهل الكامن في الشعور أقوى من الظاهر منه. على وقع من ذالك يلوح لي السؤال الآتي: - إن كان الشعر هو لغة الشعور، فهل لهذه اللغة قوانين وطقوس وقنوات مسبقة الصنع، أم أنها طليقة حرة كالطيور في سمائها ؟ أسئلة متعددة ألقي بها أمام الراغبين للدخول في غبار الفتنة.. (الفتنة بمعناها الإيجابي، أي إثارة زوبعة من المداخلات) – من المؤكد سيكون هناك أسئلة أخرى، التي قد تأتي تباعاً عبر رحلة التداعي.. في هذا الصدد ظهرت نظرات، فيها ما يشفي غليل السؤال: الأولى: لدى أحمد السقال- كاتب من المغرب: ليس شاعرا من لا يضبط قواعد الخليل بن أحمد.. قالها وانتفض من كرسيه وغادرنا.. ردي: أدلي بدلوك أيها العزيز، أفتتح الجلسة.. أنتظرك.. وضعت نبرة وغادرت.. هذا مدخل رائع للغوص في هكذا مسألة.. هاتها يا صديقي... – هلم إلينا... لكنه غادرنا.. الثانية: لدى فاطمة حمزاوي شاعرة من تونس – رئيسة اللجنة الفنية في المنتدى (2008)- تقول: حين يفيض السيل لا يهتم لجوانب النهر أبداً- الشعر لا قيود له ولا أنظمة - قد نضع الشروط وقد نقنن - ولكنه الروح التي لا تقبل الأطر- ولكل نبض نكهته مهما حاولنا إثبات الأجدر- المكان للكل والكل للمكان والممكن - الشعر طاقة فينا جميعا- الفرق أن هناك من يكتشفها ذات مصادفة- وأخر يقتلعها من ذاته، في ذات مصالحة- وكثيرون من يموتون دون تحقيق اكتشافهم الأهم - هكذا الشعر حين يقول صاحبه.. تعليق لي في الآتي: وجدت لدى الزميلة الحمزاوي إجابات فذة.. وبنوع من المساهمة على ذات المنحى- أسترد من ما قد أشرت إليه في التقديم- وهو: الشعر لغة الشعور، والشعور سمة بشرية، وهو على طبقات كلما ذهبنا عمقاً اختفى عن الإدراك- والشعر هو التعبير الحي عن فيضان وتفاعل بين تلك الطبقات واحتدامها.. - كل البشر لديهم الشعر، في حالة كمون.. قد يظهر أو لا يظهر.. والظهور وعدم الظهور مرهون بالتجربة الذاتية.. تقييد الشعر بقيود، يمثل نزعة احتكار لدى أصحاب تجربة معينة- التجربة بنت الواقع.. والواقع متغير.. والتعبير عن الشعر يلتحق بتغير الواقع. والشعر سليل اللغة، ينحدر منها، يجاريها، يرفدها ويغنيها، لا يغيب عنها ولا تغيب عنه، صنوان لا يفترقان. بشيء من التداعي، يقع بعض الشعراء في مطب تنامي الشعور بتضخم الذات.. ويحسبون أن الشعر ملكية شخصية، قدرة علوية..- في يقين مني، مصدره لدى هؤلاء نرجسية متعالية.. مرض يقع فيه النخب في أي حقل كان.. ولكم كان من بين الأميين – الشعبيين ولغيرهم – تعبير شعري رائع .. بيد أنه لم تتوفر لهم بيئة التسجيل فضاعت آثارهم.. ليس هذا فقط، فلكم ضاع من الشعر الرائع في زحمة السجال.. !! على وقع مما تقدم، أعلن عن رؤيتي وتجربتي في الآتي: الشعر لحظة احتلال لحال من الانفعال: عندما ولجت باب الشعر، جئته أو جاءني في لحظات، لم أتقدم إليه بل تقدم إليّ.. كنت قد أغلقت عليه الباب، وشاغلت نفسي في هموم أخرى.. شاغلتني وجعلتني أخضع لها.. كان الحصار قوياً سد عليّ النوافذ.. إلى أن جاء احتلال العراق (2003) ففاض نهري في داخلي.. وكانت باكورة أعمالي، في " أناشيد القهر والحداد ".. ثم صمت بركاني، وظهر مرة أخرى في غضون عامي 2007- 2008.. - وعلى اندلاع الثورات، تعالى صوته في صيغ أخرى.. تستدعيها ضرورة اللحظة.. لدي الشعر انسياب، دونما ميزاب: لم أحفر له قنوات، يختار دربه كما يشاء، قد يظهر طوراً موزوناً مقفى، وطوراً تفعيلياً أو في مداه، وطوراً نثرياً على هداه.. أو عبر صلات، بين تلك الإيقاعات..- قلت في ذاتي، لم لا يظهر ذاك وذا في ذات القصيدة ؟ ولم لا ! وكل الدروب تؤدي إلى الشعر.. و أليس جمال الباقة في تعدد ألوانها.. الوضوح أم الغموض: ثمة إشارة أخرى، ليس بيني وبين الغموض في الشعر عشقاً.. وإن لم يكن لدي في ذاتي له كرهاً، إن أتى سلساً سلسبيلا، ولاسيما إن أتى عابقا بالإيحاءات متحاشياً غموض الأحجيات.. رب تعليق يليق بصراع المدارس الشعرية وتجاذبها ومظاهر التعصب لتابعيها.. أراه بمثابة استعارة من صراع المذاهب بل والقبائل والطوائف.. فمتى نخرج من حلبة العصبويات.. ونحرر الإبداع من أنظمة الهيمنة.. إلى متى..! كخلاصة - لا احتكار في الشعر– الشعر ليس مهنة..– ليس للشعر قوالب، هو حر يجري كالسيل المنهمر من ذات المطر.. يحط أين يشاء، دونما جواز سفر.. لا للإدعاء.. افتحوا النوافذ للشمس، يا معشر النقاد والشعراء..
#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة من الماضي
-
حفريات اركيولوجية في نصوص الأسفار النبوية - أحزاب وتيارات..
...
-
اسرار الكهوف - الحلقة المفقودة من الكتاب المقدس العبري - من
...
-
التوراة في ظل معتنقيها
-
الجذور التاريخية لتشكل الهوية العربية
-
رؤية في الفضاء العربي
-
- هل يمكن للاسلام ان يتماشى ويتعايش مع دولة علمانية -
-
مقاربة مختزلة لإشكالية عدم التدوين في التاريخ العربي القديم
...
-
مقاربة أولية مع إشكالية تدفق اللاجئين السوريين إلى البلدان ا
...
-
مقاربة أولية في الذاكرة الجمعية
-
المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحز
...
-
العلمانية والإسلام
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|