|
فلسفة الفن والجمال في فكر فريدريك نيتشه
عبد الرحمان حسنيوي
الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 15 - 11:19
المحور:
الادب والفن
يعتبر الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844- 1900) من أبرز فلاسفة ما بعد الحداثة، وتعتبر فلسفته من الفلسفات الفريدة من نوعها، حيث حاول نيتشه نقد كل سائد في عصره وقبله، فمطرقة نتشيه النقدية لم تترك شيء إلا وفككته ودمرته، فهو نقد الدين والأخلاق...إلخ، وفلسفته لا يمكن فصلها عن حياته الشخصية، فهي انعكاسا لها، فقد دعم فكرة العودة الأبدية التي تقتضي الاستقلالية عن الأخلاق بمفهومها السائد في عصره أو بوصفها نوعا من الرغبة بإذلال الناس عقليا وقيميا وأخلاقيا، وكذلك العثور على وسائل جديدة ضد عمل الألم -بوصفه أداة باعثا للفرح- المتعة التي يمنحها اللايقين، والمؤقت، عوض تلك القدرية المتطرفة، التي تلغي فكرة الضرورة والإرادة، وتلغي المعرفة في ذاتها. وتأثر نيتشه بفلسفة وفكر الفيلسوف الألماني شوبنهاور –رائد الفلسفة التشائمية-، ويمكن القول أنها كانت موجهة لفلسفته بشكل كاسح، بالإضافة إلى تأثره بفلسفة شوبنهاور، فقد تأثر بمقطوعة فاغنر الموسيقية "ترستان وإزولد"، فهو ظل مغرم بها طل حياته. وكان نتشيه له شغف عميق بالتراث الأدبي الإغريقي، وبالممثل هوميروس والتراجيديين العظام من القرن الخامس قبل الميلاد، كما أحب الفلاسفة الإغريقية خصوصا فلسفة السابقين عن سقراط. ويمكن اعتبار ما سبق من الدوافع التي جعلته، يؤلف كتابه الشهير "مولد التراجيديا". وقد وظف نيتشه تأويل رموز الأساطير اليونانية في محاولته لتقريب مفهوم الفن للعامة (القراء)، أو بتعبير أخر فالرمزية تخترق فلسفته في كل تفصيلها، ففي كلا كتابيه "مولد التراجيديا" أو "إكليل الشوك"، استند على الاصول اليونانية والمسيحية، رغم أنا نيتشه لا يعتبر فيلسوفا أصولياـ لأنه يعتبر العودة للأصول بربرية، ويعتبره الكثير أنه فيلسوف النسيان وليس فيلسوف الذاكرة، لذلك استحضاره للتراث اليوناني هو فقط محاكاة للممارسة الفنية والثقافية التي فقدها الإنسان الغربي الحديث، فهي استعادة للتاريخ اليونان المجازي وليس اليونان التاريخي. فروح التراجيديا (المأساة) كما يعبر عنها نتشيه في كتابه "ميلاد تراجيديا"، يمثلها الإله ديوميزوس، وهو إله النشوة والإسراف ورمز الغريزة وقوى الطبيعة وانفلاتتها من إدراكها وهذا ما يغدي ويغني الفن، فديونيزوس هو التعبير الحقيقي عن عودة الإنسان إلى أصله الطبيعي- الحيواني الذي يجعل الانسان يعيش في تناغم كوني ويحرر إرادته، عكس الإله أبولوني الذي يعبر عن الحلم والحكمة، ويقيد شهوات وغرائز الانسان ضمن أطر يخلقها السائد. لهذا فنيتشه حاول العودة إلى لأسطورة ديونيزوس للعمل على تحرير الشعوب من السلطة الذاتية، فقدم نقد للحداثة عبر التراجيديا الاغريقية، فهو أعاد النظر في الذاتية التي فرضت بشكل استبدادي، وحاول تخليصها من عزلتها، لكي تصبح منفتحة على إمكانية التحرر، فنيتشه يعتبر الفن إسراف وانتشاء لا محدود، لذلك ديونيزوسي الذي يعبر عن إرادة القوة اللاعقلانية، هو وجه من عملة الفن والمنبع الأصيل، رغم أنه يعتبر الفن يتغدى من ابوليون أيضا (فن التصوير والرسم) اعتدالا وانسجاما ومن ديونيزوس (فن الموسيقى والشعر) إسرافا وزخما. ويقول في كتابه مولد التراجيديا: "إن الموسيقى والأسطورة التراجيدية تعبيران متساويا القدر عن الطاقة الديونيسية لأي شعب، وهما لا ينفصلان عن بعضهما. وكل منهما نشأ في ميدان فني يتجاوز العامل الأبولي. كما أن كل منهما يغير في شكل المكان، جاعلا التنافر والصورة الرهيبة للعالم تتلاشيان في عالم جمالي. وكلاهما أيضا يعمل من خلال وخز مثير للشعور مبعثه القوة الهائلة لفنهم الساحر، ويفيد من هذا الدور لتبرير وجود حتى "أسوأ العوالم" في هذا الكون. وفي هذا الكون. وفي هذا المجال يثبت العناصر الديونيسي، كدافع يقف في مواجهة الأبولي، أنه خالد وكطاقة فنية أصيلة، عبر خلقه العالم الظاهرتي: وفي وسط هذا العالم نشعر، إذا ما أريد لناموس الفردنة أن يستمر متوقدا، بالحاجة إلى وهم على إحداث تغيير في المظهر" (فريدريك نيتشه، "مولد التراجيديا"، ص 260-261). من خلال ما سردنه في الأعلى وهذا النص المأخوذ من كتاب نستشه "ميلاد التراجيديا"، يمكن الجزم أننا اجابنا عن سؤال: علاقة الفن والجمال بإراة القوة لدى نيتشه ؟ ويمكن تلخيص الجواب في الجملة الأتية: إن نتشيه يرى أن الدافع الكبير للحياة هو الفن، والذي تمثل الجزء كبير منه الموسيقى التي تعبر عن إرادة القوة (أسطورة الإله ديونيزوس) والإحساس الباطن والإبداع الفني الكامل.
#عبد_الرحمان_حسنيوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|