مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 6489 - 2020 / 2 / 11 - 20:20
المحور:
الادب والفن
طفلة تعبر كل يوم فوق كوبريٍّ خشبي تطوعت به نخلة عجوز، وقالت؛ أتمدد الآن فوق سطح الماء، لأجل الطفلة التي ستمر نحو عالم المدارس والكتابات السحرية...
الطفلة في عبورها اليومي تُحدِّثُ جميزة الطريق التي وهب زارعُها الأصيلُ ثمارَها للطير وللصغار، وتسألُ كل يوم لماذا لمْ يخلقها الله هدهدًا، أو يمامةً تطير فوق المزارع وتغني للطفل الصغير الذي يبيع أعواد البرسيم في ضاحية المدينة المباركة الكبيرة؟
الطفلة كلما مرت إلى جوار مقبرة البلاد الغريبة، يأكلها الحزنُ، أنّ قريبَها يرقد وحيدًا هنا، بلا كتبه، ومجردًا من قلمه الباركر الذي استحسنت خطه حين رسم حرف النون في اسمها لأول مرة، وأحبت من يومها (الشيخ عبد الباسط) حين سمعته يرتل (ن، والقلم وما يسطرون)، وتعْجبُ كيف يمكن لرجل أن يملك صوتًا يشبه حليب الأم...
الطفلة التي سكنت إلى حائط الفصل في المدرسة الغريبة، لا تحب الحساب، ولا الأناشيد الحماسية، وترى أن سورة الإخلاص، خلاص للمتعبين من هم السؤال الفوضوي؛ لماذا لم يتخذ الله صاحبةً ولا ولدا؟
قروشُها التي تسلمها عند الظهيرة إلى يدّ المرأة التي حوّلت غرفة بيتها على الشارع دكانًا يبيع الحلوى لأطفال المدرسة الغرباء، تمنحُها كل يوم قطعةً من خبز المدينة الإفرنجي، تنام رقاقةٌ من الجبن الرومي في جوفه، شفافةً كقلبها، وبها من ملح التجارب ما يناسب طفولتها كثيرًا...
كل يوم تراقب كيف يمحو الريح أثر الخطو الدبيب لحذائها الأبيض والأحمر، الذي جاءها سعيدًا من المدينة في العيد الأخير، وتقول؛ غدًا لن يمحوَ الريحُ أثري على الطريق...
السنون التي فرّت كضفيرتها هناك في البيت، حين كانت تجلس بين ركبتيّ الأم لتغزلها، لم تعدْ بعدها نفس الطفلة الوحيدة في طريق الجميزة والمقابر، صارت الناس تمر كشواهد من خيال، والطفلة لا تكبر أبدًا، وطعم الجبن الرومي في فمها على الدوام...
تعلمتْ أن تقولَ للعالم الواسع، أحبكَ، قبل القفز كل مساء بين النجوم، ولا تخفي هواها لنجمها القطبي، وتغار من ضحكها الشمس التي نامت تحلم بالصباح...
الطفلة على نفس الطريق...
[...]
#سالفادور
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟