أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راوند دلعو - الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية















المزيد.....



الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6489 - 2020 / 2 / 11 - 12:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


( الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية )

قلم #راوند_دلعو

لم تكن انطلاقة الثورة العلمية الحديثة بحاجة إلى الإضافات المعرفية المتواضعة التي أُنجِزَت في عهد سيطرة الدُّوَل و مناهج التفكير الدينية ( محمدية _ مسيحية _ بوذية و غيرها ) خلال القرون الوسطى ....

فلو حذفنا جميع المنجزات المعرفية الخجولة التي أضيفت إلى الرصيد المعرفي الإنساني في ظل سيادة الدولة الدينية لما تأثَّرَت الحصيلة المعرفية للجنس البشري إلّا بشكل طفيف .... !

بل على العكس تماماً ، فلولا القرون الوسطى التي سيطر فيها الدين كلاعب أساسي على مسرح الفكر الإنساني لتحرر العقل في وقت أبكر ، و لَتبلورت الثورة العلمية و انطلقت بشكل أسرع بكثير ، و لكُنَّا اليوم نتمتع بسقف معرفي أعلى بكثير مما نحن عليه !

لأن تحرير العقل من براثن الموروث و الخرافة سيجعل من مسألة اختراع صفر الخوارزمي مجرد نصف ساعة من التأمل و التفكير المنطقي ... !

كما أن تحرير العقل من براثن المناهج المعرفية الدينية الرجعية من شأنه أن يجعل مسألة اكتشاف الدورة الدموية مجرد ساعة زمن من عملية تشريح جثة بشرية !

فتأخُّر ميلاد الثورة العلمية الحديثة إنّما كان بسبب الوقت الذي أهدرته البشرية و هي تحاول محو و اجتثاث العقلية الدينية و منهجياتها اللاعقلانية و مفاهيمها الخاطئة التي سيطرت على الفكر الإنساني في القرون الوسطى ...

إنّ الركود المعرفي الذي أصاب البشرية في القرون الوسطى يجعلنا نجزم بأن المناهج المعرفية الدينية التي سادت في تلك الفترة كانت قد كبَّلَت العقل و سلسلته برجعيَّتها و آليَّتها السلبية البعيدة عن الواقع ... فشلَّت حركته و أصابته بإعاقة على مستوى الوعي و التفكير.

و من سوء الحظ لم تكن الحرب التي شنها الدين على العلم حرباً سلبية قائمة على ترسيخ الجهل البسيط ( سلب المعرفة) فقط ، بل كانت حرباً خبيثة إيجابية قائمة على التجهيل المُركَّب ( تشويه المعارف) و زرع المفاهيم الخاطئة في عقول الأجيال و تحريف المصطلحات الأساسية ... مما أصاب الوعي البشري بعجز كبير و ضبابية رهيبة و انتكاسة لا سابق لها !

فلَم يكتفي الدين بمحاربة العلم و منع انتشاره فقط ، بل قام بتشويه معنى كلمة ( علم ) و رديفاتها من خلال نشر و زرع المناهج اللاعلمية و تسميتها زوراً بالمناهج العلمية !! فباتت كلمة علم تطلق على ممارسات الكهنة و شعوذات الدجاجلة مما هو ليس بعلمي !

فما حصل في القرون الوسطى هو عملية تشويه منظم لطرائق المعرفة و تدنيس مقصود لينابيعها الفطرية....

فأصبح يُقصَدُ بكلمة ( علم ) أنواعاً من التنجيم و العرافة و الرواية و الحكاية و الأسطورة ... فغاب العلم الحقيقي الواقعي التجريبي و تعطّل المنطق العقلي الحر لآلاف السنين من خلال سيادة المناهج الدينية التي تقدم النقل على العقل ، و الأسطورة على المختبر ، و الخرافة على الواقع !

فبات لكلمة ( علم ) مدلولاً كهنوتياً لا يمت بصلة للعلم الحقيقي ... أما العلم الحقيقي التجريبي فأمسى و قد أُطلقت عليه ألفاظٌ تشيطنه ، كالزندقة حيناً و الدهرية أحياناً و الهرطقة أو الإلحاد أحياناً أخرى !!

بل صار العلم التجريبي تهمة تودي بصاحبها إلى الإعدام !

فاختلطت المصطلحات و صودر العلم الحقيقي و أهريق في مجاري المعابد بينما تسيَّد المشعوذون المجالس يمارسون دجلهم تحت مسمى ( نشر العلم ) !

و دخلت البشرية تحت نير الدولة الثيوقراطية في سبات علمي رهيب !

و استمر الوضع على ذلك إلى أن جاء عصر التنوير في أوروبة الغربية ، و التي كانت أول بقعة جغرافية على سطح الأرض تفلت من مخالب الدين و تتحرر من سلطة الكنيسة ... فأعيد للعلم تعريفه الصحيح و رُدَّت للباحث التجريبي هيبته و للمختبر مكانته و تم تصحيح المصطلحات فسميت الخرافة بالخرافة و العلم الحقيقي بالعلم.

( عزيزي القارئ : أرجو أن تقف دقيقة صمت احتراماً للذين ضحوا بحياتهم كي يعيدوا للعلم تعريفه الحقيقي و مكانته الريادية و يقضوا على الخرافة و الأسطورة ... لاسيما كوبرنيكوس و غاليليو و جوردانو برونو و بن فرناس و من ساروا على دربهم )

و بالتالي لو قمنا بقص فترة القرون الوسطى من شريط التاريخ البشري و من ثَمَّ افترضنا انطلاق الثورة العلمية الحديثة من سقف المحتوى المعرفي لعصر اليونان ، لزاد ذلك من سرعة التحضر بشكل صاروخي و لأُحدِثَت كل إنجازات القرون الوسطى خلال عدة سنوات فقط ، و لاختصرنا أطناناً من الدماء التي سُفكت و الموارد البشرية التي أهدرت خلال الحروب الدينية التي سيطرت على الكوكب في عصر سيادة الأديان !

فتحرير العقل من براثن المنهجية الدينية الأسطورية هو الركيزة الأولى و كلمة سر الانطلاقة الرهيبة المتسارعة للحضارة العلمية الحديثة ...

أما من يحاول أن يصور القرون الوسطى على أنها درجة على سلم العلم و نقلة إيجابية مُوَطِّئة لافتتاح عصر العلم ثم يدَّعي بأن الحضارة الغربية اعتمدت على ما قدَّمَتهُ الدُّول الدينية ( الثيوقراطية ) لاسيما المحمدية أثناء سيطرتها على الكوكب في القرون الوسطى فهو واهم و يتحدث دونما دليل .... بل يتحدث بدافع العاطفة الدينية اللاعقلانية المتحيزة ( مغالطة التحيز التأكيدي للأسبقيات الفكرية ) ....!

فالعصور الدينية الوسطى كانت بمثابة العقبة الكأداء في وجه مسيرة العلم و التطور و تحرر العقل ... بل لم يقف العقل البشري على قدميه مجدداً إلا بزوال العصور الوسطى و تنحي الدين عن قيادة الحياة الفكرية بشكل كلي.

مع العلم بأن معظم ما تم إنجازه من محتوى علمي رصين ( على نُدرته ) في ظل الدُّوَل الدينية المحمدية القروسطية ، إنما أُنجِزَ بعيداً عن المساجد و الأوساط الدينية ، و دون موافقة الشيوخ من رجال الدين ، و على أيدي علماء حقيقيين لاكهنوتيين بل غير متدينين أو حتى يصح أن نطلق عليهم كلمات من مثل زنادقة أو ملاحدة ، إذ كانوا يعيشون في الهامش و الظل في كثير من الأحيان ... و يناوئون الظاهرة الدينية كلما سنحت لهم الفرصة.

و لا أكون مبالغاً إن قُلت بأن الكمية الضئيلة من العلم الحقيقي و التي تم اكتشافها خلال القرون الوسطى إنما تمت لأنها نجت من الحرب التي شنها الدين ( لا سيما المحمدي و المسيحي) على العلم و العلماء التجريبيين و على جميع بؤر و مراكز البحث العلمي ...

فما وَصَلَنَا من علم حقيقي تم اكتشافه في ظل الدولة الدينية المحمدية و المسيحية لم يكن إنجازاً محمدياً و لا مسيحياً بتوجيه من المنهجية الفكرية الدينية ، بل وصلنا {{ بالرغم من الدين }} أي بالرغم من الحرب الشعواء التي قادها الدين و مناهجه الأسطورية الخرافية ضد العلم و أدواته و مناهجه التجريبية .... فعطَّلَ الدين بتلك الحرب مسيرة العلم لمئات السنين ، فوصلنا من العلم النذر اليسير فقط !

( معنى إقرأ القرآنية و دعوات التفكُّر الخُلّبي في القرآن )

و قد يعترض أحدهم على كلامي السابق متسائلاً السؤال التالي : ألم تحض الديانة المحمدية _ مثلاً_ على القراءة و التفكر ؟ ألم يَقُل محمد في مطلع سجعيّة العلق في القرآن : ( إقرأ ) ؟ ألا يحتوي القرآن على عبارات تدعو للتأمل من مثل ( أفلا يعقلون ) ( أفلا يتدبرون ... يتفكرون ) ؟فلماذا إذن تدّعي بأن المنهجية المعرفية الدينية تدميرية و تضليلية بالكامل ؟

جوابي :

أما الدعوة المحمدية للقراءة بقوله : ( إقرأ ) و التي يتبجَّحُ المحمديون بأن ديانتهم حضت عليها ، إنما هي حركة تضليل و تدليس من دعاة المحمدية الجدد ، فهم يبتُرُون النص القرآني عمداً و ذلك بغية الكذب على القطيع لإيهام الناس بأن ديانتهم تدعو للقراءة و العلم التجريبي ... و ذلك لأن المراد بالقراءة في قوله ( إقرأ ) ، القراءة الكهنوتية للنص الديني و ملحقاته من الأساطير و الخرافات و الروايات و الحكايات و الطقوس المحمدية من مباحث الطهارة و الغسل و الجنابة و الصلاة و الصوم و الحج و غيرها من المواضيع الدينية الصرفة. و الدليل على ذلك أننا لو أكملنا قراءة النص بحيادية دونما بتر عن السياق للاحظنا بأنه قال : ( إقرأ باسم ربك ... ) ، أي أنه جاء في سياق تخصيص القراءة باسم الرب ، و ذلك مفاده الحض على القراءة الكهنوتية ضمن إطار النص الديني ، لا القراءة العلمية النقدية الشاملة وفق المناهج العلمية التي تؤدي إلى استقصاء و طَرْق جميع أبواب المعرفة !!! فشتان بين قولك : إقرأ ، و قولك : إقرأ باسم الرب ...

و تستطيع عزيزي القارئ التأكد من صحة كلامي من خلال مراجعة تفسيرات مطلع سجعية العلق ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ) في كتب التفسير المعتمدة لدى المحمديين السنة و الشيعة .... فلم يَفهم الكهنة منها القراءة العلمية التي تشمل شتى فروع المعرفة ، بل فهموا منها القراءة المخصصة ضمن قالب و حدود النص الديني حصراً ، و في سياق طلب التفقه الشرعي بالطقوس و العقائد الدينية ، و سبر المجلدات التي تشرح تفاصيل الديانة المحمدية و استيعابها وفق الأصول اللاهوتية المحمدية حصراً !

و الدليل القاطع على أنهم فهموا القراءة بهذا المعنى المشوه ، هو أنهم غرقوا في القراءات الكهنوتية لقرون متطاولة فَورَ تطبيقهم لِفحوى هذا النص القرآني الرجعي ، دون أن يؤسسوا لمراكز القراءة النقدية الشاملة المنفتحة و التي كانت ستؤدي في حال تم تأسيسها إلى تحفيز البحث العلمي التجريبي و خلق قفزة تقدمية ملموسة في مضمار البحث العلمي ... و لكن هذا لم يحدث لأن القراءة لم تُفهَم و لم يُقصد بها هذا المعنى الشمولي.

بل إن مفهومهم الكهنوتي القرآني الضيق للقراءة دفعهم إلى اعتبار الفلسفة من باب القراءة الفاجرة اللاقرآنية ، أي التي ليست ( باسم الرب الذي خلق ) ... فقاموا بتحريمها و تحريم تداول كتبها !!

و بذلك نستنتج أن مطلع سجعية العلق ليس دعوة لقراءة علمية شمولية تلبي غريزة حب المعرفة لدى الإنسان ، بل دعوة لطقس أبعد ما يكون عن القراءة العلمية ، و هو التلاوة باسم الرب المحمدي ( إقرأ باسم ربك ...) ، و هذا التفسير لمطلع العلق هو ظاهر اللفظ القرآني بلا تأويل ، كما أنه مُؤدَّى صريح اللغة المفهوم من قوله ( باسم ربك) ، أي إقرأ بطريقة وفق المنهجية اللاهوتية التي حددتها الديانة المحمدية .... و هذه للأسف مؤامرة على مفهوم القراءة الحرة العقلانية .... و خدعة خبيثة بل توظيف ماكر لِلَهجة الحض الخُلَّبِي على القراءة ، في حين لو دققنا لاكتشفنا أنه نص يحارب القراءة العلمية في عمقه و واقعه و حقيقته ، فهو متاجرة لفظية و خداع للقطيع من خلال الدعوة لقراءة كهنوتية موازية للقراءة العلمية الحقيقية من شأنها أن تُنَحِّيها فتحل محلها و تقضي عليها ! و فعلاً حدث ذلك ... إنه الجهل المركب !

أما دعوة القرآن للتفكر و التدبر فلا تخرج عن ذلك ، إذ نجدها دعوة سطحية للتأمل الكهنوتي ( أفلا تتفكرون ) ( أفلا تعقلون ) ، فهو لا يدعو لتجربة و لا لبحث و لا لمغامرة علمية و لا لتفسير ظاهرة طبيعية و لا لاستنتاج علاقة رياضية و لا لمخاطرة من أجل المعرفة ، بل لا يجيز التساؤل المطلق الحر .... و إنما يريدك أن تفكر في اتجاه واحد و هو إثبات التصور اللاهوتي المحمدي فقط ... أي ضمن إطار المنظور و الفكر و الرؤية المحمدية لللاهوت !!!

ذلك اللاهوت المجسم المستوي في السماء على عرش يحمله ثمانية فوق الماء ، و الذي يغضب و يرضا و ينفعل و يمكر و ينتقم و له كرسي و بيت و ساق و وجه و يد و ينزل و يصعد و كل يوم هو في شأن و و و إلى آخره من صفات تجسيمية نسبها مؤلف القرآن لخالق الكون.

فعن أي تفكر و عن أي تعقل يتحدثون ؟ أتفكر بإله مجسم يتفاعل مع الخلق فيشتم أبا لهب و يعير الوليد بن المغيرة بأنه ابن عاهرة زنيم ؟ و يشتم اليهود و النصارى و يصفهم بالكلاب و الحمير و أحفاد القردة و الخنازير ؟

#الحق_الحق_أقول_لكم ... هذه ليست دعوات للتفكر بل نزول بمفهوم التفكر إلى درك الوثنية و اللامنطق ....

لذلك أدى تطبيق التفكر و التعقل القرآني إلى تشرذم المحمديين و انقسامهم إلى مئات المذاهب ذات الرؤية التأملية التفكرية المختلفة حول طبيعة هذا الإله الجسم !!!

فالتعقل و التفكر القرآني يختلف تماماً عن عملية التفكير المنطقي التي أدت لاكتشاف القوانين الفيزيائية و الكيميائية و بالتالي الارتقاء في سلم الحضارة.

و لو سَبَرنا النصوص المحمدية أكثر و أكثر محاولين تكوين صورة أوضح عن مقصود مؤلف الديانة المحمدية من قوله : ( أفلا تعقلون ) ( أفلا تتفكرون ) ( إقرأ باسم ربك ) ، لتفاجأنا بوجود نصوص قرآنية تحض المؤمن على عدم تعلم الشيء الجديد المجهول !!! ، كقوله في القرآن : ( و لا تقفُ ما ليس لك به علم ) !!! أي لا تتبع و لا تتقفَّى أثر ما ليس لك به علم !! أو بكلمات أخرى : لا تبحث عما هو مجهول لك حالياً !!

فهذا النص القرآني الكارثي يكشف مدى خُلَّبِيَّة و شكليّة دعوات التفكر الأخرى ... لأنه يثبط المحمدي صراحة عن الدخول في مجال البحث عن المجهول و يدعوه للتقوقع في إطار المعلوم مسبقاً !

و هنا أسأل مؤلف القرآن ، ما الفائدة من قَصر عملية البحث ضمن حدود الأشياء المعلومة مسبقاً ؟ أي ما الفائدة من عملية البحث إن استثنينا من مراميها كل مجهول و قصرناها على المتاح المعلوم ؟ ألن تصبح عندئذ بمثابة الدوران في المكان ( مكانك راوح ) ؟؟

و في ضوء هذا النص نستخلص أنه ليس المراد من القراءة في مطلع العلق ما مؤداه القراءة الشاملة التي تقود إلى اكتشاف المجهول ، و إنما يقصد بها الدوران في فلك الموروث المحمدي و التفكر اللاهوتي بدليل التصريح في نص آخر على حرمة البحث عن المجهول في هذا الكون !!

أي أن صانع الديانة المحمدية حارب القراءة العقلانية بالدعوة لقراءة محصورة باسم الرب حصراً ، و حارب التفكير العقلاني المنطقي الحر من خلال حصر مفهوم التفكر في صفات الرب المحمدي ، و فيما أعلمهم به محمد مسبقاً فقط ، مع تحريم البحث و اقتفاء أثر المجهول ، و بالتالي تحريم القراءة العقلانية الشاملة لأنها أداة من أدوات البحث و اكتشاف المجهول !

و هنا نلاحظ نجاح مهندس الكهنوت المحمدي في توجيه غريزة حب القراءة و الاطلاع عند القطيع المحمدي و قصرها على الانكباب على النص الكهنوتي اللاهوتي برؤية محمدية حصراً !!

و هناك نص تشريعي مشابه يدعم هذه الرؤية ، حيث يقول مؤلف الديانة المحمدية في القرآن : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم !) أي لا تسألوا عن المجهول المخفي عنكم ، فقد لا تحمل نتائج سؤالكم عن المجهول المخفي أخباراً سارة لكم ، و قد لا يعجبكم تَبَدِّي هذا المجهول لكم ، فلتُبقُونه مجهولاً إذن ، و لا تسألوا عنه !!!!

و هنا أتوجه أيضاً لمؤلف هذا النص القرآني السطحي بالسؤال التالي :

هل يحصل الإنسان على الاكتشافات الكبرى إلا بعد المخاطرات و المغامرات الكبرى ؟ و ما هو الضرر المترتب على انكشاف المعلومات لنا و بالتالي ازدياد رصيدنا المعرفي ؟ و لماذا قد يسوؤنا انكشاف العلم و توسع المعارف ؟ لماذا تمنعنا من السؤال عن خفايا الكون ؟

أما أنا فأخالف مؤلف الديانة المحمدية في رؤيته لمفهوم التساؤل و البحث و الفضولية ... بل أعتبر أن التساؤل السليم من أهم مفاتيح المعرفة ، كما أنني أرى السؤال الذكي أهم من الإجابة الذكية ، لأن التساؤل يحفز الدماغ و يدفعه للتوصل للإجابة و يعكس إدراكاً عميقاً للواقع ... فالتساؤل الصحيح أهم من الإجابة نفسها ... و لا ينبغي أن يتوقف الإنسان عن طرح الأسئلة و الاستفسارات عن شتى الظواهر و في شتى المجالات ...

لكن من الواضح أن الذي دفع مؤلف الديانة المحمدية إلى تحريم التساؤل عن الأشياء المخفية هو الكم الهائل من التناقض الذي تحمله عقيدة هذه الديانة و نصوصها ... مما دفع المشرع إلى حماية نفسه من خلال تحريم التساؤل على أتباعه ، و ذلك كي لا تقودهم التساؤلات إلى اكتشاف زيف الديانة و بشرية مؤلف القرآن !


أما الكلمات الخُلّبية التي يتداولها المحمديون في كليات الشريعة و الحوزات ، من مثل ( بحث _ فقه _ تحقيق _ مقارنة _ استقصاء ... ) و التي ترددت بكثرة في أدبيات الديانات الإبراهيمية كلها ، فيُقصد بها مطالعة المحتوى الخرافي الكهنوتي و تبويبه و شرحه و اختصاره و تحقيقه و استقصائه و اجتراره في المطولات الصفراء التي لا تمت للعلم الحقيقي بصلة !

أما القراءة العلمية الحرة العقلانية و استراتيجيات النقد العلمي المنهجي فكانت عبارة عن ممارسات محظورة ممنوعة ، بل داخلة في سياق الهرطقة و الزندقة و المروق و الإلحاد ، حيث تَمّ إعدام و ملاحقة كبار العلماء التجريبيين الذين مارسوها كابن رشد و ابن المقفع و ابن الطفيل و ابن الراوندي و الرازي و ابن سينا و ابن فرناس و غاليليو و كوبورنيكوس و برونو و غيرهم.

و بناء على الأدلة الدامغة السابقة و التنظير الرصين أعلاه ، أرى أنه ليس من العدل أن ننسب الإنجازات العلمية التجريبية التي تمت في ظل الدولة المحمدية إلى الديانة المحمدية.

#الحق_الحق_أقول_لكم ، و أقولها كقاعدة عامة :

إنه ليس من العدل أن ننسب الإنجازات العلمية التجريبية التي تمت في ظل الدولة الدينية إلى ديانة الدولة .... أي لا يجوز نسبة الإنجاز العلمي الحادث ضمن إطار زمكان الدولة الدينية إلى ديانة الدولة ، فمجرد حدوث الكشف العلمي ضمن جغرافية الدولة لا يُشرعِن لنا نسبته إليها إن لم يكن متفقاً مع منهج الدولة في تعريفها للعلم ، و منسجماً مع ما تقرره من طرائق للكشف المعرفي ....

فمن الظلم و التزوير و الخطأ التاريخي أن ننسب الاكتشافات العلمية التجريبية التي حدثت في القرون الوسطى لما يسمى زورا بالحضارة المحمدية أو الحضارة المسيحية أو الحضارة البوذية أو الحضارة الهندوسية.

فلا وجود لما يسمى بالحضارة المحمدية أو الحضارة المسيحية أو الحضارة الهندوسية ...

لأن مناهج التفكير المحمدية و المسيحية و الهندوسية لا تتفق مع المنهج العلمي التجريبي و لا تحض عليه بل تحرمه و تمنعه و تحارب أتباعه و تصفهم بالهرطقة و الكفر ...

فهذه الأديان عبارة أيديولوجيات قدمت تشريعات كالتشريع المحمدي و التشريع المسيحي ، و ليست حضارات قدمت علوماً و كشوفات و فنوناً و هندسات ...

و من أراد أن يتأكد من صحة كلامي فليراجع كتب التاريخ و الجرح و التعديل عند المحمديين مثلاً ... حيث تم تكفير و شتم الغالب الأعظم من العلماء التجريبيين الذين اشتغلوا بالطب و الرياضيات و الكيمياء و العلوم و الصيدلة و الفلسفة و الجغرافيا و الموسيقا ... كما تمّ ذمهم و قدحهم و وصفهم بأبشع الألفاظ و الصفات ! و تم إحراق كتبهم و طمس علومهم إلا من رحم ربي مما تم نقله و تهريبه سراً !

كما تم تحريم الكيمياء و الفيزياء و الفلسفة و العلوم الطبيعية و الموسيقا و الفن صراحة ... و باتت كلمة ( طلب العلم ) تعني علوم الشريعة و اللاهوت و الزهد و التنسُّك حصراً !!!

و من هنا أنا ضد مصطلح ( الحضارة المحمدية ) أو ( الحضارة الإسلامية ) أو ( الحضارة المسيحية ) أو ( الحضارة البوذية ) .... فلا وجود لهكذا حضارات .... لأن هذه الكيانات الدينية عبارة عن أيديولوجيات سيطرت خلال فترة معينة بالسيف فصبغت مساحة جغرافية معينة في وقت معين ، و ليست حضارات بالمعنى الاصطلاحي للحضارة التي تبني الإنسان ، حيث أنها لم تقدم شيئاً لمسيرة التحضر البشري باستثناء الكثير من الحروب الطائفية و بعض المواد التشريعية الدينية البدائية التي لو بحثنا فيها بعمق للاحظنا بأنها مأخوذة من الشرائع التي انتشرت في الهلال الخصيب و مصر و اليونان في العصور القديمة ، كشريعة حمورابي و موسوعة جوستنيان في القانون الروماني و غيرها.

#الحق_الحق_أقول_لكم ، فلنعط كل ذي حق حقه ، و لننسب منجزات العلم التجريبي للعلماء التجريبيين الحقيقيين و الذين كانوا لادينيين أو غير مكترثين بالظاهرة الدينية في الغالب المعظم .... أما أن ننسب إنجازات البحّاثة التجريبيين ( الذي ألقتهم الصدفة التاريخية و الجغرافية في القرون الوسطى يرزحون تحت حكم الكهنوت ) للأديان التي حاربتهم و ضيقت عليهم و حاربت علومهم فهذا ظلم كبير كبير و إجحاف خطير خطير و تزوير رهيب رهيب ....

فمن غير المنطقي أن ننسب إنجازات العبقري أبي بكر الرازي للدولة المحمدية في حين أن مشايخ المحمدية قد كفروه و لاحقوه و عذبوه باسم المحمدية و استناداً على نصوص تراثية محمدية مقدسة تدعو لقتل الزنديق المرتد الخارج عن النمط المحمدي في التفكير ( ذلك النمط الذي يقدم النقل على العقل .... )

فالرازي و جميع العلماء الحقيقيين الذين عاشوا ضمن حدود زمكان الدولة المحمدية كإبن سينا و ابن الطفيل و الفارابي و الإدريسي و و و ... ينتمون فكرياً للحضارة الغربية في أوروبة لاتساق منهجهم المعرفي مع مناهج المعرفة الغربية ، و لا يحق لنا من الناحية الأخلاقية نسبتهم للمنهج المحمدي الكهنوتي الذي حاربهم و كفرهم و لاحقهم و أحرق كتبهم.

و في سياق الأدب نجد أنه من غير المنطقي أن ننسب أدب ابن المقفع و المعري و بشار بن برد للمحمدية في حين أنهم كُفِّرُوا و حُورِبُوا و لُوحِقُوا ثم قُتِلُوا بترخيص و توجيه من نصوص محمد ( القرآن و السنة ) .... !

و على الصعيد الآخر و بنفس المنهجية الموضوعية نلاحظ أنه من غير المنصف أن ننسب إنجازات غاليليو و برونو و كوبورنيكوس و من سار على دربهم من علماء تجريبيين للمسيحية ... لأنهم كُفِّروا و حوربوا باسم المسيحية !

فما قدمته المحمدية للبشرية هو كتب الفقه المحمدي فقط ، و التي تتحدث عن الطهارة و الصلاة و الصيام و الحج و النكاح و الطلاق و التفسير و الميراث و الحديث و الرواية و تفسير الأحلام و و و ... و باقي أبواب الفقه و أصول الدين المعروفة في الموسوعات الفقهية و المراجع الدينية ....


أما ( علماء ) المحمدية _ مع تحفظي على استخدام كلمة علماء فهم مجرد كهنة _ فهم طبقات الشافعية و الحنفية و المالكية و الحنابلة و الجعفرية و الظاهرية و المعتزلة و و ... أي أنهم الكهنة من أمثال الأئمة الأربعة و تلامذتهم و جعفر و زيد و ابن تيمية و الغزالي و السبكي و ابن دقيق العيد و العز بن عبد السلام و الجويني و الفخر الرازي و ابن رجب و محمد بن عبد الوهاب و حسن البنا و الألباني و الشحرور و عدنان إبراهيم و من سار على دربهم من الكهنة المحمديين .... فهؤلاء فقط من يصح نسبة ما أضافوه من أبحاث هزيلة للرصيد المعرفي المحمدي الذي أراه رجعياً ظلامياً مفلساً ...

و بنفس المقياس نجد أن ما قدمته المسيحية للرصيد المعرفي الإنساني عبارة عن كتب اللاهوت و شروحات الإنجيل و أعمال الرسل و غيرها من الرسائل الأسطورية ....

أما ما تم إنجازه من علوم تجريبية في ظل الحكومات الدينية المحمدية و المسيحية فيجب أن يُنسب لرواد المنهج العلمي التجريبي الذي بدأ تأسيسه في اليونان القديم ثم أصيب بالشلل و الانتكاس في القرون الوسطى بسبب سيادة المناهج الدينية في التفكير ، ثم عاد للحياة على أيدي أبطال عهد النهضة و الثورة العلمية العظيمة التي حدثت في أوروبا الغربية.

فيجب إسقاط هذه المصطلحات الكاذبة مثل مصطلح ( الحضارة الإسلامية ، الحضارة المسيحية ، الحضارة الهندوسية ) ، فالحضارة ظاهرة عالمية علمية عابرة للعصور لا تتأطر بالأديان ... وقودها العلم الحقيقي و نسبتها للإنسان بعيداً عن طائفية الأديان و مناهجها المعرفية المتخلفة القائمة على الخرافة و الدجل و التزييف.

هامش أول :

لا يصح نسبة ما تم إنجازه من علوم في العصر الحديث للديانة المسيحية بحجة أن الرجل الغربي مسيحي في الغالب ، و ذلك لأن الثورة العلمية حدثت بعد إقصاء الكنيسة و مناهجها في التفكير عن الساحة السياسية و الفكرية الأوروبية ....

و كذلك لا يصح نسبة ما تم إنجازه و اكتشافه من علوم تجريبية في عهد سيطرة المحمدية إلى الديانة المحمدية ، و ذلك لأن مشايخ الديانة المحمدية في القرون الوسطى قد حَرَّمُوا العلوم التجريبية و لاحقوا ممارسيها استناداً على نصوص محمدية و بأمر من الخليفة و السلطان ( راجع إحياء علوم الدين للغزالي ) ...

هامش ثاني :

كفانا افتخاراً بماضينا .... لأنه من الناحية العلمية عبارة عن هامش خجول على صفحة المعرفة البشرية التي ابتدأت حقيقة في الهلال الخصيب (بلاد الرافدين) و مصر القديمة و الصين القديمة ثم انتقلت إلى اليونان ..... و بعد اليونان نامت ثم نامت ثم غطت في نوم عميق طيلة القرون الوسطى إلى أن استفاقت مع سقوط تفاحة نيوتن و خربشات رينيه ديكارت أثناء تأسيسه لمنهج الشك.

النتيجة :

لو مزقنا صفحة القرون الوسطى من تاريخ الجنس البشري لما تضررت المسيرة المعرفية لهذا الجنس البشري تضرراً كبيراً .... بل لتجاوزنا أفكاراً أثبت الزمن أن ضررها أكبر من فائدتها ... و لوفرنا أطناناً من الدماء التي سفكت من أجل أفكار مضحكة في كثير من الأحيان.

نسخة من هذا المقال إلى خالتي الحجة زيغريد أم أبو علي هونكة قدس الله سرها ، و التي تنسب أبو بكر الرازي للعروبة و المحمدية ، في حين هو فارسي ( دهري ) ملحد !



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة التاريخ
- الديانة الإسلامية أم الديانة المحمدية ؟
- صباح الميم و الياء
- القرآنيون ما بين علمنة الخرافة و عقلنة الوهم
- القلب النزيف
- ياسمينة على ضريح الله _ قيثاريّة النسرين
- إنه لمن الظلم بمكان !
- نظام اتصالات رديء بين الله و أنبيائه
- أكذوبة العروبة ... أكذوبة ملعوبة !
- مصطلحات قرآنية أهانت المرأة _ الإعجاز الإشمئزازي في القرآن
- بالغتُ باسمِكِ ( شعر عمودي )
- اعتناق الديانة المحمدية على أسس علمية
- الإبهام المُطلق للخطاب في النص الديني
- هذا الموت من هذا الجمال !
- وظيفة الكهنة و الشيوخ المحمديين ، تحت المجهر
- الشمودوغمائية أخطر أمراض الفكر البشري
- المخابرات الناعمة
- مُعضِلة الدين س
- انتحار
- الواقعيّة على مذبح العقل


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راوند دلعو - الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية