حسين مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 02:58
المحور:
الادب والفن
حسين مهنّا
حِوارِيَّةٌ..
في لَيلَةٍ لَيلاءَ زارَنِي جَدِّي آدَمَ، وكانَ لا يَزالُ يَرْتَدِي سُتْرَةً مِنْ وِرِقِ التّوتِ؛ جاءَنِي وهْوَ يَبْكي. صِحْتُ لا مِنْ مُباغَتَتِي بِزِيارَتِهِ بِقَدْرِ رُؤْيَتِي إِيّاهُ باكِيًا: أَتَبْكِي يا جَدِّي وأَنْتَ أَبُو البَشَرِ؟! نَظَرَ إِلَيَّ بِعَينَينِ مِنْ نورٍ ونارٍ وقالَ: ما هذا الَّذي تَفْعَلونَهُ وقَدْ وَهَبَكُمُ اللهُ السِّيادَةَ على هذِهِ الأَرضِ مِنْ بَعْدي؟، لَكُمْ خَيراتُها ولَكِنَّكُمْ لا تَحْمَدونَ ولا تَشْكُرونَ! لا بَلْ عِنْدَ القِسْمَةِ تَقْتَتِلونَ؛ لَقَدْ صِرْتُمْ قُطْعانَ ذِئابٍ قَوِيُّكُمْ يَأْكُلُ ضَعيفَكُمْ، هذا والخَيرُ عَميمٌ، فَكَيفَ لو كانَ شَحيحًا، فَماذا كُنْتُمْ فاعِلينَ؟!
قُلْتُ: ولكِنَّنا يا جَدِّي لَسْنا في خَنْدَقٍ واحِدٍ، فينا الصّالِحُ وفينا الطّالِحُ. تابَعَ وكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كَلِماتِي: وسَمِعْتُكُمْ تَتَحَدَّثونَ بِلُغاتٍ لا أَفْهَمُها، وقَدْ عَلَّمْتُكُمْ لُغَةً واحِدَةً هِيَ أَحِبُّوا بَعْضَكُمْ بَعْضًا. وسَمِعْتُكُمْ تَحْسِبونَ أَمْوالَكُمْ وتَكيلونَ مَحاصيلَكُمْ بِأَرْقامٍ وبِمَكاييلَ لا أَفْقَهُها لِأَنِّي أَعْرِفُ مِكْيالًا واحِدًا وقَدْ عَلَّمْتُكُمْ إِياهُ وَهوَ: لِيَكُنْ رِزْقُكُم شِرْكَةً بَينَكُم ، ولا تَأْخُذُوا مِنْ خَيراتِ الأَرضِ أَكْثَرَ مِمّا اَنْتُمْ بِحاجَةٍ إِلَيهِ.
قُلْتُ : أَاَنْتَ نادِمٌ على أَنَّنا اَبْناؤُكَ؟ قالَ: لَسْتُ نادِمًا ولَكِنِّي حانِقٌ، فَقَدْ عَلَّمْتُكُمْ ما أَوحى إِلَيَّ بِهِ رَبِّي، فَخَذَلْتُمونِي وبَدَّلْتُمُ المَحَبَّةً بِالكَراهِيَةِ، والكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ بِصَليلِ السُّيوفِ. قُلْتُ: يا جَدِّي لا تُوجَدُ سُيوفٌ اليومَ بَلْ يوجَدُ الرَّصاصُ. قالَ: وما الفَرْقُ؟ ما دامَتِ النَّتيجَةُ واحِدَةً! قُلْتُ: أَعِنْدَكَ مِنْ شَيءٍ أَخيرٍ تَقولُهُ؟
قالَ: أَلا تَكْفيني حَسْرَتي على هابيل!؟ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيكُمْ! .... قالَها واخْتَفى.
#حسين_مهنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟