|
السودان: فتح نيران جائرة على لجان المقاومة
محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)
الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 20:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
توطئة حتى الآن اتضح أن "قاطع الطريق" محمد حميدان حميدتي (المنفذ، بالاشتراك مع الجنرال البرهان، لمذابح الاعتصام في 13 مايو و3 يونيو 2019) يسيطر بميلشيات الجنجويد على الدولة السودانية سيطرة تامة، وهذا من شأنه إدامة ظلام نظام الإنقاذ والبطش بالشعب بصورة أخرى أكثر بشاعة؛ وهذا الوضع يستدعى التحرك والنضال من أجل مهمة طابعها (قومي) الا وهي انه لا يمكن ترك السودان لسيطرة ميلشيات. فعدم التحرك والنضال لمنع هذا الوضع فيه تنكر لتاريخ بلادنا ومن شانه خلق سد يحجب الضوء عن ومضات منيرة يزخر بها هذا التاريخ.
المقال برزت مؤخرا بعض الاتجاهات تعارض الحراك الشبابي المناهض للحكومة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني؛ وهي اتجاهات تعكس مواصلة الثبات على التوصيف الخاطئ لطبيعة النظام السياسي في السودان الذي ساد بشكل استثنائي صارخ خلال حكم الإنقاذ.
وهكذا ظهرت بعض الأصوات تدلى بأحاديث مشككة في جدوى التحركات الشبابية والهجوم على خطها الضاغط على الحكومة للشروع الجاد في تنفيذ مطالب ثورة ديسمبر 2018؛ وحجج هؤلاء تتلخص في نقطتين وهي أن كيانات الشباب من لجان المقاومة وتجمعات المستقلين تعوزها الخبرة وان تحركها يتسم بالتطرف وأن أعضاءها يفتقدون للوعي السياسي (الذي أفقدهم القدرة على وعى دور الأحزاب التقليدية).
إن حجة التطرف حجة سخيفة وقديمة تستهدف في السياسة كل من يصادم النظام السائد (status que) ويسعى للتغيير الراديكالي. فأين التطرف في مطلب هؤلاء الشباب بتنفيذ مطالب "الثورة" التي تتعرض للتسويف من قبل الحكم الانتقالي. أليست هي نفس المطالب التي دشن الخروج من أجلها الشعب في 2018 في الدمازين وعطبرة والخرطوم؛ فلماذا كان نفس الموقف المطلبي معتدلا وغير متطرف عندما كان بعض من يهاجمون الحراك الشبابي الثوري يتبنونه ويعرضونه من وراء الحدود عبر القنوات الفضائية العالمية...
إن التعامل الجاد مع ظاهرة التطرف في النشاط السياسي مسالة مهمة ومطلوبة ولكن يكون الانتباه ضروريا للتعرف على محاولات استخدام التطرف فزاعة لمحاربة المواقف الكبيرة والصحيحة. وحول اتهام الشباب الثائر بافتقاد الوعي السياسي، يقول السيد الحاج وراق، أحد الناقدين، أن هذه الحالة تجعلهم لا يتمتعون بالقدرة على وعى دور الأحزاب في إرساء قاعدة الديمقراطية. وطبعا أراد وراق تجنب تحديد الأساس الاجتماعي للشباب الذين كانوا على صدر الاحتجاجات الجماهيرية ولجأ لحجة لا تعنى شئيا (سياسيا) في وصف الثائرين الذين أطاحت حركتهم بنظام الإنقاذ. وفي حديثه عن الديمقراطية وفهمه السطحي لها كمصطلح مجرد، يأتي بفكرة في غاية الغرابة والتبسيط ينقصها التفكير الجاد ويعجز عن ربطها (الديمقراطية) بما تُعلمنا له تجربتنا الوطنية والطبيعة الطبقية للأحزاب التقليدية. وفكرة وراق أن الأحزاب ومن بينها الحزبين الطائفيين ضرورية لتحقيق الديمقراطية وحجته أن هذه الأحزاب لها قواعد اجتماعية في مقابل الشباب (لجان المقاومة) الذى يتساءل متهكما مخاطبا لهم: كيف تُفعّلون الديمقراطية بال "فيس بوك"؟ إن تلخيص وصف وراق لحراك شباب لجان المقاومة بأن نشاطهم محصور على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، محاولة تفتقد أي قدر من النزاهة واللياقة الهدف منها التقليل من الهبة الشبابية العظيمة التي كان وراءها نشاط معارض لحكم الإنقاذ متواصل للجان المقاومة منذ تاريخ تأسيسها في 2013 والذى تمدد في ديسمبر 2018 واتخذ شكل مواجهات جماهرية حاشدة واجهت قوات نظام الإنقاذ وترسانة أسلحتها بشجاعة فائقة وضحى بعضهم بحياته في سبيل الإطاحة بنظام الإسلاميين الظلامي (المسالة لم تكن مجرد ثرثرة في الفيس بوك).
لكن هذا ليس المهم، فالمهم هو نظرته وتصوره لتأسيس وتوطيد قاعدة الديمقراطية في السودان إذ يراهن في مسألة توطد الديمقراطية على الأحزاب التقليدية بحجة أن هذه الأحزاب لها القاعدة الاجتماعية للقيام بهذا الأمر!! لكن هذا تفكير ومنطق غريبين، بل هو قول لا يعنى شيئا. فكل ما فعله الشباب المعارض للأحزاب الطائفية هو انهم راحوا يكشفون مواقفها المعادية لحراكهم ومحاولاتها للإنقاض التام على الانتفاضة الشعبية بداية بعلمهم بمشاركة بعض قادتها في مجازر اعتصام القيادة العامة وانتهاء بسعيها المحموم الحالي لإجراء انتخابات مبكرة والسيطرة على الحكم بالتعاون مع الجيش ومليشيات الجنجويد لا لتحقيق مطامح الشعب المنتفض بل للمصلحة التي تخدمها هذه الأحزاب.
وأي شخص له أدنى إلمام بمسار التجربة الديمقراطية الليبرالية في السودان يدرك أن اول من يضيق بالديمقراطية هي الأحزاب التقليدية (الطائفية والإسلامية) كما حدث في انقلاب 17 نوفمبر 1958 وحل الحزب الشيوعي في 1965 وانقلاب يونيو 1989. فحديث وراق عن القاعدة الاجتماعية والتحليل الاجتماعي بشكل عام حديث في الهواء لا معنى له؛ و"التحليل الاجتماعي" لا يجدي التعامل معه كمفهوم مجرد، فتناول الأحداث يكون بلا معنى إذ لم يأت في سياق مصلحة القوى الاجتماعية من ورائها (المصلحة الطبقية). (كثير من مثقفينا لو صبروا قليلا على الماركسية لأدركوا هذا المعنى الذي يفرِّق بين السوسيولوجيا العلمية والذاتية.)
قد تكون هناك ألف ملاحظة وواحدة على عمل لجان المقاومة في اتجاه ضرورة تطورها، إلا أن نضالها ضد المؤامرات التي تحيكها الأحزاب الطائفية ضد ثورة الشعب يستحق دعمها، وبدلا من الهجوم عليها وتبخيس مجهودها النضالي وتعييرها بضآلة الوعي، المساهمة بمد أفرادها بكل ما يجعلهم يرتقون فكريا وهذا لن يتم إلا بالالتحام معهم في نضالهم ضد قوى الظلام والطائفية التي تجد الدعم من العسكر والمليشيات. وعلينا ان لا ننسى أن الوضع الثوري الحالي يهيئ مناخا يجعل الناس أكثر انفتاحا واستعدادا لتقبل وتداول الأفكار الجديدة.
وختاما، إن الحديث المتواتر عن أن معارضة الحراك الشعبي ضد الحكم الانتقالي ستؤدى للانقلاب على ثورة ديسمبر لا يعنى شيئا؛ فالانقضاض على ثورة الشعب يتم تحت ناظرنا بالسيطرة الماثلة للجيش والمليشيات على الدولة التي يدعمها الحزبان الطائفيان لإعادة إنتاج نظام الحكم السابق المرتكز على الأنساق الاجتماعية وعلاقات الإنتاج البالية....
#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)
Mahmoud_Yassin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السودان: حمدوك عالق على الجانب الخطأ من التاريخ
-
السودان : مهزلة حميدتى
-
الثورات والأناشيد
-
إلى البرهان: إذا كنت وطنيا، أسحب الجنود السودانيين من اليمن
-
السودان: لا لعبد الفتاح البرهان عبد الرحمن (برهانى)
-
السودان- إنتفاضة ديسمبر وأشباح الماضى
-
السودان: انتفاضة 19 ديسمبر وحدود الإنجاز
-
السودان: الطريق إلى انتفاضة 19 ديسمبر وصانعة الملوك
-
لماركسية والموقف من البرلمانية: الذنب ليس ذنب لينين!!
-
مقتل خاشقجى: إفلاس الإسلام السياسى وسطوة الأوليجاركية الأمري
...
-
كندا: حدود الرأسمالية في التطور التكنولوجي
-
روضة الحاج والتجريد في - المجرم الحقيقى هو النيل!-
-
كلمة في رحيل المفكر المصرى سمير امين
-
توجهات مجموعة السبع وماذا تعد لافريقيا
-
الصادق المهدى وإعادة ترتيب البيت في المركز
-
رأى الماركسية في الثورة المهدية في السودان
-
الصادق المهدى: كيف يقرأ الماركسية!؟
-
-الدولة التنموية- والإزراء بالسياسة والماركسية
-
الوسيلة إلى فهم أن الدولة السودانية ليست اختراعا
-
ستيفن هوكينغ : كلنا فى الهم شرق وغرب
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|