طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6475 - 2020 / 1 / 28 - 19:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يمضي التوسر في تحليل اسباب قيام ثورة اكتوبر والظروف المحيطة الداخلية والخارجية المتشابكة التي صاحبت اندلاعها, بقوله ان لينين اكد مرارًا وتكرارًا, وقد لخص ستالين ذلك بشكل واضح وخاصة في خطبه في أبريل عام 1924, على ان التباين في التطور الرأسمالي, عبر حرب 1914- 18 , ادى الى اندلاع الثورة الروسية, لأن روسيا كانت أضعف حلقة في سلسلة الدول الإمبريالية في الوضع الثوري الذي كانت تمر به البشرية جمعاء.
Lenin said this time and time again, and Stalin summarised it in particularly clear terms in his April 1924 speeches
https://www.marxists.org/reference/archive/althusser/1962/overdetermination.htm
(اتباع ستالين يجهلون حتى ما كتبه ستالين ويهاحمون التوسر بدون معرفة بزعم تغافله عن ستالين, وهم ايضا يشوهون مقولات ستالين ويزعمون ان ستالين كان صديقا للامبريالية والاستعمار واكد على محاسنهما وفضائلهما. وهم بذلك ليس فقط يقلبون الماركسية رأسا على عقب وانما ايضا يشوهون ستالين نفسه الذي يزعمون الدفاع عنه و"التكلم باسمه!", وذلك من اجل تمرير اجنداتهم المشبوهة في خدمة الرأسمالية العالمية وعولمتها المتوحشة, وهم يضعون قناع الشيوعية من اجل تقويضها من داخلها. وهؤلاء, يمكن بكل تأكيد القول, اشد خطرا على الشيوعية من اعدائها الصريحين!)
فليقرء اذن اتباع ستالين ما يقوله ستالين نفسه في كتابه "اسس اللينينية-اعتذر عن الاقتباس الطويل الذي لا يمكن تفاديه لتوضيح المسألة:
"إن الاستعمار لم يؤد فقط إلى أن الثورة أصبحت شيئاً لا بد منه من الناحية العملية، بل أدى أيضاً إلى تكوّن ظروف ملائمة للهجوم المباشر على قلاع الرأسمالية.
هذا هو الوضع الدولي الذي ولَّد اللينينية.
وقد يقال لنا: كل هذا حسن جداً. ولكن ما شأن روسيا هنا، وهي ما كانت، ولا كان من الممكن أن تكون، البلد الكلاسيكي للاستعمار؟ وما شأن لينين هنا، وهو الذي عمل قبل كل شيء في روسيا ومن أجل روسيا؟ ولماذا كانت روسيا بالذات، منبت اللينينية، وموطن نظرية الثورة البروليتارية وتكتيكها؟
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من سواها، نقطة التقاء لجميع تناقضات الاستعمار هذه.
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من أي بلد آخر حبلى بالثورة، ولهذا السبب كانت وحدها قادرة على حل هذه التناقضات بالطريق الثوري.
فأولاً، كانت روسيا القيصرية موطن الاضطهاد بكل أنواعه – الرأسمالي والاستعماري والعسكري على السواء – وفي أشد أشكاله وحشية وبربرية. فمن ذا الذي يجهل أن سلطان الرأسمال في روسيا كان يمتزج بالاستبداد القيصري، وأن عدوانية القومية الروسية كانت تمتزج بقيام القيصرية بدور الجلاد ضد الشعوب غير الروسية، وأن استثمار مناطق كاملة – في تركيا وإيران والصين – كان يرافقه إلحاق هذه المناطق بالقيصرية، كما تلازمه حرب الفتوحات؟ لقد كان لينين على حق في قوله بأن القيصرية هي استعمار عسكري إقطاعي . فقد كانت القيصرية خلاصة مكثفة لأشد نواحي الاستعمار سلبية، مرفوعة إلى التربيع.
ثم أن روسيا القيصرية كانت احتياطياً قوياً للاستعمار الغربي، ليس فقط من حيث أنها كانت تفتح الأبواب على مصراعيها للرأسمال الأجنبي الذي كان يهيمن في روسيا على فروع من الاقتصاد الوطني ذات شأن حاسم، كالمحروقات وصناعة التعدين، بل لأنها كانت أيضاً تستطيع أن تضع ملايين الجنود على الأقدام لمصلحة الاستعماريين الغربيين. تذكروا الجيش الروسي بملاينه الأربعة عشر، الذي سفك دمه على الجبهات الاستعمارية في سبيل تأمين الأرباح الفاحشة للرأسماليين الانكليز والفرنسيين.
ثم أن القيصرية لم تكن فقط كلب الحراسة للاستعمار في شرقي أوروبا، بل كانت فوق ذلك أيضاً عملية للاستعمار الغربي لكي تستنزف من السكان مئات الملايين، لتسديد فوائد القروض الممنوحة لها في باريس ولندن وبرلين وبروكسل.
وأخيراً، كانت القيصرية حليفاً أميناً كل الأمانة للاستعمار الغربي في اقتسام تركيا وإيران والصين، الخ. ومن ذا الذي يجهل أن القيصرية خاضت الحرب الاستعمارية إلى جانب الاستعماريين الحلفاء، وأن روسيا كانت عنصراً أساسياً في هذه الحرب؟
لهذا كانت مصالح القيصرية والاستعمار الغربي تندمج وتندغم بعضها ببعض، لتشكل في النهاية شلة واحدة من مصالح الاستعمار. فهل كان باستطاعة الاستعمار الغربي أن يرتضي فقدان سند قوي في الشرق، ومستودع زاخر بالقوى والموارد، كروسيا القديمة، روسيا القيصرية والبرجوازية، دون أن يجرب قواه كلها في نضال مستميت ضد الثورة في روسيا، للدفاع عن القيصرية وتثبيت أقدامها؟ كلا، طبعاً.
غير أنه ينتج عن هذا أن كل من كان يريد ضرب القيصرية، كان يرفع يده بالضرورة على الاستعمار، وأن كل من كان ينتصب في وجه القيصرية كان مضطراً للوقوف أيضاً في وجه الاستعمار، ذلك لأن كل من كان يعمل للقضاء على القيصرية، كان لا بد له من القضاء على الاستعمار أيضاً، إذا كان ينوي فعلاً أن لا يكتفي بضرب هذه القيصرية، بل كذلك أن يجهز عليها وأن لا يبقي لها أثراً. وهكذا كانت الثورة ضد القيصرية تقارب الثورة ضد الاستعمار، وكان لا بد لها من أن تتحول إلى ثورة ضد الاستعمار، إلى ثورة بروليتارية.
وخلال ذلك، كانت تصعد في روسيا أعظم ثورة شعبية وقفت على رأسها أعظم بروليتاريا ثورية في العالم، تحت تصرفها حليف له من الشأن ما لجماهير الفلاحين الثوريين في روسيا. فهل من حاجة إلى البرهان على أن ثورة كهذه ما كان من الممكن أن تقف في منتصف الطريق، وأنها، في حال نجاحها، كان لا بد لها من السير قدماً، رافعةً علم الانتفاض المسلح على الاستعمار؟
لهذا السبب كان لا بد لروسيا من أن تصبح نقطة الالتقاء لتناقضات الاستعمار، ليس فقط من حيث أن هذه التناقضات كانت تتجلى بأوضح ما يمكن في روسيا نظراً لما تميزت به هذه التناقضات فيها من خساسة وفظاعة ووطأة لا تطاق، وليس فقط من حيث أن روسيا كانت دعامة رئيسية للاستعمار الغربي، تربط الرأسمال المالي في الغرب بمستعمرات الشرق، بل كذلك من حيث أن القوة الحقيقية القادرة على حل تناقضات الاستعمار بالطريق الثوري، كانت موجودة فقط في روسيا.
فينتج من هذا إذن، أن الثورة في روسيا لم يكن من الممكن إلا أن تصبح بروليتارية، لم يكن من الممكن إلا أن ترتدي، منذ الأيام الأولى من تطورها، طابعاً أممياً، وبالتالي، لم يكن من الممكن إلا أن تزعزع نفس أركان الاستعمار العالمي."
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=78867&r=0
وبهذا الخصوص يتسائل التوسر: ماذا يعني ماركس وإنجلز عندما أعلنا أن التاريخ يتقدم دائمًا بجانبه السيئ؟ من الواضح, يقول التوسر, أن هذا يعني الجانب الأسوأ للحكام, ولكن دون المابلغة دون مبرر, يمكننا تفسير الجانب السيئ على أنه الجانب السيئ بالنسبة لأولئك الذين يتوقعون التاريخ من الجانب الآخر! على سبيل المثال, تخيل الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان في نهاية القرن التاسع عشر أنهم سيحققون قريبًا انتصارا اشتراكيا بحكم الانتماء إلى الدولة الرأسمالية الأقوى, التي كانت تمر بنمو اقتصادي سريع, تمامًا كما كانوا يشهدون نموًا انتخابيًا سريعًا (تحدث مثل هذه المصادفات). من الواضح أنهم رأوا أن التاريخ يتقدم على الجانب الآخر, الجانب "الجيد" والجانب الذي يتمتع بأكبر تطور اقتصادي وأكبر نمو, مع تناقضه في أنقى صوره, او اكثرها تجريدية, (التناقض بين رأس المال والعمل), لذلك نسوا ان كل هذا كان يحدث في ألمانيا مسلحة بآلة الدولة القوية, وببرجوازيتها التي تخلت منذ فترة طويلة عن "ثورتها" السياسية في مقابل حماية جيش و شرطة وبيروقراطية بسمارك (و القيصر فيلهلم لاحقًا), وكذلك مقابل الأرباح الفائقة للاستغلال الرأسمالي والاستعماري, والذي رافقه نشوء برجوازية صغيرة شوفينية ورجعية. لقد نسوا أنه في الواقع, كان الجوهر البسيط للتناقض, التناقض بين رأس المال والعمل, تناقضا مجرّدًا تمامًا: كان التناقض الحقيقي يمكن تبينه فقط في "ظروفه" الملموسة لدرجة أنه كان فقط واضحًا وقابلاً للتحكم فيه من خلالها وبواسطتها.
التجربة الماركسية الثورية كلها تدلل على ان التناقض العام, التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج, المتجسد أساسًا في التناقض بين طبقتين, لا يكفي لتحديد الموقف عندما تكون الثورة هي "مهمة اليوم". فهي لا تستطيع، من خلال قوتها البسيطة والمباشرة, أن تحدث "وضعا ثوريا", او ان تحدث فعلا ثوريا, ناهيك عن انتصار الثورة. إذا كان هذا التناقض "فعالا" بالمعنى الأقوى, ليصبح أًساسا ثوريا, فيجب أن يكون هناك تراكما "للظروف" و "التيارات" حتى مهما كان أصلها و معناها (وكثير من التيارات بالضرورة يكون غريبا عن الثورة ومناقضا لها في الأصل والمعنى, أو حتى يكون من "خصومها المباشرين"), ولكنها كلها "تٌدمج" في وحدة واحدة مؤلفة من الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية المتأهبة في هجوم على نظام الطبقات الحاكمة الغير قادرة على الدفاع عنه.
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟