محمود سعدون
كاتب وناشط سياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6475 - 2020 / 1 / 28 - 15:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تمر على البشرية هذا العام 2019 الذكرى ال102 لثورة اكتوبر العظمى في روسيا عام 1917 , تلك الثورة التي غيرت مجرى التاريخ العالمي . فمنذ سنوات بعد الانهيار الذي حدث في اوائل التسعينيات من القرن الماضي , وهذه الذكرى تتعرض الى التجاهل تارة والتشويه تارة اخرى . وللدخول بتفاصيل الثورة علينا التعرف على انه لا يوجد اجماع تام من قبل الاحزاب الشيوعية والاشتراكية على الاسباب النهائية للانهيار الحاصل " كانت تعد الى وقت قريب حلم البشرية . لقد شطب الانهيار ذاكرة عند البعض , واسقط مطامح واحلام وهز قناعات " .(1) ويذكرنا اعداء الاشتراكية دائما بان تاريخ البشرية لم يعطي اي بديل للرأسمالية ما عدى البديل المتمثل بالأنظمة الشيوعية السابقة ثم يقفزون باعتقادهم بان اي بديل اخر غير ممكن ابدا (2) , ليتكون الاعتقاد بان البشرية اذا شاءت الاختيار اما النظام الرأسمالي او النظام الشيوعي المتمثل في الدول الاشتراكية سابقا صاحبة التجربة المشوهة , ليس المقال مكرس لدراسة اسباب سقوط الاتحاد السوفيتي او التجربة الاشتراكية لكن هو خوض غمار تجربة ثورة اكتوبر الاشتراكية , عنما يقول لينين ان تعيش الثورة افضل من ان تكتب عنها , ولمن يريد وثيقة فكرية ناضجة تناقش اسباب السقوط فقد اعدت لجنة العمل الفكري المركزي وبتوصية من اللجنة المركزية وثيقة انطلقت فيها الدراسة منذ المؤتمر الوطني الخامس عام 1993 للحزب حتى اقرت في المؤتمر الثامن عام 2007 تحمل العنوان ( خيارنا الاشتراكي .. دروس من بعض التجارب الاشتراكية ) وهي حسب اعتقادي من انضج الوثائق التي تناقش هذا الموضوع .
"جاءت ثورة اكتوبر تعبيرا عن تفجر تناقضات الرأسمالية في احدى اضعف حلقاتها , وهي لهذا كانت ثورة حقيقية انطلقت من اعماق المجتمع الروسي" (3) بمشاركة واسعة من جماهير الفلاحين المسحوقة في الريف والطبقة العاملة النشيطة في المدن واقسام واسعة من الفئات الوسطى الحضرية , وللعودة للوراء دشنت ثورتي 1905و1907 بداية النهوض الثوري في روسيا وعلى الرغم من ان الثورتين لم تحقق هدفها الاستراتيجي انا ذاك وهو اسقاط القيصرية في روسيا , لكن كانت بداية لنهوض ثوري ستشهده روسيا لاحقا , وكتب فلاديمير ايليتش لينين يقول " لقد اظهرت الثورة الاولى واظهر عهد الثورة المضادة الذي اعقبها (1907- 1914 ) كل طبيعة الملكية القيصرية ودفعاها الى اخر حدودها وكشف عن كل تعفن ونذالة ووقاحة ودعارة العصابة القيصرية وعلى راسها الوحش راسبوتين , كما كشف عن كل ضراوة ال رومانوف , هؤلاء القتلة الذين اغرقوا روسيا بدماء اليهود والعمال الثوريين, ففي خريف عام 1915 حدث نهوض ثوري اخر راح يتنامى بسرعة وبعد عام اضرب في العاصمة بتر وغراد 150 الف عامل , واتخذت الاضرابات طابعا سياسيا شديد الوضوح وقد كانت هذه الاضرابات تجري بقيادة المنظمات الحزبية البلشفية .
وفي بداية عام 1917 بلغ التدهور الاقتصادي وسوء الاوضاع في روسيا حده , حيث كان 16 مليون نسمة يخدمون في الجيش وتعطل في سنوات الحرب اربعة الاف مصنع كبير من اصل حوالي عشرة الاف مصنع وقد اودت الحرب الى مجاعة كبيرة بسبب الازمة التي تعرض لها القطاع الزراعي الذي لم يكن قادرا على اطعام المدينة والجيش وقبيل الحرب العالمية الاولى 1914- 1918 سيطر الاحتكاريون في روسيا على كل فروع الصناعة الرئيسية السائدة في ذلك الحين , وقد برزت اضخم الجمعيات الاحتكارية امثال ( بروداميت ), بالإضافة الى ان الجيش يقاد من جنرالات غير اكفاء مما انتج عن خسائر عسكرية, هذه الظروف فاقمت التناقضات الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية في البلاد . لم تكن هناك من وسيلة لإنقاذ روسيا من الكارثة سوى اجراءات ثورية حازمة تناهض تسلط راس المال والملكية الخاصة . في بداية عام 1917 من كانون الثاني تنامى الهجوم الثوري بشكل واضح حيث وصل عدد المتظاهرين الى 300 الف شخص , واكد لينين ان البروليتارية بحكم دورها الاقتصادي في الانتاج الضخم هي الوحيدة القادرة على ان تكون زعيما لجميع جماهير الشغيلة والمستغلين (بفتح العين) , وفي مساء 27شباط 1917 انضم ما يزيد عن ستين الف من جنود حامية بتر وغراد الى جانب العمال وعمت الانتفاضة في هذا اليوم كل انحاء بتر وغراد تقريبا . وكان هذا اليوم هو يوم انتصار ثورة شباط البرجوازية الديمقراطية بقيادة الجنرال كير نسكي . لم تحقق ثورة شباط امال الجماهير التي كانت تطلب بي 1- الوقف الفوري للحرب 2- توزيع الاراضي على الفلاحين 3- تأمين حق تقرير المصير للقوميات المضطهدة 4- تفادي سحق بتر وغراد الحمراء الذي اراد كير نسكي تسليمها الى الجيش الالماني 5- وقوف تخريب البرجوازية للاقتصاد واقامة الرقابة العمالية على الانتاج 6- منع انتصار الثورة المضادة , في اوائل نيسان عاد لينين الى الوطن في " موضوعات نيسان " كتب قائلا ان الشيء الاصيل في الوضع الراهن في روسيا انما هو الانتقال من المرحلة الاولى للثورة التي اعطت الحكم للبرجوازية نتيجة لعدم كفاية الوعي والتنظيم لدى البروليتاريا , الى المرحلة الثانية للثورة , التي يجب ان تعطي الحكم للبروليتاريا وللفئات الفقيرة من الفلاحين .
يوم 24/ من تموز انتهت المفاوضات التي جمعت بين حزب الكاديت والاحزاب الاشتراكية بتشكيل حكومة اتلاف ثانية سميت حكومة انقاذ الوطن والثورة لتشن هذه الحكومة حربا على البلاشفة فقد امر رئيس الوزراء كير نسكي بمنع صدور ونشر الجرائد البلشفية بين الجنود ,كما حضر على الجنود عقد الاجتماعات واللقاءات والندوات والمؤتمرات , لتعقد البلاشفة مؤتمرها السادس يوم 26 تموز ليستمر حتى ال3 من اب عام 1917 في بتر وغراد , ليناقش موضوع تكتيك البلاشفة في ظل الظروف الجديدة , وفي 7 من تشرين الثاني 1917 حملت صحيفة ( طريق العمال ) مقال كتبه زينوفييف رفيق لينين في المخبأ تحمل العنوان الكبير التالي ( كل السلطات لسوفييت العمال والجنود والفلاحين , السلم , الخبز , الارض ) " ان كل جندي وعامل , وكل اشتراكي حقيقي وديمقراطي صادق يدرك الان انه يوجد مخرجان للوضع اما ان تبقى السلطة بين ايدي طغمة البرجوازيين وملاك الارض , وهذا يعني ممارسة جميع انواع القمع ضد العمال والجنود والفلاحين , واستمرار الجوع والموت المحتم . واما ان تنتقل السلطة الى ايادي العمال والجنود والفلاحين الثوريين , وهذا يعني الغاء استبداد ملاك الارض الغاء تاما , وايقاف الرأسماليين عند حدهم فورا "(4) ,وطلب لينين بكل حزم البدء بالانتفاضة المسلحة قبل افتتاح المؤتمر الثاني لمجالس السوفييت المقرر انعقاده في 25 تشرين الاول / اكتوبر لكي تتاح بذلك فرصة سبق القوى المعادية للثورة القوى التي كانت تستعد لتحطيم الثورة , لقد كان 25 اكتوبر يوم انتصار الانتفاضة في بتر وغراد قد دخل التاريخ كبداية لثورة اكتوبر العظمى في البلاد التي افتتحت صفحة جديدة من تاريخ البشرية , وتوج الانتصار النهائي في 7 نوفمبر 1917 .
"اجل لقد كانت مغامرة وهي بالإضافة لهذا احدى اروع المغامرات التي سبق للإنسانية ان اقدمت عليها , مغامرة اقتحمت التاريخ اعصارا على راس الجماهير الكادحة وراهنت بكل شيء بتحقيق رغباتها البسيطة والواسعة ... " (5)
ستبقى ذكرى انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى تعيش خلال كل الاجيال القادمة وستبقى شرارة مضيئة في تاريخ البشرية , نعم لقد فشلت تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي لكن وكما قال ماركس ( تجربة بناء الاشتراكية قد تفشل مرة او مرتين او اكثر ولكن ستنتصر في النهاية ) لذلك علينا استخلاص الدروس والعمل على الوقوف بعين ناقدة لما حدث في اواخر القرن العشرين لا البكاء على الاطلال ان ثورة اكتوبر الاشتراكية واحدة من اروع المغامرات التي استطاعت الطبقة العاملة القيام بها . وبغض النظر عن المأل المأساوي للتجربة الا ان البشرية لن تنسى ابدا اكتوبر العظيم
الهامش
1- مجموعة مقالات للدكتور صالح ياسر نشرت في جريدة طريق الشعب بالذكرى المئوية لثورة اكتوبر كانت تحمل عنوان ( في الذكرى المئوية لثورة اكتوبر ... قاطرة تاريخ القرن )
2- رالف ميليباند – الاشتراكية لعصر شكاك – ترجمة نوال لايقة – الطبعة الاولى 1998
3- مجموعة مقالات للدكتور صالح ياسر نشرت في جريدة طريق الشعب بالذكرى المئوية لثورة اكتوبر كانت تحمل عنوان ( في الذكرى المئوية لثورة اكتوبر ... قاطرة تاريخ القرن )
4- جون ريد – عشرة ايام هزت العالم ترجمة فوزي طرابلسي – الطبعة الاولى دار الطليعة 1966 صفحة 156
5- جون ريد – عشرة ايام هزت العالم ترجمة فوزي طرابلسي – الطبعة الاولى دار الطليعة 1966
#محمود_سعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟