|
-داثن- معركة صغيرة وقيمة تاريخية كبيرة| تساؤلا ت حول تاريخ ومكان حج الرسول.
أبركان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 6473 - 2020 / 1 / 26 - 17:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معركة داثن هي أول معركة يقتحم فيها المسلمون العرب الأراضي الخاضعة لنفوذ الروم. وثمة تفاصيل دقيقة حول هذه المعركة في مخطوطة سريانية. يقول حسام عيتاني بهذا الخصوص، في كتابه "الفتوحات العربية في روايات المغلوبين":
وقع الصدام المسلح الأول بين العرب المسلمين والبيزنطيين، خارج شبه الجزيرة العربية، في قرية داثن قرب غزة في فلسطين. " ففي سنة 945، الدورة السابعة، يوم الجمعة الرابع من شباط فبراير عام 634 عند الساعة التاسعة، وقعت معركة بين الرومان وبين عرب محمد (طائيي محمد tayyaye Mhmt-d). فرَّ الرومان تاركين وراءهم البطريق بريردن (Bryrdn) الذي قتله العرب. وقُتل أيضا حوالي أربعة ألاف قروي فقير من المسيحيين واليهود والسامريين. لقد دمر العرب الناحية برمتها ". [مرجع حسام عيتاني = Robert Hoyland, Seeing Islam as others saw it ] أهمية الفقرة التي دوَّنها توما القسيس لا تعود فقط إلى قرب صاحبها، رجل الدين السرياني، من زمن وموقع الأحداث حيث انتهى من تسجيلها زمن الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك على ما يبدو، بل أيضا لكونها الإشارة الأولى إلى محمد في مصدر غير عربي. [نهاية الاقتباس]
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: " استهلت هذه السنة (13ه) و(ابوبكر) الصديق عازم على جمع الجنود ليبعثهم إلى الشام، وذلك بعد مرجعه من الحج ( )، وكان بعثُ أبي بكر لهذه الجيوش في أول سنة ثلاث عشرة .( ) ويقال: إن أول حرب وقع بالشام أن الروم اجتمعوا بمكان يقال له: العربة من أرض فلسطين، فوجه إليهم أبا أمامة الباهلي في سرية فقتلهم وغنم منهم، وقتل منهم بطريقا عظيما. "
وحول "داثن" - المنطقة والمعركة التاريخية - نقرأ في الموسوعة الفلسطينية ما يلي:
" وهي دائرةٌ الآن ويطلق عليها أيضاً الدمثية وتقع إلى الجنوب الشرقي من غزة بنحو 16 كيلو متراً وإلى الشرق من دير البلح بنحو خمسة كيلو مترات، وعندها أوقع المسلمون بالروم. وكانت أول حرب بينهم حدثت زمن خلافة أبي بكر الذي أرسل عمرو بن العاص في 3.000 رجل اجتاز بهم أيلة، وهاجم بلي وسعد هذيم من بطون قضاعة. فوجه إليه هرقل أخاه ثيودوروس (أو تذارق كما يسميه العرب)، وجرى اللقاء عند داثن أو الداثنة في أواخر عام 12 أو أوائل عام 13هـ/ 633 – 634، وقد قاتل العرب الروم قتالاً شديداً حتى هزموهم. ويبدو أن موقعه أخرى جرت في الوقت نفسه بين الروم والعرب بقيادة الصحابي أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي عند عربة بالقرب من البحر الميت وهزم الروم فيها أيضاً. وقد دفع هذا إلى بعض الالتباس فجعل بعض المؤرخين كالبلاذري موقعة داثن وموقعة عربة موقعة واحدة."
وبغض النظر عن هذا الالتباس، فإن الرواية الإسلامية تفيد أن فتوحات الشام بدأت في مستهل السنة الثالثة عشرة. فسواءً تعلق الأمر بمعركة واحدة أو باثنتين، فمن المفروض أن تكون معركة داثن قد وقعت بعد دخول السنة 13.
وانسجاماً مع السردية الإسلامية ككل لا يتجزأ، فإنه في هذه الفترة الزمنية كان الإسلام قد اكتمل. وفيما يخص موضوعنا، فقد فُرض الحج الى مكة وتكون المناسك الضرورية بين 8 و13 ذي الحجة، وتم إلغاء شهر الكبيسة الذي كان يُقْحَم بعد شهر ذي الحجة كل سنتين أو ثلاث سنوات كما تم تحريم القتال في الأشهر الحرم.
وأشير أن المسافة بين مكة وغزة أكثر من 1200 كم وقطع هذه المسافة من طرف آلاف الجنود المشاة لا يقل عن 30 يوما دون الحديث عن اللوجستيك وجمع الجنود والتجمعات التحريضية واجتماعات القادة وما الى ذلك. وبذلك فإن وصول الجنود الى داثن وفقاً لرواية ابن كثير لا يمكن أن يكون الا بعد شهر على الأقل من نهاية الحج.
إلا أن التاريخ الدقيق (4 فبراير/شباط 634) لمعركة داثن الذي ذكره القديس توما في المخطوطة السريانية أعلاه يوافق الجمعة 29 ذو القعدة 12 هجرية وفقاً للتقويم الهجري دونَ كَبْس. أي قبل بداية الحج. واضح إذاً أن التواريخ غير متطابقة في الروايتين الإسلامية والسريانية، وإذا استبعدنا الخطأ في الروايتين، فإننا أمام إشكال كبير.
وأعود الى كتاب "الفتوحات العربية في روايات المغلوبين" لحسام عيتاني لأنقل لكم هذه الفقرة التي تشير الى مجيء العرب الى فلسطين في تلك الفترة كما تشير أيضا الى ظهور النبي وقدومه مع أولئك العرب. يقول حسام عيتاني: وثمة اتفاق بين المؤرخين على أن الإشارات الأولى إلى وقوع اضطرابات غير محددةٍ طبيعتُها في شبه الجزيرة العربية جاءت في " تعاليم يعقوب المعمَّد حديثاً " ، وهي نص سجالي- دفاعي مع اليهود كتب على الأرجح في أفريقيا عام ٦٣٤ ويعتبر من سلسلة النصوص الدفاعية المسحية التي ازدهرت في القرنين الخامس والسادس وتركزت على تفنيد الشريعة والتقاليد الدينية اليهودية والدفاع عن الكنيسة وعن العقيدة المسيحية، خصوصاً بعد اعتراض اللاهوتي مكسيموس المعترف (Maximus the Confessor) على التنصير القسري ليهود الإمبراطورية البيزنطية بناءً على أوامر هيراكيلوس عام 632 وبالأخص ليهود قرطاجة وشمال أفريقيا. وجاءت "التعاليم" لتُبين صحة تنصير اليهود الذين ما عاد من داعٍ لتمسكهم بدينهم بعد ظهور المسيح. وتنسب "التعاليم" إلى يعقوب، وهو تاجر يهودي من فلسطين كان في رحلة إلى قرطاجة حيث داهمته الأحداث المتعلقة بالتنصير الذي شمله في من شمل. وفي خِضم هذه الحوادث يصل من فلسطين قريب ليعقوب يُدعى جوستوس حاملا أخبارَ بعض ما يجري هناك وما أثاره من قلق بين أهله بسبب "ظهور نبي مزيف". كان أول ما سمعه جوستوس عن "النبي المزيف" يدور حول قتلِ السراسنة [العرب] أحدَ ضباط الحرس الإمبراطوري وابتهاج اليهود لمقتله وقولهم إن النبي قد ظهر وإنه آتٍ مع السراسنة وهو يبشر بمجيء المسيح. ويتوجه جوستوس من قيصرية إلى سيكامينا [مدينتان في ساحل فلسطين] حيث يلتقي عجوزاً ضليعاً بما تقول الكتب، ويسأله جوستوس عن النبي الجديد فيرد العجوز متنهداً: "إنه مزيف. لا يأتي الأنبياء شاهرين السيف. والحق أنهم (السراسنة) يعملون لنشر الفوضى التي نراها اليوم. وأخشى أن يكون المسيح الذي جاء والذي يعبده المسيحيون هو المسيح الذي أرسله الله وبدلاً (من الإيمان به) رحنا نستعد لاستقبال عدو المسيح". [مرجع حسام عيتاني = Robert Hoyland, Seeing Islam as others saw it ] [نهاية الاقتباس].
ولا شك أن الاضطرابات المعنية تخص فلسطين سنة 634 وقد يكون ضابط الحرس الإمبراطوري الذي ابتهج اليهود لمقتله وفقاً لتعاليم يعقوب هو البطريق العظيم الذي قُتل في المعركة حسب رواية ابن كثير وهو تحديدا البطريق بريردن (Bryrdn) الذي قتله العرب حسب المخطوطة السريانية.
الا أن النص يفيد أن نبي العرب ما يزال على قيد الحياة زمن غزو العرب لفلسطين في سنة 634. ويرى محمد المسيّح خبير المخطوطات القرآنية المعروف والباحث في التاريخ المبكر للإسلام أن النبي ظل حياً يرزق الى غاية فتح بيت المقدس في سنة 637. ويصعب الجزم بفكرة وفاة النبي محمد في وقت متأخر الى ما بعد 637 وليس في 632 كما هو معتمد حاليا في كتب التاريخ، الا أنه يمكن قبول هذه الفكرة إذا استطعنا الربط بين الأحداث التاريخية والتسلسل التاريخي لنزول القرآن. فسورة التوبة مثلاً، وهي السورة ما قبل الأخيرة حسب تاريخ النزول تتضمن آيات قوية في التحريض على القتال تتناسب مع المعارك والاشتباكات الدموية في الفترة 634 - 637. وفي هذه السورة تم فرض الجزية على اهل الكتاب الذين لا يرغبون في اعتناق الإسلام وتم تطبيقها على نطاق واسع، على المسيحيين السريان في سوريا وفلسطين في نفس الفترة.
وفي نفس السياق، واعتبارا للتسلسل التاريخي نشير الى أن الحج كان آخر الأركان الخمسة التي فرضها الإسلام. وتحديدا فإن النبي حج مرة واحدة فقط وهي الحجة المعروفة بحجة الوداع. وتعتبر خطبة الرسول في تلك الحجة نصا مهما للغاية، دينيا وتاريخيا لما تتضمنه من توجيهات ووصايا جامعة تدل على اكتمال الرسالة. فإذا سلمنا ببقاء الرسول على قيد الحياة إلى ما بعد فتح بيت المقدس سنة 637 فإن حجة الوداع كانت أيضاً بعد هذا التاريخ. ومن المفيد ان نقدم ملخصا للسردية التاريخية للحج والعمرة في زمن النبوة حسب الروايات الإسلامية. 1- ذو القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، خروج الرسول مع 1400 من الصحابة للعمرة الا أن قريش صدّتْهم عن دخول مكة، وتم التفاوض بين المسلمين وقريش فكان صلح الحديبية. ومن بين بنود الصلح رجوع المسلمين ذلك العام الى ديارهم والسماح لهم في العام القابل بالعمرة. 2- ذو القعدة سنة سبع من الهجرة، كانت عمرة الرسول الثانية وهي عمرة القضاء التي عوضت العمرة الأولى التي لم تتم عام الحديبية. 3- ذو القعدة سنة ثمان، كانت عمرة الرسول الثالثة وكانت عام فتح مكة بعد الرجوع من حصار الطائف. 4- ذو القعدة سنة تسع، كان أول حج في الإسلام تحت إمْرَةِ أبي بكر الصديق. 5- ذو الحجة سنة عشرة، كانت حجة الرسول الوحيدة والمعروف بحجة الوداع.
لاحظوا معي أن مناسك العمرة والحج كانت تتم في شهر ذي القعدة باستثناء حجة الوداع. ويعتبر حج المسلمين استمرارا لحج العرب قبل الإسلام. وكان للعرب عدة محجات وليس مكة وحدها، منها الطائف ونجران والبتراء. ويتواجد بكل محجةٍ كعبةٌ هي البيت الحرام، يحج اليه القوم الذي يقدسونه، ويطوفون حوله ويلبون ويقدمون القرابين.
واستحضر هنا " دان جيبسون " المؤرخ الكندي، والذي قدم نظرية جديدة تقول إن بيت الله الحرام في بداية الإسلام هو معبد ذو الشرى في البتراء في الأردن وليست كعبة مكة في الحجاز.
ويذكر د. جواد علي في المفصل ما يلي: وكان لهذا المعبد ( ذو الشرى في البتراء) حج يقع في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كل عام، فيفد إليه الناس من أماكن بعيدة للتقرب إلى "رب البيت"، فينحرون ويقضون الأيام المعينة، ثم يعودون إلى ديارهم.[انتهى الاقتباس]. ونعود الى تاريخ معركة داثن في 4 شباط 634 وإلى رواية ابن كثير وعودة أبي بكر من الحج، ولنفترض أن الحج كان الى معبد البتراء في موعد الحج في نهاية كانون الأول سنة 633. والمدة بين نهاية الحج وتاريخ معركة داثن أكثر من شهر وهي مدة كافية للتهيؤ والتجمع في معسكر القيادة والوصول الى مكان المعركة، فالبتراء قريبة من غزة وتبعد عنها بأقل من 200 كم.
وفي هذه الفترة لم يتم بعد إبطال النسئ، وفي مقال سابق استنتجت أن التقويم عند العرب كان موازيا للتقويم اليهودي وأن آخر نسيء في الإسلام هو الذي كان بين ذي الحجة 13 والمحرم 14هجرية ووافق شهر آذار الأول سنة 4395 عبري وهو الشهر الإضافي في السنة المكبوسة. (تزامن مع فبراير/شباط 635). رابط المقال : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=639726
ووافق الخامس والعشرون من كانون الأول خلال السنوات 630 - 634 على التوالي 15، 25، 8، 18 و29 من شهر تيفيت لسنوات 4391 - 4395 حسب التقويم العبري. وشهر تيفيت هو الشهر الموافق لذي القعدة قبل إلغاء النسئ. وشهر ذو القعدة هو الذي كانت فيه عمرات الرسول وحجة ابي بكر.
أما حجة الوداع - حسب افتراض بقاء الرسول على قيد الحياة إلى ما بعد فتح بيت المقدس سنة 637 - فكانت أيضاً بعد هذا التاريخ وكان النسئ قد تم الغاؤه. ووافق الخامس والعشرون من كانون الأول خلال السنوات 637 - 638 - 639 على التوالي 2، 12 و23 من شهر ذي الحجة لسنوات 16 - 18 حسب التقويم الهجري.
وأورد ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الخامس فصلا لخطبة النبي عليه الصلاة والسلام في ثاني أيام التشريق وهي الخطبة المعروفة في حجة الوداع. وثاني أيام التشريق كما هو معروف عند الفقهاء هو 12 ذو الحجة يومان بعد يوم النحر المعروف بعيد الأضحى في 10 ذي الحجة. فهل كان حج الرسول وفقاً لميقات معبد العرب في البتراء حسب التقويم الروماني في 25 كانون الأول/ ديسمبر سنة 638 واحتفظ المسلمون بعده بالتاريخ الهجري في تلك السنة كموعد جديد للحج وحد فاصل بين حج العرب قبل وبعد الإسلام؟!
#أبركان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إقتراح تقويم عالمي
-
إشكالية النسيء والأشهر الحُرُم | محاولة لتحديد بداية التقويم
...
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|