|
هل ماتت ثورة 25 يناير كما ماتت بريسكا ؟
احمد البهائي
الحوار المتمدن-العدد: 6472 - 2020 / 1 / 24 - 14:46
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يعرف الادب على تنوعه واشكاله ، بأنه مرآة المجتمع ، ومعبرا عن همومه وقضاياه ، وهنا يبرز الادب السياسي ( الرواية , القصة ,المقالة , الشعر , الخطابة ) كشكل من اشكال الادب ، فهو يعبر عن قضايا المجتمع السياسية كقضايا حقوق الانسان والحرية والعدالة الاجتماعية والوضعية التشريعية وسيادة دولة القانون وغيرها ، وهنا تأتي اهمية الرواية السياسية كجنس مهم من اجناس الادب السياسي ، لاعتمادها على قراءة التاريخ قراءة موجهة ومنهجية ، بغرض تسليط الضوء على احداث وتجارب معينة ، بطريقة مباشرة ، يعتمد فيها على الاسلوب الجدلي لقراءة الواقع المتردي على جميع مستوياته ، او بطريقة غير مباشرة ، تتعامل مع الواقع من خلال الاقنعة الرمزية ، حيث يكون التاريخ حاضرا فيها من خلال التراث والنماذج الشعبية واسقاطها على الحدث ، للاستشهاد بين الماضي والحاضر ، لنخرج منها اي الرواية السياسية ، برؤية ذات توجهات نقدية ، هدفها اخذ العبر ، وتعرية الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والفساد المالي والفساد الاداري والفساد الاجتماعي والفساد الاخلاقي والفساد الثقافي ومحاربة البيروقراطية والتسلط والاستبداد والدعوة الى الحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة والمساواة وحقوق الانسان والديموقراطية . * لنأخذ رواية أهل الكهف للعبقري توفيق الحكيم نموذجا، وإسقاطها على واقع الحدث إسقاطا : - مشلينا (يائساً) آه - مرنوش: لافائدة من نزال الزمن.. لقد أرادت مصرُ من قبلُ محاربةَ الزمن بالشباب، فلم يكن في مصر تمثال واحد يمثّل الهرم والشيخوخة كما قال لي يوماً قائد جند عاد من مصر، كل صورةٍ فيها هي للشباب من آلهة ورجال وحيوان.. كل شيءٍ شاب. ولكن الزمن قتل مصر وهي شابة وماتزال ولن تزال.. ولن يزال الزمنُ ينزل بها الموت كلما شاء، وكلما كُتب عليها أن تموت.. (مشلينا لايجيب) مشلينا.. (مشلينا لايجيب ). - ويتكلم مرنوش بعد لحظة في صوت ضعيف: مشلينا إن الكلام قد نهك مابقي من قواي. أحسّ البرودة تسري في جسدي.. قد نسينا أنّا في طريق الموت منذ أسابيع! (مشلينا لايجيب..) - مرنوش في صوت خائر) مشلينا! لماذا لاتجيبني؟ ولذلك وجدنا ابطال اهل الكهف ،لايفُرقون بين الحلم والحقيقة، لكن الزمن ليس سهلا فهو القادر في النهاية على تدمير أحلامهم ، فقد خرج هؤلاء يحمل كل منهم حلماً بعيد التحقيق، لكنهم ساروا وراء أحلامهم إلى آخر الشوط، فاصطدموا واحداً بعد الآخر بالحقيقة، وانكفأت أحلامهم على أعقابها، فعادوا من حيث أتوا، وقد سيرت هذه الأحلام ، وحركت البنية من الداخل، لتُظهرها اللقطات وتربطها بالواقع ، فهي التي أخرجتهم من الكهف، ولما أدركوا تعذر تحقيقها عادوا إلى كهفهم، وليست أحلامهم واحدة في قوتها وطبيعتها وجوهرها هذا ما يحاولوا إيصاله من خلال الحوار، أما ذهنيا فقد كشفته اللقطات ، فحلم "يمليخا" الراعي بالعالم الجديد بسيطة، وهي علاقة مادية بسيطة ، ولذلك عاد الى الكهف أولاً، بينما حلم" مرنوش "أكبر من حلم يمليخا وأعمق،ولذلك جاءت عودته بعده،أما " مشلينا " الشخصية المحورية فهو صاحب الحلم الكبير،الذي يحاول التلاؤم مع الواقع الجديد فلا يهتم بالأعوام التي قضاها في الكهف مادام الغرض والحلم الذي خرج من أجله اصبح حقيقة ولذلك استمرت المسرحية وسوف تستمر اللقطات الخلفية باستمرار هذا الحلم .
يزداد الحوار تعمقا وجدلا متنوع ، بتنوع الألوان النفسية لهذه الشخصيات، فالحوار موظف توظفياً تصاعدياً يدل على حالة الشخصية بما يصيبها من فرح أوهلع ، حيث يحاول مشلينا أقناع مرنوش بالبقاء معا ،وهنا تزداد اللقطات في الخلفية إثارة باحداثها المتوالية وخاصة الاحداث الاخيرة لتظهر بريسكا الجديدة وهي تتشابه مع بريسكا الجدّة القديمة الجميلة ، فهي قلب العاشق المتيم بها مشلينا الذي لايريد مواجهة الحقيقة الزمنية التي واجهها زميلاه ، ولكن وجود بريسكا الجديدة كان دافعاً له على الاستمرار في الحلم، فحاول أن يخلق علاقات جديدة مع بريسكا الجديدة وهو يخادع نفسه ، فعمره ثلاثمئة عام أو أكثر بينما بريسكا ذات العشرين ربيعاً وذات الجسد الممشوق الطري ،وكذلك اللامباله منه باختلاف الزمنين والعقليتين،فهو القديس الذي لم يتزعزع إيمانه لحظة واحدة مادامت بريسكا إلى جانبه سواء كانت القديمة او الجديدة ، فيكون مشلينا العاشق في انتظارها يحدثها عن حبه وهي تخاطبه بعبارة " أيها القديس "، فيضجر منها ويصرخ" لست قديساً "، يحدثها عن بريسكا التي يعرفها، وتحدثه عن القديس الذي أمامها وقد تغيرت ملامحه، ويحدثها عن العهد الذي كان بينهما، وهي تحدثه عن عهدها الإيماني، فهي لاتفهم من حديثه شيئاً حين يتهمها بخيانة العهد، وتدرك بريسكا أخيراً حقيقة الحال ، فتبين له أن بريسكا التي يتحدث عنها لم تخن عهده ، بل ماتت واتت بريسكا الجديدة لتواءم عصرها . - بريسكا: (تشير إلى جسدها) نعم. هذا الجسد. انظر ياحبيب جدّتي.. ألا تعرفُ كم عمره؟ عشرون ربيعاً فقط. - مشلينا: (يخفي وجهه براحتيه) يالفظاعةِ.. ماتقولين! - بريسكا: أرأيت؟؟ مادمنا في عالم القلب فلن نرى إلاّ نوراً.. ذلك هو النور الذي تحكي عنه. -مشلينا: نعم.. نعم.. - بريسكا: وكان ينبغي أن تذكر الجسد المادي لننزل إلى عالم العقل فنرى الفظاعة والهول والشقاء الآدميّ الذي ينتظرنا. - مشلينا: نعم.. نعم.. الوداع.. يا.. يا لستُ أجسرُ. الآن أرى مصيتي وأحسُّ عُظمَ مانزل بي، لامرنوش ولايمليخا رزئا بمثل هذا.. إن بيني وبينك خطوةً.. وبين وبينك شبهُ ليلةٍ. فإذا الخطوةُ بحارٌ لانهاية لها. وإذا الليلة أجيال.. أجيال.. وأمدّ يدي إليك وأنا أراك حيّة جميلة أمامي فيحول بيننا كائن هائل جبار. هو التاريخ! نعم صدق مرنوشُ.. لقد فات زماننا، ونحنُ الآن ملكُ التاريخ.. ولقد أردنا العودة إلى الزمن ولكنَّ التاريخ ينتقم.. الوداع!
فالوداع هنا ليس جسديا، بل، لاختلاف ثقافتها وأخلاقها وصفاتها، فبينهما هوة ثلاثمئة عام ، فبإقتناع" يمليخا "أنه لا يستطيع استئناف الحياة في هذا الواقع الجديد ، فيستسلم للموت ، ويتبعه في ذلك "مرنوش" الذي كفر بكل شيء حتى بالبعث فمات هو الآخر ، وبريسكا تأتي الي الكهف بعد أن تكون قد تيقنت من موت "مشلينا "ولم تشأ المجيء إليه وهو على قيد الحياة ،لأنها مقتنعة باستحالة هذا الحب ومحال أن يجمعهما في هذا العالم ، وأصرت أن تأتي الى الكهف لتموت بجانبهم مجبرة ، لنتساءل هل ماتت ثورة 25 يناير كما ماتت بريسكا ؟ .
#احمد_البهائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة النقدية والإستقرار النقدي في مصر
-
أردوغان المهرتل..هل تعرف شيء عن قونية ونسيب والقرم؟
-
ممالك النار بين الوعي والحياد
-
التضخم النقدي في مصر
-
ايميل الى الرئيس السيسي(مسرح المعقول)
-
صراع الطبقات وانتلجنسيا السلطة في مصر
-
التضخم في مصر
-
أيهما افضل الفاشية ام جماعة الإخوان؟
-
مشروعية التعديلات الدستورية
-
التعديلات الدستورية..(السلطة نشوة تعبث بالرؤوس)
-
سندات مصر الدولارية من الشراهة الى الإدمان
-
الاختلالات الهيكلية للإقتصاد المصري..الادخار
-
مبارك يطلب إذن..هل أهان دولة القانون؟
-
فرنسا بين الإحتجاجات والانتلجنسيا
-
الجنيه بين التعويم والتخفيض
-
بروباغندا عقيمة
-
مصر: زيادة أسعار المحروقات لثالث مرة في عامين
-
إذن: مصادر تمويل الموازنة تضخمية
-
أمريكا والصين من صراع تجاري الى حرب عملات
-
النص .. تأويل لا تفسير
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|