حمزة الذهبي
كاتب وباحث
(Hamza Dahbi)
الحوار المتمدن-العدد: 6469 - 2020 / 1 / 20 - 18:51
المحور:
الادب والفن
لأني لا أجد ما أفعله، فأنا، أقضي سواد ليلي في الحديث مع مؤلفي الكتب، المفكرين والأدباء والشعراء، يجن جنون الليل ويكون حي واد الذهب قد أضحى هادئا ( وهو حي سيء السمعة، صاخب ، لا يهدأ إلا بعد أن ينتصف الليل ، موصوم ومُداس بالأقدام ، يقع في هامش مدينة سلا ، التي تقع في بلد_ يقول عنه عبد الكريم الجويطي _ أتى عليه حين من الدهر صارت فيه رايته منشفة يجفف به المغنون التافهون عرقهم في السهرات ، والعاهرات يحاضرن فيه عن الفضيلة ، واللصوص يقومون بالدعاية لمحاربة الجريمة ). فأفتح حاسوبي وعلى صفحاته البيضاء، أستحضر العديد من الكتاب الذين أقدرهم وأبجلهم إلى أبعد حد ، أبعثهم من مرقدهم وأجلبهم عندي . لا يندهشون من غرابة عالمي المختلف عن عوالمهم التي عاشوا فيها - فالموتى كما اكتشفت لا يندهشون – بل يفرحون أيما فرح وذلك بإخراجهم من قبورهم التي أكاد أقول ، انطلاقا مما ترسخ في ذهني أتناء تجاذب أطراف الحديث فيما بيننا ، أنها موحشة ومملة أشد ما يكون عليه الملل. لكن وبما أن لكل قاعدة استثناء، ليلة أمس عندما جلبت لأول مرة أبو العلاء المعري، رهين ثلاثة محابس ، الجسد والبيت والعمى، المتميز بصيحته " لا إمام سوى العقل " لم يرتسم على وجهه الفرح بجلبي إياه ، بل جاءني بوجه عابس وغاضب ، الأمر الذي جعل قبحه قبحا مضاعفا.
على ذكر القبح ، أتساءل هل هناك علاقة بين قبح المنظر والإبداع ؟ إذ لفت انتباهي أن العديد من المبدعين يتميزون بقبح المنظر . فإذا كان الطبيب الإيطالي لمبروزو يربط بين قبح الشخص وتعاطيه للجريمة ، فـأنا أفترض أن هناك علاقة بين القبح والإبداع . وسأدافع عن هذه الفكرة لا محالة في القادم من الأيام، إذ أنها تراودني منذ زمن ليس بالهين.
على أي ، لما سألته: أبو العلاء لماذا أنت غاضب؟ لم أتلقى ردا، بقى صامتا، جامدا في مكانه بلا حراك، وعندما تيقنت بأنه لن يتحدث، أمام محاولاتي العديدة لدفعه إلى الكلام، فهمت أني ارتكبت خطأ في حق صاحب رسالة الغفران بجلبه عندي . وذلك أني قمت بإقلاق راحته ، كيف لا وهو الذي كان يطلب الموت مرارا وتكرارا لأن فيه راحة، أليس هو القائل : " حياتي تعذيب وموتي راحة". وعندما تنفس الصعداء لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه القلقة، الرافضة رفضا قاطعا للحياة . جئت أنا، بكل وقاحة وجرأة، لأنتزعه انتزاعا من طمأنينته. لذا تركته يذهب في حال سبيله.
لقد مل من الحياة كما مل الآخرون من الموت .
#حمزة_الذهبي (هاشتاغ)
Hamza_Dahbi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟