|
قصة الله .العقل الخالق في وجوده الذاتي!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 19:40
المحور:
الادب والفن
(4) - أستاذ محمود ماذا كان العقل/ الخالق وأين، قبل الانبعاث الكوني ؟ - كان كموناً مادياً طاقوياً مكثفاً في أللاأين ، دام لمليارات السنين كما أسلفت ! - لماذا مليارات السنين ؟ - لأن العقل /الخالق كان في حالة تأمل وتفكير لإيجاد الوجود وقد استغرق ذلك زمنا مديدا لأنه بدأ مما هو أقرب إلى الصفر. - هل تستند بهذا الرأي إلى العلم أم إلى الاجتهاد الشخصي؟ - إلى تأملي الشخصي فقط . العلم وقوانين الفيزياء لم تعرف شيئاعمّا قبل الانفجار الكبير. - وماذا تقصد باللاأين؟ - ألّامكان ! - هل كان خارج المكان ؟ - لم يكن هناك مكان ولم يكن هناك زمان . ربما كان هناك زمكان افتراضي ضمن الكمون االمكثف في هذه الهيولى البدئية المتناهية في الصغر . - وماذا تعني بالزمكان ؟ - هو الوحدة الفيزيائية التي لا تعزل الزمان عن المكان ! فهما بعد مترابط حسب النظرية النسبية . ويمكن القول أن الزمكان كان مجرد تصور في عقل الخالق. - وما هي الهيولى البدئية ؟ - المادة الطاقوية المكثفة الكامنة التي جاء منها الوجود الكوني بعد الانبعاث الكبيرأو التجلي. - هل يمكن تحديد حجمها؟ - هي في الغالب خارج الحجم والكتلة، وإذا كان ثمة حجم وكتلة لها، فلا تعرف إلا من قبلها نفسها . ثمة من يرى من علماء الفيزياء أنها دون كتلة. وعلوم الفيزياء لا تشير إلى ما قبل الانفجار بل إلى ما بعد حدوثه، لكنها تشير قبل حدوثه إلى كثافة شديدة ودرجات حرارة تفوق أي تصور مهما كان، إلا تصور موجدها. ولك أن تتصوري مدى ارتفاع هذه الحرارة الطاقوية حين تعرفين أن الانفجار الكوني ما يزال قائما بتمدد الكون حتى يومنا . - ألن يتوقف ؟ - حسب تصوري لن يتوقف إلا بانتهاء الغاية التي أرادها الخالق والتي ليس بعدها غاية على الاطلاق . يمكن القول أنها بلوغ الكمال المطلق ولو نسبيا . - ثمة من يرون أن الوجود قد يعود إلى الانكماش ! - أنا لا أتفق مع هذا الرأي ، فمن تعب مليارات الأعوام ليوجد وجود له ، سيعمل على ابقاء هذا الوجود ما في استطاعته ذلك . - دعنا نعود إلى البدء .. متى حدث الإنبعاث أو (الانفجارالكبير) من حيث علاقته بالخالق؟ - حدث بعد اكتمال التصور البدئي في عقل الخالق لعملية الايجاد والخلق. ويمكن القول أن تفكير وتصور الخالق للوجود قد بلغ ذروته ولو بالشكل الأولي للكون ، فكان لا بد من الانفجار، الذي هو انبثاق وتوهج لطاقة عقل الخالق نفسه غير المحدودة كما أسلفنا، وبداية عملية تجسد الخالق لوجوده الظاهري وتحقيق ذاته الأولية، بظهوره من الكمون إلى الوجود المرئي غير المحدود. - هل نفهم من ذلك أن الانفجار الكبير كان انفجارا لعقل الخالق نفسه . - نعم ! لكن ليس بالمعنى التدميري الذي توحي به مفردة انفجار، إنه انبثاق لعملية الخلق كي تظهر إلى العلن . - وما هو التصور البدئي ؟ - التصور البدئي هو تصور الكون بنجومه وكواكبه ومجراته. - وماذا عن ما بعد النجوم والكواكب كخلق حياة مثلا ؟ - كان ضمن التصور لكنه لم يكن مجلوا في خيال الخالق، كما هي الحال مع النجوم والكواكب ، التي كانت مجلوة بقدر ما . - هل تقصد أن تصور حياة كان غير متضح في الخيال البدئي الكامن . - نعم، لذلك تأخر بدء الحياة ثلاثة عشر مليار عام عن خلق الكواكب والنجوم والمجرات ! - ألا تعني هذه الأزمان المديدة جدا، أن عملية الخلق كانت بطيئة جداً ؟ - بل كانت سريعة جدا إذا ما قورنت بحجم الكون غير المحدود . - وهل هذا يعني أن العقل / الخالق ، خلق الوجود على مراحل مديدة؟ - أكيد . - وأنه كان يطور عقله وتصوره في كل مرحلة ؟ - أجل كان التصور وخاصة في المراحل اللاحقة غير مكتمل ، مجرد تصور عام . فإذا كان الخالق يفكر في خلق انسان مثلا لم يكن تصور شكل الانسان مكتملا في خياله . لذلك نرى كائنات حية كثيرة خلقت قبل خلق الانسان، انقرض معظمها. - وماذا تقصد بقولك : وبداية تجسد الخالق لوجوده الظاهري وتحقيق ذاته الأولية؟ - الذات الأولية هي الشكل الأولي للوجود ما بعد الانبعاث . أما الذات الكلية الكونية المطلقة حسب زمننا الحالي، فهي كل ما في الوجود من كون وكائنات .. إنها رؤية الله (إن شئت ) لنفسه، وتحقيق لذاته . - هل هذه الفلسفة هي رؤيتك لمذهب وحدة الوجود الذي أسسه الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي؟ - أجل . فلسفتي تستند إلى مذهب وحدة الوجود وإن اختلفت معها في مسائل كثيرة جدا وأساسية. فالوجود واحد وليس وجودين : خالق ومخلوق . إنه وجود للخالق وحده ، فنحن جئنا منه ونعود إليه ، وهذه الفكرة موجودة في الفكر الاسلامي " إنا لله وإنا إليه راجعون " المؤسف أن الناس لا يتذكرونها إلا عند موت أحدهم .. ليس هناك وجود خارج الذات الإلهية . ورغم أن فلسفتي تنطلق من مذهب وحدة الوجود إلا أنها ترى الخالق والخلق والغاية من الخلق بمنظور مختلف تماما ، لا يعير كثيراهتمام لما جاءت به الشرائع كلها وحتى الفلسفات وأفكارالمتصوفة أيضا، ولا يتفق اطلاقا مع معظمها . - أدخلتنا في كم هائل من الأسئلة .. وأشعر أن المشاهدين يتمنون الآن أن أستبق الأسئلة التمهيدية لعملية الخلق ، لأسألك عن غاية الخالق من الخلق ، فما هي الغاية من الخلق؟ - لقد تطرقت إلى ذلك بإيجاز خلال حديثنا. في البداية لا بد من القول، أننا نوظف في لغتنا تعابير من نوع خلق وغاية من الخلق وما شابه ذلك ، بشكل مجازي، فكل ما يجري في الوجود هو إيجاد الخالق لذاته، وتجليه وتجسده في أشكال متعددة ، وليس إيجاد خلق ثان لا يمت له بصلة إلا من حيث كونه خالقا له . إن غاية الخالق من ايجاد ذاته في أرقى تصورللكمال، هي رؤية ذاته في حضارة إلهية تتحق فيها قيمه العليا في الخير والعدل والمحبة والجمال. بهذا يكون الخالق قد حقق ذاته على الوجه الأكمل . وما قولنا إن الغاية من الخلق ، هي أن يكون خالقا بدوره لمساعدة الخالق في عملية الخلق ، إلا تعبير مجازي لا غير.. فما يجري هو عملية إيجاد لخالق يوجد نفسه بنفسه المنبثة في أشكال وحيوات متعددة . أي كما اوجد الخالق ذاته بذاته لذاته قبل الانفجار الكوني، فإنه ما يزال يوجد ذاته بذاته إلى أن يحقق وجوده بكمال مطلق أو شبه مطلق . - هل هذا يعني أن عملية الإيجاد ( الخلق) ما تزال في بداياتها. - أجل . في مقولات لي قلت إنها ما تزال تحبو .. تصوري مثلا أنه رغم مرور أربعة عشر مليار عام على الانفجار الكوني ، لم يتم خلق الانسان الحديث إلا منذ قرابة مائتي ألف عام . وبعد أربعة مليارات ونصف من خلق كوكب الأرض. - ماذا سنقول في هذه الحال عن معتقدات تتحدث عن عملية خلق تمت في ستة أيام أو في زمن غير محدد ، وغير ذلك كثير مما يرد في معتقدات وفلسفات وديانات وأساطير بشرية ، وأن عملية الخلق انتهت منذ زمن !؟ - لماذا هذا الاصرار على الزج بالفكر البشري بمختلف مناهجه ورؤاه في حوارنا ؟ - لمجرد الإحاطة بعملية الخلق حسب مصادر ومناهج ورؤى مختلفة ! - المسألة تتعلق باجتهادات العقل البشري حسب ثقافة زمنه وحسب معرفة العقل بثقافة ذلك العصر .. لا نتوقع مثلا في زمننا الحالي أن يخرج علينا انسان يدعي النبوّة ، أو يدعي الألوهة، لأن أحداً لن يصدقه. لكن هذه المعتقدات ساهمت إلى حد كبير في اغناء ثقافتنا عن الماضي .. من هنا ينبغي احترامها .. أنا شخصيا أحتفظ في مكتبتي بكتب دينية مختلفة، منها القرآن والكتاب المقدس ، وكذلك نصوص فلسفية .. وأعلق مجسما للمسيح مصلوبا على جدار صالون بيتي ، كذلك أضع تمثالا لبوذا .. أحترم هذه المعتقدات والفلسفات لأنها أنارت لنا الطريق بشكل أو آخر واجتهدت وقدمت لنا ما استطاعت حسب ثقافة عصرها .. ثقافة العصر التي أنتهجها والتي يمكن تقبلها هي التي ترى الألوهة( إن شئت ) في كل شيء في الوجود . في الانسان والحيوان والنبات والجماد والماء والهواء والتراب .. إلى آخر كائنات ومكونات الوجود .. مأساتنا أن البشرية كلها لم تدرك ذلك بعد أو لم تقتنع به .. وأن الانسان لن يتقدم ما لم يدرك أن الألوهة تكمن فيه ، وتسري بطاقتها في جسده ، وأنه ينبغي عليه أن يكون على قدر الألوهة فيه ، وأنه ينبغي عليه العمل لنهضة وبناء الحضارة الانسانية ، بذلك يحقق وجوده الألوهي كمشارك في عملية الخلق . الخالق لن يبني مدنا و يقيم جسورا ويحفر سدودا ولن يؤسس لحضارة راقية ما لم نبادر نحن إلى ذلك كجزء من منظومته الإلهية الخالقة ، التي جئنا منها لتتجسد بنا ونتجسد بها . - للتوضيح . نفهم من ذلك أن مادة جسد الانسان والطاقة السارية فيه والناجمة عنه هي جزء من مادة وطاقة الخالق نفسه . سنترك الإجابة للحلقة القادمة .. شكرا أستاذ محمود . *******
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أين جاء الوجود؟
-
هل جاء الوجود من العدم ؟
-
في البدء كان العقل الطاقوي الكوني ( الله ) إن شئتم!
-
زمن الخراب (رواية)
-
لا يعقل أن يدمر الخالق ذاته!
-
رواية زمن الخراب لمحمود شاهين
-
- رعب - المشهد الثاني من رواية - قصة الله -
-
الإيمان بين إلهين : إله مجهول الماهية ، وإله معلوم !!
-
أنا لست ملحدا!!
-
الدجاجة جاءت قبل البيضة1
-
قصة - العبد سعيد - تعود إلى الحياة !!
-
هل الوجود بحد ذاته عقل ؟
-
قصة الله . رواية .
-
شد الهمّة يا ختيار !
-
هل أوجد الموجود بذاته ذاته ؟
-
هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذه الرواية المدهشة
-
الصوفية الحديثة : الطريق الثالث في الفلسفة!
-
اسرائيل وفلسطين ، الجوار الصعب!
-
الألوهية بين فهمي لها وبين فهم المسيحية والمعتقدات الأخرى!
-
الفلسفة في تجربتي الأدبية
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|