أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - وعي الذات اشكالية فلسفية في الوجودية واللغة















المزيد.....


وعي الذات اشكالية فلسفية في الوجودية واللغة


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6465 - 2020 / 1 / 15 - 10:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توطئة
تناولنا في مقالة سابقة متعالقة مع عنونة هذه الورقة مفهوم الوعي الفلسفي عند ديكارت مرورا بهوسرل وهيدجر وسارتر وكذلك ميرلوبونتي,, وناقشنا بتفصيل غيرمسهب مفهوم الوعي بذاته في الموجودات غير العاقلة وأختلافه الجوهري عن الوعي الخالص عند الانسان كما طرحه سارتر, وعلاقة الوعي التبادلي التواصلي الحواري بين الانسان كنوع,, كما تناولنا تعالق الوعي بكل من اللغة والصمت,, ونستكمل في هذه المقالة جوانب أخرى تهم محتوى هذه الورقة البحثية التي يعتبر وعي الذات من المباحث الفلسفية الاشكالية التي شغلت الفكر الفلسفي عصورا طويلة ولا زال المبحث بحاجة الى معالجات من زوايا رصد جديدة لعلنا نكون موفقين في مقاربة تفسيرية توضيحية لبعض تلك الرؤى.. ومن ألضروري الاشارة له أن مابعد الحداثة والفلسفات المنبثقة عنها خاصة في البنيوية والتفكيكية والعدمية وفلاسفة اللغة قاطبة أجهزوا على أن يكون لمبحث وعي الذات الانسانية محورا فلسفيا معوّلا الخوض به بعد أستنفاده الجديد لما يقال فيه... بعد أخراجهم الانسان والعقل من دائرة المرجعية الاحتكامية لهما باعتبرهما ميتافيزيقا..
وعي الذات بين هوسرل و سارتر
نرى وجوب عقد مقارنة بين عبارة ميرلوبونتي التي ناقشناها من وجهة نظرنا في جزء سابق من هذه الورقة قوله (أنه لا فكر خارج العالم أو الكلمات ) وعبارة سارتر ذات العلاقة (أن الوعي الخالص هو فينامينولوجيا جامعة تذهب الى ما يقصد اليه الوعي من أشياء ).(1) ولنا هنا وقفة حوارية أوسع في هذا المجال.
ميرلوبونتي في عبارته لم يكن موفقا في أشتراطه سببيا الجمع بين الفكر في العالم الخارجي ومثله في الكلمات كتعبير صامت في الذهن أو في أفصاح معبّرا عنه باللغة في أدراك ومعرفة الاشياء في وجودها المادي الخارجي...
الفكر في الذهن داخل العقل هو غيره الفكر المعبّر عنه في أدراك العالم الخارجي خارج العقل بلغة تواصل قد تكون اللغة التداولية المعهودة أو تكون غيرها من وسائل التواصل التي تعتمد حركات الجسد الأيمائية الموحية.. الفكر داخل الذهن هو تفكير تجريدي لا يعوّل كثيرا على تعبير اللغة,, والفكر خارج العقل هو تفكير لغوي ناجز في تعبيره عن المدركات في وجودها الخارجي المستقل,,, وهنا بضوء تأويلنا معنى عبارة ميرلوبونتي يكون تداخل الفكر بالعالم الخارجي هو أفصاح تعبيري لغوي مرة أو أفصاح تواصلي غير لغوي مرة أخرى بغية أثبات أدراك وجود الاشياء ومعرفتها, فليس باللغة المنطوقة أو المكتوبة فقط يتم التعبيرعن الموجودات المدركة عقليا المادية منها والخيالية,, فالصمت والحركة لغتان تواصليتان سيميائيا موحيتان بالمعنى التواصلي المطلوب أيضا لكنهما غير منطوقتين ولا مكتوبتين بتعبير اللغة... أما أن الفكر لا يكون خارج الكلمات حسب تعبير ميرلوبونتي, فهو خطأ في الفكر قبل خطأ تعبير اللغة المخاتل, ناقشنا عدم صحته في سطور سابقة من الجزء الاول, أذ يمكن أن يكون الفكر خارج الكلمات المنطوقة والمكتوبة, في فعالية العقل التفكيرية بالاشياء والمواضيع تجريدا خياليا مثل الفكرة الصامتة في الذهن المستمدة من الواقع الخارجي أو من واقع التخييل من مصدره الذاكرة, أو التفكير الصامت المعبّر عنه في أيحاءات وأيماءات وحركات الجسد الذي لا تلازمه اللغة أو الكلمات المنطوقة ولا يحتاج ملازمة اللغة التعبيرية عنه وأنما يحتاج صور الاشياء المفكربها وترجمتها بلغة الجسد أيحاءا تواصليا حركيا في حمولته المعنى اللامحدود ...
وأستحالة أنعدام الكلمات يكون عندما يراد التعبير عن الاشياء والموجودات تواصلا أجتماعيا في تبادل الافكار بلغة الكلام الشفاهي لمعرفة الواقع المدرك الذي هو موجودات العالم الخارجي حيث تكون الكلمات وسيلة تواصل وحوارمن دونها يبقى أدراكنا للاشياء حبيس الذهن فقط..وما يتعلق بلغة الجسد وفعالية الذهن المفكر الصامت فلا تمتلك لغة الكلمات تلك الضرورة في وجوب حضورها..فالذهن لا يفكر بالكلمات التعبيرية عن المدركات بل يفكر بالافكار وصورالاشياء المتمثلة فيه..ومن المفارقة المعقدة في تفكير الذهن التجريدي انه لا يمكن التفكير بصور الاشياء وتمثلاتها تجريديا داخل الذهن من غير اقتران ذلك باللغة الصامتة.. وبهذا المعنى تكون اللغة هي الفكر حسب تعبير ريكور وبالعكس ايضا.
سارتر والوعي الخالص
أما مفهوم سارتر أن الوعي الخالص هو ما يقصده الوعي من أشياء, هو وعي أدراكي قصدي غرضي هادف كما هو عند هوسرل, فسارتر أراد بهذه العبارة التوفيقية أخراج الانسان من عدمية الوجود الى نوع من الوعي المطلوب وجوديا هو الوعي (لذاته) بدلا من الوعي الخالص الذي هو الوعي السلبي بذاته الى وعي مفارق أيجابي هو الاندماج في الكليّة المجتمعية بحرية مسؤولة, كي لا يخرج سارتر عن فهم هوسرل للذات المشروطة بالقصدية والهدف المسبّق للادراك بالذهن,....ويلتقي مع فهم هيدجرأيضا أن وعي الذات يمتلك ديناميكية شغّالة تربطها بالاشياء والعالم الخارجي في تخارج جدلي مفروض على الوعي الذاتي الوجودي. ونجد من نافل القول هنا الاشارة أن وعي الذات عند الفيلسوف الامريكي جون سيرل هو السعي لاشباع قصدي يحتاجه الشخص المدرك لوعيه الذاتي ولموضوعه..وهذا الاشباع نوعان اشباع غريزي بيولوجي واشباع قصدي معرفي..
أن الوعي (الخالص) الذي قصده سارتر يبقى في تناقض واضح مع مفهوم ميرلوبونتي أن الوعي لا يوجد خارج كلمات لغة التعبير, بل وجوده مفروض عليه أن يكون جزءا من العالم الخارجي وفي الطبيعة وفي المجتمعية الانسانية أمر لامجال الغنى عنه... الوعي الخالص الذي قصده سارتر لا يتحدد وجوده في صمت اللغة في أدراكها الاشياء والموضوعات تأمليا تجريديا خياليا في الذهن... الوعي الخالص أن لا يكون الانسان نومينيا, أي أن لا يكون وجودا ( بذاته) فقط مثل وجود صخرة أو شجرة أو نهر الخ.الوعي الخالص الذي أراده سارتر عند الانسان هو الوعي الذي يتسامى فوق مدركات وقدرات الشخص العادي الذي يعيش حياته بالاندماج في الكلية المجتمعية ويتناسى حقيقة وجوده الاصيل كما يرغب هيدجر,لذا يعتبر تحقق الوعي الخالص أستحالة انطولوجية أبعد من التجربة الصوفية لا يمكن الانسان بلوغها ولا يمكنه الافصاح عنها, الوعي الخالص هو فوق مرحلة صوفية غير متحققة في الطموح والتجربة والتطبيق ولا يمكن تحققها بالحياة الواقعية والعملانية..لذا اشار سارتر الى صرف النظر عنه - عن الوعي الخالص - حاله كما في دعوته وجوب مغادرتنا انا افكرلديكارت ....
سارتر في فلسفته العدمية السوداوية أراد انقاذ وتدارك الوجودية أن تميت الانسان الف مرة وتقعده عن ديناميكية الحياة, وهو منعزل عن الاخرين الذين هم الجحيم, لذا عمد الى مهادنة الماركسية والفلسفات المثالية في البنيوية في أقراره الصاغر بأن الوعي الخالص لا ينطبق على وجود أنساني الا بانتسابه لمنظومة أجتماعية تحتويه شاء أم أبى ذلك,, متغاضيا سارتر عن حقيقة أن الوعي الخالص لا يمكن تحققه في مجتمعية تحتويه بل في أنفرادية تمايزية سلبية عن غيره يعيشها بشل قدراته أراديا في فهمه العميق لا جدوى ولا معنى الحياة....ولا يمكن تحقق الوعي الخالص ألا في مدركات عقلية منفردة لا علاقة لها تربطها بالمحيط المجتمعي..وفي هذا أستحالة وجودية..للموجود الدزاين على حد تعبير هيدجر..
يدرك سارتر جيدا أن الوعي الخالص في محاولة وعي الانسان لذاته خيالا عقليا مجردا عن أي أنتماء أو موضوع يتخارج معه هو محال واستحالة لا يطيقها الانسان فقال عبارته الشهيرة (يتوجب علينا مغادرة انا افكر اذن انا موجود), وأدرك هوسرل قبله هذه الحقيقة قائلا وعي الذات يقترن ب(قصدية) كما أدركها بعده هيدجرقائلا وعي الذات الحقيقي يقترن ب(الديناميكية) في وجود الذات متحققة - في - عالم.
ما عدا فلاسفة المثالية , جميع فلاسفة الماركسية والوجودية والبنيوية بأستثناء فيلسوفا التفكيكية والعدمية ( جاك دريدا, وجياني فاتيميو) خرجوا على الكوجيتو الديكارتي, في أقرارهم صاغرين بأن التفكير عقليا في صمت اللغة كوسيلة أدراكية لا يمكنها تحديد أو فهم الوعي الخالص, بمعزل عن أقتران ذلك الوعي بهدف يجعل منه جزءا من منظومة أجتماعية وجودية تعيش الحياة بأي شكل من الاشكال...لكنهم أبتدعوا مثالية أبتذالية جديدة (تفكيكية دريدا) بما لايقاس مع الفلسفات المثالية , تلك هي فلسفة اللغة بأعتبارها معضلة مركزية يتوقف عليها حل جميع اشكاليات الفلسفة التي كانت اللغة سببها في سوء أستخدامها متناسين أن قصور وعجز فكر الفلسفة كتفكير منطقي تجريدي هو المبتدأ والمنتهى, واللغة في كل الاحوال هي وعاء الفكرألذي لا تمّثل اللغة كل الفلسفة فيه ولا يمثل الفكر كل اللغة ايضا...خطأ الفكر يسبق خطأ اللغة من حيث أن الفكر فعالية عقلية يحتاج قالبا أدراكيا يحتويه في التعبير هو اللغة..عليه يكون خطأ المضمون(الفكر) لا ينسحب على تخطئة (الشكل)الذي هو اللغة..
في هذا المنحى نجد هيدجر أراد أن يخرج وعي الذات من المجرد الفكري داخل منظومة العقل, الى أثبات الوعي وجودا وكينونه في وعيه الاشياء كمتعّين انطولوجي خارج العقل, فلا يمكن أدراك الذات من غير وعي العالم الخارجي وأدراكه ... فوجود الاشياء في العالم الخارجي لا يرتبط بعلاقة مع الفكر, من دون أن يجعل الوعي منها وبها تفكيرا أدراكيا لوجودها, موضوعا وكينونة متعيّنة مدركة عقليا وذهنيا في أسبقية الفكر على اللغة أن جاز مثل هذا الفصل الافتعالي بينهما....لتوضيح أكثر نقول لا يمكن أنفصال الفكر عن اللغة في التعبير عن مدركات الاشياء خارج العقل في حين يكون مثل هذا الفصل الافتراضي واردا في معالجة العقل للاشياء ذهنيا داخله في صمت اللغة وفي تفكيرالذهن صوريا لا لغويا تعبيريا في وصف مدركاته معرفيا..
سارتر وميرلوبونتي ولغة الصمت
أن الانسان العاقل يفكر ذهنيا وهوصامت, ويفكرصامتا وهو نائم, ويفكرصامتا وهو حالم, والصمت لغة حوار العقل اللاشعوري مع ذاته داخليا في الموضوعات على اختلاف تنوعاتها, فالعقل لا يفكر في فراغ – سنوضح هذا لاحقا – ويكون تفكير الصمت بلا لغة تعبير تواصلي أفصاحي أيحائي لا يشترط توسّله اللغة ممكنا وجودا, عندما يكون الصمت هو تفكير في موجودات مادية واقعية تكون مادة تفكير صامت خياليا مستمدا من مخزون الذاكرة في معرفتها, أو أن مواضيع التفكير الصامت الخيالية مستمدة من انعكاس وجودها الواقعي بالذهن في وجودها المادي كمتعينات في الواقع المحسوس والمدرك , ويتناولها العقل بالتفكيرالذهني المجرد, والصمت الذي يفكر بموضوعه سواء المادي أو الخيالي لا يلغي دور العقل أو لايستطيع الاستغناء عن الوظيفة العقلية في الوعي والتفكير بالاشياء...أن وظيفة العقل في التفكير بالمجردات الذهنية خياليا أرقى درجة نوعية منها التفكير في الموضوعات المادية التي يعقلها العقل كواقعات مادية ويدركها ظاهراتيا أو ماهويا كموجودات مادية في الطبيعة....فالعقل في ملازمته الخيال ورقابته على اللاشعور وتداعيات التصورات الذهنية تكون مهمته أصعب من مهمة العقل في تناوله الماديات والموجودات والاشياء في الطبيعة, لكي لا ينتج عن التفكير الخيالي الذهني المجرد أصوات وهذاءات تعبيرية لا تعطي المفكّر به من موضوعات مادية أو مجردة خياليا أستحقاقها الواعي الادراكي كما لاتعطي الهذاءات غير العقلية وعي الذات مصداقيتها في الادراك.
اللغة خاصية الانسان كنوع
يقول سارتر:( أن مسألة اللغة تسير جنبا الى جنب مع مسألة الجسم)(2), وهي عبارة سليمة في توكيد بديهة بايولوجية فيزيائية, أن اللغة لاتفارق جسم الانسان العاقل الناطق بأعتبارها خاصية أنسانية انثروبولوجية يتمايز بها الانسان كنوع ويحتازها عقله لوحده من دون الكائنات الحية في الطبيعة... الانسان وجود لغوي ينضح بانسانيته قبل أي خاصية آخرى يحتازها الانسان ولا يمكنه الافصاح عن وجوده الفاعل بالحياة كما تفعله اللغة..
ويقول ميرلوبونتي (الكلمة أيماءة حقيقية لأنها تحمل معناها, وليست عشوائية أو طبيعية ) (3)
الانسان في جنبة محورية جوهرية من كينونته الطبيعية هو أنه وجود عقلي مفّكر لغوي تواصلي ... فالانسان يفكر وهو يتكلم ويفّكر وهوصامت ويفّكر لا شعوريا وهو نائم, ويفكر وهو في حلم اليقظة, ويفكر وهو ماشيا لوحده أو مع مجموع... وفي كل حالات الصمت يحتاج الانسان التعبير اللغوي أو الكلامي ألشفاهي عن بعض الاشياء والموضوعات مادة تفكير الذهن, ويكتم أو يستعصي عليه التعبير عن بعضها, أو يتعّذّر عليه الافصاح التواصلي في بعضها الآخر. أذن الانسان وجود مفكر في صمته وفي الافصاح أو الأحجام عن بعض تفكيره الصامت في الكلام أو اللغة أو الكتابة...والانسان هو كينونة عقلية أدراكية تفكيرية, ولغوية ناطقة,وخيالية تجريدية, تحتويها كل خصائص الانسان المادية وجودا,,والانسان كائن لغوي في وجوده الانثروبولوجي الفاعل...
يقول ميرلوبونتي(أذا كانت اللغة كيان باطن, فان هذا الباطن ليس فكرا مغلقا على ذاته وواعيا بها).(4) أنه لمن المهم أدراكنا أن اللغة في التفكير الباطني العقلي أي الصامت داخليا, هي وسيلة العقل أن يعقل نفسه ووسيلة العقل في وعي الاشياء المادية وغير المادية أي الخيالية تجريدا ذهنيا...كما أن العقل هو الوسيلة الوحيدة في أدراك وعقلنة وفهم الوجود الخارجي ولا بديل عنه...أما أذا بقي هذا الادراك العقلي منغلقا على العالم الخارجي, في عدم أدراك تواصله الجدلي مع الاشياء والموضوعات, فهنا يصبح الانسان كيان لغوي حواري داخلي صامت فقط ومفارقا في صمته لجوهر أنسانيته الاجتماعية, وهو محال أن يكون وضعه هذا دائميا بالنسبة لأنسان سوي عاقل وناطق أيضا سواء يعيش منعزلا أو يحتويه مجتمع...ومحال أيضا أن يكون الانسان خارج طبيعته بخصائصها الانسانية,أن لا يوجد ويكون جزءا من الطبيعة متفاعل تواصليا مع مظاهرها ومكوّناتها, لا أن يكون كيانا مفكرا بذاته فقط , منعزلا عن واقعه ومحيطه الاجتماعي. ولا في تعطيله لغة الحوار التواصلي مع الآخر.
الصمت حوار لغوي في تعطيل لغة التواصل المنطوقة او المكتوبة
الصمت الانساني هو حوار لغوي داخلي يعمل في الذهن البشري المفكر, بينما يكون صمت الحيوان (عدما) غير متعيّن لا عقليا ولا ذهنيا ولا تفكيرا منطقيا ولا تعبيرا لغويا... فهو صمت يغيب عنه تفكير العقل المعقد بخلاف الانسان... وفي عجزالحيوان الصامت أن يكون صمته تفكيرا خياليا تجريديا محكوما بوعي زماني ومكاني, كما عند الانسان حيث يقوم العقل ومن ثم اللغة على تنظيم ذلك التفكير الخيالي في وعيهما أدراكات الزمن...في هذا تكون علاقة الانسان بالطبيعة أثراءا لوجوده المتطور, وبقيت علاقة الحيوان بالطبيعة أفقارا لوجوده الحيواني, وكذا مع موجودات النبات في الافقار التدريجي الذي يقود الى أختلال بيولوجي مفزع في الطبيعة يقود الى أنقراض العديد من الكائنات الحيوانية والنباتية, ومن هنا كان الانسان كائنا وجوديا مستقبليا, أي يفكربالزمن المستقبلي بما لايتوفر للحيوان ذلك الا مع تدّخل الانسان بالطبيعة في جعل الذئب يرعى مع الغنم عندما تنتفي الحاجة الى القتل والافتراس الحيواني لأسكات الجوع في محميات الحفاظ على التنوع البيئي الطبيعي... في قانون وضعي لم تألفه الطبيعة هو التطبّع يروّض الطبع.
لغة التعبير الفني مثلا في النحت والرسم وفي جميع جماليات الفنون التشكيلية, هي أيضا لغة حوار داخلي صامت معبّرا عنه بوسائط توصيل هي غير لغة الكلام أو الكتابة...وتكون لغة الحوار التواصلي في الفن حالة كمون يستنطقها الانسان المتلقي للفن والجمال ويفهمها حسب ثقافته وتكوينه النفسي والجمالي...واللغة الصامتة بالفن منتج عقلي للفكر المتداخل مع تداعيات اللاشعور...أما لغة التعبير الانساني الكلام أو اللغة المكتوبة فهي منتج مصنع الحيوية العقلية الانسانية المتفردة خياليا أو فكريا تواصليا, وبذلك يصبح الانسان كائنا لغويا يفكر وهوصامت وفي مخياله حضور وعي الزمن كتحقيب ماضي وحاضر ومستقبل... وهذا النوع من الادراك بالزمن والمستقبل لا يتوفر عليه الحيوان.فالحيوان لايعي الزمن لافوضويا ولا منتظما مثل الانسان, حتى وأن كان هذا الوعي الزمني يمارسه الانسان أفتراضا وجوديا أستدلاليا لا غنى عنه في ادراكه ومعرفته الاشياء في وجودها المكاني..
من الملاحظ أن الزمن المدرك حدسيا لم ينّظم هو حياة الانسان من الفوضى الزمنية التي يستتبعها حتما فوضى الوجود والحياة , كما أن الزمن بعلاقته بالانسان لم يكن هو منّظما لحياته,, وأنما كان تنظيم الانسان لحياته مستمدا من تنظيم الانسان للزمن أدراكيا بدءا من أختراعه توقيتات الثانية والدقيقة والساعة وليس انتهاءا بتحقيب الزمن تقويميا في توالي الليل والنهار وتقويمات السنة والفصول الاربعة وهكذا.. .
وعي الذات والصوفية
الانسان كينونة فينومينولوجية من ذات وظواهر,, وماهيته وجوهره المعبّرعنها في جميع صفاتها وكيفياتها تجعل من الانسان كائنا متمايزا في هوية جوهرية ماهوية مستقلة, وفي هذه الخاصية يتأكد أستحالة الاتحاد الانساني غير القابل للتسوية بين الوجود في ذاته (الانسان), والوجود بذاته (الله), ومثال هذه الاستحالة تتمثل في محاولة الصوفية الاتحاد الانجذابي الاتحادي المؤقت بين الله الذي هو وجود أفتراضي (بذاته), مع الانسان الذي هو وجود (لذاته) في كيان مادي ماهوي متعيّن,الله كيفية أفتراضية لا يمكن أتحادها بكيفية أنسانية مغايرة مادية هي الانسان. والله كائن نوراني خارج محدودية قوانين الطبيعة المكان والزمان لا يدرك عقليا وغير متعيّن ماديا بالنسبة لادراك الانسان في محدودية أدراكه في اللانهائي الكوني... وفي هذا الفارق الجوهري الكبيرممثلا في تغاير (كيفيتين) أحداهما روحانية لا يدركها عقل الانسان والاخرى مادية تتمايزماهويا ذاتيا عنها, كما تتمايز بعلاقتها مع قوانين الطبيعة التي يتحكم بها مطلق الزمان ولا محدودية المكان...وبهذا فالانسان كيفية لا تلتقي الا مع كيفيات أخرى تشترك معها بالصفات الجوهرية المادية من نوعها تتجانس معها في كل أو بعض الصفات والماهيات ضمن ضوابط قوانين الطبيعة...لذا يكون الادعاء الصوفي في الحلول أو الاتحاد بالذات الالهية حتى على مستوى الجوهر والماهية باطلا وعجز لا يمكن التغلب عليه..
وعي الذات جماليا
لغة التخييل الانساني هو قسمة مشتركة بين وعي ذاتها ووعي المدركات المادية وغير المادية الخيالية, كذلك مفهوم الخيال في وعي الانتاجية الفلسفية أو الجمالية ,وفي نظم الشعرية الادبية والنثرية الفنية, وفي أية فعالية فنية جمالية ينتجها الانسان ويلعب الخيال الفاعل دورا مهما فيها, وفي مجمل الفنون التشكيلية والنحت والجماليات وغيرها, كذلك الحال في أبداعات الاجناس الادبية الشعر والرواية والقصة ومختلف السرديات التي تعبر عن جماليات الادب والفنون عامة...في كل ما ذهبنا له يكون الخيال اللاشعوري المنتج حاضرا.
رغم أني في عدة مقالات منشورة لي تناولت فيها علاقة التعبير اللغوي كقاسم مشترك يتوسط التعبيرين الفلسفي والشعري, الا أني أجد في نهاية هذه الورقة المرور السريع بهما... فالشعر بخلاف فلسفة افلاطون القريبة لغتها من الشعر, أكثر أنواع التعبير الانساني الذي يتعالق تواشجيا أرتباطيا بالتعبير الفلسفي كما يذهب له نيتشة وهيدجر وغيرهما.
لغة الخيال العقلي غير الانفصامي المرضي المنتج ,هو قسمة مشتركة بين الفلسفة والشعر بأختلاف أن لغة التعبير الفلسقي تلتقي بالشعر في ناحية أنها أيضا تتعامل بمنطق التعبير اللغوي التجريدي الذي يتداخل فيه الخيال مع الفكر,لكن التعبير الفلسفي التجريدي لا يلغي هيمنة العقل ورقابته الصارمة, على العكس من الشعر الذي يطغى فيه الخيال وتداعيات المنطق اللاشعوري في تهويمات اللغة, في الخيال اللاشعوري تكون اللغة متراخية غير متماسكة.. لأنها لا تتوّسل العقل في التنظيم اللغوي بل تعتمد تهويمات الخيال, ولا يستدعي الشعر العقل في لجم الخيال المتداخل في جوهر منطق التعبير الشعري الذي ينتهك اللغة المنظمّة ويعمل على جعلها لغة تهويم خيالي لا محدود ولا مدرك يخرج باللغة عن مألوفيتها التواصلية التداولية في أبتداع لغة خاصة خارج التنميط التواصلي العادي.في وقت ترى الفلسفة لغتها التعبيرية في حضور صرامة العقل على التفكير الفلسفي أن تكون صياغة الافكار فيها تقترب جدا من صرامة منطق العلم ورياضيات التفكير.
الفلسفة في خروجها عن التنميط اللغوي التواصلي, تذهب باللغة الى مجاهل الفهم الاستعصائي على التلقي المباشر, فهي تستدعي العقل في رقابته الصارمة أن لا يخرج التعبير الفلسفي العقلي, عن منهجية اللاشعور في غلبة الخيال في أنتاج تعبير اللامعنى وأعدام نظام اللغة التقليدي التواصلي كما في الشعر.
أؤكد ماسبق لي ذكره أن عبقرية اللغة سابقة على عبقرية الفكر, كما أن جمالية اللغة أسمى من جماليات التعابير الاخرى التي لا تتوسل اللغة قيمة عليا في التعبير. رغم أن تراتيبية أنتاجية العقل للغة لا يسبق أنتاجية العقل للفكر. وفي حال صمت الانسان, تكون اللغة هي الفكر ولا تفريق بينهما خارج الذهن كما لا تفريق بينهما داخله ايضا. فاللغة هي الفكرداخل العقل وخارجه في ترابط لا أنفكاك بينهما.
واللغة والفكر حوار داخلي غير مفارق ولا معلن, وكذلك هما خارج العقل حوار عقلي معلن لا انفكاك بينهما في أستحالة فهم أحدهما بمعزل عن الآخر. اللغة والفكرة تعبير واحد عن موضوع ملازم واحد في زمنية لحظوية محسوبة واحدة , ويفترقان – الفكر واللغة - عن الخيال العقلي المنتج لهما , وفي التمايز الدلالي بينهما, متى ما أصبحت الفكرة واقعا ماديا دلاليا معبّرا عنها بلغة يدركها المتلقي في ظاهرياتها, أوبما تستبطنه الفكرة من دلالات تحمل فائض المعنى بلا نهاية قرائية أستقبالية للنص.
الهوامش
1. ميرلوبونتي نقلا عن جعفر عبد الوهاب /الفلسفة واللغة ص 58
2. نفس المصدر السابق ص 58 ايضا
3. نفس المصر السابق ص 127
4. نفس المصدر السابق ص 61



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشذرات الفلسفية ومحمولات المعنى
- الادب والجنون في الفلسفة وعلم النفس
- الصوفية ومذهب وحدة الوجود
- تعالق الوجود والموجود بالعدم
- المنهج الطبيعي في الفلسفة الامريكية المعاصرة
- الماهية في المنهج الفينامينالوجي
- تيارات فلسفية امريكية متداخلة مع الذرائعية
- الواقعية الجديدة وريثة الفلسفة الذرائعية
- توليدية جومسكي في فلسفة اللغة
- قضية فلسفية بعيدا عن المتن قريبا من الهامش
- شذرات فلسفية مداخلة وتعقيب
- كلمات فلسفية في الوجود والحياة ج6
- عالم الانسان المصنوع والطبيعة
- كانط وقالبي الزمان والمكان في الادراك العقلي
- هل الوعي موجود؟
- وليم جيمس, هل الوعي موجود؟
- هيدجر وميتافيزيقا الوجودية


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - وعي الذات اشكالية فلسفية في الوجودية واللغة