ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 6461 - 2020 / 1 / 10 - 23:18
المحور:
الادب والفن
طبق الأصل
ينزل سمسار النفط من سيارته الفارهة ذات الدفع الرباعي. شعره وشاربه يبرقان بدهان أسود جديد. عيناه متورمتان من سهرة الليلة البارحة. جبينه مقطب من أثر الصداع الذي يصيبه كلما أفرط في الشراب. يدخل قاعة التصويت وهو يعبث بالسلسة الذهبية لمفاتيح سيارته. عندما تطلب منه الموظفة هوية الأحوال المدنية يتساءل بين الاستنكار والسخرية:
- ماذا، ألا تعرفينني؟
- نعم يا سيدي، طبعاً أعرفك، لكن الإجراءات تتطلب إبراز بطاقة الأحوال المدنية.
يخرجها من جيبه مستغرقاً أطول مدة ممكنة بغية إذلالها ثم يرميها على المنضدة، يستلم ورقته ويذهب خلف حاجز التصويت ثم يخرج ويسلمها للموظف الواقف عند الصندوق دون أن يكلف نفسه عناء طيّها أو وضعها في الشق المخصص لها. يأخذها منه الموظف ويتولى ذلك وهو يبتسم له. يهم بالخروج فتقول له موظفة أخرى:
- سيدي، أرجو أن تتفضل بغمس اصبعك في الحبر.
ينظر اليها باستصغار ثم يغمس نهاية ظفره ويخرجه بسرعة ويسارع الى مسحه وهو يلهث كمن أنهى عملا شاقاً.
في باحة المركز الانتخابي كانت الاناشيد القومية تتعالى من مكبرات الصوت، وكان صباغ الأحذية فرحا جدا بعد أن غمس ثلاثة من اصابعه حتى آخرها في الحبر البنفسجي.
- لا بأس (كان يقول لأصابعه) هذه أول مرة تجربين فيها مثل هذا الصبغ منذ أن ألقيت الأقلام والدفاتر والألوان. بهذا الحبر المبارك وضعنا اليوم الحجر الأول في طريق تحقيق حلمنا، ولهذا لن أغسلك!
وفجأة رأى مذيعا يحمل ميكروفونا يتبعه مصور وهما يدنوان منه فرسم ابتسامة عريضة على وجهه وهو يستعد ليعبر عن فرحته، لكنه اكتشف أنهما يتوجهان نحو سمسار النفط الذي يقف وراءه ببضع خطوات ويهم بركوب سيارته !
- لا يهم. سأقف خلفه لعلّني أظهر في التلفزيون وتراني أمي.
يوجه المذيع ميكرفونه الى فم السمسار الغليظ ويقول:
- ونلتقي الآن بأحد المواطنين الأعزاء وقد خرج للتو من مركز الاقتراع. ما رأيك يا سيدي بهذا العرس الجماهيري؟
يتنحنح الرجل ويرسم على وجهه نظرة حالمة ويهم بالإجابة..
- عفوا يا سيدي، لحظة واحدة (يقاطعه المصور ثم يوجه كلامه للمذيع) سعدون. أبعد هذا الصبي المتطفل. يجب أن لا يظهر في الكادر!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟