|
الحاج حاتم
سلام ابراهيم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6460 - 2020 / 1 / 9 - 18:26
المحور:
كتابات ساخرة
شارع الكفاح ؛ علوة الفواكه و الخضر؛ عصريات الخميس، ستينيات القرن الماضي الحاج حاتم أبو "الحياييه" قاصدا علوة الفواكه والخضروات مارا بالقشل المكتظة ليتبعه صبية المحلة بالعشرات مكونين جمهوره الأول في حلقة دائرية، يحدد طول قطرها بحية صغيرة ماسكا آخرها فترفع رأسها و يدنيها ليوجل و يُبعد بها الصبية المتجاوزين لمحيط دائرته الافتراضية .. في هذه الاثناء تخف حركة السوق ويقل ضجيج سيارات الحمل و يعم هدوء نسبي..التوقيت مضبوط و الموقع ستراتيجي بحق: فسحة صغيرة أمام مقهى بالقرب من تفرعات طرق و أزقة مؤدية من الى محلة القشل و محلات و أسواق حنون، الدهانة، الغزل و الشورجة..هنا يتواجد عتالي العلوة والشورجة الكثر و من هنا يمر الشبان و الرجال العائدون من العمل عصرا في طريقهم إلى مآويهم ؛ أيام الخميس جيوبهم مثقلة قليلا بدريهمات و بضعة دنانير إسبوعيتهم، لذا هذ الاختيار الزماكاني المهم..
عُمر الحاج حوالي الأربعين سنة مكتنز الجسم و الوجنتين بشارب غليظ ، يشد وسطه بحزام أسود عريض تحت طية كرشه الذي يمنع من سقوط كيسين يحملهما بين أعباب دشداشته الفضفاضة والتي كانت يوما ما بيضاء، يتأبط حين قدومه صندوقا مستطيلا من خشب الصنوبر صبغته أشعة الشمس و مُضي السنين بُنّيا، بقياسات 25x25x80 سم يتوسطه مقبض أسود من الجلد و بغطاء( Slide) يُفتح سحبا يمينا او يسارا فيه ثعبانان منهكان لا طاقة لهما حتى بالخروج عند فتحه الغطاء للحظة قصيرة كتأكيد و تحفيز للصبية ..ثم يختار الحاج (لا أعلم إن كان فعلا..) أحدا من الصبية المتأهبين لمهمة جسيمة: حارسا على الصندق ! من امتيازات هذا المنصب هي اتاحتها لأمين الصندوق فرصة لالقاء نظرة خاطفة على محتواه مستأنسا مستأسدا و مثيرا حسد و فضول صحبه المنخرطين في نقاشات حامية حول انواع والوان الثعابين التي يصطحبها السيد، هل هي حية بيت، أَم سامة و درجة سُمّيتها، بشكل عام كان الإجماع في المداولات التي حضرتها: الحيات التي فيها مسحة حمراء هي الاخطر، طبعاً هذا التشخيص لم يكن سياسيا !
بعد أن تثير جمهرتنا انتباه المارة و تجذبهم، يفتتح الحاج حديثه بحكايات و قصص تشد الانتباه كما يبدو_ بالحقيقة قلما كنا نستمع إليه همنا كان منصبا على الحيات و متى يخرجها من الكيس أو الصندق_الحلقة تكبر بهدوء يقابله تركيزه على أواخر كلماته و تصاعد نبرة صوته مسببة احساسا بالذنب و التقصير في واجباتنا وعصياننا لارادة الخالق وخذلان اوليائه و قُبح تعاملنا مع المخلوق فيخيم الوجوم على المستمعين الكبار و تتأوه القلوب ألما و تتحرك الشفاه استغفارا.. يسكت شيخنا لثوان ، يمد يده إلى عُبه ليخرج كيسا فيها نسخ لآية الكرسي المباركة المُطَمئِنة للأفئدة و المُبعدة للشر يدور بها على الجمع و يبيعها بسعر زهيد 10 فلس مع توصية بحملها دائما؛ عيناه الملغوزتان تتطلعان بنظرات تغور وتغوص عميقا مُسبرة في نفوس ومحفظات نقود زبائنه ، مأسوري سحر موعظته..
بحركة مسرحية و ايماءات يده و أصابعه يعلن السيد بحثه عن عشرة لا غير(العدد يتناسب مع عدد الواقفين من الرجال ناقصا واحد..اثنين..) يعطي كل واحد منهم درهما واحدا فقط يوفيها لهم دعاءا خالصا لقضاء حاجاتهم عند الأمام.. غدا الجمعة، بعد أن يستحصل دراهمه ، يسحب غطاء الصندوق بالكامل تاركا الثعبانين حرية الحركة التي تستغلاها بتأن و بطء، وحالما تخرج من محشرها تجثم على الاسفلت بلا حراك تقريبأ، تَملمُلْ الصبية و إرتفاع أصواتهم يقطعها بمواصلة حديثه هذه المرة عن المعجزات و الكرامات مترقبا ورود زبائن جدد مُتفحصا هندامهم راميا إحمائهم للجولة العبادية التالية وهي عبارة عن قضاء ليلة الخميس على الجمعة ماسكا شباك ضريح الأمام متوسلا داعيا لهم بتحقيق أمانيهم من شفاء، مشاكل عائلية و إقتصادية بحق جده؛ إكرامية عمل الخير هذا هي نصف دينار و عدد الموكلين كالعادة حسب تخميناته للناذرين من الحضور 4، 6.. تراهم يسلتوها من جيوبهم برضا و إمتنان، في الحقيقة نقودهم لا تذهب هباءا إنها تنتقل فقط بأمان و إناقة من جيوبهم متجعدة متقبضة إلى جيب دشداشته الجانبي الطويل..
خمس و خمسين سنة مرّت و ما زال عندي شغف و فضول لرؤية مجددة لحيّات الحاج حاتم الكسولة ، ياترى من يعتني بهن الآن !
#سلام_ابراهيم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختلال
-
حلول
-
زفييير
-
تجربةٌ مُملة
-
ولادة موت
-
خلايا
-
كوكب خارجي
-
خرطوش سياسي
-
كاميرا..
-
أَنْسَنَة
-
كُلوا ولا توسوسوا
-
كويت (يّ) مدة القراءة 1 دقيقة
-
كائنات -عاقلة- (مدة القراءة1دقيقة)
-
عظمة إنجاز (مدة القراءة 1 دقيقة)
-
ال ذهب
-
خبر ابتلاء البلدان
-
إسطورة النعال
-
العولمة
-
الأنانية تنتصر
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|