أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس سالم - مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية التي أكتبها هي مسيرة حياتي (1)















المزيد.....

مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية التي أكتبها هي مسيرة حياتي (1)


إدريس سالم
شاعر وكاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6460 - 2020 / 1 / 9 - 09:03
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاوره: إدريس سالم
القسم الأول

إن رواية «سرير على الجبهة»، هي في الواقع لعبة سرديّة مدروسة، تقودنا بحذر للدخول والخروج من متاهة لا نهاية لها، وإعادة تأمّل الدلالات التأويليّة والسيميائيّة فيها. قد تسبّب صدمة للقارئ، فيهرب من عالمها الكابوسيّ الكافكويّ، الموجع والفاجع؛ خشية من دخول «العصفوريّة»، حيث يتداخل فيها الواقعيّ بالإيهاميّ، والفانتازيّ بالأسطوريّ. وهي بحسب قراءتي لها مرّتين متتاليّتين، مؤشّر كبير ومهمّ على نضج التجربة الروائيّة الجديدة في سوريا والعالم العربيّ، وعلى تجاوز كتّاب الرواية السوريّين مرحلة الفطام وانتقالهم إلى مرحلة التحريض والتحدّي والعبور إلى لغات وثقافات أخرى، إذ كانت بحقّ رواية تعبّر عن أدب الكوميديا السوداء والهازئة لما حلّ بسوريا وشعبها الفسيفسائيّ، وعلى كبريات مراكز القرار والتحكّم في العالم قراءتها، والتمعّن فيها، كما أشرت بذلك في قراءتي النقديّة لها.

مَن يقرأ السرياليّة والواقعيّة السحريّة الموجودة في هذه الرواية البديعيّة، سيصيبه حالة من الشكّ المليء بأسئلة محقّة مدهشة، وسيتّهم ساردها أو كاتبها بالمبالغة المفرطة في تلويع الحكايا وتفاصيلها ودلالاتها، وحتى يتغلّب على شكّه لا بدّ له من العودة إلى روايته التنبّؤيّة الأولى «وصايا الغبار»، ومن ثم «الغرانيق» وصولاً إلى «سرير على الجبهة»، وقراءة الفصل الأخير منها، الذي عنوانه «إضاءة بمثابة خاتمة»، حيث اضطرّ مازن على وضعه؛ للتوضيح والتأكيد على الرموز والدلالات الواقعيّة لغالبية أحداث روايته، والأهم أن يتأمّل هذا القارئ الكلام الذي كتبته «رنا حايك» – محرّرة القسم العربي في دار نوفل – على خلفيّة لوحة الغلاف، إذ تقول:
«يزجّ عرفة المطلق في قلب الملموس، والمجازيّ في صخب الواقعيّ، والفانتازيّ في منطقة اشتباك الحلم بالحقيقة».
فمَن هو هذا الروائيّ الذي يُلاعب ويُراقص تقنيّات الرواية، وكأنه صديقهم الحميميّ منذ أيّام الطفولة؟

مازن عرفة، كاتب وباحث سوري (مواليد عام 1955م، ريف دمشق – سوريا)، غادر سوريا في عام 2017م، ويقيم حالياً في ألمانيا. حائز على إجازة في الآداب، قسم اللغة الفرنسية (جامعة دمشق، 1983م)، ودكتوراه في العلوم الإنسانيّة، قسم المكتبات والمعلومات، من جامعة «ماري كوري سكودوفسكا» في مدينة «لوبلين» ببولندا عام 1990م. يتقن اللغتين الفرنسيّة والبولونيّة، ومعرفة جيّدة باللغة الألمانية. عمل مديراً للنشاط الثقافيّ في المكتبة الوطنيّة في سوريا، ومشرفاً ثقافيّاً على معرض الكتاب السنويّ الذي تقيمه المكتبة، لمدة إحدى وعشرين عاماً (1990م – 2011م).

له مؤلّفات كثيرة في الفكر والأدب:
• «العالم العربيّ في الكتابات البولونيّة في القرن التاسع عشر»: (كتاب باللغة البولونيّة), بولندا – لوبلين، 1994م.
• «سحر الكتاب وفتنة الصورة: من الثقافة النصّيّة إلى سلطة اللامرئي»: سوريا – دمشق، دار التكوين, 2007م.
• «وصايا الغبار»: (رواية), سوريا – دمشق, دار التكوين, 2011م.
• «تراجيديا الثقافة العربيّة»: سوريا – دمشق, دار التكوين، 2014م.
• «الغرانيق»: (رواية)، لبنان – بيروت، دار أنطوان هاشيت – مؤسّسة نوفل، 2017م.
• «سرير على الجبهة»: ( رواية)، لبنان – بيروت، دار أنطوان هاشيت – مؤسّسة نوفل، 2019م.

وللوقوف أكثر من ذلك حول قلمه وفكره ومواقفه من الكتابة والحرب ومشاريعه المستقبليّة، كان لموقع «سبا – Siba» الثقافيّ هذا الحوار الطويل والخاصّ معه، والذي سينشر على حلقتين - قسمين:




معاً... إلى الأسئلة والحوار:


• يبدو للوهلة الأولى أن رواياتك الثلاث – «وصايا الغبار»، الصادرة عن دار «التكوين»، عام 2011م، و «الغرانيق»، الصادرة عن دار «نوفل – هاشيت أنطوان»، عام 2017م، و «سرير على الجبهة»، الصادرة أيضاً عن دار «نوفل – هاشيت أنطوان»، عام 2019م – تندرج في إطار الأدب السياسي.
هل يوافقك هذا الانطباع؟

لا أرغب أن يتمّ النظر إلى رواياتي من وجهة نظر سياسيّة، فهي قبل كلّ شيء أدب، إلا أنه أدب يعكس واقعاً مضطرباً، نعيشه في منطقتنا على كافّة المستويات، بدءاً من السياسيّة، مروراً بالاجتماعيّة والاقتصاديّة، ووصولاً إلى التمزّقات النفسيّة، التي يعيشها الإنسان الفرد.
وبسبب الخراب العميق، والانهيارات الاجتماعيّة، والاضطرابات النفسيّة إلى حدّ التمزّق والتشظّي، التي يعيشها الإنسان السوريّ، منذ منتصف القرن الماضي، وهو ما يحاول أدبيّ الروائيّ أن يلامسه، تبدو رواياتي للوهلة الأولى سياسيّة.
لكن مع قليل من التعمّق، يمكن اكتشاف المسحة الإنسانيّة فيه، التي تميّز الإنسان السوريّ، المسحوق بنظام قمعيّ استبداديّ – عسكريّ ودينيّ، في سعيه للحصول على الحدّ الأدنى من حرّيّته وإنسانيّته. ويتمّ هذا عبر تفاصيل الحياة اليوميّة للإنسان البسيط، بعيداً عن الشعارات السياسيّة «الثوريّة» الطنّانة والفارغة، التي عشناها منذ ستّينيّات القرن الماضي.


• أين موقعك أنت كإنسان وروائي في نصوصك؟

دائماً أكرّر أنني لست بكاتب روائي، بمعنى محترف الكتابة الروائيّة، الذي يختلق ويبتكر الحوادث والشخصيّات، وإنما أعيش حياتي رواية. وما أقوم به هو تسجيلها على شكل نصّ أدبيّ، بحيث تنمحي الحدود فيه بين اليوميّ المعاش والأدبيّ المسجّل. وبالتالي تتحدّث الشخصيّات فيه بتعدّديتها، وتنوّعها، وتشظّيها، بضمير المتكلّم «أنا»، الذي «يعيش» و «يراقب»، في الوقت نفسه.
لذلك، تأتي المسودّات الأولى لرواياتي متضخّمة، بما يتجاوز الألف صفحة، كانعكاس لتسجيل حياتي اليوميّة. إلا أنني في النهاية أختصر، وأختار، وأشذب، وخاصة تحت ضغط متطلّبات دار النشر؛ ليخرج نصّاً متوسّط الحجم متكاملاً، وهنا تكمن صعوبتي الشخصيّة في استخراجه، وإغلاقه ضمن المتطلّبات الروائيّة التقنيّة. وأقول باختصار، أن الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية التي أكتبها هي مسيرة حياتي، فتنكسر الحدود بينهما.


• في روايتك الأولى «وصايا الغبار»، قدّمت صورة جريئة عن الفساد السياسيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ، الذي سادَ المجتمع السوريّ، إضافة إلى التسلّط الأمنيّ، الذي كانت تمارسه الأجهزة الأمنيّة على حياة المواطن فيه، ما قبل عام 2011م.
ماذا تقول...؟

يشير عنوان الرواية «وصايا الغبار»، برمزيته، إلى الخراب، الذي حملته الوصايا الصحراويّة «الغباريّة» – «الفتاوى الوهابيّة»، القادمة من الدول الخليجيّة النفطيّة، ابتداء من سبعينيّات القرن الماضي، التي تآلفت وتكاملت مع فساد المافيات الحزبيّة والعسكريّة، في مجتمعات «الجمهوريّات العربيّة المتعسكرة»، التي نهضت منذ خمسينيّات القرن الماضي على «النمط الستالينيّ». وسيشكلان – كلّ من ظاهرتي الأسلمة والعسكرة هاتين – أساس الخراب لمجتمعاتنا، التي أدّت في النهاية إلى انفجار «ثورات الربيع العربيّ»، سواء في مرحلتها الأولى، عام 2011م، أو الثانية، عام 2019م، بغَضّ النظر عن الآثار المباشرة المترتّبة عليهما حتى الآن.
ولنلاحظ أن «وصايا الغبار» صدرت في عام 2011م، إذ رأى فيها بعض النقّاد أن أحداثها تحمل شحنة تنبؤيّة بأن الانفجار قادم لا محالة، ليس في المجتمع السوريّ فحسب، وإنما أيضاً في المجتمعات العربيّة عامّة، وهو ما حدث فعلاً.
ببساطة، إن «المرحلة الثوريّة»، بتآلفها العميق مع «الأسلمة»، التي حملت تاريخيّاً لمجتمعاتنا القدر الهائل من الخراب والدمار والتمزّق، سواء على المستوى الاجتماعيّ أو الفرديّ، وصلت إلى نهاية مرحلتها التاريخيّة من خواء «الشعارات الكاذبة»، وسقوط الأوهام الإيديولوجيّة، التي تعيّشت على نشرها مافيات عسكريّة وحزبيّة بيروقراطيّة، تحكّمت بمفاصل الدولة، والمجتمع، والحياة الشخصيّة.
وفي النهاية لم يبقَ أمام هذه الحقبة إلا الانفجار من الداخل.


• وفي روايتك الثانية «الغرانيق»؟
كما هو معروف، فإن «الغرانيق» هم الآلهة القديمة «مناة» و «اللات» و «العزى»، التي عبدها العرب في الجاهليّة، وبهذه الرمزيّة أسقطتهم على شخصيّة الديكتاتور – العسكريّ، في مجتمعاتنا المعاصرة.
إلا أن هذا الديكتاتور في روايتي لم يكتفِ بصفات الآلهة الثلاثة هذه، بل تجاوزهم إلى تلبّس شخصية الإله التوحيديّ في نسخته اليهوديّة، من حيث نزواته وتعطّشه للدماء في إطار وحدانيّته.
وقد قام الديكتاتور العربيّ، بشكل فريد، إلى الجمع بين هذه «الإلوهيّة الشرقيّة» مع مفهوم «عبادة الفرد» الستالينيّ، في إطار من شعارات «التأليه الثوريّ» وطقوس «التدّين الاستعراضيّ»، على أرضيّة تمزّقات طائفيّة وإثنيّة واجتماعيّة – طبقيّة.
ومن هنا تكمن أهمية ثورات الربيع العربي في تحطيم تماثيل هذا الديكتاتور، ليس فقط في الشوارع والساحات، وإنما أيضاً في العقول، وهو الأهم برمزيته.
وهو ما يعني تحطيم الخوف المزروع في داخل الإنسان في منطقتنا من الأجهزة الأمنيّة وسلطة العسكر وسطوة مافيات الدولة، بتراكمات أعوام طويلة، وتحرّره منها، وخروجه إلى الشارع متحدّياً إياها بسلميّته، عبر المظاهرات.


• لكن «الغرانيق» لا تتوقّف عند الطاغية الديكتاتور، الذي تسمّيه «الزعيم الجنرال»، بل في الصفحات الأخيرة يظهر «الأمير الإسلاميّ»، الوجه العنفيّ الثاني للديكتاتور، كما تقدّمه.

ومن هنا قوّة الرواية، التي تحمل أيضاً شحنة تنبؤيّة، فالغرانيق، التي لم أستطع نشرها إلا في عام 2017م، كتبتها بين أعوام 2011م – 2013م، وتشير تحوّلات الأحداث الروائيّة فيها إلى ظهور «الأمير الإسلاميّ»، في شروط العنف السائدة.
إن شخصيّات «الانتفاضة الثوريّة» ضد «الزعيم الجنرال» منقسمة في الرواية بين مجموعتين، الأولى، هي نتاج الطبقة المتوسّطة، التي ارتأت الحلّ بالثورة السلميّة، عبر المظاهرات والاعتصامات المدنيّة واحتلال الساحات، والثانية، التي تؤمن بالعنف واستعمال السلاح في مواجهة السلطة الديكتاتوريّة.
وفي القسم الخاصّ بالانتفاضة من الرواية، تسيطر المجموعة السلميّة على مجرى الأحداث في البداية، بسبب وعيها المتقدّم، إلا أنه مع قيام السلطة العسكريّة والأمنيّة بقمع المظاهرات بالسلاح، وتساقط العدد الكبير من المتظاهرين المدنيّين قتلى، جعل المجموعة العنفيّة تتسيّد الانتفاضة.
ببساطة فعل ورد فعل. وهنا ستنزاح الطبقة الوسطى المؤمنة بالمواجهة السلميّة، وستنتهي إما بالتصفية الجسديّة في معتقلات النظام، أو بالتهجير الديموغرافيّ إلى خارج البلاد. وسينتقل عداء العسكر التاريخيّ ضدّ هذه الطبقة المثقّفة التنويريّة إلى الإسلاميّين أنفسهم، الذين سيواجهونها تالياً بالعنف والتصفية المباشرة، منذ انفجار الانتفاضة السوريّة.
ومع انزياح الطبقة الوسطى من الانتفاضة السوريّة، ستتحوّل المعارك في البلاد إلى صراع دمويّ شرس بين «عسكر متريفين طائفيّين»، من جهة، و «إسلاميّين متريفين محافظين متشدّدين»، من جهة أخرى.
وكلاهما يحمل حقداً تاريخيّاً تجاه الآخر، ويؤمن بالعنف على أرضيّة دينيّة – طائفيّة لكسر الطرف الآخر. وسرعان ما وجد كلّ منهما سنده في جهات خارجيّة تدعمه، وتستغلّه لمصالحها الشخصيّة على أرضية – دينيّة إقليميّة، فيما سيكون القتلى فقط من السوريّين في تصفية حسابات إقليميّة ودوليّة.
في هذه الظروف ستنتهي الرواية بتحوّل البطل العنفيّ في المظاهرات، بغض النظر عن مظلوميته في لحظة تاريخيّة محدّدة، وفي ردّة فعل معاكسة، إلى «عنف العسكرة» أولاً، ومن داخلها سينبثق «العنف الإسلاميّ»، ثانياً. وسيصبح «الأمير الإسلاميّ» هو الوجه الآخر للديكتاتور العسكريّ.
(وبالمناسبة، فإن كتابي «تراجيديا الثقافة العربيّة»، الصادر في عام 2011م، يتوسّع في هذا المفهوم التاريخيّ للطبقة المتوسّطة).


• «الغرانيق» تحفل بالكثير من العنف والدم؛ اجتياح البلدات وتدميرها، أشلاء القتلى، التعذيب في المعتقلات، المقابر الجماعية...
من أين كلّ هذا العنف والدم في الرواية، الذي لم تخفّف منه مسحة «السخريّة» و «الكوميديا السوداء» التي تسِم أدبك؟

يتحدّث القسم الأول من الرواية عن الديكتاتور المطلق، الذي يكسر حدود الزمان والمكان، بمعنى أننا نجده في مختلف مراحل التاريخ، وبغض النظر عن المناطق الجغرافيّة، بدءاً من الطغاة التاريخيّين، أمثال «نيرون» «هولاكو» و «الحجّاج»، ومروراً بالطغاة المعاصرين، أمثال «هتلر» و «ستالين» و «ماو تسي تونغ» و «بول بوت» و «بينوشيه»، وصولاً إلى الطغاة العرب، من رؤساء وملوك وأمراء دون استثناء، الأموات منهم والأحياء، ومعهم القادة الإقليميّين الحاليين حالياً، بغض النظر عن أنظمتهم الدينيّة، أو الديمقراطيّة بمظاهرها الشكليّة.
لكن إضافة إلى ذلك، فإن منطقتنا تتميّز بمبرّرات «التوحّش التاريخيّ»، التي تسِمنا أفراداً وجماعات، وهو ما يتفجّر بوجود الظروف المناسبة، وهذا ما تحاول أحداث «الغرانيق» رصده.
فالاستبداد الشرقيّ، الذي يميّز مجتمعاتنا تاريخيّاً، مازال يلاحقنا بمفاهيم «الغزو» و«السبي» العشائريّة، بجوهرها، في حياتنا المعاصرة. وما «التعفيش»، الذي تمارسه ميليشيّات النظام، علناً وبمباركة رسميّة مع اجتياح كلّ منطقة، ومثله ما يقوم به الإسلاميّون في مناطقهم، إلا من مظاهر الغزو العشائريّ، الموروث من الصحراء. وبدلاً من «البدويّ بعباءاته»، يظهر رجل الميليشيّات ببذلته «المموّهة» أو بسرواله «الأفغانيّ».
ومفهوم «بكارة المرأة»، المقدّس في عقل الرجل الشرقيّ المتخلّف، يجد انعكاسه التاريخيّ في «الجنّة الإسلاميّة»، حيث «تتجدّد بكارة الحوريّات بعد كلّ خرق عنفيّ لها»، «متعة البدويّ في الاغتصاب»، ويجعل المرأة موضوعاً للعنف الجنسيّ، وبالتالي «دونيتها الاجتماعيّة»، وهو ما يتجدّد مع «السبايا» لدى الإسلاميّين، أو في اغتصاب النساء على حواجز النظام وفي معتقلاته.
السمة الثانية للتوحّش العنفيّ التاريخيّ في حياتنا هي «العسكرة» الموروثة من النمط «الستالينيّ» القمعيّ، الذي يترافق مع حياتنا منذ الطفولة في بلادنا، عبر التنظيمات شبه العسكريّة، بدءاً من منظّمات «طلائع البعث»، ومروراً بـ «اتّحاد شبيبة الثورة»، وتدريب «الفتوّة العسكريّة» في المدارس، و «التدريب العسكريّ الجامعيّ»، وصولاً إلى «الخدمة العسكريّة» الإجباريّة والاحتياطيّة، أي أننا نقضي حياتنا الشخصيّة كلّها تقريباً في العسكرة.
لكن العسكرة، لا تتوقّف عند حياتنا الشخصيّة، فهي تمسّ جميع مجالات حياتنا المؤسّساتيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وحتّى الثقافيّة، التي تسيطر عليها سلطة «عسكر أمّيّين قادمين بعنفهم من الأرياف»، وفي تقوقع طائفيّ مافياوي إنكشاريّ، مستعينين بسلطة أمنيّة، لا حدود لصلاحيتها.
تتآلف مع هاتين السمتين المذكورتين أعلاه، ظاهرة الدعوة إلى «العنف الإسلاميّ»، تحت مسمّيات «الجهاد»، وهو ما يعني نشر الإسلام بحدّ السيف، على طريقة الغزوات الإسلاميّة التاريخيّة.
وهذا الجهاد الموجّه نظريّاً وعمليّاً إلى كلّ من هو مخالف، ليس فقط بالدين أو الطائفة، بل وأيضاً بالرأي، بدءاً من الأفكار العلمانيّة والمفاهيم الديمقراطية، وصولاً إلى القضايا الشخصيّة، من مثل إطالة اللحى وطرائق اللباس لدى الرجل والمرأة.
يتلقّى الفرد هذه الدعوة كجزء من ممارسة العبادة في طقوس «خطبة الجمعة» في المسجد، وصولاً إلى سيطرة الرأسمال النفطيّ الخليجيّ القروسطيّ على وسائل الإعلام.
وتسألني من أين كلّ هذا العنف والدم، اللذان انفجرا في البلاد، عندما أصبحت التربة ملائمة لهما... أنا لم أختلق شيئاً سوى تقديم صورة تعكس الواقع.


• ونصل إلى «سرير على الجبهة»، الرواية الجديدة المُلغزة بخفاياها وإسقاطاتها، والتي صدرت في عام 2019م، وكنتُ قد كتبتُ مقالاً نقديّاً طويلاً عنها، إلا أننا مازلنا بحاجة إلى التعرّف على أسرارها وظروف كتابتها.

هي الرواية الثالثة، التي كتبتها في مرحلة اشتداد القمع السلطويّ، المدعوم إيرانيّاً، ومن ثم روسيّاً، مقابل فقدان الثقة بالانتفاضة السوريّة، التي انكسرت، وتأسلمت، وأضحت ميليشيّات تأتمر بأوامر دول إقليميّة ورعاة نفطيّين.
ومع أن الرواية تتحدّث عن رجل بسيط، دمّر العسكر حياته اليوميّة الاعتياديّة باحتلال البناية، التي يسكن فيها، وتطلّ على الساحة الرئيسيّة التي يتجمّع فيها «متظاهرو الانتفاضة»، فإن ضمير المتكلم «الأنا»، وطريقتي في الكتابة، يدلّان على حوادث يوميّة عشتها شخصيّاً.
تقع شقّتي، التي كنت أسكنها مع عائلتي، في إحدى بلدات ريف دمشق، التي اشتعلت فيها المظاهرات، وقد احتلّها العسكر، وتحوّلت إلى موقع عسكريّ حقيقيّ، ربضت أمامه ثلاث دبّابات، ورشّاشات على السطح، وكاميرات مراقبة، وحاجز أمنيّ بحراسات مشدّدة على مدار النهار والليل.
ومع إطلاق النار العشوائيّ للعسكر من البناية على شوارع البلدة والحقول حولها، أخذت العائلات تفرّ من البناية، ومن بينهما عائلتي – التي لن ألتقي بها بعد ذلك سوى بعد ما يقارب الست سنوات – وبقينا مجموعات صغيرة في البناية، تركنا العسكر كدروع بشريّة.
كانت غرفة القيادة، التي تجري فيها التحقيقات، لصق شقّتي، وتحوّل الطابق الأول، الذي لم ينتهِ تهيئته للسكن، إلى معتقل أمنيّ أوّليّ مفتوح على الهواء الطلق، يمارس فيه التعذيب علناً، ويصدر منه صراخ المعذّبين في الشوارع المحيطة بالبناية.
وفي أثناء ذلك، كانت «الفصائل الإسلاميّة» تنسحب من مناطق سيطرتها حول دمشق، والغوطة، والجنوب بعامّة، باتفاقات مريبة؛ وتتوجّه إلى إدلب، تاركة المنطقة تحت سيطرة قوّات النظام والميليشيّات الإيرانيّة، عرضة للقمع والاعتقالات والموت وعمليات التهجير الديموغرافيّ.
وستحوّل شعار «النصر أو الشهادة في سبيل الله» إلى شعار استهلاكيّ كاذب شبيه بشعار «تحرير فلسطين»، الذي رفعته الأنظمة العسكريّة. لذلك سيختفي بطل «الغرانيق» الإيجابيّ، الفاعل في المظاهرات، ويتحوّل في «سرير على الجبهة» إلى ذلك الإنسان، الذي مزّق العسكر حياته اليوميّة، وحوّله على رجل خائف حذِر يحاول النجاة بحياته... الرواية هي توثيق فانتازيّ لهذه الوقائع.


يُتبع في قسم ثانٍ وأخير...



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشخصية وبناؤها في رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- على الأمم المتّحدة ومحكمة الجنايات الدوليّة قراءة رواية «سري ...
- تقنية «الراوي» في رواية جان بابيير «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» توثيق الحرب بتقنيات روائية مبهرة
- ماذا قدّمت قناة «ARK TV» للقضية الكردية؟
- كاتب كوردي يتحدث عن اللجنة الدستورية وانقسام الكورد
- سكوت كوردي على فساد مخيّمات لاجئي إقليم كوردستان
- تشبيح حزبي وبازارات على القضية
- احتراز تركي أمام استقرار كوردي فوضوي
- ترامب، وتعلّم ساستنا الدروس منه
- نحن نُهان على أرضكم سيّدي الرئيس
- مَن المسؤول عن استغلال إجازات اللاجئين في إقليم كوردستان؟
- رواية «الطاعون» أسئلة فلسفية عن الموت والقدر والإنسان
- كلّنا قرَابين
- جَان بابيير: رحلتي عبر زمكانية رواية «فوضى الفوضى» مرتبطة بق ...
- ملتقى سوريا الغد يقيم محاضرة صحية عن «أساسيات الصحة الفموية» ...
- رواية «روچين»: سيناريو لمسلسل تراجيدي أو فيلم طويل
- محمد شاهين: يمكن إحداث التغيير والارتقاء بين الفنّان والمتذو ...
- جان بابيير: أكتب الرواية بلغة شعرية، ولغة السرد لا تجذبني
- حجي بلال.. أيقونة في عالم النضال والسياسة


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس سالم - مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية التي أكتبها هي مسيرة حياتي (1)