أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - العائد من جبل الموت














المزيد.....

العائد من جبل الموت


فتحي مهذب

الحوار المتمدن-العدد: 6459 - 2020 / 1 / 8 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


طردته (أ) مثل ذبابة قميئة تثير القرف والغثيان وتستفز الأصابع المتشنجة لسحلها واستئصال شأفتها ..
لم تعد ترغب في النظر الى وجهه الشبيه بكهف مليئ بالسحالي والعظايا..
لم يعد ذا جدوى .. ذا معنى .ذا نكهة آدمية..فقد ما تبقى من رصاصات الفحولة في جعبة ذكورته..اغتالته عنقاء الحاجة ودهسه دب المرض الوبيل..
تصيح( أ) بلهجة مغلفة بغلالة البراقماتيزم : أنت كابوس ليلي فظيع سقط من مخيلة هلامية على فروة رأسي..لعنة تلاحقني الى الأبد..
ثم دفعته بكل ما أوتيت من جنون وحيوانية صفيقة خارج البيت..
لقد عاشت في ظل سلطته أميرة
ترفل في الحرير والذهب..
تسكن فيلا فاخرة اقتاتت من لحمه ودمه وأعصابه حتى استوت على سوقها..
لم يأل جهدا في اسعادها ومقاسمتها أحلى لحظات الحياة..
وهاهي بعد مرضه لفظته مثل قطعة أثاث غير مرغوب فيها ثم فتحت هذا البيت الفاخر ماخورا تختلف اليه فئة من صائدي اللذة ومستهلكي الحشيش..
البائس( ب) قطعت رجله اليمنى
اثر حادث مرور رهيب..
وانكفأت عينه اليسرى على ذاتها
غار ألقها وامحت معالم بهجتها
وجمالها صارت عبئا لا يطاق..
عضو ميت تسكنه ظلمة أبدية..
لم يعد بمقدوره مزاولة أي عمل لتأصيل ذاته وفرض صوته في عالم لا يعترف بالضعفاء..
غزته عشيرة وثنية متوحشة من
الأمراض المزمنة والتي تهدده باقامة مطولة في عالم البرزخ..
استنكف منه ذوو القربى وتحاشاه القريب والبعيد..
اغتدى يتسول في الشوارع المترامة المزدحمة بالأناسي..
الساق اليتيمة التي يجرها مثل قطعة من الخشب اليابس مهددة بالبتر..
ومن خلال عدسة واحدة ينظر الى العالم ويمتص ما بقي من ضوء المسافات..وعلى صدره تخيم بناية هرمة من الهواجس السوداوية.. صار يتنفس ببطء شديد كما لو أن وحشا عصابيا غرز فكيه في عنقه الهش..
كم تمنى لو كانت له غلاصم سمكة ليتنفس ويتلاشى ضغط هذه الحجارة الكبيرة الملقاة على صدره من أعلى جبل العذاب اليومي..
نواقيس كاتدرائية تقصف شحمة أذنيه المتهدلتين..
أحيانا يشعر بانعدام نصفه الأسفل..باختفاء جذعه الهزيل..
حالة عصبية غامضة تنتابه من حين الى آخر..
كان أمام محطة الحافلات يستجدي المارة مستندا الى عصا
تعج بالنتواءت..
فجأة استحال وجهه المائل الى صفرة فاقعة الى قرية صغيرة ملآى بالأشباح.
عيناه تجمدتا مثل عيني منحوتة اغريقية ضاربة في القدامة..ارتمى على الأرض كتلة من الخشب المتداعي مبتوت الصلة بجوهر هذا العالم الحي..
انهال مطر غزير من الناس حواليه.
سحبت بنت خلاسية قارورة عطر ..رشت دارة وجهه المبعثر مثل قطع من زجاج الغياب المهشم
أراقت إمرأة في العقد الخامس من عمرها تقريبا ماء باردا غلى جبينه
قال أحدهم : أطلبوا الاسعاف..
قال ثان : أوقفوا سيارة أجرة حالا..
قال شيخ طاعن في العتمة : ذروه
انه قاب زفرتين من الله..
انه يحتضر.. انه يحتضر..
طوقت هذه الجثة الساكنة غابة كثيفة من الوجوه الحائرة..
طفق طائر الوعي يحلق ببطء فوق عش رأسه..
وبحركة بطيئة للغاية شرع شباك عينيه المفتوحتين على عوالم لا مرئية..
أخذ لون وجهه يحمر تدريجيا..
لقد فر لص الموت الى جهة غامضة..
ونجت الجثة من مخالب القبار..
طفق يتحرك بهوادة راشقا تلك الغيمة البشرية التي تحلق بجواره
بنظرة مكتظة بالشكر والمديح..
انها نوبة عصبية حادة..
استوى على سوق وعيه كلية..
تحامل على نفسه..
عاد نصفه الأسفل الى جسده آليا مثل شاة جامحة..
واختفى فجأة في مطاوي هذه السحابة البشرية التي تنتظر الحافلة منذ قرون .



#فتحي_مهذب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الساحر في خلوته
- نهايات غير منتظرة
- تغريدة الصباح٣
- عطور نادرة
- عذابات إرميا المهذب
- قطار ينبح في حديقة ألأرملة
- الشاعر في عوده الأبدي
- لنتفاوض يا الله
- المجد لجميزة حتحور
- متسول سيميائيات
- لأ أريد إفناءك يا هضابي
- لعنة مالدرور
- أمير نائم في زورق هادئ.
- الرجل الذي أكل جسده
- مات كل شيء
- تمثال يعوي في العتمة
- في مكان هادئ داخل صدري
- لو كنت الاها.
- محنة العالق في خرم الابرة .
- الوحش


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - العائد من جبل الموت