كفاح محمود كريم
الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ ما يقارب التسعين عاما ارتأت الخبيثة بريطانيا أن تزرع فتنة في قلب الشرق الأوسط لا لسواد عيون( أبناء عمومتنا ) الذين ما برحوا يرفضون هذا النسب وإن أصرينا، بل شاءت خباثة سدنتها أن ترتزق عقودا وربما دهورا من حروب وصراعات ومعارك تحرير وانقلابات وثورات بيضاء وملونة، وتجارة لا تبور للسلاح والخبراء والمعدات.
وهكذا وضع اللئيم سايكس ومثيله بيكو أول عقد للخباثة واللؤم والبقالة السياسية في قلب العالم ومركز الثروة الآتية عبر آبار السم الأسود واستثمارات الشيوخ والرفاق المناضلين، تجار المبادئ والنظريات والشعارات والوحدات الاندماجية من الخليج إلى المحيط. ولم يأبه أولئك الخبثاء الباردين لما ستؤول إليه الحال بعد حين ولا إلى انهر الدماء وجيوش الأرامل والأيتام والمساكين.
وحين بعد حين تنهض ممالك وإمارات وجمهوريات واشتراكيات وملوك وأمراء وأباطرة وقادة ليس مثيلهم في الأرض ولا في السماوات إلا في صفائح الخبيثة بريطانيا التي تمتلك أسرار الأرض والحكومات، وفي خضم هذه التداعيات ( تنعلس- تمضغ ) كوردستان وفلسطين وتمنح عشائر دولا وإمارات لا يتجاوز سكانها أعداد الناخبين في محافظة من المحافظات.
وتنهض إسرائيل دولة من بين ركام التناقضات والمؤامرات والمصالح والمزايدات وتصبح واقع حال تفرضه الارادات رغم حروب التحرير التي أنتجتها نظم الجهالة للحفاظ على كراسيها مما فعلته أجهزة إعلامها وأئمة منابرها بملايين البشر من سكان دولها وإماراتها، حيث الإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين.
وتصبح فلسطين راقصة بلا جسد على كل المسارح وفي كل العواصم، تتناقلها الاحضن الملوثة في قصور الرئاسة ورئاسات الأركان وأقبية المباحث والاستخبارات وأبواق الطبالين والزمارين في أجهزة الأعلام من الخليج إلى المحيط، وعلى أنين المهاجرين وبؤسهم تقام المهرجانات والاحتفالات وتتخم الجيوب والبطون بالتبرعات وصفقات السلاح والبترول وعشرات المؤتمرات ذات اللاءات والصيحات وخلف الكواليس يتعانق أبناء العمومة القادمين من الكرمل وجبل صهيون بينما ينتظر الملايين قرارات القمم وخطابات القادة الميامين.
ستون عاما وفلسطين راقصة بلا جسد تنتهكها قوانين الخيمة والصحراء، وأعراف الملالي وسلاطين الظلام !
ستون عاما وقادتنا العظام يجيشون دماءنا وأملاكنا و حتى مصروف أطفالنا وكرامتنا وحريتنا وأوطاننا جيوشا وفيالقا لمقاتلة الأوهام !
ستون عاما من تهميش العقل والعقلاء واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب وقوانين القرية والصحراء؟
ستون عاما وممنوع حتى الموت الصوت والكلمة والحرية، وهم يضاجعون وطنا سليبا مع الإخوة الأعداء في الليل ويقاتلون رعاياهم في النهار لأجل الشرف المنتهك والوطن المستباح!
ستون عاما وكل الأعراب دونما استثناء من الباب إلى المحراب يتغازلون مع( ابنة العم ) في الليل والنهار!
إن خجلوا تبادلوا رسائل العشاق وأن خافوا تبادلوا الإيماء وحينما زال الخوف وسقطت نقطة الحياء، رفرفت رايات عشيقتهم بنت صهيون فوق أجمل مبانيهم وقصورهم وأحلى عواصمهم ومدنهم!
ستون عاما وما انقطعت أو توقفت علاقاتهم ب(ابنة العم) إسرائيل سرا أو علانية، وربما أكثرهم عداوة أو غيرة من آخرين منح( ابنة العم ) المدللة أكثر مما يمنحه الآخرين، فصاحبنا أبو الصواريخ التسعة والثلاثين منحها من حيث يدري أو لا يدري ! مليارات ومليارات من المال والسلاح والتعاطف والاتساع وحينما لم يحرق نصفها طلب ( قطعة ) أرض على حدودها ليخسر كل أرضه وقصوره، كما حصل لأستاذه قبل سنين حينما أقسم برميها في البحر، فغرق هو في الفقر والتقهقر إلى حين.
ستون عاما من التضليل والكذب والادعاء والازدواجية والضحك على الذقون والشعارات النارية والاستهلاكية في تحرير فلسطين، وعلى طول الخط كانت الشعوب في أرض فلسطين وما حواليها خير من يدفع فواتير الحرب دماءً ودموعا، مالا وحضارة، أيتاما وأرامل.
منذ البداية أضاعت هذه الثقافة البائسة فرصا ذهبية لحل مشكلة فلسطين منذ ستين عاما حينما تاجر أعراب النظم السياسية والدينية بحقوق ومستقبل شعب كريم ومعطاء كان يمكن له أن ينشئ دولته منذ ذلك الحين، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب حيوي مثل شعب فلسطين أن يكون الآن؟
وهكذا فعلوا بشعب كوردستان قبل ثمانين عاما حينما أغفلوه، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب أصيل وحيوي أن يكون اليوم لو حلت قضيته كما ينبغي أن تحل، وهو الذي أنجز خلال عشرة أعوام ما يعجز عنه الكثيرون في عشرات السنين؟
واليوم بعد ستين عاما من قيام دولة إسرائيل، وأكثر من عشرين عاما على الزواج العلني بينها وبين نظم الأعراب وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى دولة قطر مرورا بعاصمة العرب قاهرة المعز والنحاس وعبدالناصر والسادات والمبارك، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والاستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا الأسد ولبنان جنبلاط ونصر الله وإمارات الخليج الهونكونكية، وجولات حماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية مع( أبناء العم ) في تل أبيب سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الأعراب وعنترياتهم الفارغة، هل ستبقى آذان صاغية لتلك المزايدات الرخيصة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل، والتهم البائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع بينما يتسلق الآخرون ناصية الحضارة والسمو؟
ودعونا نتجرد قليلا عما ورثناه من أسلوب في التفكير ونمط في السلوك ونتطهر ولو برهة من أنجاس النفاق والتدليس والازدواجية والإلغاء والإقصاء والاستبداد وثقافة المؤامرة وكيل التهم، وندع ضميرنا الإنساني يصحو قليلا لنسأل أو نتساءل:
هل كان السادات وضيعا إلى درجة العمالة والخيانة وهو على رأس دولة العرب العظمى؟
هل كان نكرة من النكرات لا جذور له في تاريخ بلده السياسي؟
هل كان جبانا وهو يصرخ ناقدا في قلب مؤسسة إسرائيل البرلمانية ويدعو إلى سلام الأبطال وهو الخارج من حرب حطم فيها ذلك الحاجز التاريخي من الهزائم؟
هل كان يستحق ذلك الإعدام البربري؟
هل كان عبدالناصر وضيعا حينما أرسى مع روجرز و سيسكو وعرابهما كيسنجر حجر الأساس لسلام الفرسان مع أولاد العم في إسرائيل؟
وكذا الحال والسؤال مع الملك حسين وعبدالله من قبله و سليل الهواشم في المغرب وأصحاب المعلقات الجدد في موريتانيا الإسلامية وفي تونس الخضراء وأمراء قطر وأشقائهم من حولهم، وفي لبنان وفرسان تفاهم نيسان من حزب الله وما يجري خلف وأمام الكواليس في قاسيون أو الجولان؟ وأشقاؤنا في أفريقيا ألقذافي؟
هل نعدم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس بتهمة العلاقة مع إسرائيل؟
وكيف لنا أن نُعرف سميح القاسم وادينوس وعشرات من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من عرب ودروز إسرائيل وفلسطين؟
وأخيرا هل سنكتفي بإعدام ولدي( مثال الآلوسي ) لأن والدهم زار إسرائيل فارسا عراقيا يبحث عن سلام الأبطال، أم نذبح أهالي الرمادي صغارا وكبار؟
وهل وهل... وربما مئات الآهات وأسئلة الحيرة والوجع المتكلس، وحتى يهدينا رب العباد( ولن نهتدي) فلا حاجة لنا بعلاقة مع( ابنة العم ) إسرائيل لأننا لم ننجز علاقاتنا مع بعضنا كما ينبغي (على عادة رئيسنا المحبوس) وما زلنا نتذابح من الوريد إلى الوريد. وصدقوني يا سادتي يا كرام ما قتل على أيدينا من الخليج إلى المحيط من خيرة أبناء شعوبنا منذ تأسيس دول العشائر والقبائل قد يزيد على عدد سكان إسرائيل فأنا لله وأنا إليه راجعون؟
#كفاح_محمود_كريم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟