أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تجاور الأزمنة في سورية














المزيد.....


تجاور الأزمنة في سورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6457 - 2020 / 1 / 6 - 23:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمثل الساحة السورية اليوم محلاً نموذجياً لانعدام اليقين. ساحة صراع زلقة لا يستقر عليها شيء، كل شيء قابل للسقوط هنا بما في ذلك الأفكار والنظريات والمبادئ والقيم التي لا يصمد منها إلا ما هو ساقط أصلاً. لا الحوار حوار ولا الحرب حرب. الحوار مصيدة وشطارة، والحرب محرقة وطاحونة عديمة المعنى. لا الحوار يهدف إلى الحوار ونقل التوازنات الجديدة إلى مستوى سياسي، ولا الحرب تلتزم بأبسط أخلاقيات الحروب. صراع عسكري بين طرفين ينتمي كل منهما إلى زمن مغاير لزمن الشعب السوري ومتخلف عنه: قوة ديكتاتورية مكرسة تجاوزها الزمن تسعى إلى الديمومة عبر لغتها الوحيدة المتمثلة في التطويع القسري للشعب الذي تجرأ على الرفض، متوسلة في ذلك ما لا يخطر على بال من سبل وحشية. وقوى إسلامية محدودة الأفق، هيمن لونها على الحراك تحت إلحاح الحاجة العسكرية للثورة، بعد أن ضمر البعد السياسي لصالح البعد العسكري فيها. ولا تحمل هذه القوى للشعب سوى المحاكم الشرعية والفتاوى التي تكبل حياة المرء بكل تفاصيلها وتسعى إلى حشر الحاضر في قوالب الماضي. لا يمثل أي من طرفي الصراع العسكري الرئيسيين هذين خياراً مرغوباً لشعب يريد أن يحيا بحرية وكرامة.
الى جانب هذا التجاور المتنافر بين زمن الشعب السوري الذي هو ببساطة العيش في نظام حكم ديموقراطي يشعر فيه الفرد أنه مواطن كامل الحقوق في وطنه قانونياً وفعلياً، وزمن ديكتاتوري وآخر إسلامي، ثمة تجاور مكاني للأزمنة على ساحة سورية:
في سوريا اليوم مناطق "مستقرة" تعيش زمن "ما بعد الأسد"، تحكمها، على ما نقرأ، سلطات غضة لمجالس محلية ومحاكم شرعية وأمراء. سلطات تحمل كل ما تحمله السلطات من مفاسد سوى أنها قد تكون أقل وطأة بحكم حداثة عهدها وضعف تمكّنها لا أكثر، ذلك أنه لا يوجد تصور واضح لآلية حكم محددة قادرة على ضبط شطط الحاكمين، وارتجاليات الأمراء والمفتين، والصراعات المحلية بين مختلف الأطراف المسلحة ..الخ. لا الوضع العام ولا الحوادث الفردية هنا تشير إلى وجود حالة سياسية جاذبة للسوريين في المناطق الأخرى. فاليوم تعيش الثورة السورية اختبار الحكم في مناطق واسعة، ولاسيما في محافظة الرقة، في رهان مقصود من النظام، على ما يبدو، لإعطاء المعارضة السورية الوقت الكافي للفشل. لم تعش الثورة المصرية مثلاً هذا التجاور الزمني فكانت أزمنتها متتالية بحكم السقوط السريع للديكتاتور ثمة، لكن الفشل الأخواني في مصر أعاد لمبارك شيئاً من الاعتبار في عيون المصريين، وهو داخل أسوار سجنه. أما تجاور الأزمنة في سوريا فإنه يشكل من هذه الزاوية عنصراً في مصلحة النظام.
وفي سوريا أيضاً مناطق "مستقرة" لا تزال في زمن الاستبداد الأسدي، تعيش على سابق عهدها من فساد واستفشار وتعديات زادت، بعد انكفاء طفيف في بداية الثورة، بدلاً من أن تنقص. مناطق تخشى عدوى المعارك المدمرة وما تحمله من ويلات. لا يستقر أبناء هذه المناطق على يقين، يساندون القوات النظامية خوفاً من تحول مناطقهم إلى مناطق منكوبة، ولكنهم في الوقت نفسه يتعاملون مع الدولة كرجل مريض يتسابقون لنهبه والاستفادة من تركاته. وبالمقابل يتكرس في هذه المناطق ما يمكن أن نسميه الاقتصاد التعسفي للحرب، حيث لا ضمانة لملكية عامة أو خاصة. مثلما لا ضمانة لحق الحياة نفسه. حالة متبادلة من تجاوز الحدود بين الأفراد والمؤسسات ولاسيما منها مؤسسات "الدفاع" الطارئة. الأمر الذي أوجد حالة من إعادة توزيع للثروة تقوم على التعدي بالقوة وعلى النهب المباشر. ورغم أن هذه المناطق لا تزال بمنأى عن المعارك فإنها تعيش في الواقع منكفئة على ذاتها في حالة قلقة وغير مستقرة، وكأنها تمرر أيامها يوماً بيوم، بانتظار مجهول ما.
أما باقي المناطق فإنها تعيش الصراع على شكل معارك يسميها كل طرف من جهته "تحريرية" ويسوغ كل طرف انتهاكاته فيها بانتهاكات الطرف الآخر، ما يجعل من الأبرياء، الذين لا يعبر عنهم في الحقيقة أي من الطرفين المتقاتلين، أول وأسهل الضحايا.
إنه خليط أزمنة يصعب أن تتناغم، خليط أفضى إليه استبداد لم يُعل يوماً على مبدأ سلطته مبدأً آخر، ولم يكن له طوال تاريخه بوصلة سوى التوطيد لسلطته لتأبيدها على حساب أي قيمة أو مبدأ آخر يعيق مسعاه.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة بخصوص مقتل قاسم سليماني
- شرنقة
- مفتاح ومعصم
- إمكانية المهمة الديموقراطية في سوريا
- شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري
- دروس الموجة الثانية من الثورات العربية
- مهزومون على ضفتي الفجوة السورية
- في الحاجة الى معارضة سورية مختلفة
- ظاهرة المنتديات والمجموعات الثقافية في سورية
- عن الشاعر عدنان مقداد
- ثورة يتيمة
- في تشابه الحكايتين الكردية والعلوية في سورية
- سجين جواز السفر
- سينيكالية سورية ناشئة
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 1
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2
- بين سورية ولبنان
- استكشاف معكوس
- ثلاثة رهانات خاسرة في سورية
- تركيا والكرد السوريون


المزيد.....




- أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته ...
- الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
- إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا ...
- إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات ...
- المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ ...
- عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
- إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11 ...
- باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
- طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
- الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تجاور الأزمنة في سورية