وزير الماء و الهواء !

سليم نزال

الحوار المتمدن-العدد: 6456 - 2020 / 1 / 5 - 04:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

عندما تسلم طه حسين وزارة التربية فى مصر فى اخر حكومة وفدية العام 1950 اطلق شعاره المشهور ان التعليم مثل الماء و الهواء ينبغى ان يكون من حق كل مواطن .و هذا ما جعل البعض يصفه بوزير الماء و الهواء !

و على الرغم من ان حاكم مصر محمد على باشا كان قد تبنى فكرة التحديث و ارسل مئات الطلبة المصريين الى فرنسا و سواها للتعلم من اجل ان يعملوا على تطوير مصرلاحقا . الا اننا نلاحظ ان غالبية المبتعثين للخارج كانوا من الطبقات العليا بل ان اغلبهم من اصول غير مصرية .و هو امر نلاحظه حتى فى الفن المصرى حيث الغالبية من الفنانين من نفس الطبقات المذكورة من اصول شركسية و تركية و كردية و ارمنية و يونانية و من الشوام المهاجرين و هؤلاء كان يحظون بدعم الدولة و رعايتها .

جاء طه حسين فى مرحلة نهايات عصر النهضة الذى يؤرح البعض نهاياته بحدود العام 1930 .
لقد كانت مرحلة هامة جدا فى التاريخ العربى . و كانت بالفعل مرحلة ما يطلق عليها بالانكليزية
او البحث عن الذات
Soul searchi
و لذا يمكن القول ان طه حسين من خلال كتاباته النقدية مثل فى الشعر الجاهلى و على هامش السيرة الخ كان من اواخر كتاب عصر التنوير العربى . فقد طرح اسئلة حول التاريخ الاسلامى اثارت عليه المحافظون .

لقد ادرك العرب انهم قد غابوا عن التاريخ فترة طويلة .و عندما عادوا للظهور مرة ثانية ادركوا ان العالم قد تغير و تقدم اشواطا كبيرة . و العالم لا ينتظر احد .و من يتخلف عن الركب يفوته القطار.

فقد شهد عصر النهضة الكثير من الحوارات حول قضايا عديدة كانت جديدة على الفكر العربى مثل دور المراة و مناقشة اسباب التخلف و ما هى سبل التقدم و حول النظم السياسية الحديثة الخ .
.

و فى عصر طه حسين شهد حصول قطاع واسع من ابناء فقراء مصر على تعليم اهلهم الدخول الى مؤسسات الدولة .

كان طه حسين فى راى الشخصى معبرا عن القومية المصرية التى ولدت مع سعد زغلول و احمد لطفى السييد الخ فى ظل ازدهار القوميات فى القرن التاسع عشر .كان الرجل مشغولا باخراج مصر من التراث و التاريخ الذى اعتبره معيقا لتقدمها .قال مثلا انه يجب الخروج من اسيا و الذهاب الى اوروبا .طبعا يعرف حسين ان مصر لا تقع في اسيا لكنه كان يعنى البعد الرمزى فى الامر .و هذا ما جعله يركز على البعد الفرعونى و المتوسطى لمصر .
و فى تلك المرحلة اى مرحلة ثلاثينيات القرن الماضى كانت اشكالية البحث عن الهوية من المشاكل المطروحه .
و سؤال الهوية مهم لانه يجيب على السؤال من نحن .و فى الاونة الاخيرة فى ظل الصراعات و التفتت عاد هذا السؤال يطل براسة من جديد.
.
و فى لبنان الذى لعب مفكروه دورا اساسيا فى عصر النهضة ظهرت فكرة القومية اللبنانية بل و الدعوة الى لغة لبنانية مستقلة .كما ظهرت الفكرة السورية التى تدعو لبناء وطن قومى فى بلاد الشام .و لاحقا ضم انطون سعادة صاحب تلك الافكار العراق الى بلاد الشام ضمن دولته المفكر بها .كما ظهرت الفكرة القومية العربية مع مفكرين سوريين مثل ميشيل عفلق .

اما فى بلاد المغرب فقد ظلت اشكالية الهوية موجودة بسبب وجود كبير لقطاعات من السكان اى الامازيع ممن يرون انفسهم بحكم التاريخ و الجغرافيا جزءا من الحضارة العربية الاسلامية حيث لهم بها مساهمات هامة لكنهم كانوا يشعرون بالغبن و يريدون التاكيد على احترام هويتهم الخاصة .
ادرك طه حسين لاحقا انه من غير الممكن فصل مصر عن محيطها العربى .و كان ذلك فى وقت بدات تتراجع فكرة القومية المصرية لصالح الفكرة العربية الاكثر اتساعا .فقد عاش الرجل حتى زمن عبد الناصر و هى المرحلة شهدت قطيعة مع مرحلة القومية المصرية لتدمج فى اطار القومية العربية .

لكن هذه المشكلة اختفت بعد ظهور فكرة العروبة الاشمل . لكنها كانت فكرة سياسية تغذت بصورة خاصة من الصراع العربى الاسرائيلى .و لللاسف بقيت فكرة شعبوية بدون اطر قانونية تجعلها فكرة واقعية

#سليم_نزال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات